جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-21@16:45:27 GMT

بخٍ بخٍ.. أهل غزة لقد تجرأتم على الحياة

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

بخٍ بخٍ.. أهل غزة لقد تجرأتم على الحياة

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

ما بين زمن يمضي وأزمان تلِيه، تُطوى صفحة من الماضي بحلوها ومرّها لتأتي صفحة أخرى لحاضر مَعيش وتوقّع لزمن قادم، وبموجب جدل البقاء فإنَّ معالم العالم لا تنفك تتجدد كل يوم وفق معايير التغيرات التي تحدث على مستوى العلاقات البشرية ومدى انسجامها أو تنافرها على جغرافيا الكون.

لكن، ثمَّة مراحل من الزمن تبقى متوارثة للأجيال نظرًا لما تتركه من أحداث، تلصق بتلابيب ذاكرة الأمة، وكلنا نعي أننا أمة مستهدفة، وعليها أن تفكك أثقالها والتحديات بهدف مواجهتها، وتنظيف الجروح والندوب الصدئة التي خلّفتها الأزمنة الماضية.

ومن يتزعم المقاومة أو يقودها في الحاضر كمن أمسك بمشرط الطبيب، فإما أن يقطع به الأورام والندوب، وتنظيف الجروح، أو أن يفشل ويلقى المريض حتفه، ومن معركة طوفان الأقصى سنعود إلى الخلف قليلاً ونُقلب سجل الأمة العربية والإسلامية ورقة ورقة لنصل إلى زمن المعايير المختلة، الشاهد فيه غزة التي ترفع مقاومتها مشرط الشفاء وهو "طوفان الأقصى"، في حين يظل المجموع الكلي لمقاومة الأمة يُساعد في تنظيف الجروح ومناولة المشرط لإزالة ورم خبيث زُرع "بيولوجيًا" في جسد الأمة العربية، عانت وتعاني منه الأمة الإسلامية منذ 100 عام.

ومنذ تلك الحقبة الزمنية تأثرت أُمّة المليار، فتجلّت معاني فداء المرابطين لفلسطين والذود عن القدس والأقصى وكل ما حوله، فمنهم من استشهد ومنهم من ينتظر يقاوم المعتدي بما يملك من عتاد، وآخرون يتصدون بمداد الأقلام شعرا ونثرا وقصصا وروايات ومذكرات لظلم ذوي القربى، لحرمة الأرض والعرض والدم المستباح، في مشهد مقاوم موحد تعبيرًا عن مُعاناة أهل الأرض من ظلم المحتل الغاصب وقمعه ووحشية جرائمه التي اقترفها ويقترفها من قتل وتدمير وإبادة كل ما يمت للإنسانية ولفلسطين بصلة، فبالمقاومة والدفاع عن الحق، والمطالبة بالعدالة وثّقت كتائب القسام وبقية القوى والجبهات مرحلة زمنية حاضرة بكل تشعباتها وحيثياتها مجتمعات الأمة حكوماتها وشعوبها، وسيتحدث الزمن عن هذا التوثيق، وسيبرز أهمية الدور الذي لعبته المقاومة في تشخيص داء الأمة.

أسهمت المقاومة في غزة التي ضمّت قيادات من جيل الانتفاضة الفلسطينية التي قاومت المحتل الغاشم بالحجارة، وساعدت في تشكيل عنصر أساسي ووحدت ساحات المقاومة في الأمة وكل فلسطين، بعد أن أخذت مقاومة غزة موقعها في النضال الفلسطيني وتحملت مسؤولية إفشال مخططات المحتل ومن يسانده، كانت سندًا لمقاومة الأمة وللذين حملوا السلاح في كل ميادين النضال، وأبلت بلاءً حسنًا، أظهرت من خلاله أنها الجناح الأصيل في معركة تحرير فلسطين، فلا يمكن لأحد أن ينكر دور مقاومة غزة عندما أخذت زمام المبادرة يوم السابع من أكتوبر، لتؤدي دورها النضالي ضد الظلم والطغيان.

وبعد أن زلزل طوفان الأقصى الكيان المحتل الغاصب، زادت وحشيته، فظهر زيف سرديته، وتكشف وهنه، عملت المقاومة على إبراز حقيقة هذا الكيان للعالم الحر، فأستشاط غيظًا وحقدًا فزمجر وتكبر ودمر من الجو والبحر والبر كل ما هو بشر وشجر وحجر، فتصدت له المقاومة وابتلعت رمال غزة آليات العدو وجنوده، وبفعل المقاومة هذا، قد بثت روح الفداء والذود عن الدين والأرض والعرض، فضمدت جراحًا كادت أن تتقيح في جسد الأمة، وهي في معركة طوفان الأقصى ضد المغتصب الغاشم، عازمة على اجتثاث هذا الداء البيولوجي من جذوره، فبخٍ.. بخٍ أهل غزة، لكم النصر والعزة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قطع رواتب الأسرى الفلسطينيين!.. دعوة لإعادة النظر..

