سرايا - طال العدوان والتدمير الإسرائيلي خلال 100 يوم من الحرب على قطاع غزة، المشهد الثقافي الفلسطيني بفنانيه ورواده وشواهده ومنشآته والآثار الماثلة منذ قرون، ودُفن تحت رماد الركام تاريخ وأعمال فنية ثمينة.

في 3 أشهر، استشهد 41 فنانا على الأقل في عمليات جيش الاحتلال المختلفة في مناطق قطاع غزة، ومن بين الشهداء أعضاء أطفال في فرق الدبكة الفلسطينية، وفقد الكثير منهم عائلته ومكتبته ومرسمه.



"جين وراثي"

وترى وزارة الثقافة الفلسطينية أن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، هي حرب الرواية والسردية التي تقوم بها دولة الاحتلال من أجل استهداف وجود الشعب الفلسطيني واستكمال جريمة النكبة التي لم تتوقف منذ قرابة 76 عاما.

وتحدث تقرير للوزارة عن استهداف المباني التاريخية والمواقع التراثية والمتاحف والمساجد والكنائس التاريخية، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية من مراكز ومسارح ودور نشر ومكتبات عامة ومحال بيع وجامعات ومدارس وجداريات فنية، وكتب، وكذلك قتل الشعراء والكتاب والفنانين والمؤرخين.

ورأى وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف أن الثقافة الفلسطينية ستظل الجين الوراثي للهوية الوطنية الفلسطينية، مضيفاً أنها "جوهر وأساس سرديتنا التاريخية ومرافعتنا الحقوقية والسياسية".

تشويه معالم المدينة الثقافية

قبل شهور الحرب الثلاثة والمستمرة حتى الآن، وجدت في غزة ثلاثة مسارح كبرى بجانب أماكن عرض محدودة، وقرابة 80 مكتبة عامة، و15 دار نشر ومركز لبيع الكتب، وكذلك 76 مركزا ثقافيا.

لكن وحتى التاسع من كانون الثاني/يناير، تضررت جراء القصف مراكز ثقافية ومؤسسات عاملة في قطاع الثقافة، ورُصد تدمير 24 مركزا ثقافيا بشكل كامل أو جزئي.

ومن بين المراكز المدمرة، مركز رشاد الشوا الثقافي الذي تأسس عام 1985 ويقع في حي الرمال، ويعد أول مركز ثقافي في فلسطين، وتتسع قاعته الكبرى لأكثر من ألف متفرج، ويتم فتح القاعات الجانبية لتتسع لأكثر من ألفين. ويحتوي المبنى الواقع وسط غزة على أكبر وأقدم قاعة مسرح.

وشمل الاستهداف الإسرائيلي تدمير النصب التذكارية في الميادين العامة وتجريفها، وفي بعض المناطق تم رفع العلم الإسرائيلي مكان النصب وسط الميدان.

وقالت وزارة الثقافة، إن جيش الاحتلال تعمد تدمير كل النصب التذكارية في الميادين العامة على طول شارع الرشيد من مفترق السودانية شمال غزة، حتى جسر وادي غزة ويبلغ تعدادها 8 ميادين.

وأمعنت آليات الاحتلال في تشويه معالم المدينة الثقافية، فاستهدفت تمثال العنقاء في قلب ميدان فلسطين في غزة الذي يشير إلى شعار مدينة غزة، واستهدفت المجسم الفني "الحروف"، في منطقة تل الهوى، ودمرت النصب التذكاري لصرح الشهداء الستة في مخيم جباليا وغيرهم الكثير.

وبلغ تعداد ما أمكن إحصاؤه من ميادين ونصب تذكارية تم هدمها 32، من بينها نصب الجندي المجهول والحديقة الخاصة به، وهو من أبرز معالم غزة، ويرمز لنضال الشعب الفلسطيني.

وبني النصب في المرة الأولى في العام 1956 إبان الإدارة المصرية لقطاع غزة، وسبق وأن دمرته قوات الاحتلال عام 1967 وأعادت السلطة الفلسطينية بناءه عام 2000.

واستهدف القصف الإسرائيلي عددا من المكتبات العامة، ورُصد تدمير 5 مكتبات كبرى، منها المكتبة العامة لبلدية غزة، وهي جزء من مباني بلدية مدينة غزة الواقعة في شارع الوحدة والتي تحتوي مئات آلاف الكتب، وأدى القصف إلى احتراق المبنى وتضرره بشكل كبير، لتخسر الثقافة الفلسطينية كنوزا مهمة من الموروث الثقافي خاصة الكتب الفلسطينية التي صدرت قبل النكبة، ونسخ الصحف والمجلات الفلسطينية التي كانت تصدر في القدس ويافا وغيرها قبل النكبة.

وتضررت متاحف قطاع غزة بشكل كبير خلال الحرب المستمرة، ورُصد تضرر 12 متحفا في مناطق قطاع غزة بشكل جزئي أو كلي، وكذلك تضررت المقتنيات الأثرية من أعمدة وجرار وسيوف وأثواب وأدوات معيشة ومخطوطات نادرة.

