القوى المدنية قادرة على إنهاء احتكار العسكريين لمستقبل بلادنا (5 – 10)
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
تعرض المقال الأول للأهمية القصوى لإيقاف الحرب ومعالجة أسبابها، التي لن تتم بدون وحدة القوى المدنية، للدفاع عن التصور الديمقراطي لحل هذه الأزمة الكارثية. وكان المقال الثاني بعنوان " من يحمي الديار من حماة الديار؟" ومقولته الأساسية ان الخطر على استقرار الشعوب يأتي من الجيوش، عندما تنتزع السلطة. أما المقال الثالث فقد واصل، نفس الطرح، بتأكيد ان أكبر وأعظم المخاطر على الجيوش تأتي من الانقلابات التي تتحدث، زورا، باسم الجيوش نفسها.
أثبت تطور المعارك، ما أعلناه منذ اندلاع الحرب، انه لا يمكن لاي طرف الانتصار وانهاء الحرب عسكريا. لم يكن ذلك الطرح تنظير غير واقعي. فتوازن القوة على الأرض في 15 أبريل، أوضح حقائق منها ان الحرب ستكون بين جيشين يملكان قدرات كبيرة، ولكنها متقاربة، بينما يتفوق الجيش بامتلاكه سلاح الطيران، فان الدعم السريع يملك قوات على الأرض لا يملكها الجيش. وهذا كان نتاجا طبيعيا لسياسات البشير والبرهان، التي أدت لان يقفز عدد جنود الدعم السريع من 30 ألف عند تأسيسه في 2013، قبيل اندلاع الحرب، لأكثر من 100 ألف جندي. يتمركزون في مواقع استراتيجية في العاصمة الخرطوم، ويملك إمكانيات مهولة. ورغم تحذير القوى السياسية من خطورة وجود جيشين، بالإضافة لجيوش الحركات الدارفورية، ولكن أطماع البرهان، وبدعم من الاسلامويين، لم تنتبه للقنبلة المؤقتة التي تجلس عليها بلادنا.
المبدئي والاساسي الآن، بذل كل الجهود لإيقاف الحرب، بعد الدمار، غير المسبوق، الذي سببته. ويكفي لمعرفة حجم ذلك الدمار ان البروفسير حامد التجاني، الاقتصادي السوداني المرموق، قدر خسارة بلادنا بما يساوي 120 مليار دولار، وان بلادنا تحتاج لعشرين عاما للتعافي. والمؤلم ان التعافي المقصود هو الرجوع لحالنا، كما كان، في 15 أبريل بكل صعوباته ومشاقه وتدهوره.
تستدعي هذه الصورة القاتمة التحرك الجاد من كل أبناء الوطن. لكن هناك عدد من القضايا الهامة يجب التداول حولها، ومن ثم الاتفاق حول الخطوات اللاحقة:
في مقدمة القضايا: هل تملك القوى المدنية القدرة على إيقاف الحرب؟
الحقيقة الأساسية ان أي حرب في العالم تنتهي بالتفاوض. وحاليا هناك محاولات من المجتمع الدولي لتنظيم تفاوض لإيقاف الحرب وتوفير المساعدات الإنسانية للمتضررين. للمجتمع الدولي مصلحة حقيقية في إيقاف الحرب في السودان، حتى لا ينهار السودان ويتفكك. وذلك لعدة أسباب منها ان موقع السودان الاستراتيجي سيؤدي لتأثيرات خطيرة على دول الجوار. كما ان انهيار الدولة السودانية سيؤدي لقيام عدة دويلات صغيرة في حالة حرب مستمرة، مما سيضاعف الكارثة الإنسانية. وجود دويلات صغيرة سيفتح الباب للجماعات الإسلامية المتطرفة لانتزاع احداها كقاعدة لتجميع مقاتليها ثم انطلاق هجماتها. استمرار الحرب سيؤدي لزيادة المآسي الإنسانية والرأي العام في الغرب سيضغط الحكومات لتفعل شيئا. السودان المنهار سيكون معبرا هاما لما يسمى بالهجرة غير الشرعية، وهي أكبر مخاوف اوربا. بلد بحجم بلادنا وبكل موارده ستكون مثار تسابق الشركات الكبرى، لاحتياج العالم للمواد الخام والغذاء، وستضغط دولها، بقوة، لتحقيق السلام لأنها لا يمكن ان تستثمر في ظل عدم الاستقرار. هذه باختصار بعض العوامل التي تفرض على المجتمع الدولي للتحرك. وهنا يأتي دور القوى المدنية بالإصرار على وجودها في المفاوضات وسماع الصوت المدني، حتى لا تكون المفاوضات بين العسكريين لاقتسام السلطة مرة اخري. وبيان قمة الايقاد الذي صدر يوم 18 يناير به قرار ان يجتمع المدنيون السودانيون لوحدهم لتحديد خارطة الطريق لإقامة نظام مدني ديمقراطي، بل حدد شهرا لإنجاز ذلك. فهل ترتفع قوانا المدنية للاستجابة لهذا التحدي؟
