لجريدة عمان:
2025-05-21@00:02:41 GMT

الغرب وباقي العالم - حان وقت حديث النِّدِّ للنِّد

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

ترجمة : قاسم مكي -

ليس سِرَّا أن الغرب أسَرَ خيال باقي العالم وكسب احترامه على مدى قرون. لكن ما هو سرّ أن الغرب يفقد الآن هذا الاحترام. (هو سِرٌّ لأنه يحدث في صمت وخفاء داخل عقول بلايين الناس.)

كما ليست القيم الغربية هي التي جعلت الغرب متفوقا ولكن قدرته على الإنجاز. لقد مكَّن الأداء الفائق سكانَ الغرب الأقل عددا نسبيا من التفوق على باقي البشرية على مدى 200 عام واستخدام تفوقهم التقني لاستعمار كل أركان المعمورة.

فمن الصعب تصديق أن 100 ألف انجليزي كان يمكنهم عمليا حكم أكثر من 300 مليون هندي قبل فترة لا تكاد تتعدى مائة عام تقريبا. كان احترام جنوب العالم للتفوق الغربي حقيقيا وثابتا على الرغم من استيائه المبرر جدا في حقبة ما بعد الاستعمار.

ما بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص كانت المجتمعات الغربية مستقرة وجيدة التنظيم في معظمها وتتمتع بأنظمة ديمقراطية توافقية ونمو اقتصادي مستدام. وكان قادتها معقولين حتى عندما لا يكونون مُلهَمين.

وكما تنبأ الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان على نحو لا تعوزه الحكمة كانت «الحيوية الروحية» للغرب هي التي من شأنها إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفييتي في نهاية المطاف. (كينان 16 فبراير 1904- 17 مارس 2005 دبلوماسي ومؤرخ أمريكي اشتهر بإطلاقه الدعوة إلى تبني سياسة الاحتواء في مواجهة السياسة التوسعية التي انتهجها الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية - المترجم.)

لكن لسوء الحظ، إذا كان كينان حيا اليوم لصارع كي يجد حيوية مماثلة في الغرب. فالعجز حل محل القدرة على الأداء. والمجتمعات التي كانت في يوم ما جيدة التنظيم أصبحت شديدة الاضطراب ومتقلبة سياسيا. وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (سياسة البريكست) وصعود دونالد ترامب والقادة الشعبويين مؤشران واضحان لذلك. يرى مثقفون غربيون عديدون كل هذا. لكنهم يقنعون أنفسهم بأن هذه التحولات مجرد تحديات «دورية» مؤقتة.

لكنها، على أية حال، ليست دورية بل هيكلية. خذوا مثلا رقما إحصائيا يجب على كل زعيم أوروبي أن يحفظه عن ظهر قلب. كتلة الآسيان التي تضم بلدان جنوب شرق آسيا ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 3 تريليون دولار ساهمت في النمو الاقتصادي العالمي بأكثر مما فعل الاتحاد الأوروبي بناتجه المحلي الإجمالي الذي يبلغ 17 تريليون دولار في الفترة من 2010 إلى 2020.

هنالك الآن أيضا عجز جيوسياسي مطابق للعجز الاقتصادي الذي سيستمر طالما ظل القادة الغربيون مترددين في أن يفرضوا على مواطنيهم ذلك النوع من الدواء المر الذي فرضوه منذ أمد مديد على الاقتصادات النامية ضعيفة الأداء.

لم يكن ابتدار الحرب في أوكرانيا قانونيا واستحق الإدانة. لكن 85% من سكان العالم يعيشون في بلدان لم تفرض عقوبات على روسيا. هل هذا يشير إلى عزلة روسيا؟ أم إلى العكس؟

صحيح في أوكرانيا أبدت الولايات المتحدة على الأقل مكرا جيوسياسيا وليس عجزا جيوسياسيا. فعلت ذلك بجعلها أوروبا تعتمد على واشنطن حين أراد الأمريكيون حشد الدعم لفرض ضغوط أشد على الصين. لكن قد تكتشف الولايات المتحدة أن هذه المكاسب الجيوسياسية مؤقتة.

