قداسة البابا تواضروس الثاني يكتب.. الميلاد واستجابة الإنسان
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
أهنئكم أيها الأحباء بالعام الميلادى الجديد، وعيد ميلاد السيد المسيح الذى أتى متجسداً من أجل خلاص كل البشر.
لقد كانت الشعوب فى عصور العهد القديم ترفع الصلوات والطلبات من أجل مجىء المخلص، وكان الله يستجيب بإرسال الأنبياء والأبرار والصديقين، لكى ما يقودوا الناس فى تلك العصور القديمة، وكانت استجابة الله للطلبات والصلوات سبب فرح للإنسان، وتعلم الإنسان أن يختم دائماً صلواته بكلمة «آمين»، وهى الكلمة المشهورة فى جميع لغات العالم التى تعنى «استجب يا رب».
وعلى الجانب الآخر، كان الله يطلب من الإنسان أن يستمع وأن يستجيب لوصاياه، ولذلك نرى هذه الكلمات تتكرر بين أسفار الكتاب المقدس: «من له أذنان للسمع فليسمع» (رؤيا 2: 3)، وتتحدث عن الأذن التى تمثل جهاز السمع والإصغاء لدى الإنسان وبها يستمع لكل ما يقال حوله، فهى بمثابة جهاز استقبال.
ولا نتحدث عن هذا العضو الصغير الموجود فى رأس الإنسان فقط، إنما أيضاً الأذن الداخلية للإنسان، وتتمثل فى قلبه، فكل الأحاديث والآراء التى حولنا تدخل هذا الجهاز وتُترجم قلبياً، ولنا بعد ذلك الاختيار والحرية لقبول ما نسمع أو رفضه أو الاستجابة له، حسب ما يقرر قلبنا وعقلنا وحكمتنا.
هل لاحظت أن كلمة قلب بالإنجليزية وتعنى heart تحوى داخلها كلمة ear أى الأذن، لذا دائماً ما نجد ارتباطاً بين الأذن والاستجابة بقلب الإنسان، فما يسمعه بأذنه يترجمه قلبه، وتكون الاستجابة بحسب هذه الترجمة.
وإذا انطلقنا فى رحلة الإنسان على مدار أيام حياته على الأرض نجده يقابل الكثير من المواقف التى تحتاج منه إلى قرارات، بداية من أصدقاء الطفولة، نوع الألعاب، ما يفضله من أنواع الطعام، إلى اختياراته للدراسة والعمل والارتباط وغيرها من القرارات الكثيرة واليومية، وبحسب استجابته للمواقف تسير أيامه، وبحسب اختياراته يرسم حياته، وهكذا صار على مر الزمان.
نرى فى الأيام الأولى للحياة على الأرض كيف استجابت حواء لنداء الحية، وبعد الحديث معها أذعنت لطلبها، وهكذا أيضاً امتثل آدم لطلب حواء أن يأكل الثمرة، وبحسب خضوعهما للحية واختيارهما لسماع كلماتها، سارت حياتهما، فطُردا من الفردوس بعد أن كسرا وصية الله.
كذلك نتذكر كيف كان نوح البار ينادى الجميع أن يتوبوا وينضموا معه إلى الفلك، لكنهم رفضوا بسبب قساوة قلوبهم، بل تهكموا على من يبنى مركباً على سفوح الجبال، وهكذا هلكوا بالطوفان، وهناك أحداث كثيرة على مر العصور توضح اختلاف استجابة الإنسان بحسب رؤيته للمواقف.
ونحن نؤمن أن الله يستجيب، فقد قال بوعد: «ادعنى فى يوم الضيق أنقذك فتمجدنى» (مز50: 15)، فهو يريد الاستجابة لنا، لكن استجابته تتغير بحسب الزمان والمكان والطلب، وأيضاً بحسب قلب السائل، إن كان يطلب بإيمان، أو يطلب كما لقوم عادة، فقد طلب أبونا إبراهيم من الله ابناً له، ولم يمل من الطلب، فأعطاه الله نسلاً بعد وصوله وزوجته إلى الشيخوخة، وقد قبل الله صلاة يونان النبى بعد مكوثه فى جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، أيضاً استمع الله للقديس سمعان الخراز فى نقل جبل المقطم، وغيرها الكثير من الأمثلة.
