يتيم في الستين: لا رجل يشبه ابي
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
يتيم في الستين: لا رجل يشبه ابي (١)
صديق محمد عثمان سيداحمد
– كنت وانا بعد صغير شديد الاحتفاء بخط يد والدي خصوصا إذا استدعاه الأمر كتابة مذكرة إلى مدرستي لاي سبب من الاسباب، كنت احمل مذكرته التي يطبقها بعناية تليق بخطه الأنيق واتشوق لمشاهدة الدهشة وهي ترتسم على وجه اساتذتي وهم يتأملون خط يده وكلماته البسيطة، كان الفتى الصغير داخلي يهتف : نعم أنا ابن هذا العامل البسيط سكرتير نقابة عمال سكك حديد الجزيرة ، سكرتير مجلس ادارة نادي العمال والموظفين والمشرف على فريق كرة القدم في النادي والذي يكتب بهذا الخط الأنيق وهذا الأسلوب الجميل.
– وفي ميعة الصبا الباكر وأنا أدلف إلى مرحلة المراهقة بكل ما يصاحبها من تطورات جسدية في جسم الفتى من خشونة الصوت إلى بلوغ مقاس الحذاء إلى ( نمرة عشرة) حدث ذات مساء أن ازداد طولي مترا كاملا حينما انتهيت للتو من لعب مبارزة في تنس الطاولة او البيك بونغ امام والدي خرجت منها مهزوما مثل زملائي الآخرين الذين نافسوا ضده. كان يمسك المضرب كما يمسك كاوية اللحام وعندما يضرب الكرة إذا كان هو رامي (السيرف) او كان يصد ضربة خصمه كان يفعل ذلك بحزم مع استغلال كامل للحظة التي تلامس فيها الكرة مضربه فقد أتقن عملية السيطرة والفهم العميق للحظة التي تضرب فيه الكرة مضربه وكأنه كان يستطيع حساب مدتها وتقسيمها إلى مراحل مستفيدا من كل جزء من الثانية فيها فكأنه يبرم حبلا طويلا وليس لحظة اصطدام الكرة فما بين ارتطامها بمضربه حتى خروجها من عنده وعودتها إلى خصمه كان الكرة التي وصلت عنده في خط مستقيم وجسدها مستقر وهي تطير كتلة واحدة صماء ليس فيها حياة، تخرج من مضربه وقد امتلأت بالحياة فزادت سرعتها اضعافا ودبت فيها الحركة فاصبحت كالدرويش في حلبة ذكر او لاعبة باليه تتزحلج على الجليد تدور حول نفسها بنفس السرعة التي تسير بها فاذا ارتطمت بسطح الطاولة غيرت مسارها ١٨٠ درجة وعادت مرة اخرى نحوه واذا كان خصمه بطيء الحركة فانه سيجد صعوبة بالغة في ادراك هذه اللحظة وملاحقة الكرة قبل ان تعبر الشبكة إلى النصف الخاص بوالدي.