وعبرت وزارة الثقافة عن قلقها من إمكانية تعرض محتويات المتاحف الفلسطينية في غزة إلى السرقة وتحويلها للمتاحف الإسرائيلية وهو الأمر الذي يتطلب تدخلا دوليا للكشف عن عمليات سرقة الآثار والمقتنيات.

ودُمر مبنى بلدية غزة الواقع في ميدان فلسطين في حي الدرج الذي بني في مطالع القرن العشرين على الطراز الحديث، وتضرر المبنى بشكل كبير واندلعت الحرائق فيه وتدمرت الكثير من مرافقه خاصة.

وتعرض الأرشيف المركزي الواقع في المبنى التاريخي لبلدية غزة للقصف بشكل كامل، ويحتوي المقر على وثائق عمرها أكثر من مائة عام تحتوي على ذاكرة المدينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وهدمت الطائرات الإسرائيلية والدبابات الكثير من المواقع التراثية، والتي تتوزع على الحقب الكنعانية والفينيقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية وفيها الكثير من الشواهد التاريخية التي تكشف عن تاريخ غزة وعن وجود حضاري تعددي.

وطال الاستهداف الإسرائيلي مواقع تراثية كبرى بشكل مركز، مثل ميناء الأنثيدون، وكنيسة جباليا البيزنطية - يعود بناؤها للعام 444 م -، والمقبرة البيزنطية، وموقع تل أم عامر، وتل السكن، وتل المنطار التاريخي، ومقام الخضر، وتل العجول، وتل رفح الأثري.

ودمر جيش الاحتلال الإسرائيلي قصر الباشا في حي الدرج بالمركز التاريخي لمدينة غزة، وهو قصر يقع في البلدة القديمة، ويعد النموذج الوحيد للقصور العائدة إلى العصر المملوكي في زمن الظاهر بيبرس، ويستدل على ذلك بشعار الظاهر بيبرس الموجود على مدخله الرئيس، وهو عبارة عن أسدين متقابلين، وكان يعد مقرا لنائب المدينة في العصرين المملوكي والعثماني.

وتضرر جراء القصف الإسرائيلي عشرة من المساجد التاريخية القديمة التي يعود بناؤها إلى مئات السنين وكنيسة تاريخية بأضرار جزئية أو كاملة، وهي المسجد العمري الكبير، ومسجد السيد هاشم، وجامع الشيخ عبد الله، وكنيسة القديس برفيريوس، وجامع ابن عثمان، ومسجد الشيخ شعبان، ومسجد عثمان بن قشقار الأثري، ومسجد الظفر دمري الأثري، والمسجد العمري جباليا.

ورأت وزارة الثقافة الفلسطينية أن ما تعرض له القطاع الثقافي في قطاع غزة خلال الشهور الثلاثة السابقة للحرب يترك المجتمع الدولي والمنظمات العاملة في قطاع التراث أمام مسؤوليات جسيمة من أجل حماية المواقع الأثرية والمتاحف والمباني التاريخية ضمن حدود واجباتها في قوانين إنشائها وهي المسؤوليات التي لم تقم بها حتى اللحظة.



المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: الثقافة الفلسطینیة الثقافة الفلسطینی وزارة الثقافة جیش الاحتلال الکثیر من قطاع غزة فی قطاع

إقرأ أيضاً:

تدشين المشروع الوطني لأرشيف الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة بمسرح المعهد الثقافي الإيطالي

نظّم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة المخرج عادل حسان، وبإشراف المخرج هشام عطوة رئيس قطاع المسرح، حفل تدشين مشروع الأرشيف الوطني لقاعدة بيانات ودعم الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة والحرة، وذلك بمقر المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة، وبحضور نخبة من المسرحيين والفنانين والباحثين، إلى جانب عدد من ممثلي المؤسسات الثقافية المصرية والدولية، وذلك في خطوة تهدف إلى حماية الذاكرة الفنية المصرية وتعزيز البنية التحتية للقطاع الثقافي برعاية ودعم د.أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة.

وفي كلمته خلال الحفل، أكد المخرج عادل حسان أن المشروع يأتي استجابة لحاجة ملحّة رصدها المركز، في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة وضعف التواصل بين المركز والشارع والمؤسسات والكيانات الفنية المستقلة، مشيرًا إلى أن المشروع يهدف إلى إرساء منظومة مؤسسية متكاملة تُسهم في دعم الممارسين وتطوير البنية المعلوماتية للقطاع الثقافي المصري.

وأوضح حسان أن المركز عمل خلال الأشهر الماضية على وضع تصور شامل لإنشاء أرشيف وطني مستقر يُوحّد الجهود ويؤسس لبنية مهنية طويلة الأمد، مشددًا على أن المشروع يحظى بدعم مباشر من معالي وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، الذي وجّه بضرورة امتداد المشروع إلى المحافظات، وتكليف فرق عمل بالتنسيق مع الهيئة العامة لقصور الثقافة والإدارات الفنية المعنية لضمان التنفيذ الفعّال على مستوى الجمهورية.

وأضاف أن المشروع لا يقتصر على جمع البيانات فحسب، بل يشمل أيضًا تقديم خدمات بحثية وفنية للفرق المستقلة، وتوفير مساحات ثقافية لاستضافة الفعاليات، إلى جانب توفير مسارات للدعم اللوجيستي الخاص بالمهرجانات، بما يتيح فرص مشاركة عادلة ومنظمة للفرق في مختلف الفعاليات الثقافية.

وشهد الحفل مداخلة للمخرج أحمد العطار، عبّر فيها عن تقديره لإطلاق هذا المشروع، مؤكدًا أن المجتمع الفني المستقل عانى طويلًا من غياب التوثيق وصعوبة الوصول إلى المعلومات، مما أدى إلى ضياع جزء كبير من الأرشيف الفني المصري. وأشار إلى أن حجم المادة الفنية المتراكمة — من عروض وصور ونصوص وأرشيف شخصي — ضخم للغاية، وأن جزءًا كبيرًا منها مهدد بالاندثار بعد رحيل أصحابها، داعيًا إلى استخدام أدوات تكنولوجية حديثة تتيح الأرشيف للباحثين والمهتمين بشكل عصري وآمن، معتبرًا أن المشروع يمثل خطوة جوهرية نحو إنقاذ الذاكرة المسرحية المصرية.

من جانبه، قال رامي دسوقي، المدير المالي والإداري باتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية (EUNIC)، الجهة المستضيفة لانطلاق المشروع، أن هذه المبادرة تمثل خطوة هامة لتوثيق مشهد محوري من مشاهد المسرح المصري، مشيدًا بانفتاح وزارة الثقافة ودعمها المتواصل لمثل هذه المبادرات، وموجهًا الشكر للوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو على دعمه وإيمانه بأهمية المشروع.

وتضمّن الحفل عرضًا تقديميًا شاملاً لهيكل المشروع ورؤيته ومراحله التنفيذية، قدّمته منى سليمان - عضو اللجنة التنفيذية للمشروع -، حيث استعرضت مراحل الإعداد والتصميم، وآليات تسجيل وتصنيف الفرق، وتقديم الدعم الفني واللوجيستي، والتدريب والتطوير، وصولًا إلى آليات التقييم والتحديث الدوري لضمان استدامة المشروع.

واختُتمت الفعالية بجلسة نقاشية موسعة مع الفنانين والحضور، تناولت التحديات التي تواجه عملية التوثيق الفني، وسبل تعزيز التعاون بين المؤسسات الرسمية والمجتمع الفني المستقل، بما يضمن حفظ الإرث المسرحي وإتاحته للأجيال القادمة.

وتتشكل اللجنة التنفيذية للمشروع برئاسة المخرج عادل حسان، وعضوية نخبة من الفنانين والخبراء، وهم: المخرجة عبير علي، المخرج سامح مجاهد (مدير فرقة مسرح الغد)، المخرج تامر كرم (مدير فرقة مسرح الشباب)، الكاتب سامح عثمان ( مدير التدريب بالادارة العامة للمسرح بهيئة قصور الثقافة)، الفنانة منى سليمان (مدير ثقافي)، الأستاذة دينا فوزي (مدير رقابة المسرحيات بالرقابة على المصنفات الفنية)، الأستاذة جيهان علام (المدير المالي والإداري بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون لشعبية)، ويشغل الدكتور محمد أمين عبد الصمد (مدير إدارة تراث الفنون الشعبية بالمركز) مقررا للجنة، وستضم اللجنة لاحقا عدد من الفاعلين في المسرح و الموسيقى والفنون الشعبية.

ويُعد هذا المشروع، في مرحلته التأسيسية الأولى، خطوة استراتيجية نحو بناء أرشيف وطني شامل للفرق الفنية المستقلة، بما يضمن حماية التراث الفني المصري، ودعم استدامة الإبداع، وتوفير بنية عمل آمنة ومنظمة تسهم في تطوير المشهد الثقافي على مستوى القاهرة والمحافظات.

مقالات مشابهة

  • لوموند: العنف الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية يُثير قلق المجتمع الدولي
  • «لوموند»: العنف الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يثير قلق المجتمع الدولي
  • عاجل | مجمع الشفاء الطبي: شهيد بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي خارج مناطق انتشاره بجباليا شمالي قطاع غزة
  • مستوطنون يدخلون قطاع غزة أمام أنظار جيش الاحتلال
  • تدشين المشروع الوطني لأرشيف الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة بمسرح المعهد الثقافي الإيطالي
  • الجوائز الثقافية الوطنية: منظومة تكرّم المبدعين وتوثّق الحراك الثقافي
  • 383 شهيداً في قطاع غزة منذ اتفق وقف الحرب
  • الأردن يحتفل بإدراج شجرة الزيتون “المهراس” على قائمة التراث الثقافي
  • الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 70 ألفا و369 شهيدا
  • الوفد المصري يحتفل بتسجيل الكشري في قوائم التراث الثقافي غير المادي