وفى احتفالنا بميلاد السيد المسيح له المجد، تظهر أمامنا مجموعات مختلفة من الاستجابات البشرية، وهو ما أود أن أتأمله معكم اليوم:
استجابة القلب المطيع:
فتاة عذراء تجد ملاكاً، يبشرها بولادة ابن الله منها ويقول لها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِى تُظَلِّلكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ». (لو 1: 35)، وبكل الطاعة تجيب: «هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك»، وتستجيب لبشارة الملاك وتستعد لاستقبال ابن الله داخلها. مع أن مريم فتاة صغيرة، لكنها تعلمت كيف تطيع الله، وتؤمن بكلماته، وتعمل كل ما يطلبه منها، ومن اتضاعها الجميل عندما تعلم أن نسيبتها أليصابات العاقر حبلى تذهب مريم عبر الجبال لتخدم أليصابات فى حملها بيوحنا المعمدان، وتقدم مثال التواضع للكل، لذلك نطوبها ونمجدها لأنها صاحبة استجابة قوية ونخصص لها شهراً كاملاً هو شهر كيهك نقدم فيه الصلوات والتسبيحات ونطلب شفاعتها أمام المسيح إلهنا.
استجابة القلب النقى:
رعاة ساهرون فى جو بارد، وهواء الشتاء الرطب، يرعون خرافهم باجتهاد فى السهول والوديان، وفجأة تنير السماء بملاك الرب يبشرهم قائلاً: «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ».
ويدلهم على مكانه، ثم يظهر جمهور من الجند السماوى مسبحين الله قائلين: «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لو2: 14)، «فقال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذى أعلمنا به الرب، فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل وكان طفلاً مضطجعاً مقمطاً» (لو2: 12)، ففرحوا بالعطية الإلهية، واستجابوا لنداء الملائكة «ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوه كَمَا قِيلَ لَهُمْ». (لو 2: 20).
استجابة القلب الواسع
بيت لحم، القرية الصغيرة، كانت تعانى من ازدحام شديد بسبب الاكتتاب خلال هذه الفترة، فقد رجع كل إنسان إلى مكان ميلاده ليكتب اسمه فى السجلات، ليتم عد الشعب بأمر الملك هيرودس، فكان الازدحام شديداً ولا يوجد مكان لإنسان، وكانت البلاد فى ذلك الزمان عبارة عن مساكن للبشر ومساكن للحيوانات، ولم يجد يوسف النجار مكاناً يذهب إليه مع مريم العذراء خطيبته ويبيتان فيه، حتى عرض عليهما صاحب بيت، لا نعرف اسمه، أن يستقبلهما، لكن ولضعف إمكانياته، فى مذود البقر، وهكذا استقبل أهل بيت لحم المولود فى قريتهم، فتباركت هذه البلدة من الله بسبب استقبالها للطفل يسوع.
استجابة القلب المتلهف أو المشتاق:
أناس علماء يدرسون الفلك والنجوم، رأوا سماء مليئة بالنجوم ولكن بينها نجم خاص، فتركوا كل شىء وذهبوا وراء النجم، لم يعلموا إلى أين يقودهم، وقد تطول فترة سفرهم بالشهور، لكنهم لم يفكروا كيف يسيرون، لأنهم يثقون أن هناك حدثاً عظيماً ويجب أن يسيروا وراءه، واختاروا المسير، ووصلوا إليه بعد تتبع النجم، وفى مقابلتهم للطفل يسوع قدموا أثمن الهدايا، واثقين أنه ليس طفلاً عادياً حتى لو مولود فى مذود متواضع بسيط، وبعد مقابلتهم له غيروا طريق عودتهم لأنهم آمنوا أنه ملك بقلوبهم لا بعيونهم.
