عالم الإنفاق فى أرض الأنبياء
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
أنفاق غزة حكايات وأسرار ولوغاريتمات، أصبحت صداعًا فى رأس إسرائيل، وفك طلاسمها بات عصيا على ترسانة اليهود العسكرية التى وقفت عاجزة عن حل لغز عالم الأنفاق فى أرض الأنبياء.
استنفدت إسرائيل كل قواها ووسائلها التكنولوجية الحديثة خلال 60 يوما للتخلص من أنفاق غزة دون جدوى، وفشلت فى معرفة عددها لتبقى الأنفاق حائط الصد المنيع لحسم المعركة، وربما شهدت الأيام المقبلة مفاجآت من داخلها تغير مسار الصراع وموازين القوى.
ستون يوما منذ السابع من أكتوبر الماضى، وإسرائيل تبحث عن رعاياها المحتجزين لدى حماس، بل تلهث وراء أعضاء حماس فى كل مكان دون جدوى، وأصابهم اليأس بعدما باتت غزة كلها تقريبا تحت أيديهم وجن جنونهم لفشلهم فى تحقيق أهدافهم.
الحقيقة أن سر الأنفاق أجابت عنه صحيفة فايننشال تايمز، أن أنفاق غزة ليست بالمعنى السطحى، وإنما هى مدن كاملة تحت الأرض مجهزة بكافة التجهيزات، ومشيدة بطرق تجعلها تتحمل المخاطر وتواجهها، وربما امتدت لأكثر من دور تحت الأرض.
إسرائيل فشلت فى معرفة أعداد الأنفاق، واستخدمت كل أنواع التكنولوجيا المتاحة لديها ولدى حلفائها الأمريكان والأوروبيين، من الروبوتات مرورا بالكلاب والأقمار الصناعية والمسيرات، إلا أن الفشل كان حليفهم دائما فى الوصول إلى آخر الأنفاق لأنها ممتدة إلى ما لا نهاية فى باطن الأرض.
وكشفت الصحيفة أن قوات الاحتلال وضعت أكثر من فكرة للخلاص من الأنفاق وتدميرها دون جدوى، الأمر الآخر هو الرعب الذى يصيب إسرائيل من فكرة اقتحام الأنفاق، والسبب أن جنود الاحتلال يعرفون جيدا أنها مقابر أعدت لهم، لأنها مفخخة على أعلى مستوى، ومن ناحية أخرى سيتم اصطيادهم بداخلها بصورة تجعل نسبة الضحايا والإصابات فى الجيش الإسرائيلى أكثر مما يتوقعون.
وبحث الاحتلال عن طرق بديلة تساعده فى القضاء على هذه الأنفاق، حيث تلقى عرضا من شركة بلاك وتر الأمريكية صاحبة الأعمال السابقة فى العراق، لفك لغز الأنفاق، وقدمت الشركة عروضا منها إغراقها بالكامل عن طريق غمرها بالماء بصورة منتظمة، الأمر الذى سوف يساعد على خروج المختبئين بداخلها ومعهم الرهائن طلبا للنجاة، ولكن هذه الطريقة التى تعتمد على مضخات المياه باءت بالفشل خوفا من تجهيز الأنفاق بمضخات لنزح المياه وتصريفها.
واقترح قادة جيش العدو ضرب قنابل الدخان الكثيف فى عمق الأنفاق بهدف أن كثافته سوف تتسرب من فتحات الأنفاق المختلفة الأمر الذى يحدد أبعادها فيمكن السيطرة عليها وتدميرها.
ونقلت الصحيفة عن خبراء عسكريين إسرائيليين، أن الفكرتين فشلتا فى تحقيق الهدف.. وبالطبع كان ذلك نابعا من خوفهم فى المقام الأول على الرهائن، والأمر الثانى أن الاحتلال يأمل فى الإمساك بعناصر حماس أحياء، وأن فكرة العثور عليهم أمواتا تعد مكسبا منقوصا، لأنه فى النهاية حياتهم تحت يديه تعنى له الكثير.
وأخيرا يفكر جيش الاحتلال وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، بغمر الأنفاق بمياه البحر أو مياه الصرف كحل نهائى خلال الأسابيع القادمة، إلا أنه لم يتخذ قرارا حاسما بشأن هذه الخطوة.
الجيش الإسرائيلى الذى يلهث خلف قادة حماس ورجال المقاومة، ترك شمال القطاع وتوغل فى الجنوب فى محاولة لإنجاز المهمة بسرعة، الأمر الذى زاد من أعبائه لطول جبهة القتال، ولقربه من إعلان الفشل فى مهمته، فعدد قتلاه وصل إلى 408 قتلى بالإضافة إلى آلاف الإصابات فى صفوف جنوده، والأمر معرض للزيادة بصورة كبيرة فى جنوب غزة، بالإضافة إلى انهيار روح الجنود المعنوية.
باختصار.. إسرائيل فى حرب الإبادة الجماعية لأهالى غزة على مدار 60 يوما، وصلت إلى جنوب القطاع وفشلت رغم ما تملكه من ترسانة أسلحة ودعم الحلفاء فى الوصول إلى الرهائن والإمساك بقادة حماس، وخصوصا محمد الضيف والسنوار.