أنجزت تنسيقية تقدم اختراقا أوليا بإعلان أديس ابابا، وهو اعلان مبادئ قابل للتطوير والتعديل. وقبول الحلو وعبد الواحد والبعث على الحوار خطوة جيدة واتمني ان تثمر عن حوار مثمر يؤدي لتطوير حقيقي للإعلان، ومن ثم تقوية وتوحيد الصوت المدني، وان يكون طرفا فاعلا في المفاوضات ليس كوسيط، بل كمعبر عن طموحات الشعب السوداني في نظام مدني ديمقراطي.
تكرر الحديث عن الخلافات السياسية الحادة بين القوي المدنية. نعم من سمات القوى المدنية اختلاف وجهات النظر، بل نجد في أحزاب البلدان الديمقراطية تعدد وجهات النظر داخل الحزب الواحد، وخير مثال حاليا حزب المحافظين في بريطانيا. الاختلافات السياسية تكون في الرؤى الاستراتيجية، ولكن هناك ما يجمع بينها في برنامج الحد الأدنى. وهل هناك من يعترض على إيقاف الحرب؟ وهذا هو الهدف الأساسي الذي يجمعنا. وللحركة السياسية السودانية باع طويل وخبرات تاريخية في العمل معا من انجاز هدف أساسي.
المسالة ليست سهلة، ولا تتميز بالبساطة، بل هي اعقد بكثير مما تظهر. فهناك دول إقليمية، كالإمارات ومصر وإيران، تدعم المقاتلين وتمدهم بما يحتاجون اليه للمواصلة. وهناك ضعف التأثير الأمريكي، لتناقضات صنع القرار في أمريكا، وضعف اهتمام قمة السلطة بالسودان. وهناك اختلاف المناهج والرؤى بين السعودية وامريكا. اما الايقاد فوضعها معقد، فهي تعاني من الصراعات الداخلية، كما توجد لأقطارها مصالح مختلفة ومتناقضة في بلادنا. لذلك المخرج هو توحيد المنابر والاستفادة من تجربة المفاوضات التي أنجزت اتفاقية السلام الدائم. وأن تستفيد القوي المدنية من خبرات وعلاقات تجمع الدبلوماسيين السودانيين.
اختم وأقول ان توحيد الموقف المدني، رغم الاختلافات وتباعد الآراء، حول قضية واحدة هي العمل معا لإيقاف الحرب، وتوصيل المساعدات الإنسانية لشعبنا الممكون، هو الهدف الذي لا يعلو عليه هدف آخر..
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة لإیقاف الحرب
إقرأ أيضاً:
ترقب فلسطيني ودولي.. هل يصمد مقترح ويتكوف حتى إنهاء الحرب على غزة؟!
◄ "حماس" تسلّم الوسطاء ردها على مقترح ويتكوف
◄ المقترح ينص على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما بضمان من ترامب
◄ مسؤول في المقاومة: الرد على المقترح إيجابي ونسعى لإدخال بعض التعديلات
◄ ملاحظات "حماس" تتعلق بضمان استمرار وقف الحرب وإدخال المساعدات
◄ محللون يرون أن المقترح يصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي
الرؤية- غرفة الأخبار
يعيش سكان قطاع غزة حالة من الترقب أملاً في التوصل إلى اتفاقٍ ينهي حرب الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ 20 شهرا، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إلزام إسرائيل بوقف الحرب والالتزام بالقوانين الدولية والمواثيق الأممية.
وفي آخر التطورات فيما يخص المقترح الأمريكي الأخير، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أنها سلمت، السبت، ردها على المقترح الأخير للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى.
وقالت حماس في بيان "في إطار هذا الاتفاق، سيتم إطلاق سراح 10 من أسرى الاحتلال الأحياء لدى المقاومة، إضافة إلى تسليم 18 جثمانا، مقابل عدد يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين".
وأوضحت أنها سلمت ردها إلى الوسطاء "بعد إجراء جولة مشاورات وطنية وانطلاقا من مسؤوليتنا العالية تجاه شعبنا ومعاناته" بما يُحقق "وقفا دائما لإطلاق النَّار وانسحابا شاملا من قطاع غزة وضمان تدفق المساعدات إلى شعبنا وأهلنا في القطاع".
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول في حماس قوله إن الحركة ردت بشكل إيجابي على مقترح ويتكوف وتسعى لإدخال بعض التعديلات.
ونشرت وسائل إعلام إقليمية ودولية، معلومات حول هذا المقترح الأميركي الذي ينص على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما، يضمن خلالها الرئيس دونالد ترامب التزام إسرائيل بوقف القتال.
كما يقضي الاتفاق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة فورا وتوزيعها عبر قنوات متفق عليها، بما في ذلك الأمم المتحدة.
وفي تصريحات أخرى لمصادر مطلعة على المفاوضات، فإنَّ من بين ملاحظات حماس على المقترح منع تسليم المختطفين الإسرائيليين على مدار يومين فقط في الأسبوع الأول من الهدنة كما تحدده ورقة ويتكوف، بل سيكون على مراحل كما جرى في الصفقة الماضية لضمان سريان الاتفاق كاملاً على مدار شهرين.
وبينت المصادر أنَّ الملاحظات تتعلق بضمانات وقف الحرب غير الواضحة في الورقة المقدمة، وحتى بالتزام استمرار وقف إطلاق النار خلال المدة المحددة بـ 60 يوماً، إلى جانب واقع إدخال المساعدات الإنسانية الذي تحاول الورقة المقترحة ربطه بأشياء طُلب من الحركة تنفيذها، وقضية الأثمان التي ستُدفع مقابل الإفراج عن المختطفين الإسرائيليين.
وقالت المصادر في حينه إن المقترح يحمل الكثير من "الأفخاخ"، والكثير من شروطه تعقّد المشهد بالنسبة للفلسطينيين، مشيرةً إلى أن العديد من المعضلات كانت واضحة في نص ما قُدم، ومن بينها أنه لا يضع مدة الستين يوماً ملزمة بشكل واضح لاتفاق وقف إطلاق النار، ويضعها فضفاضة من دون إلزام إسرائيل بها، أو حتى تمديدها في حال نجاحها، وهذا يعني السماح لإسرائيل بشكل أوضح بالعودة لتنفيذ هجمات بغزة على الطريقة اللبنانية كلما أرادت ذلك، بعد اليوم السابع، وهو الموعد المحدد لتسليم من تبقى من المختطفين، ثم استئناف الحرب بشكل كامل بعد الستين يوماً.
كما يحدد المقترح عدداً محدداً من دون أي معايير متفق عليها بشأن تبادل الأسرى، من خلال إطلاق سراح 125 أسيراً من المحكوميات المؤبدة والعالية فقط، وهو رقم لا يناسب عدد من سيُفرج عنهم من الأحياء والقتلى الإسرائيليين، ولا يصل حتى إلى المعايير التي تم استخدامها في مرحلة وقف إطلاق النار السابقة.
وقالت المصادر في حينه، إن قيادة حركة "حماس" بعد الاطلاع على صياغة المقترح رأت فيه أنه يتبنى الرؤية الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، حتى فيما يتعلق بأثمان الإفراج عن المختطفين من الأحياء والأموات.