استجابة القلب الشرير:
إنه مَلك خاف على مُلكه حين سمع من المجوس أن النجم الظاهر هو لملك عظيم، قتل الآلاف من الأطفال حتى يستمر مُلك هيرودس ولا يزعزعه أى قادم، وغضب من المجوس بسبب عدم عودتهم له، وعدم إخباره بمكان المولود، لم يفكر سوى بنفسه ومملكته وسلطته.
وهكذا ومواقف كثيرة أخرى فى حادثة الميلاد تظهر التباين بين الاستجابات بحسب القلوب، وما زالت الأصوات تعلو فى العالم تنتظر استجابة:
صوت الله يطرق على كل قلب، ليختار الإنسان أن يفتح ليدخل الله ويقيم فى قلبه، أو يغلق ولا يسمح لله بالدخول.
صوت الوصية الإلهية، ليستجيب الإنسان لها أو أن يكسرها بإرادته ويفعل ما يحلو له فى العالم، ويسير فى طريق الإلحاد وخطايا المثلية والإدمان بكل أنواعه وغيرها الكثير.
صوت الإنسانية الصارخة، ونحن جميعاً نسمعها الآن، من خلال الحروب التى انتشرت حولنا، ورد فعل العالم لها، وكيفية استجابة الشعوب لهذا الصراخ، تسمع وتستجيب أم تصم أذنيها عن الأنين الخارج من الشعوب المحطمة فى الحروب.
لقد كانت فترة الصوم الميلادى فرصة لإصلاح الأذن الداخلية فى قلب الإنسان، ليستطيع الاستماع والاستجابة، ومكتوب: «يستجيب لك الرب فى يوم شدتك»، فإذا كانت القلوب نقية فإنها تعرف كيف تسمع وتستجيب، ولأن العالم يضج بالحروب والنزاعات فهو لا يستطيع أن يستمع للصوت الإلهى الصارخ من أجل الدمار والصغار والنساء والقتلى والمجروحين والأنين الخارج من النفوس المحطمة.
إننى هنا يجب أن أشيد برد الفعل المصرى لما يحدث فى المنطقة، وكيف وقفت مصر بجانب الشعوب بمساعدات متنوعة، وأقامت مؤتمراً دولياً لإحلال السلام، ولم يألو الرئيس عبدالفتاح السيسى جهداً يبذله من خلال المباحثات والمشاورات لأجل مستقبل المنطقة.
وقد خصصت الكنيسة شهر كيهك كاملاً للصلاة من أجل إحلال السلام فى العالم كله، ليحل السلام من ملك السلام المولود.
فى النهاية.. هذا اليوم هو فرصة لكل إنسان أن يراجع استجاباته.. السيد المسيح أتى لينير الإنسانية ويضىء قلوب البشرية، يطلب منا أن يحل السلام، فهل يستجيب العالم لندائه؟ سؤال ينتظر إجابة من كل إنسان.
أخيراً، إننى أنتهز هذه الفرصة لكى ما أشكر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على زيارته وتهنئته لجموع المصريين بهذا العيد المجيد، ونهنئ أنفسنا على انتخابه لقيادة البلاد فى المرحلة القادمة، واستكمال خطة بناء الدولة بالمشروعات والإنجازات العظيمة.
كما نشكر كل رجال الدولة الذين قدموا لنا التهنئة بالحضور والمقابلات والمكالمات والرسائل، ونصلى أن يديم الله المحبة والروابط العميقة التى تربط جميع المصريين، على أرض هذا الوطن العزيز، كل عام وأنتم بخير.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محبة المسيح رسائل السلام التسامح هوية المصريين من أجل
إقرأ أيضاً:
دستور نجاح الخدمة.. البابا تواضروس يوصي الأساقفة الجدد بـ 9 مبادئ
تمت صباح اليوم في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية سيامة ثمانية أساقفة جدد، بيد قداسة البابا تواضروس الثاني والاباء المطارنة والأساقفة، وذلك في قداس عيد مجئ السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى أرض مصر.