– ورغم انه كان فخورا بتفوقي الاكاديمي في المدرسة إلا انه كان يعبر عن ذلك بطريقته الخاصة جدا. طلبت منه وانا انتقل من المرحلة المتوسطة إلى المرحلة الثانوية ان يتدخل لنقلي من مدرسة المدينة عرب الثانوية الداخلية التي تم توزيعي اليها إلى مدرسة مدني او مدني السني وربما كان يمكنه ان يستخدم علاقاته النقابية حينها ولكنه رفض، فحاولت أن اعبر عن احتجاجي بطريقة اتفقنا عليها وانا وبقية زملائي الآخرين. كانت ادارة التعليم المحلية قد قررت محاولة تحويل مدرسة المدينة عرب الثانوية إلى مدرسة نموذجية اخرى وبما ان المدرسة كانت داخلية وتقع في منطقة وسطى مثالية ولكنها كانت متأخرة جدا في نتايجها وتعاني سوء الادارة والإهمال. فقررت ادارة التعليم محاولة توزيع مجموعة كبيرة من الطلاب النابهين من مراكز امتحانات المرحلة المتوسطة بحيث تتكون في مدرسة المدينة عرب فصول جيدة ومن ثم حاولت تغيير طاقم التدريس والادارة ودعم المدرسة ماديا. غني عن القول ان التوزيع كان ضد رغباتنا اذ كان كل واحد منا يتطلع إلى حنتوب او مدني الثانوية او السني بهذا الترتيب وحيث ان كثيرين من زملائنا تم توزيعهم هناك. اذكر اننا ذهبنا مبكرا إلى داخليات المدرسة قبل الموعد المحدد وذلك بفضل ان احد زملائنا الاخ صديق الفاضل المبارك كان عمه يعمل مديرا لمهمات المدرسة فسهل لنا الدخول المبكر قبل يومين او ثلاثة من توافد الطلاب الاخرين واختيار احد عنابر الداخلية بعناية شديدة وساعدنا في الحصول على المعدات للمناشط من كرة قدم و ادوات موسيقية وغيرها فبدأنا نتمرن في ميدان المدرسة بانتظار بدء الدراسة وفي المساء نتحلق بوسط فناء الداخليات حول احدهم وهو يعزف العود او نقيم ليلة ثقافية يتبارى بعضنا في القاء القصائد او قراءة بعض المقالات الادبية. وعند بدء الدراسة كنا قد اصبحنا رقما لا يستهان به في مناشط المدرسة الرياضية والثقافية على غير عادة الطلاب الجدد فقد كان فريق المدرسة لكرة القدم يضم اكثر من اربعة لاعبين أساسيين من مجموعتنا احدهم هو المهاجم الأساسي للفريق .
– المهم اننا أهملنا تماما تفوقنا الاكاديمي السابق فلماذا نتفوق إذا كانوا يرمون بنا إلى هكذا مدارس ؟! واذكر ان والدي الحبيب عليه الرحمة جاء ذات يوم مع بداية العطلة الصيفية وهو يحمل نتيجتي التي تم إرسالها اليه بالبريد وكان مهموما جدا وجلس الي يستوضحني ما هذا؟! وهو يمد الي بنتيجة العام الاول حيث كان ترتيبي الثاني والثلاثين مشترك في فصل دراسي اظنه كان بضع وستين طالبا !! كانت اسوا نتيجة لي قبل ذلك خلال المرحلتين الابتدائية والوسطى ان كان ترتيبي الثامن على فصلي فقد ظللت أنافس في الخمسة الاوائل باستمرار. ثم سألني وقد افتر ثغره عن ابتسامة من بين مظهره المهموم ( عندك اي فكرة منو المشترك معاك في هذا الترتيب؟!) ورغم انني ربما هززت راسي دون ان انبس ببنت شفة إلا انني كنت متاكد تماما ان سمي في الاسم صديق الفاضل هو شريكي في الجريمة !!
– مهما يكن فقد تدخل خالي الراحل الشيخ عبدالرحيم محمد عبدالرحيم واستخدم علاقاته وتم نقلي إلى مدرسة الموتمر بودمدني بينما افلح بقية زملائي ايضا في اقناع ذويهم بالسعي لنقلهم إلى مدارس حنتوب ومدني والنيل الأزرق ( السني ) ولم يتبقى بمدرسة المدينة منا احد
يتيم في الستين: لا رجل يشبه ابي (٢)
صديق محمد عثمان سيداحمد
– لم يواصل والدي تعليمه بعد المرحلة الابتدائية حيث انضم إلى عمه جدنا إسماعيل محمد عثمان في متجره بسوق ابي قوتة بسبب الوفاة المفاجئة لابنه الذي كان ساعده الايمن في التجارة وكان حزن جدنا عليه عميقا. وبعد مساعدة عمه على تجاوز تلك المرحلة انتقل والدي للعيش مع شقيقه الوحيد الراحل حسن سيداحمد والذي كان بمثابة والد ثان لوالدي بسبب فارق السن. وبدا والدي العمل بورش سكك حديد الجزيرة وتعلم ومهر في الحدادة والبرادة والتي كانت تتضمن اعمالاً للميكانيكا حيث تتطلب قيامهم بتفكيك ماكينات القطارات واعادة خرط او برادة بعض أجزائها ومن ثم اعادة تركيبها وإخضاعها لتجارب يقومون خلالها بقيادة هذه القاطرات بأنفسهم حتى يتأكدوا من صلاحية ماكينتها لجر الأحمال الكبيرة التي كانت تجرها من بذور وتقاوي وسماد ومعدات في مسافات طويلة تمتد من بركات شرق مدني على النيل الأزرق حتى جبل بومة على مشارف النيل الأبيض ومن ودالشافعي جنوبا إلى الباقير شمالا مرورا بالحصاحيصا.