من الممكن أن تنهار روسيا تحت الضغط الغربي الجماعي على الرغم من أن ذلك يبدو مستبعدا باطراد. وقد يتوجب على فلاديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا القبول بتسوية مؤلمة. إذا كانت تلك هي المحصَّلة ستسأل البلدان غير الغربية «ماذا كان الغرض من كل هذا؟».

كميات العون الضخمة التي أرسلت الى أوكرانيا تؤكد فقط الاعتقاد الذي يتعزز في جنوب العالم بأن الغرب لا يهتم به حقا. وما له دلالة أن حرب أوكرانيا نشبت فيما كانت ذكريات جائحة كوفيد لاتزال حية. فقد شهد خلالها العالم فائض لقاحات لم يقتسمها الغرب معه.

ما يشكل هاجسا لكل الحكومات في المنطقة احتمال عودة ترامب للحكم. فإذا عاد سيكون أكثر عداء وغضبا وسيمزق معاهدات المناخ مرة أخرى ويتجاهل منظمة الأمم المتحدة ويستخدم القوة الأمريكية لكي يتنمَّر على البلدان الأخرى كل منها على حِدة.

وعلى الرغم من توافر أفضل أدوات العلم الاجتماعي للمؤسسة الأمريكية إلا أنها حتى الآن لا يمكنها التعرف على منابع الغضب الذي يقود عددا كبيرا من الأمريكيين للتصويت لصالح ترامب. والمجتمع المنقسم بشدة لن يعود قادرا على أن يكون «المدينة المضيئة على التل» لباقي العالم.

القصد من كل ما ذكرنا هو القول إن أمرا جللا يحدث في العالم. إنه نوع من الانفصال الميتافيزيقي للغرب عن باقي العالم.

لقد رأى أناس عديدون من أهل باقي العالم في الغرب حلا لمشاكلهم في وقت ما. لكنهم الآن يدركون أن عليهم إيجاد مسارهم الخاص بهم. هل هذا يعني فك الارتباط تماما بين الغرب وباقي العالم؟ إطلاقا لا. فنحن لا نزال نعيش في عالم يعتمد على بعضه البعض ويواجه العديد من التحديات العالمية المشتركة والضاغطة.

علينا أن نتحدث الى بعضنا البعض. لكن يجب أن نفعل ذلك كأنداد. يجب أن ينتهي التعالي (من جانب الغرب). لقد حان الوقت لحوار يرتكز على الاحترام المتبادل بين الغرب وباقي العالم.

كيشور محبوباني زميل متميز بجامعة سنغافورة الوطنية ومؤلف كتاب «القرن الحادي والعشرون الآسيوي».

ترجمة خاصة لـ عمان عن الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: باقی العالم

إقرأ أيضاً:

في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية

في الذكرى السابعة والسبعين للنكبة، فإنّ غزة هي مقياس العروبة والإسلام والإنسانية.

حين نتحدّث عن الصراع على فلسطين، فنحن لا نتحدّث عن معركة وطنيّة لشعب محتلّ، بل عن صراع يعكس أهمَّ ملامح المواجهة الحضاريّة مع الغرب.

تمثل إسرائيل في هذا الصراع ذراع الغرب وقاعدته المتقدمة للهيمنة على المشرق الإسلامي، وتمثل فلسطين الأمة في بُعدها الحضاري والعَقَدي. صراع له أبعاد حضارية في العقيدة والثقافة والتاريخ، كما في الجغرافيا والسياسة والاقتصاد؛ وله تداعيات مباشرة على أوضاع الأمة وعلاقاتها في المنطقة العربية وخارجها.

