فلسطين الحاضر الذي لا يغيب في احتفاليّة تونس باللغة العربيّة
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
مثّلت فلسطين عنوانا للعديد من الأنشطة التي تُقام في عدّة بلدان عربيّة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربيّة الذي يُحتفل به في الثامن عشر من ديسمبر من كلّ عام. وتونس من ضمن البلدان التي ركّزت على حضور لغة الضّاد في سياق المقاومة والدفاع عن الحقوق الفلسطينيّة والعربيّة، إذ انطلقت الفعاليّات عند العاشرة صباح أوّل أمس في “دار الثقافة ابن خلدون المغاربيّة” بتونس العاصمة.
وتضمّن البرنامج عرض شريط وثائقي ومسرحيّة وورش في الرسم والخط العربي، ومعرض كاريكاتير للفنّان رشيد الرحموني.
وعُرض في الافتتاح فيلم “قبل العرض” للمخرج بلال المازني الذي يضيء مرحلة الرقابة التي مارستها السلطات التونسية على السينما قبل 2011 في عهد بورقيبة وبن علي، عبر رواية أحد العاملين في لجنة مراقبة الأفلام، الذي قام بتجميع اللّقطات التي يتمّ حذفها لأسباب سياسيّة، وبقي محتفظا بها لأكثر من عشرين عاما حتى قرّر إخراجها إلى النّور وكشف أسرارها.
وقدّمت المخرجة المسرحية سيرين غابري أيضا عرضها “السبعطاس” من إنتاج نادي المسرح في الدار، وتناول أوضاع الشعب الفلسطيني اليوم. وسبق لغابري أن أخرجت عام 2017 مسرحيّة بعنوان “حياة فلسطينية” تدور أحداثها حول المقاومة.
وتضامنا مع فلسطين في محنتها، انطلق أيضا معرض “صرخة رسام” للرحموني، والذي “يحتوي على مئة لوحة كاريكاتورية تجسّد آلام الشعب الفلسطيني وواقعه بكلّ تفاصيله في الضفة والقطاع ومعاناته من دمار وحصار وتنكيل وتجويع وتهجير من أجل تحقيق حلم الكيان الإسرائيلي وسط صمت دولي وعربي”، حسب المنظّمين.
وتواصلت الفعاليّة أمس الأحد من خلال عقد محاضرة للباحث والخطّاط عمر الجمني تحت عنوان “التفكير الإبداعي في الخط العربي”، أعقبتها تمارين خاصة في الخط قدّمها الخطاط عبد السلام البجاوي.
وأقيمت أيضا ورشة في فن الرسم بتأطير رشيد الرحموني، وتمّ الإعلان عن نتائج مسابقة الرسم وتصميم الكاريكاتير. ودأبت اليونسكو منذ عام 2012 على إحياء اليوم العالمي للغة العربية بتاريخ 18 ديسمبر من كل عام، بالتعاون مع الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية، وبالشراكة مع مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود.
وتتمثّل الغاية المرجوّة من أيام لغات الأمم المتحدة في تعزيز التعدّدية اللغوية والتنوّع الثقافي والاحتفاء بهما، فضلا عن المساواة بين سائر اللغات الرسميّة المستخدمة في المنظّمة ووكالاتها، وهي اللغة العربية 18 ديسمبر؛ واللغة الصينية 12 نوفمبر؛ واللغة الإنجليزية 23 أفريل، واللغة الفرنسية 20مارس، واللغة الروسية 6 جوان، واللغة الإسبانية 12أكتوبر).
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
دروس مستخلصة من عيد الأضحى "الغائب الحاضر"
في عام غاب فيه طقس الأضحية عن البيوت المغربية، حضرت أسئلة أعمق عن علاقتنا الجماعية بهذه الشعيرة: بين الحكمة في الحفاظ على القطيع، وتحدّي إصلاح سلوكيات رسّختها العادة. ما الذي ربحناه؟ وما الذي وجب أن نُغيّره؟
في خطوة استثنائية فرضتها ظرفية مناخية واقتصادية دقيقة، جاء القرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة ذبح الأضاحي لهذه السنة كإجراء حكيم يستهدف بالدرجة الأولى الحفاظ على القطيع الوطني الذي تضرّر بفعل توالي سنوات الجفاف.
بحسب الأرقام الرسمية، شهد القطيع الوطني للأغنام خلال السنوات الأخيرة تراجعًا مقلقًا في أعداده، مقابل ارتفاع غير مسبوق في كلفة الأعلاف التي سجّلت زيادة بين ٪40 إلى ٪60.
في هذا السياق، كان استمرار الذبح الجماعي لملايين رؤوس الأغنام كفيلًا بتعميق الأزمة وضرب استدامة القطاع.
جاء القرار إذن ليُمكّن المربّين والفلاحين من الحفاظ على 5.5 إلى 6 ملايين رأس كانت ستُستهلك خلال العيد، بما يتيح إعادة التوازن لهذا القطاع الحيوي.