القداس الإلهيووضع قداسة البابا تواضروس الثاني اليد الرسولية على الرهبان الثمانية المتقدمين لنوال درجة الأسقفية، حيث تمت سيامة أربعة أساقفة إيبارشيات اثنين منهم لإيبارشية ديرمواس ودلجا، وإيبارشية جنوبي ألمانيا ودير القديس الأنبا أنطونيوس بكريفلباخ، والأسقفين الآخرين لإيبارشيتين جديدتين هما ايبارشية مطروح والخمس مدن الغربية، وإيبارشية برج العرب والعامرية.
كما تمت سيامة أسقف ورئيس لدير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي بمحافظة البحيرة، وثلاثة أساقفة عموم، لقطاع كنائس عين شمس والمطرية وحلمية، وقطاع كنائس حدائق القبة والوايلى والعباسية ومنشية الصدر، والثالث سيخدم أسقفًا عامًا مساعدًا لنيافة الأنبا شاروبيم بإيبارشية قنا.
بينما تم أمس في العشية الإعلان عن تجليس نيافة الأنبا إيلاريون الأسقف العام على إيبارشية البحيرة وتوابعها.
مشاركة واسعةشهد القداس مشاركة من الآباء المطارنة والأساقفة ووكيلي البطريركية بالقاهرة والإسكندرية، وعدد كبير من الآباء الكهنة والرهبان وممثلين عن شعب كل إيبارشية تمت سيامة أسقف لها.
وعقب قراءة الابركسيس دخل موكب الآباء الرهبان الثمانية إلى داخل الكنيسة، يحيط بكل واحدٍ منهم يمينًا ويسارًا أثنين من أحبار الكنيسة، وأمامهم خورس الشمامسة وهم يرتلون لحن "تي جاليلي آآ" الذي يصلى في عيد دخول السيد المسيح أرض مصر، واستقبلهم الشعب بسعادة كبيرة عبروا عنها بالتصفيق وإطلاق الزغاريد.
وقبل بدء الصلوات أشار قداسة البابا إلى أن سيامة الأساقفة تكون بعد قراءة فصل الابركسيس لأن عملهم يعد امتدادًا لعمل الآباء الرسل الذين أرسلهم السيد المسيح للكرازة، أما سيامة الكاهن فتكون عقب صلاة الصلح لأنه عمله الأول أن يكون مصليًّا وشفيعًا."
واضاف: "ومن هنا تكتسب درجة الأسقفية جلالها وقيمتها ومستواها الرفيع"
ولفت: "نصلي ونطلب لأجلهم لكيما يعطيهم الله ليكونوا أمناء إلى النفس الأخير، طالبين للنعمة في خدمتهم المقبلين عليها."
ثم صلى قداسته صلاة الشكر. تلاها تلاوة الآباء المطارنة والأساقفة، لتذكية الأب الأسقف، أعقبها الطلبة، ثم التف الآباء المطارنة والأساقفة حول كل راهب من الثمانية ووضعوا أيديهم عليه، لحظة نطق قداسة البابا اسمه الأسقفي الجديد، حيث ينطق قداسته الاسم ثلاث مرات، مباركًا باسم الآب والابن والروح القدس.
أسماء الأساقفة الجددوالآباء الأساقفة الثمانية الجدد، هم:
- نيافة الأنبا باخوميوس، أسقفًا ورئيسًا لدير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، بمحافظة البحيرة.
- نيافة الأنبا كاراس، أسقفًا لإيبارشية مطروح والخمس مدن الغربية.
- نيافة الأنبا مينا، أسقفًا لإيبارشية برج العرب والعامرية.
- نيافة الأنبا بقطر، أسقفًا لإيبارشية ديرمواس ودلجا، بمحافظة المنيا.
- نيافة الأنبا ديسقورس، أسقفًا لإيبارشية جنوبي ألمانيا ورئيسًا لدير القديس الأنبا أنطونيوس بكريفلباخ.
- نيافة الأنبا أولوجيوس، أسقفًا عامًا، وتم تكليفه برعاية قطاع كنائس عين شمس والمطرية وحلمية الزيتون.
- نيافة الأنبا أثناسيوس، أسقفًا عامًا، وتم تكليفه برعاية قطاع كنائس حدائق القبة والوايلى والعباسية ومنشية الصدر.