بنظرة فاحصة على علاقات إسرائيل مع الأقلّيات ومع الدكتاتوريات في المنطقة العربية، ودور إسرائيل ولوبياتها في الغرب في التحريض والضغط والمساعدة في قمع محاولات النهوض العربي والإسلامي، ندرك أن الصراع الدائر في فلسطين والمنطقة هو صراع مترابط: الشعب الفلسطيني في الخندق الأول، ولكن في بعض الحالات تكون الخنادق الخلفيّة أكبر تأثيرًا، وأكثر خطورة ودموية.

هناك علاقة جدلية بين ساحات هذا الصراع؛ إذ إن صمود الشعب الفلسطيني، وأي إنجاز يحققه في صراعه المباشر مع العدو الصهيوني بالضرورة ينعكس إيجابًا على دول المنطقة وشعوبها، ويعطي أملًا متجددًا في حتمية الفوز في هذا الصراع.

إعلان

وأيضًا، فإنّ أية نهضةٍ واستقلالٍ حقيقيّ لأيّ قُطر عربي أو إسلامي، ينعكسان إيجابًا على صراع الشعب الفلسطيني مع إسرائيل التي تستهدف إضعاف جميع دول المنطقة، بما فيها الدول المطبّعة معها، حتى تبقى ضعيفة ومرتهنة دون أي تأثير أو نفوذ أو استقلال.

ولأننا نريد لأمتنا أن تنهض، ولفلسطيننا أن تتحرّر، فإننا نرى ضرورة إدراك المتغيرات الكثيفة التي تمرّ بها المنطقة والعالم، حيث هناك أوضاع جديدة وصراعات ممتدة تستلزم استعدادات جذرية في الاستجابة لها، وتعديلات من الدول ومن القوى الشعبية العاملة فيها على السواء. فلم يعد مفهومًا -بعد كل هذه التجارب والمحن- أن تستمر الأنظمة العربية في الارتهان التامّ للأوامر الغربية وللسيّد الأميركي.

وإذا لم يكن مقبولًا في سبعينيات القرن الماضي أن يُقال إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة الأميركية، فكيف تُسلِّم اليوم أنظمة العرب، بعد أكثر من نصف قرن، إرادتَها كاملة لأميركا؟ لقد شكّل موقع فلسطين دينيًا وتاريخيًا وجغرافيًا في قلب الأمة العربية، التي هي قلب العالم الإسلامي، ساحةَ صراع مفتوح مع الغرب.

وفي العصر الحديث، تجسَّد هذا الصراع بإقامة دولة إسرائيل التي هي مشروع غربي استعماري بامتياز. لقد كان ضياع فلسطين، وإعلان قيام دولة الصهاينة عام 1948، نتيجة مباشرة للمواجهة المستمرة بين الغرب الاستعماري، والشرق الإسلامي بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، وانهيار النظام السياسي الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى.

إنّ الصراع على فلسطين، الذي له كلّ هذه الأبعاد العَقَدية والثقافية والتاريخية، فضلًا عن أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية، وما له من تداعيات على المنطقة والعالم، يلخّص صراع الأمة الإسلامية مع الغرب وحضارته، ويُعتبر صورة مصغرة تعكس هذا الصراع وتلخّصه، وإن اختلفت بعض التفاصيل والأولويات. ويمثل كذلك حالة اختبار لكل الأطراف المشاركة فيه، ويكشف كل الدّعاوى الزائفة لعزل فلسطين عن بُعدها العربيّ والإسلامي.

إعلان

لقد شكّلت نكبتنا في العام 1948 لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الغرب. فقد نشأت دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين العربية، وكل التطوّرات اللاحقة، من حروب ومفاوضات ومعاهدات هدنة أو اتفاقات سلام منذ كامب ديفيد، مرورًا بأوسلو ووادي عربة، وصولًا إلى اتفاقات أبراهام حتى يومنا هذا، هي نتائج مباشرة لحرب العام 1948.

إن محاولة فهم ما حدث في العام 1948 وأسباب هذا الانهيار الشامل، تشكّل مدخلًا إجباريًا لفهم التحديات الراهنة في فلسطين والمنطقة.