تردّدتُ في الكتابة عن هذا الموضوع فلعلّ وعسى أن يُحلّ بعد سماعي بموقف هيئة شئون الأسرى، ولكن عندما وصلني خبر أنه فيمن قُطعت رواتبهم الشهيد خضر عدنان، هرعت إلى القلم وجاشت في صدري أمانته الثقيلة.

كل من قُطعت رواتبهم على رأسي فمنهم من تجاوزت سنوات حبسه "نيلسون مانديلا" الذي خرج من سجنه ليكون رئيسا لبلاده؛ لا أن نمنّ عليه براتب يسدّ أدنى حاجاته. أمّا الشهيد خضر الذي يضيق المجال لذكر ما يمثّله هذا الرجل من قيم عليها وتضحيات لم نجد في التاريخ مثلها، لا أبالغ؛ هل سمعتم من حقّق شهادته على درب آلام إضراب مفتوح عن الطعام بلغ ستة وثمانين يوما دون أية مدعّمات؟ قطع هذا المارثون الإنساني النبيل حتى آخر رمق، حمل وحده راية الأسرى وكل معاناتهم وصدّر للتاريخ والعالم منارة إنسانية شامخة عالية خالدة، فلا تُذكر البطولة والشجاعة والرجولة ومصارعة الكف للمخرز أو الدم للسيف أو الطاغوت بكل خبثه للروح الجميلة الطيبة إلا استوجب ذكر خضر، هذا الشهيد الذي شكّل حياة مشتبكة بكلّ تفاصيلها وساعاتها وأيامها بروحه العظيمة مع هذا المحتلّ بكلّ تفاصيله القذرة وإفرازاته النتنة.

هذا الشهيد الذي خاض أوّل إضراب لكسر حلقة الاعتقال الإداري المقيت مدة ستة وستين يوما، والذي كشف حقارة المحتل في هذا النوع القاتل من الاعتقال للحياة الفلسطينية، انتزع حريته وفتح الطريق لأبطال ساروا على خطاه من بعده. لا أريد ان أسهب فنحن أمام سيرة عظيمة حافلة ليس هنا مكانها، ولكن على سبيل المثال، هذا الشهيد ما زال جثمانه محتجزا وما زالت عائلة من تسعة أبناء وزوجة تنتظر الإفراج عن جثمانه بفارغ الصبر، فبالله عليكم كيف بنا نصعقها بوقف راتب شهيدها؟؟

في سياق فلسطيني حرّ وعزيز وصل إلى توفير حياة كريمة لأهالي الشهداء والأسرى والجرحى عبر لوائح وقوانين عكفت عليها ثلّة صادقة تدرك تماما القيمة العالية والمهمّة لهذه الشريحة من الناس. ومن المعروف عُرفا أنّ هذا لا يمثّل مجرّد قيمة ماديّة أو راتب يسدّ الحاجة ولا يترك أعزّ الناس يدا سفلى في المجتمع تنتظر مساعدة وشفقة اليد العليا من الناس.

بل أدركوا أنّ الأمر أبعد من هذا بكثير، إذ يؤكد بداية شرعية النضال الفلسطيني وأنّه يأتي في سياق تحرّري انبرت فيه طلائعه لتشتبك مع المحتل وظلمه وعدوانه، فقدّمت أرواحها أو زهرة أعمارها أو أجزاء من أجسادها حبّا وطواعية، سمت بروحها وتخلّت عن كلّ شهواتها ورغباتها ومصالحها الضيّقة، وقدّمت متطلبات الوطن مهما كلّف الأمر من ثمن ولو كان ذلك أرواحها أو وضع حدّ لحياتها.

هذا الذي يضحّي بغير حساب كان له حقّ على مجتمعه أن يرعى أهله رعاية عزيزة كريمة، وهذا أقلّ الواجب عند كل المجتمعات التي تقع في رجس الاستعمار. وهو عُرف وخُلق وحق عند كلّ من يحمل في قلبه مثقال ذرّة من انتماء لقيم هذا الوطن العزيز الغالي.

الحديث الشريف: "ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا" ، لخّص وجمع بين يديه كل ما نريد أن نصل إليه من قيم ومعاني للحياة الشريفة الأصيلة التي تعطي لأبنائها الوزن الذي يليق بهم. الحديث جعل الناس صنفين: هناك من يغزو وهناك من يقدّم خدماته للغازي وأهله، في تجهيزه أو رعاية أهله إن أصابه مكروه، وهذه أقلّ الواجب وهي دون مرتبة ذاك الذي يتقدّم الصفوف. وعلى هذا تقسّم الأدوار، فمن لم يغز ولم يرتق لمنزلة الغازي فلا أقلّ من أن يكون مع الصنف الثاني. وشجّعه الحديث على القيام بواجبه باعتباره غازيا مثل ذاك الذي ضحّى وقدّم.

وهذا من شأنه أن يقطع الطريق على الشيطان أوّلا؛ الذي ما فتئ يخوّف الناس ويعدهم الفقر ويجعل من الآجال والأرزاق قاطعا لطريق التضحية والفداء، وتقديم الأوطان على مصالح الأنا المتلفّعة بجبنها وخَوَرها وحرصها الكبير على دنياها وأشيائها ومصالحها الضيّقة، فكما ورد أيضا "الولد مجبنة مبخلة"، أي أن تفكير المرء بولده دون وطنه وكرامته يجعل منه جبانا وبخيلا. ولا يغيب أيضا عن بالنا أن الشيطان يعد الناس في دنياهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.

وقد تشكلّ الشيطان في هذا الزمان على شكل احتلال يفكّر بنفس الطريقة فيعمل على تخويف الناس بأرزاقهم وهدم بيوتهم وإلحاق الضرر بأهلهم وذويهم، حتى إذا وصل إلى أن يضحّي بنفسه حسب حساب أهله من بعده، وهذه منهجية معروفة في السياسات الاستعمارية التي من تجلياتها العقوبات الجماعية، تعاقب العائلة وقد تعاقب البلد كلّها كي تشكّل سياسة رادعة تجعل من المقاوم للمحتل وسياساته يعيد النظر، إن لم يفكّر بنفسه يفكّر بما سيجري على غيره ممن يحبّ من أهله وذويه وأهل بلده.

لذلك، فإنّا لا نخفي شيئا إن قلنا أنّ المحتلّ يسعى لقطع المناضل من جذوره وضرب الدوائر المحيطة به كسياسة رادعة، تدفع المجتمع بكلّ من فيه إلى أن يكون قطيعا مستسلما لا يرجو إلا رضى الاحتلال وحسن العاقبة، وكأن العاقبة التي يصنعها الاحتلال لمجتمعات قد رضيت به أحسن من تلك التي قاومته ورفضته، وسرعان ما يكتشف الناس أن تخلّيهم عن مناضليهم لم يصنع لهم حياة أفضل بل حياة أمعنت في الاذلال والامتهان، حياة مسلوبة الكرامة والشرف وكلّ القيم التي أرادها الوطن، فتخلت عنهم قبل أن يتخلّى الوطن عنهم ويدعهم في حالة قد ضاعت فيها إنسانيّتهم كما ضاعت أوطانهم وكرامتهم وكلّ قيمهم.

بكلّ موضوعيّة وحياديّة ونصيحة وحبّ ودون أية مزايدة يجب الاستمساك بهذا القانون الذي وفّر لأهالي الشهداء والأسرى والجرحى الحدّ الأدنى من واجبنا اتجاههم، والعودة السريعة عن هذا التخلّي الذي حصل، يكفي شعبنا ما يصيبه من ويلات الاحتلال وما ينتظره من أيام في غاية القسوة والتوحّش كما يجري الآن في غزّة وشمال الضفّة، فالإصرار على هذه الإجراءات هو مساس بروح وجذور القيم الوطنية التي تحقّق النسيج الأصيل لهذا المجتمع الفلسطيني المرابط على هذه الأرض المباركة.

مقالات مشابهة

  • فصائل المقاومة الفلسطينية تحيي الشعب اليمني وتدعو قادة الأمة العربية والإسلامية للخروج من حالة الصمت المريب
  • فصائل المقاومة الفلسطينية توجه التحية للجيش اليمني وأنصار الله على الوقفة الصادقة لإسناد الشعب الفلسطيني
  • قطع رواتب الأسرى الفلسطينيين!.. دعوة لإعادة النظر..
  • فصائل المقاومة تُحذّر المواطنين من مخططات دفعهم للنزوح جنوب قطاع غزة
  • مسير لخريجي دورات طوفان الأقصى بمأرب إعلانا للجاهزية ونصرة لغزة
  • مسير لخريجي دورات طوفان الأقصى في حريب القراميش بمأرب إعلانا للجاهزية ونصرة لغزة
  • جوع في عدن وجرعة في مأرب.. مرتزِقة العدوان يتاجرون بمعاناة المواطنين
  • قبائل الحديدة تحتشد خلف طوفان الأقصى.. وقفة مسلّحة ومسيرات راجلة تجسّد الوفاء لفلسطين
  • تقرير أمريكي: طوفان الأقصى استُخدم لنسف تطبيع الرياض وتل أبيب
  • كاتبة مغربية: طوفان اليمن أربك حسابات الاحتلال وعرقل استكمال مخططاته