- نيافة الأنبا إغناطيوس، أسقفًا عامًا، وتم تكليفه بمعاونة نيافة الأنبا شاروبيم مطران إيبارشية قنا (بناءً على طلب نيافته).
وعقب انتهاء طقس السيامة تلا الآباء المطارنة والأساقفة عليهم وصية الأب الأسقف، ثم التقطت صورًا تذكارية للأساقفة الجدد مع قداسة البابا ثم توسط قداسته أعضاء المجمع المقدس للكنيسة وحوله الأساقفة الجدد والتقطت لهم صورة تذكارية.
وفي عظة القداس قال قداسة البابا: "نجتمع في هذه الأيام المباركة التي نحتفل فيها بالقيامة والصعود، واليوم نحتفل بعيد دخول السيد المسيح أرض مصر، ونحتفل أيضًا بإضافة ثمانية من الآباء الأساقفة الجدد إلى جانب تجليس نيافة الأنبا إيلاريون.
وعن إنجيل القداس تناول قداسته الآية الواردة فيه: "اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً." (يو ١٦: ٢٤)، وعلق: "هذه الآية تعتبر قانونًا روحيًّا لنا جميعًا، ويمكن أن نضيف عليها كلمتي الإيمان والصبر، اطلبوا بإيمان تأخذوا بالصبر فيكون فرحكم كاملاَ، فنحن نعيش بالإيمان، وإيماننا هو الذي يعطي كنيستنا الطاقة والقوة من جيل إلى جيل. والصبر دائما هو عمل ونعمة كبيرة يعطيها الله للإنسان ومنه يحصد منافع كبيرة، وفي سفر الرؤيا تتكرر عبارة "هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤ ١٣: ١٠ و ١٤: ١٢) وأيضًا "بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ." (لو ١٩: ٢١).
ووضع قداسته ٩ مبادئ على غرار ثمار الروح القدس التسعة والتطويبات التسعة التي قالها السيد المسيح في الموعظة على الجبل للآباء الأساقفة الجدد ولكل المطارنة والأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة والخدام.
ولفت قداسته إلى أنه من المهم أن تكون هذه المبادئ دستورًا للجميع تسهم في نجاحهم:
المبدأ الأول: المسيح هو قائد وصاحب الكنيسة: ونحن جميعًا أدوات طَيِّعَة في يد الله، وعندما ننمو في الطاعة يستخدمنا المسيح ويصنع بنا عجبًا، أما إذا وضعت ذاتك في طريق الطاعة فتكون حجر عثرة سيمنع كثيرًا نعمة المسيح وعملها معك.
المبدأ الثاني: الأسقف يسام لأجل الشعب: ليحمل مسؤولية الشعب لذا من المهم أن تتواجد وسط شعبك باستمرار فالشعب يفرح ويشعر بسعادة بتواجد الأب وسطهم على الدوام، فلا تبعد عنهم ووجودك يعطيهم روح الأمان والمحبة والطمأنينة وأيضًا يعمل الله فيك وفيهم.
مبادئ نجاح الخدمةالمبدأ الثالث: الاتضاع هو حارس النعمة والموهبة التي نلتها: الأسقفية هي قمة التاج الإكليروسي ولكننا، في الكنيسة، لا نؤمن بالترقية إلى فوق، فأقصى درجات الخدمة هي حينما ننحني ونغسل أقدام الآخرين، لذلك اعلم أن اتضاعك الحقيقي سيكون سبب استمرار البركة في حياتك، اتضاعك يحرسك ويجعل قنوات النعمة تعمل فيك وبك، وتجد نفسك صغيرًا أمام نعم الله الكبيرة التي تعمل من خلال اتضاعك، لذلك أيها الأحبار الأجلاء احترسوا من الذات والأنانية والنفسانية، وجود الذات هو الذي يعيق عمل الخادم الحقيقي أمام الله.