– ولم يكن قد بلغ العشرين من عمره بعد عندما رزق بمولوده الاول الذي اختار له اسم الصديق ولكن بعد اقل من عام من مولدي في العام ١٩٦٣ اضطررنا إلى العودة العفاض وترك والدي وحيدا في ودالشافعي وكان ياتي في الاجازات الصيفية واذكر انه حتى حينما ياتي للإجازة يكون مشغولا باصلاح غرف ورواكيب المنزل او العمل في الزراعة. وفي العام ١٩٧٠ عدنا إلى ود الشافعي للعيش مع والدي مرة اخرى حيث كان هو يشارك احد اصدقائه وبلدياتنا السكن ولم يكن مستحقا لسكن حكومي منفصل بعد فتنازل له صديقه عمنا علي عبدالرحيم ميرغني عن السكن وانتقل للعيش مع جماعة من العزاب وتم توسيع المسكن قليلا ليستوعب الاسرة الصغيرة حيث كنا حينها أنا وشقيقتي احسان التي تصغرني باربعة أعوام وشقيقي مدثر الذي كان ما يزال طفلا رضيعا.
– ومما اذكره ان والدي كان يحب تفصيل ملابسي المدرسية واحيانا يكون مشغولا جدا بسبب عمله لساعات طويلة خلال المواسم ولكنه كان يصر على تفصيل ملابسي ولفّها وإرسالي إلى ترزي صديق له ليخيطها ولكنه معظم الوقت كان يملك ماكينة خياطة بالمنزل. وكان احيانا يحلق لي راسي بماكينة حلاقة غير كهربائية حينها ولكنه كذلك في مواسم العمل الطويل كان يدعو حلاق القرية لياتي لتناول طعام الإفطار معنا وحلاقة رؤوسنا واذكر انه كان يحضر بحماره في ذات التوقيت الذي يعود فيه والدي لتناول طعام الإفطار عند التاسعة صباحا ويوصيه والدي بالبقاء وحلاقة رؤوسنا وقد يبقى حتى الظهر حيث يجتمع معنا ابناء الجيران تحت الشجرة القريبة من المنزل.
– وكعادة عمال وموظفي الحكومة حينها كان والدي يأخذني إلى متجر الجمعية التعاونية عند بداية العام الدراسي ليشتري لي احتياجاتي من الكراسات وادوات وورق تغليف الكراسات ثم يساعدني في تغليف كراساتي وربما وضع بعض الملصقات وكتب عليها اسمي واسم الفصل ومادة الكراس المحدد ورغم انه كان شحيحا في التعبير عن مشاعره فقد كنت ارى السعادة في عينيه عندما احمل له شهادات التقدير المدرسية والمساهمات الادبية والثقافية.
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مدرسة المدینة انه کان
إقرأ أيضاً:
مقتل سيدة طعنها طليقها أمام مدرسة بحي الزيتون في المنوفية
في واقعة مأساوية أثارت صدمة واسعة داخل محافظة المنوفية، شهد حي الزيتون بمدينة السادات صباح اليوم جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها سيدة بعد أن أقدم طليقها على طعنها عدة مرات بسلاح أبيض أمام إحدى المدارس بالمنطقة، في مشهد مؤلم هز مشاعر كل من علم بالحادث.
بدأت تفاصيل الجريمة حينما تلقى اللواء علاء الجاحر مدير أمن المنوفية إخطارا من العميد نضال المغربي مأمور مركز شرطة السادات يفيد بورود بلاغ من الأهالي بوقوع حادث طعن بالقرب من مدرسة بحي الزيتون.
انتقلت على الفور قوة من المباحث إلى موقع البلاغ ليتبين أن المجني عليها تعرضت لهجوم مباغت من طليقها الذي انهال عليها بعدة طعنات متفرقة في جسدها ثم فر هاربا تاركا إياها غارقة في دمائها.
