روايات مفزعة بعد سيطرة "الدعم السريع" على مدينة "ود مدني".. وسكان المدن المجاورة يهربون بحثا عن الأمان
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
الرؤية- محمود المدني
اتخذت الأحداث في السودان منحى جديدا إثر توسع الاشتباكات خارج العاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة والتي تتميز بموقعها الإستراتيجي، ويفصل بينها وبين الخرطوم حوالي 200 كيلومتر، وتعد أكبر مصدر غذائي واقتصادي في البلاد، وتتميز بتوسطها للعديد من الولايات، ويبلغ عدد سكانها 700 ألف شخص من بين حوالي 5.
وإثر انسحاب الجيش السوداني من مدينة ودمدني، أكد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن الجيش لن يوقع اتفاق سلام "فيه ذل ومهانة للقوات المسلحة والشعب"، وفق تعبيره، مبينا في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية أن القوات المسلحة "ستظل متماسكة وقوية وصمام أمان السودان"، وأنها ستقضي على قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى "محاسبة كل متخاذل ومتهاون ساهم في دخول الدعم السريع إلى عاصمة الجزيرة، وأن الجيش سيقاتل حتى آخر جندي لينعم أهل السودان بالأمن والاستقرار، ولن تسقط القوات المسلحة".
وأدى اجتياح قوات الدعم السريع لمدينة ودمدني وإقامة ارتكازات لها داخل المدينة، إلى فرار الآلاف من السكان ومعظمهم نازحون من مناطق أخرى، حيث استقبلت ودمدني ومدن ولاية الجزيرة المجاورة لها نحو 500 ألف نازح من إجمالي 5.5 مليون شخص فروا إلى مواقع داخل البلاد جراء الحرب وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، بعد أن أقدمت قوات الدعم السريع على ترويع المواطنين في ودمدني والقيام بعمليات نهب واسعة للممتلكات من داخل المنازل بالإضافة إلى نهب المصانع والأسواق والبنوك وقطع الخدمات عن السكان بحسب روايات عدد من السكان.
واضطر سكان المدينة إلى النزوج إلى مناطق أخرى مثل مدينة سنار الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق وعلى بعد حوالي 80 كليومتراً جنوبي ودمدني، وإلى بورتسودان في شرق السودان والقضارف بحثا عن الخدمات والعلاج، خاصة بعد أن فقدوا كل ما يملكون من أموال.
واختلفت الروايات حول كيفية سيطرة الدعم السريع على مدينة ودمدني، إذ يقول ناشطون إن بعض المتواطئين من الجيش السوداني قاموا بتسليم المدينة دون مقاومة، وهذا ما جعل البرهان يتوعد بمحاسبة المتخاذلين، في حين يرى آخرون أن الجيش استجاب إلى طلب من الولايات المتحدة الأمريكية بعدم الاقتتال داخل مدينة ود مدني لأنها تكتظ بالسكان والنازحين من الخرطوم والولايات الأخرى، والتزمت بذلك في حين لم تلتزم قوات الدعم السريع ودخلت المدينة عنوة ومارست الاعتداءات والانتهاكات بحق السكان- حسب وصفهم.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي أحمد عمر خوجلي، إنه رغم ما ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الأخبارية عن كيفية دخول الدعم السريع إلى مدينة ودمدني، إلا أن هناك غموضا كبيرا في التعاطي مع هذه المعلومات والخطوات، بسبب شح المعلومات وتضارب التصريحات، مؤكدا: "حتى الآن لم تسمع رواية حقيقية وأصيلة عن ما جرى في مدينة ود مدني، وهذا ديدن الحرب منذ بدايتها في الخامس عشر من أبريل الماضي".
يشار إلى أن قوات الدعم السريع قد أصدرت بيانا أعلنت فيه أنهم لن يتعرضوا للمواطنين، وأن إدارة المدينة سوف تسند إلى أعيان ودمدني وسيتم تشكيل حكومة محلية، كما جرى في بعض المناطق مثل الهلالية.
وعقب سيطرة الدعم السريع على ودمدني، سادت حالة من الرعب بين سكان مناطق أخرى مثل سنار، حيث بدأ المواطنون بحزم أمتعتهم والتحرك نحو قرى بعيدة أو مدن أخرى خوفا من تكرار سيناريو ودمدني في سنار، وبحث البعض عن الأمان في الدندر أو القضارف على الرغم من تردد أنباء حول عزم قوات الدعم السريع السيطرة على القضارف وبورتسودان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
منشقون عن المجلس الاستشاري للدعم السريع: شهدنا على انتهاكات وفظائع
بورتسودان- أعلن خمسة من أعضاء المجلس الاستشاري بقوات الدعم السريع انشقاقهم عنها، واتهموها بارتكاب انتهاكات "تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية".
وأدلى المنشقون ببيان في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان أقامته وزارة الثقافة والإعلام بالشراكة مع وكالة السودان للأنباء، اليوم الأحد، جاء فيه "نعلن انشقاقنا الكامل والنهائي عن ما يسمى مليشيا الدعم السريع، وذلك بعد أن تبين لنا بالدليل القاطع أن هذه المليشيا قد تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية، وأصبحت أداةً لتدمير السودان وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وانتهاك كرامة مواطنيه..".
والمنشقون هم:
مودبو إبراهيم بابجي، رئيس دائرة الحكم والإدارة بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، الأمين العام المؤسس للإدارات المدنية بمناطق سيطرة الدعم السريع. الشيخ محمد أحمد عليش، رئيس الدائرة القانونية بالمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، رئيس تحالف "قمم" بولاية الخرطوم. عبد العظيم سليم محمد علي، عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، رئيس الدائرة القانونية بتحالف "قمم". عباس محمد عبد الباقي، عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، مستشار محلية شرق النيل. بابكر خليفة محمد، عضو المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، ومستشار سياسي له.وقالت المجموعة المنشقة في بيانها، إن انشقاقها جاء بعد أن كان أعضاؤها "حضورا وشهودا لكثير من المواقف والوقائع ورسم السياسات التي ظلت تنسجها المليشيا وشركاؤها من بعض القوى السياسية والتي كانت تهدف إلى تدمير السودان وتشريد شعبه وطمس هويته وتاريخه ونهب ثرواته".
كما أعلنت عزمها مخاطبة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي بوقف الدعم غير المباشر لمن وصفتها بـ "المليشيا المتمردة" وفضح محاولات شرعنتها.
يقول رئيس الدائرة القانونية لقائد الدعم السريع الشيخ محمد أحمد عليش، إن ارتباطهم بقوات الدعم السريع كان قبل الحرب؛ حيث كانوا أعضاء بالقطاع السياسي وأعضاء مؤسسين للمجلس الاستشاري، وبعد شهرين من قيام الحرب كان الخيار بين مغادرة الخرطوم والبقاء إلى جانب أهلهم وحمايتهم قانونيا.
إعلانوأضاف أنهم كانوا شهودا على الانتهاكات التي تحدث، وأنهم اتخذوا قرارا بصفتهم قانونيين بأن يكون لهم دور واضح في مناطق سيطرة الدعم السريع، حيث تواصلوا مع قيادتها وقدموا رؤية قانونية متكاملة تبدأ بتجفيف كافة المعتقلات في ولاية الخرطوم، وتغطية الفراغ القانوني الموجود بها.
ويقول عليش "بعد مشاورات تمت الموافقة على بعض الأعمال، بينما رفضت أخرى وهي تجفيف المعتقلات والسجون". وكان هناك نوعان من المعتقلات:
"معتقلات سرية " تتبع لأشخاص وليس لمؤسسة الدعم السريع القدرة على السيطرة عليها، حيث كان يديرها قادة الدعم السريع. وكان هناك سجن كبير وهو "سجن سوبا".أوضح عليش أن سجن سوبا كان يحتوي على نحو أربعة آلاف سجين منهم أسرى من المواطنين و"آخرين". وقال في شهادته إن السجن "به جرائم ترقى إلى جرائم حرب، لم يكن هناك أكل أو شراب ولا رعاية صحية.."، وأن "عدد الوفيات تجاوز (40 ـ 50) شخصا في اليوم بسبب غياب الرعاية الصحية، وتبقى الجثة أحياناً خمسة أو ستة أيام قبل دفنها".
يضيف عليش عن المعتقلات الموجودة في ولاية الخرطوم "كنا نمر عليها ولكن لم تكن لدينا عليها سُلطة لأنها كانت تخص قادة الدعم السريع؛ حيث كان القادة يبتزون الأهالي لإطلاق سراح ذويهم، وأصبح الأمر موضوعا للتكسب المادي".
أما إبراهيم بابجي، رئيس الإدارة والحكم المنشق عن المجلس الاستشاري للدعم السريع، فقال إن الدوافع الحقيقية وراء انشقاقهم هو ممارسات هذه القوات والتهديد الوجودي الذي شكلته على الدولة السودانية.
وقال بابجي في تصريح خاص للجزيرة نت، إن من أهم أسباب انشقاقهم "عن المليشيا المتمردة" هي الحمولة الأخلاقية العالية نتيجة الانتهاكات الواسعة التي طالت المدنيين من الدعم السريع، والتدخل الأجنبي السافر، وأن الدعم السريع صارت "مجرد أداة لقوى خارجية" وأن "مجتمعاتهم تم استغلالها لتفتيت البلاد".
وأوضح بابجي، أنه لإقناع قيادة الدعم السريع بالموافقة على وجود إدارة مدنية، اشترطت فرض رسوم وضرائب غايتها توريد سلاح. وقال إن قيادة الدعم السريع حاولت إجهاض تجربة الإدارات المدنية بحجة الشركاء وكانوا يقصدون القوى السياسية السودانية من "تقدم، وصمود، وتأسيس، والحرية والتغيير..".
في حديثه اليوم ببورتسودان قال العضو المنشق عبد العظيم سليم محمد علي، إن الحرب في السودان لم تقم مصادفة "بل قامت لأن هناك قوى سياسية حاولت استغلال بندقية الدعم السريع للوصول للحكم، وهي لا تزال حتى الآن تنسق مع مليشيا الدعم السريع..".
وأشار في حديثه إلى انتهاكات فظيعة حتى الموت في المعتقلات. وأكد أن عمليات النهب التي مارستها قوات الدعم السريع تمت بصورة ممنهجة ومقصودة لإفقار الناس، وهو ما حدث في الخرطوم والجزيرة.
من ناحيته، قال وزير الثقافة والإعلام السوداني خالد الإعيسر، في المؤتمر الصحفي "نرحب بالذين جاؤوا وهي إشارة إلى أنهم أدركوا أن الخط الذي كانوا يسيرون عليه في السابق هو خط مخادع ولا يخدم القضية الوطنية المركزية..".
وأضاف "أن مثل هذه الأحداث المهمة ستفتح باب التنوير لبقية حاملي السلاح..". واتهم قوات الدعم السريع بمخادعة شعوب ومواطنين وقبائل المناطق التي سيطرت عليها، وغررت بعدد كبير من الشباب.
وطالب المنشقين بضرورة تكثيف العمل الإعلامي لمخاطبة "المغرر بهم في تلك المناطق حتى يعودوا إلى الصواب"، وقال إن "الدولة السودانية المركزية تستوعب كل أبناء السودان..".