إسرائيل.. نقطة أمريكا العمياء
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
إسرائيل.. نقطة أمريكا العمياء
يكشف التاريخ الأمريكى أن نهج بايدن لا يختلف جذريا عن سياسة كل الإدارات الأمريكية منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.
نهج بايدن «تتويج للنهج الأمريكى التقليدى فى التعامل مع إسرائيل والفلسطينيين، وهو نهج يتميز باتساقه الملحوظ عبر الإدارات الجمهورية والديمقراطية».
كانت إدارة ترامب الأكثر قسوة على الفلسطينيين، بوقفها تمويل الأنروا، ونفي حالة «الاحتلال»، وإنهاء تمثيل فلسطينى بواشنطن، وما قام به بخصوص القدس.
تصرفات الرئيس جو بايدن من الدعم والمشاركة فى العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة دفع بالعمى الأمريكى إلى حدود لم يتخيلها أغلب الأمريكيين أنفسهم.
لم تطالب إدارة بايدن، بوقف إطلاق النار، رغم استشهاد أكثر من 26 ألف فلسطينى وجرح أكثر من 100 ألف آخرين، إضافة لتدمير كل سبل الحياة فى القطاع.
تتعامى الإدارات الأمريكية عن عدة حقائق فى تناول ما يُسمى «عملية سلام الشرق الأوسط» بالعقود الأخيرة، فتتجاهل حقوق شعب فلسطين، وتبنى وجهة نظر إسرائيل، مما أدى لحدث 7 أكتوبر.
* * *
بعد مرور أكثر من 100 يوم على بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة عقب بدء عملية طوفان الأقصى، لم تطالب الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها جو بايدن، بوقف إطلاق النار، رغم استشهاد أكثر من 26 ألف فلسطينى وجرح أكثر من 100 ألف آخرين، إضافة لتدمير كل سبل الحياة فى القطاع.
وفي حين أن تصرفات إدارة بايدن تعد غير مسبوقة فى الطريقة التى تدعم بها واشنطن هجمات إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين، إلى درجة رفض الدعوة لوقف إطلاق النار، وما يصاحب ذلك من شحن يومي للذخائر والأسلحة الأمريكية لإسرائيل؛ يكشف التاريخ الأمريكى أن نهج بايدن لا يختلف جذريا عن سياسة كل الإدارات الأمريكية منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.
* * *
يرى بعض المعلقين أن إدارة بايدن أظهرت تطرفا فى تقديمها للدعم العسكرى والدبلوماسى والعاطفى والسياسى لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر، فى حين يرى آخرون أن الدعم لم يتغير خلال السبعين عاما الماضية، وإن اختلف شكل تقديمه.
ويكشف كتاب الباحث ثاقب الرؤية خالد الجندى «النقطة العمياء: أمريكا والفلسطينيون من بلفور إلى ترامب»، عند وضعه فى سياق أحداث طوفان الأقصى وما تبعها، أن نهج بايدن هو «تتويج للنهج الأمريكى التقليدى فى التعامل مع إسرائيل والفلسطينيين، وهو نهج يتميز باتساقه الملحوظ عبر الإدارات الجمهورية والديمقراطية».
كما يشير عنوان الكتاب إلى عمى الإدارات الأمريكية المتتالية عن عدة حقائق فى تناولها لما يُطلق عليه «عملية سلام الشرق الأوسط» على مدار العقود الأخيرة، نتج عنه تجاهل حقوق الجانب الفلسطينى، وتبنى واشنطن لوجهة النظر الإسرائيلية، وهو ما أدى فى النهاية لما جرى يوم 7 أكتوبر.
* * *
اختارت واشنطن أن تعمى بصرها عن التباين الشاسع فى القوة بين الطرفين، ومارست باستمرار ضغوطا غير متناسبة على الطرف الفلسطينى الأضعف، مع القليل جدا من الضغط المقابل على الطرف الإسرائيلى الأقوى.
وفى الوقت الذى تجاهلت فيه واشنطن الديناميات الداخلية للسياسة الفلسطينية، تبنت الولايات المتحدة مواقف منحازة للسياسة الإسرائيلية، وتراجعت باستمرار أمام القادة الإسرائيليين تحت ذريعة اللجوء للانتخابات وتجنب انهيار الحكومات الائتلافية.
ودفعت مواقف واشنطن المهادنة للسياسات الإسرائيلية التى لم ينتج عنها أى تقدم فى تفتيت السياسة الفلسطينية بعدما فشلت فى إيجاد دولة للشعب الفلسطينى، هو ما أدى تاريخيا إلى ظهور جماعات المقاومة ضد إسرائيل، وعلى رأسها حركة حماس.
* * *
تجاهلت واشنطن الحقوق الفلسطينية نتيجة عماها تجاه إسرائيل، واختلف حجم العمى فى تفاصيل غير مؤثرة على مر السنين ومن إدارة إلى أخرى، إلا أن العمى كان دائما موجودا. رفضت إدارات ترومان وأيزنهاور وكينيدى جميعها التعامل مع مسألة تقرير المصير الفلسطينى، حيث أذعن الرؤساء الأمريكيون بشكل مطرد لرفض إسرائيل إعادة أى لاجئ فلسطينى من 1948، وهو ما سمح للرئيس ليندون جونسون بإنكار وجود قضية اللاجئين الفلسطينيين، مع توسيع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، ومنع الإجراءات التى تعارضها إسرائيل فى الأمم المتحدة.