قامت الأجهزة الأمنية بتطويق المكان بالكامل لحين الانتهاء من أعمال المعاينة ورفع الأدلة الجنائية، كما جرى استدعاء سيارة إسعاف نقلت المصابة إلى مستشفى السادات المركزي، غير أن محاولات الأطباء لإنقاذ حياتها لم تفلح، حيث أكد التقرير الطبي وفاتها متأثرة بإصاباتها الخطيرة التي أصابت مناطق متفرقة من الجسد.
التحريات الأولية كشفت أن الجريمة وقعت نتيجة خلافات أسرية قديمة بين الزوجين انتهت بالطلاق منذ فترة، إلا أن الجاني لم يتقبل فكرة الانفصال، مما دفعه للتربص بالمجني عليها أثناء ذهابها إلى المدرسة صباح اليوم، فهاجمها بسلاح أبيض كان يخفيه بين طيات ملابسه ووجه إليها عدة طعنات قاتلة قبل أن يلوذ بالفرار.
كشفت المعلومات الأمنية الأولية أن الضحية وتدعى صابرين ممدوح، تبلغ من العمر 26 عاما، كانت تقف أمام المدرسة في حي الزيتون بمدينة السادات بانتظار خروج أبنائها، قبل أن يفاجئها طليقها ويطعنها عدة مرات بسلاح أبيض في أنحاء متفرقة من جسدها، لتسقط غارقة في دمائها أمام بوابة المدرسة.
وتم نقل الجثمان إلى مستشفى السادات المركزي، فيما جرى تحرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة العامة التي أمرت بعرض الجثمان على الطب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة بدقة.
قامت قوات الشرطة بجمع الأدلة من موقع الحادث ومراجعة كاميرات المراقبة المحيطة بالمدرسة والمحال التجارية المجاورة لتحديد خط سير المتهم عقب ارتكابه الجريمة، كما تم توجيه فرق بحث مكثفة لتعقبه وضبطه في أسرع وقت ممكن.
وأكدت مصادر أمنية أن أجهزة البحث الجنائي بالتنسيق مع مديرية الأمن تبذل جهودا كبيرة لتحديد مكان اختباء الجاني، مشيرة إلى أن فريقا متخصصا من المباحث يعكف حاليا على تحليل بيانات الاتصالات ومتابعة التحركات المشتبه بها في نطاق المدينة والمناطق القريبة منها.
وقد أمرت النيابة العامة بسرعة استكمال التحقيقات في الواقعة، وطلبت تقرير الطبيب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة بدقة وعدد الطعنات التي تلقتها المجني عليها.
كما وجهت بانتداب المعمل الجنائي لفحص أداة الجريمة حال ضبطها، وقررت التحفظ على الجثمان داخل ثلاجة المستشفى تحت تصرف جهات التحقيق لحين صدور قرار بدفنه.
النيابة تطلب تقرير الطبيب الشرعي وتلاحق القاتل الهاربمن جانبها بدأت النيابة العامة بمدينة السادات في استجواب عدد من المقربين من الضحية للوقوف على تفاصيل العلاقة السابقة بينها وبين المتهم ودوافعه المحتملة لارتكاب الجريمة، كما طلبت تحريات المباحث النهائية حول الواقعة.
وأكدت التحقيقات الأولية أن السيدة كانت في طريقها لقضاء مشوار صباحي بالقرب من المدرسة حين باغتها المتهم من الخلف وسدد لها عدة طعنات بسكين حاد في الصدر والبطن ثم فر هاربا في اتجاه الشوارع الجانبية.
وعقب وقوع الجريمة تم إخطار الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، حيث تم تحرير محضر رسمي بالواقعة وإحالته للنيابة التي أمرت بسرعة ضبط وإحضار المتهم لمساءلته جنائيا.
وتواصل الأجهزة الأمنية جهودها المكثفة حتى الساعات الأخيرة لضبط القاتل الهارب وإغلاق جميع المنافذ المؤدية خارج المدينة تحسبا لمحاولته الهرب إلى محافظة أخرى، مع استمرار عمليات البحث الميداني والدوريات الثابتة في المناطق الصحراوية والزراعية المحيطة.