الأمر الذى يعنى عسكريا أنه رغم الدمار الذى ألحقاه بغزة، إلا أن الحرب لم تحقق أهدافها وستخرج إسرائيل منها مهزومة ومحملة بخسائر اقتصادية تتعدى المليارات.
تبقى كلمة.. إذا فشل الاحتلال فى تحقيق أهدافه المزعومة، التى ملأ الدنيا صراخا من أجلها، فهل يجر أذيال الخيبة ويعود إلى ثكناته ليواجه ضغوط الجبهة الداخلية وأسر الرهائن؟ أم أنه سوف يتعامل مثل المجنون فاقد الأهلية ويفتح بؤرا جديدة للصراع ليكتسب وقتا ويهرب من ضغوط المواطنين الإسرائيليين؟
الثور الهائج يحتاج العقل فى المواجهة، لكنه غدار يهاجم النقاط الثابتة والمتحركة وليس له عهد ولا أمان فاحذروه.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار غزة رأس إسرائيل الأمر الذى
إقرأ أيضاً:
خطة إسرائيل لتعميم نموذج رفح واحتلال غزة.. تصعيد عسكري بحسابات سياسية
البلاد – غزة
في خطوة قد تُنذر بتحول استراتيجي في مسار الحرب على قطاع غزة، كشفت تسريبات إسرائيلية عن خطة عسكرية طموحة تقضي بالسيطرة على ما بين 70% و75% من أراضي القطاع خلال ثلاثة أشهر. الخطة، التي تتضمن “مرحلة تطهير طويلة الأمد”، تمثل تصعيداً كبيراً يتجاوز نطاق العمليات السابقة، وتطرح تساؤلات عميقة حول الأهداف السياسية والعسكرية التي تسعى تل أبيب لتحقيقها في هذه المرحلة من النزاع.
العملية، وفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم”، تهدف إلى تكرار نموذج العملية العسكرية في رفح وتعميمه على مختلف مناطق القطاع. النموذج المذكور اتّسم بتكتيكات تعتمد على الاقتحام البري الكثيف، تفريغ السكان، وفرض سيطرة أمنية كاملة. تعميم هذا النموذج يشير إلى نية الجيش الإسرائيلي بفرض وقائع ميدانية تعزز من موقعه التفاوضي، وتزيد كلفة أي تسوية على حركة حماس.
تتضمن الخطة مشاركة خمس فرق عسكرية، أربع منها هجومية، وواحدة دفاعية، ما يعكس رغبة في تحقيق تقدم ميداني سريع مع الإبقاء على هامش تكتيكي يتيح وقف العمليات مؤقتاً في حال التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن.
لكن هذا لا يُخفي نية القيادة الإسرائيلية فرض “حقائق على الأرض” قبل أي تسوية. ومن منظور سياسي، فإن تكريس السيطرة العسكرية على القطاع قد يُستخدم كأداة ضغط على حماس، كما قد يُشكل محاولة لإعادة رسم خارطة غزة الأمنية والجغرافية بما يتماشى مع الشروط الإسرائيلية طويلة الأمد.
بالتزامن مع التحرك العسكري، قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سحب الوفد الإسرائيلي المفاوض من الدوحة، ما يعكس إحباطاً سياسياً من فشل الجهود الدبلوماسية. تل أبيب تتهم حماس بالتمسك بضمانات أميركية لإنهاء الحرب، ما تعتبره شرطاً غير مقبول.
في الوقت ذاته، تواصل إسرائيل التلويح بإمكانية العودة إلى المفاوضات، بشرط أن توافق حماس على مقترح أميركي يتضمن إفراجاً جزئياً عن الرهائن مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار وتمهيداً لمفاوضات أوسع، وهو ما يشير إلى أن الحلول التفاوضية لا تزال خياراً قائماً، لكن بشروط إسرائيلية أكثر صرامة.
التحرك العسكري الإسرائيلي يأتي في ظل تحذيرات متزايدة من مؤسسات أممية بشأن الكارثة الإنسانية في غزة، حيث يتفشى الجوع وينهار النظام الصحي. وفيما تتهم إسرائيل حماس بالاستيلاء على المساعدات، يحمّل المجتمع الدولي تل أبيب مسؤولية الحصار الخانق الذي فرضته منذ انهيار الهدنة في مارس الماضي.
هذا الواقع الإنساني قد يضع إسرائيل أمام ضغوط دبلوماسية متصاعدة، خاصة من حلفائها الغربيين، إذا لم يُرافق التصعيد العسكري بحلول سياسية متوازنة أو ممرات إنسانية فعالة.
خطة إسرائيل للسيطرة على الجزء الأكبر من قطاع غزة خلال ثلاثة أشهر تمثل تصعيداً عسكرياً ذا أبعاد سياسية واستراتيجية. ما يبدو أنه عملية عسكرية قد يكون في الواقع محاولة لإعادة هيكلة القطاع جغرافياً وأمنياً، واستباق أي حلول دبلوماسية بشروط مفروضة من جانب واحد. ومع تعثر المفاوضات واستمرار الكارثة الإنسانية، تبرز المخاطر من اتساع رقعة الحرب وتدهور الوضع الإقليمي والدولي.