عربيًا، حصلت الدول العربية على ما يسمّى الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ضمن الحدود التي فصّلها المستعمر، وبالطريقة التي أرادها بكل التناقضات ومشاكل الحدود التي تعمّدها، ووفق مصالحه الخالصة، وبعد أن نكث بكلّ وعوده.

أصبح للنخب السياسية العربية التي تشكّلت بعد ما سمّي بالاستقلال، مصالحُ قُطرية تدافع عنها، وأصبحت العروبة شعارات بلاغية زائفة ورنّانة تظهر على منابر المزايدات والخطب، بدل أن تكون دعوة جدية تتحدّى شروط المستعمِر. وقدّم سياسيو العرب مصالحهم ومصالح أقطارهم على أية مصلحة قومية.

وهكذا، فإنّ الدول العربية التي دخلت جيوشها حرب 1948 كان لها حسابات قُطرية مختلفة ومتناقضة، ولم تشارك في الحرب أو تفاوض بعدها بشأن الهدنات مع إسرائيل إلا بمفهوم قُطري، بعيدًا عن أية إستراتيجية عربية، أو حتى تنسيق عربيّ شامل.

ظهرت النخب السياسية والثقافية، في معظمها، مشوّهة ومنسلخة عن تاريخها وثقافتها وعقيدة شعبها، ومتنكّرة لها، ومهزومة روحيًا وعقليًا وعلميًا أمام حضارة الغرب المستعمِر وثقافته.

لقد دخل العرب الحرب دون رؤية صائبة، ودون هدف مشترك، ودون خطة عملية موحدة، وبأعداد رمزية، حيث إن مجموع القوات العربية التي يُطلَق عليها جيوشٌ عربية كان أقل من 15 ألفًا، في مقابل العصابات الصهيونية التي كان لها خُطة وهدف وقيادة سياسية وتحالفات دولية، وأعداد بلغت 75 ألفًا، في أقلّ تقدير، من الجنود المدربين.

إعلان

باختصار، فشلت دول ما بعد الاستعمار المباشر، وفشل زعماؤها السياسيون، وفشل المثقفون في مواجهة تحديات التغيير الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وكان سقوطها مدويًا في أوّل مواجهة لها مع العصابات الصهيونيّة.

بعد 77 عامًا من نكبتنا الأولى في فلسطين، نجد ما يسمى النظام العربي أسوأ حالًا؛ فلا يجرؤ أن يرسل قطرة ماء أو كسرة خبز إلى شعب فلسطين الذي تصنع له إسرائيل نكبة جديدة على رؤوس الأشهاد.

قرارات القمم العربية ومناشداتها أقل بكثير من الشعارات التي رفعها زعماء عرب حول الأمة الواحدة الخالدة وحول تحرير فلسطين بعد نكبة 1948.

التسليم التام للإدارة الأميركية التي تحمي إسرائيل وتمدها بآلة الدمار يذكرنا بالطلب من الشعب الفلسطيني بالركون إلى الهدوء؛ استجابةً لوعود صديقتنا حكومة صاحبة الجلالة قبل نكبة 1948.

إنّ الاستسلام الكامل للإملاءات الأميركية وتسليمها مقدرات شعوب الأمة، والرعب من إسرائيل وهرولة البعض إلى التطبيع معها وإشاحة النظر عن الجرائم المروّعة التي يرتكبها العدو في غزة والضفة والقدس، وسياسة التجويع والتطهير العرقي، يبشّر بسقوط مدوٍّ لكل من صمت أو بارك وبرر جرائم العدو، كما حدث لأنظمة نكبتنا الأولى في العام 1948.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية
  • هكذا تفاعل الفلسطينيون مع بيان الغرب ضد إسرائيل
  • ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
  • اليوم العالمي للنحل..أعظم الملقحات التي تطعم العالم
  • إيما ستون حديث العالم بعد لقطات ذعر على الريد كاربت في مهرجان كان
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟
  • قمة الورق والحبر… وباقي الحكاية في غزة
  • هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم