في سنة إدارية جديدة..هل تغادر تونس أزمتها السياسية والاجتماعية؟
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
1- أحداث 25 تموز 2021
تعاملت أغلب الأحزاب، سواء كانت مشاركة في الحكم أو كانت في المعارضة، مع إجراءات قيس سعيد على أنها انقلاب على الشرعية الانتخابية وعلى المؤسسات الدستورية، حتى الأحزاب التي كانت ضد البرلمان وضد حكومة المشيشي وعلى رأسها حزب العمال برئاسة الزعيم اليساري حمة الهمامي، اعتبرت ما قام به قيس سعيد انقلابا، إلا اتحاد الشغل وبعض الأحزاب الصغيرة كانوا يعتبرون ما حصل تصحيحَ مسار وإيقافا لـ"الفوضى" ودفاعا عن هيبة الدولة؛ ذاك الموقف لم يكن موقفا سياسيا موضوعيا بقدر ما كان نكاية في خصوم سياسيين متحالفين في البرلمان.
وصف ما حدث بأنه انقلاب على الشرعية ودعوة التونسيين إلى مقاومته سلميا، لم يكن وصفا كافيا، لكونه لا يجيب عن عدة أسئلة لعل أبرزها: هل خطط قيس سعيد لـ25 تموز/ يوليو لوحده؟ هل كانت ثمة غرفة تونسية مستقلة اتخذت القرار بضرورة التحرك لمنع مزيد تعقّد الأزمة السياسية خاصة في الأيام الأخيرة من عمر البرلمان حين تحولت قاعة الجلسات الى حلبة للصراع والى منصة لعروض مسرحية غير ممتعة؟ هل كان الأمريكان تحديدا متابعين لما حدث وهل كانوا مشاركين بالرأي في ترتيب عملية الانتقال من مسار ديمقراطي متعثر إلى مسار الإجراءات الاستثنائية؟
من المهم جدا معرفة حقيقة ما حدث حتى يكون التعامل مع الواقع بطرائق مجدية وليس فقط بالشعارات وخطب الإدانة، وهذه مهمة القادة السياسيين، فلا يكتفون بأحكام أخلاقية تصف ما حدث بالسيئ وتصف قيس سعيد ومن معه بالانقلابيين. فإن كان القادة السياسيون يمتلكون معطيات حول ما حدث فعليهم مصارحة الناس بالحقيقة؛ حتى يتخذ المواطنون مواقفهم على بيّنة
من المهم جدا معرفة حقيقة ما حدث حتى يكون التعامل مع الواقع بطرائق مجدية وليس فقط بالشعارات وخطب الإدانة، وهذه مهمة القادة السياسيين، فلا يكتفون بأحكام أخلاقية تصف ما حدث بالسيئ وتصف قيس سعيد ومن معه بالانقلابيين. فإن كان القادة السياسيون يمتلكون معطيات حول ما حدث فعليهم مصارحة الناس بالحقيقة؛ حتى يتخذ المواطنون مواقفهم على بيّنة ويتحملون مسؤولياتهم كاملة في ما يفعلونه أو يعبرون عنه وهم يواجهون الانقلاب.
معرفة الموقف الأمريكي تحديدا مهم جدا، خاصة من الإسلام السياسي ومن ديمقراطية حقيقية في العالم الثالث تعيد السيادة الكاملة للشعب وتتيح له التعبير عن مواقفه في الشأن الداخلي وفي كل الشأن الخارجي وخاصة قضايا التحرر، معرفة الموقف الأمريكي مهم جدا حتى لا يبني بعض المحللين مواقفهم على فرضية رفض الإدارة الأمريكية لما حدث ومن ثم ضغطها على سلطة قيس سعيد حتى تعود إلى الشرعية وتوقف الإجراءات الاستثنائية، وحتى لا يُراهن كثيرون على فرضية انتصار منظمات حقوقية غربية وبرلمانات أوروبية لمعارضي إجراءات 25 تموز/ يوليو.
لماذا ظل قيس سعيد يردد في كل مناسبة -تقريبا- أنه لا رجوع إلى الوراء؟ ولماذا يتساءل: "ألم يفهموا أنه لا رجوع الى الوراء"؟ هل كان يقرأ في لوحة القيادة أن كل ما مضى قد مضى، وأن من لا يريد أن يفهم ليس لـ"الدولة" وقت لمحاورته ولا حتى مهارات كلامية لمجادلته، وليس أمامه إلا مسايرة الأمور أو الصمت أو السجن؟
2- طبيعة الأزمة السياسية
لا تبدو الأزمة السياسية في تونس بعد إجراءات قيس سعيد أزمة تقليدية، إنما هي أزمة معقدة، لكون البلاد تنتقل بـ"عنف" وبسرعة من وضعية تقليدية رتيبة إلى حالة من الإجراءات والمراسيم السريعة غير المنطقية وغير المتوقعة، فلم يعد للأحزاب شأن، ولم يعد للأغلبية وزن انتخابي، ولم يعد للأرقام ولا للأحجام مدلول في الخطاب ولا في التحليل، ولم تعد المعارضة تمتلك مَلَكة التوقع ولا بداهة الرد ولا حتى قدرة على فهم أغلبية هذا الشعب، فهو يقاطع الانتخابات والاستشارات ولكنه لا يخرج للاحتجاج ولا يدعم المحتجين.
هذه المعارضة تتفق في معارضة قيس سعيد وتختلف في كيفية معارضته، وهذا جعل قيس سعيد في وضعية مريحة، وجعل أيضا القوى الخارجية القادرة على "التأثير" ترى أن وجود قيس سعيد حاليا ضامن للاستقرار؛ طالما استطاع ضبط قيادات اتحاد الشغل واستطاع إسكات "المشوشين" أيام الوفرة الديمقراطية واستطاع أيضا تعطيل كل المحاولات السياسية في بناء جبهة معارضة قوية، بعد أن وضع أبرز الزعماء السياسيين في السجن وتحولت المعركة مع قيس سعيد إلى مجرد معركة حقوقية ومعركة لتحسين ظروف الإقامة خارج السجن وداخله..
3- التطبيع مع الأزمة الاجتماعية
إذا استطاع قيس سعيد إطالة تحول الأزمة الاجتماعية إلى مجرد "صعوبات معيشية"، وإذا ضمن استمرار برود المزاج الشعبي، فسيذهب مطمئنا إلى رئاسية 2024، وسيجد دعما خارجيا ممن يرون مصالحهم قبل مصالح الشعوب وقبل الديمقراطية وقبل حقوق الإنسان
الأزمة الاجتماعية التي راهنت عليها المعارضة لتكون مقدمة انفجار اجتماعي يطيح بسلطة الانقلاب؛ تحولت إلى مجرد "صعوبات معيشية" بفعل تعود المواطن عليها وتدرّبه على تدبّر أمره اليومي عند ندرة المواد وعند انقطاعها وعند تنقله بين الطوابير. هذا "التعوّد" بدأ يطمئن سلطة سعيد بأن شبح الانفجار الاجتماعي ربما بات مأمونا، وهذا ما قد يُغريه بمزيد التضييق على الحريات وبمزيد من إبداء "التعالي" على معارضيه وعدم القبول بأي مبادرة لحوار وطني، وقد سبق منه مراتِ رفض مبادرات وعروض للحوار الوطني، بل قد وصف الحوار الذي أشرف عليه الرباعي بكونه "لا كان حوارا ولا كان وطنيا". وعمليا لم يعد ممكنا لتلك المنظمات أن تقود حوارا وهي في وضعية ضعف بل و"إذلال"، خاصة اتحاد الشغل الذي كُسرت شوكته تماما وانعقد لسانه ولم يعد "شريكا" كما كان دائما.
إذا استطاع قيس سعيد إطالة تحول الأزمة الاجتماعية إلى مجرد "صعوبات معيشية"، وإذا ضمن استمرار برود المزاج الشعبي، فسيذهب مطمئنا إلى رئاسية 2024، وسيجد دعما خارجيا ممن يرون مصالحهم قبل مصالح الشعوب وقبل الديمقراطية وقبل حقوق الإنسان.
twitter.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه قيس سعيد التونسيين الديمقراطية الإنقلاب تونس الديمقراطية قيس سعيد مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأزمة الاجتماعیة قیس سعید إلى مجرد ما حدث هل کان
إقرأ أيضاً:
اليمن تغير المعادلة السياسية من البوابة العسكرية
هناك صورة نمطية للشخصية اليمنية لدى الغرب، بل وحتى لدى بعض العرب. هذه الصورة مستمدة من الهيئة الخارجية لليمني، ويُقاس بها مدى تقدم اليمن وتطوره. هذه النمطية تتحكم في عقول الغرب، فلا يستطيعون تصور تقدّم اليمن في ظل هيئته وطريقة عيشه وثقافته، وتبعيته – قبل ثورة 21 من سبتمبر – للخارج.
اليمن يثبت اليوم أنه قائد من قادة العرب، من خلال ما يقوم به في البحر الأحمر، وما يقدمه من نصرة للشعب الفلسطيني. لقد غيّر اليمن المعادلة السياسية والعسكرية والإعلامية في المنطقة، عبر حادثتين بارزتين: الأولى، سقوط طائرتي F-18 من على متن حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” بفعل الضربات الصاروخية والمسيرات اليمنية، والثانية الصاروخ الفرط صوتي الذي ضرب مطار بن غوريون الإسرائيلي.
اليمن اليوم يفعل ما لم تفعله جيوش عربية بأن يقاتل في جبهتين، جبهة البحر الحمر ضد حاملة الطائرات الأمريكية بمسمياتها المختلفة، وضد العدو الإسرائيلي بضربه في عمقه الاستراتيجي، نصرة لغزة العزة فماذا يعني ذلك سياسياً وعسكرياُ.
المعادلة السياسية تتحقق غالبا من البوابة العسكرية، فعن طريق القوة والتأثير العسكري تتغير المعادلة السياسية، بل تتعدى الجغرافيا المعينة ونقصد هنا اليمن إلى دائرة أوسع لتشمل ملفات أخرى، كون اليمن من محور بات يُعرف في المنطقة بأنه محور المقاومة المساند لغزة، والمناهض للهيمنة الأمريكية والبلطجة الإسرائيلية.
برز هذا العنوان بعد معركة “طوفان الأقصى” من خلال جبهات المساندة لغزة في معركتها ضد العدو الصهيوني فعرف بمصطلح “وحدة الساحات” فكانت جبهات المساندة من اليمن ولبنان والعراق، والكل يعلم اليوم بأن جبهة لبنان والعراق لأسباب داخلية وسياسية أغلقت، أو وقفت وبقيت جبهة اليمن تصارع وحدها مساندة الشعب الفلسطيني.
إسرائيل بعد وقف إطلاق النار في لبنان والمشاركة في تغيير النظام السياسي في سوريا وتمركزها في ثلاث محافظات سورية، أرادت بعد هذه الأحداث أن ترسم معادلة سياسية جديدة في المنطقة مزهوة بانتصارات حققتها ضد محور المقاومة في المنطقة. ربما تكون إسرائيل حققت انتصارات نوعية في استهداف قادة كبار سياسيين وعسكرين من أمثال “السيد حسن نصر الله ” ولكنها لم ولن تستطيع القضاء على فكرة المقاومة، لانها ببساطة فكرة لا تموت بموت قادتها .
ما أصاب الأمريكان والإسرائيليين من قبل حكومة صنعاء غير المعادلة السياسية، من نشوة فرحة هزيمة هذا المحور، إلى التفكير بمهادنته، خاصة بعد استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” وإصابتها إصابات مباشرة وقبلها “أيزن هاور” والصاروخ الفرط صوتي الذي أصاب العمق الإسرائيلي.
المعادلة السياسية تتغير تجاه اليمن من قبل الأمريكان بفضل ضربات البحر الأحمر، فبمجرد القبول بوقف التصعيد العسكري بين أمريكا واليمن يعتبر ذلك فشلاً أمريكيا كبيراً في تحييد حكومة صنعاء، فقد ذكر وزير الخارجية العماني” السيد بدر البوسعيدي” التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وأنصار الله اليمنية بعد اتصالات أجرتها سلطنة عمان مع الطرفين “.