المبدأ الرابع: لا تهمل حياتك الروحية: لأنك إن خسرت نفسك خسرت كل الأشياء. ويجب ألا تنسى أنك راهب لذا يجب أن تستمر في علاقتك مع أب الاعتراف وفي فترات الخلوة الخاصة والتأمل وفحص النفس والضمير. فلا تنسى نفسك في مشغوليات الخدمة العديدة.
المبدأ الخامس: اشبع شعبك روحيًا وكنسيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا: فشعبنا ينادينا بـ "أبونا" وشعبنا المبارك يتميز بأنه عاش ورضع الإيمان، وهو سبب استمرار الكنيسة منذ تأسيسها على يد القديس مار مرقس وحتى الآن، وينتظر منا أن نساعده ليكون في حالة شبع، وطوبى للجياع والعطاش إلى المسيح فإنهم يُشبعون. هو يحتاج منك أن تشبعه بالمسيح والإنجيل والكنيسة والإيمان والروحيات والتوبة والحياة النقية. لذا من المهم أن تهتم بإشباع كل القطاعات: الأطفال والفتيان والشباب والرجال والنساء والأسرة، والأسر الصغيرة والأسر الضعيفة وذوي الاحتياجات الخاصة ودور الأيتام.
المبدأ السادس: ابتعد عن خطية محبة المال: فهي خطية مميتة، وكما قال السيد المسيح: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ." (مت ٦: ٢٤). فالمال مجرد وسيلة خدمة، وعندما يقع الإنسان في خطية اكتناز المال تُجَمِّد قلبه وتجعله قلبًا غير أمينٍ أمام الله، فما يعطيه لنا الله في أيدينا ليس لنا فضلٌ فيه، وهو يضعه لأجل خدمة الشعب، فهي كنيسته وهو الذي يدبرها، وهو يرسل لشعبه احتياجاته.
المبدأ السابع: لا تتحدث في الغيبيات: وكذلك الأعمال الشيطانية وتفسير الأحلام وكل ما يشبه هذه الأمور، فنحن نصلي: "كل حسد وكل تجربة وفعل الشيطان ومؤامرة الناس الأشرار وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين، انزعها عنا" احذر من الكلام في هذه الأمور سواء في العظات أو الرد على أسئلة الناس، هذه الأمور تصنع ثغرة يتسلل منها الشيطان ويضعك في فخ الكبرياء وبالذات. هذه ضلالات وخطية ولا تليق بكنيستنا فنحن في الكنيسة نبحث فقط عن خلاص النفوس وأن يكون لكل إنسان مكان في الملكوت.
المبدأ الثامن: اعلم أن الله يصنع كل شئ حسنًا في وقته: فلا تتعجل الأمور لكي لا تدخل في دوائر التعب، فقط كن نشطًا وأمينًا واستخدم وزنة الوقت استخدامًا حسنًا.
المبدأ التاسع: الديانة الحقة عند الله هي افتقاد الأرامل واليتامى في ضيقتهم (يع ١: ٢٧): كثيرون يعيشون في ضيقة، والضيقة هنا ليست مادية فقط وإنما بالأكثر اجتماعية ونفسية، لذا اجعل قلبك وبابك مفتوحين للمتضايقين. وكذلك حفظ الإنسان نفسه بلا دنس، فيجب أن نحترس في وسط مشغوليات الخدم لنحفظ أنفسنا من أدناس العالم المتنوعة والمتغيرة.
وطلب قداسة البابا من الآباء المطارنة والأساقفة أن يوجهوا الدعوة للأساقفة لزيارة إيبارشياتهم لاكتساب خبرة التدبير الرعوي، إضافةً إلى دورة التدبير التي حصلوا عليها خلال الأيام الماضية. كما طلب من الجميع أن يصلوا من أجل الآباء الجدد في فترة صوم الرسل بوصفه صوم الخدمة.
وعقب انتهاء القداس دار موكب الآباء الأساقفة الجدد داخل الكنيسة وسط ترتيل خورس الشمامسة لحن "خريستوس آنيستي أووه آفشيناف..." وزغايد النساء تعبيرًا عن الفرحة بسيامتهم، ثم عادوا ليتسلموا عصا الرعاية من قداسة البابا.