قرار الإلغاء أتاح كذلك مناسبة لإعادة التفكير في مظاهر سلبية باتت تشوّه صورة العيد: الذبح العشوائي في الأزقة والساحات، في غياب الشروط الصحية؛ تقطيع اللحوم في ظروف غير ملائمة وخارج المراقبة الرسمية؛ شيّ الرؤوس والأرجل باستخدام مواد غير صالحة أو بقايا إطارات السيارات المحروقة، بما يخلف من أضرار بيئية وصحية؛ انتشار أسواق الأعلاف العشوائية في الشوارع؛ تكدّس النفايات في الأحياء السكنية وما ينتج عنه من ضغط على خدمات النظافة؛ إضافة إلى الضغط المتكرر على قنوات الصرف الصحي في العمارات
طالما شكّل عيد الأضحى مناسبة ذات وقع اقتصادي مزدوج: ففي حين يُنعش أنشطة تجارية واسعة ويرفع من دخل الفلاحين والكسابة، فإنه في المقابل يُثقل كاهل الأسر وينتج عنه ضغط كبير على المرافق العمومية.
فيما يلي نضع بين أيديكم بعض الأرقام الاقتصادية الدالة المرتبطة بهاته المناسبة:
الأسر المغربية تنفق ما بين 30 إلى 36 مليار درهم على العيد، بين كلفة الأضحية (أزيد من 24 مليار درهم) ومصاريف إضافية (ملابس، أعلاف، نقل…).
العيد كان يدر على الفلاحين رقم معاملات يناهز 4 إلى 5 مليارات درهم، مع ارتفاع ملحوظ في أسعار الأضاحي.
قطاعات النقل، والمواد الاستهلاكية، والتوزيع تعرف رواجا استثنائيا ضمن دينامية تجارية جد واضحة.
الدولة تتحمل كلفة اجتماعية وبيئية مرتفعة: نفقات ضخمة في النظافة (250-300 مليون درهم)، عبء إضافي على قطاع الصحة بسبب الحوادث والتسممات،
استهلاك مفرط للماء والكهرباء (+15% إلى 20%).
خسارة الدولة لرقم معاملات مرتبط لTVA يقدر بين 700 و900 مليون درهم.
هذا الواقع يعيد إلى الواجهة النقاش حول التوازن بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للعيد. صحيح أن قرار الإلغاء خفّف، فعليًا، العبء المالي عن الأسر في سياق ارتفاع الأسعار، لكنه بالمقابل كشف نوعًا من اللهفة الاستهلاكية على اللحوم الحمراء، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وهو مؤشر على الحاجة إلى إصلاح ثقافة الاستهلاك المرتبطة بهذه المناسبة.
وجبت الإشارة إلى أن الامتثال للقرار الملكي جاء نتيجة تفهم عميق للظرفية والسياق الذي صدر فيه الخطاب، مدعومًا بقدر كبير من الوعي والمسؤولية التي أبان عنها المواطنون. غير أن هذا الامتثال لم يُبنَ على القناعة الذاتية وحدها؛ فقد ساهمت فيه أيضًا منظومة رقابة متكاملة:
أجهزة الرقابة الرسمية عزّزت حضورها الميداني.
التكنولوجيا الحديثة (كاميرات المراقبة، شبكات التواصل الاجتماعي) جعلت السلوكيات المخالفة مرئية للجميع.
الرقابة المجتمعية لعبت دورًا بارزًا، حيث وثّق المواطنون بعضهم بعضًا، مما عزّز الانضباط العام.
هذا التحوّل يُبرز أن بناء الوعي الجماعي لا يتم فقط عبر الخطاب الرسمي، بل عبر بيئة شفافة تُحفّز السلوك المسؤول.
بالنهاية، أثبتت تجربة هذا العام أن عيد الأضحى ليس مجرد شعيرة دينية، بل هو مرآة لسلوكنا المجتمعي. الفرصة اليوم متاحة أمام الجميع دولة، مجتمع مدني، فاعلين اقتصاديين، مواطنين لإرساء قواعد جديدة لاحتفال حضاري بالعيد. تنظيم أسواق الأعلاف، توسيع شبكة المذابح المرخصة، حظر صارم للممارسات الضارة كشيّ الرؤوس بإطارات السيارات، وتعزيز التربية البيئية والصحية عبر الإعلام والمدرسة… كلها خطوات ضرورية في هذا المسار.
لا يجب أن ينسينا الانغماس اليومي، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، بأن العيد في جوهره هو قبل كل شيء، هو شعيرة دينية سامية، تُحيي معاني الإيمان والتضحية والتقرب إلى الله، وأن الحفاظ على هذا البُعد الروحي هو ما يمنح العيد قيمته ومعناه العميق وسط كل التحولات.
فالهدف ليس أن يبقى العيد « غائبًا »، بل أن يعود حاضرًا بروح متجددة، نظيفًا، راقيًا، ومنسجمًا مع متطلبات مغرب حديث.
« ليست قوة القوانين وحدها ما يُنظّم المجتمع، بل وعي أفراده بأن القيم الراسخة هي ما يمنح للأعياد معناها الحقيقي.