وهذا يعني استعداد الطرف الأقوى هنا وهو الأمريكي بقبول الواسطة العمانية، لان الحل العسكري لم ينفع في منع صنعاء من استهداف القطع العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، فجاء هذه الاتفاق اعترافا من الأمريكي بعجزه عسكرياً في تغير المشهد العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل.
هذا الاتفاق هو نصر سياسي يمني استطاع اليمنيون انتزاعه من الأمريكان بفضل الصواريخ اليمنية التي غيرت المعادلة العسكرية في المنطقة، خاصة بعد سقوط طائرة أف 18 الأمريكية، ولا يعني هذا الاتفاق بأن اليمنيين سوف يوقفون أسنادهم لغزة عبر استهداف العمق الإسرائيلي، فقد ذكر عبر منصة أكس “محمد البخيتي عضو اللجنة السياسية في حركة أنصار الله ” أن العمليات العسكرية لدعم غزة لن تتوقف حتى يتوقف العدوان عليها ، ويرفع الحصار عنها لدخول الغذاء والدواء والوقود إليها ” وذكر كذلك “أما بالنسبة لهجماتنا على الولايات المتحدة فهي تندرج في سياق حق الدفاع عن النفس، إذا أوقفت هجماتها علينا ، فستتوقف هجماتنا عليهم وينطبق هذه الموقف على بريطانيا .
النصر العسكري اليمني في البحر الأحمر نتج بقبول أمريكا وقف التصعيد مع اليمن، وهذا الأمر سوف يترجم سياسيا في الملف الفلسطيني، وملف المفاوضات الإيرانية الأمريكية لعقد اتفاق نووي جديد بينهما كيف ذلك، هنا نقول بأن المدخلات العسكرية لها مخرجات سياسية.
ففي الملف النووي، ما حصل في اليمن انعكس إيجاباً على مسار التفاوض الإيراني-الأمريكي، إذ ينقل الوسيط العُماني رسائل مطمئنة تعكس رغبة الطرفين في عقد هذا الاتفاق. ويعود التفاؤل إلى فشل تجربة اليمن – إن صح التعبير – والتي كانت تُستخدم كعصا لترهيب الإيرانيين ودفعهم إلى التفاوض من منطلق الضعف وتحت تهديد الحرب. غير أن إيران رفضت هذا الأسلوب وفرضت قواعدها التفاوضية. فقد فشلت الحرب الأمريكية ضد حكومة صنعاء فشلاً ذريعاً، ومن دلائل هذا الفشل قبول الأمريكيين بوقف التصعيد عبر الوسيط العُماني.
في غزة، غيّر الصاروخ الفرط صوتي المعادلة، وسَيُجبِر الإسرائيليين على وقف العدوان والدخول في مرحلة تفاوض جديدة، خاصة بعد تخلّي أمريكا عن المواجهة العسكرية في اليمن، وفقاً للاتفاق الأمريكي-اليمني الأخير. وتشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الجانب الأمريكي يضغط على إسرائيل للتوصل إلى صفقة في غزة، إذ إن التصعيد هناك لا يصب في مصلحة بيئة التفاوض لإنهاء الملفات العالقة في المنطقة. فالاتفاق مع إيران واليمن سينعكس على جبهة غزة، والعكس صحيح. كما أن الولايات المتحدة بحاجة إلى اتفاق جديد مع إيران لتحصيل منافع اقتصادية لم تُحقق في اتفاق عام 2015، ويُرجّح بعض المراقبين أن هذا هو أحد أسباب انسحاب أمريكا من الاتفاق خلال الولاية الأولى للرئيس “ترامب”.
في ضوء المتغيرات العسكرية والسياسية المتسارعة، يبرز اليمن اليوم كفاعل إقليمي مؤثر يعيد رسم التوازنات في المنطقة. لقد فرض حضورَه من بوابة الصراع العسكري، فانتقل إلى طاولة السياسة بقوة الإنجاز الميداني. وإن كانت الصواريخ قد غيّرت المعادلات، فإن نتائجها ستنعكس حتماً على الملفات الكبرى، من غزة إلى الاتفاق النووي. إنها لحظة إعادة تموضع لقوى المقاومة، ورسالة واضحة: لا استقرار دون حساب لليمن ودوره الجديد.
* كاتب عماني