وبعد حرب 1967، تبنت واشنطن رواية روج لها هنرى كيسنجر تتعلق بخلق «عملية سلام» عربية إسرائيلية مع إبقاء الفلسطينيين خارج العملية الدبلوماسية. ثم ركزت إدارات نيكسون وفورد وريغان، على رفض التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية لأطول فترة ممكنة، وأثبت كارتر أنه الاستثناء من هذه القاعدة، ولكن كما يوضح كتاب الجندى، كانت يداه مقيدة إلى حد كبير بأفعال أسلافه.
* * *
وفى عهد بيل كلينتون، اختارت واشنطن تجاهل أن العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست علاقة صراع فحسب، بل علاقة احتلال تسيطر فيه إسرائيل بشكل مباشر على حياة ملايين الفلسطينيين.
ونظرا للروابط الوثيقة بشكل غير عادى بين الدولتين، والتأثير المفرط للوبى المؤيد لإسرائيل، كان من الأسهل والأقل تكلفة من الناحية السياسية بالنسبة للمسئولين الأمريكيين التركيز على جوانب فنية معقدة تستهلك طاقة الطرف الفلسطينى مثل إصلاح السلطة الفلسطينية وتحسين الأمن الإسرائيلى، بدلا من الضغط على القادة الإسرائيليين بشأن قضايا هامة مثل بناء المستوطنات الإسرائيلية، أو احترام الحقوق الفلسطينية.
استمرت حالة العمى الأمريكى فى إدارات كلينتون وبوش وأوباما على حد سواء، حيث ضمنت عملية السلام عدم تحقيق أهدافها النظرية، وبدلا من ذلك شجعت المتطرفين والمتشددين على كلا الجانبين، لذا زاد العنف وتوسع الاحتلال الإسرائيلى.
اكتفى الرؤساء الثلاثة فقط بالتنديد ببناء المستوطنات، وادعوا أنهم يدعمون قرار الأمم المتحدة رقم 242، دون العمل على تحقيقه على أرض الواقع.
ثم جاء الرئيس دونالد ترامب، ليتجاهل الفلسطينيين فى وقت خشى الحكام العرب من تهوره، وهو ما سمح له بنقل السفارة الأمريكية للقدس التى اعترف بها عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل دون أى محاسبة أو موقف من الجانب العربى.
* * *
وتضاعف العمى تجاه إسرائيل مع وصول بايدن للحكم مع غياب أى رغبة أمريكية فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى أو حتى العودة لمسار عملية السلام التفاوضى عديم القيمة.
وربما كانت إدارة الرئيس السابق ترامب الأكثر قسوة على الفلسطينيين، بوقفها تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والاستغناء عن مصطلح «الاحتلال»، وإنهاء التمثيل الدبلوماسى الفلسطينى فى واشنطن، وما قام به بخصوص القدس، إلا أن تصرفات الرئيس جو بايدن من الدعم والمشاركة فى العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة دفع بالعمى الأمريكى إلى حدود لم يتخيلها أغلب الأمريكيين أنفسهم.
*محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا إسرائيل بايدن ترامب فلسطين العدوان الإسرائيلي قطاع غزة قضية اللاجئين الفلسطينيين مبيعات الأسلحة خالد الجندي التعامل مع نهج بایدن أکثر من
إقرأ أيضاً:
قلق في إسرائيل إزاء احتمال بيع واشنطن تركيا مقاتلات إف-35
تبدي إسرائيل قلقا متزايدا إزاء احتمال بيع الولايات المتحدة تركيا مقاتلات الشبح المتطورة من طراز "إف-35″، الأمر الذي قد يمنح تركيا تفوقا نوعيا على إسرائيل في المنطقة، بعدما ظلت حتى الآن الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك هذا الطراز المتقدم.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، إن القيادة الإسرائيلية تشعر بقلق بالغ من احتمال موافقة الولايات المتحدة على صفقة بيع تركيا مقاتلات إف-35، وهو ما تعتبره تهديدا لتفوقها العسكري النوعي في المنطقة.
وقالت الإذاعة إنّ هذه الصفقة تتزامن مع تحوّل تركيا بشكل متزايد إلى خصم إستراتيجي لإسرائيل بعد محاولاتها التموضع عسكريا في سوريا والتقارب مع أميركا.
وأوضحت الإذاعة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أثار قضية صفقة الطائرات المقاتلة خلال جلسة مغلقة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست مؤخرا، حيث عبّر عن معارضة إسرائيل الشديدة لأي خطوة أميركية في هذا الاتجاه.
ولفتت إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدث في تصريح، أمس الاثنين، عن احتمال إدراج تركيا ضمن جولته الشرق أوسطية، معربا عن تقديره للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وواصفا إياه بأنه "مضيف عظيم".
إعلانكما نقلت الإذاعة عن ترامب قوله إنه يفكر في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في بادرة حسن نية تجاه الرئيس أردوغان، واصفا الرئيس التركي بأنه "صديقي، وأنا أحبه".
ويوم 21 مارس/آذار الماضي، أفادت قناة فوكس نيوز الأميركية -نقلا عن مصدرين مطلعين- بأن الرئيس ترامب منفتح على بيع تركيا مقاتلات إف-35 مرة أخرى، إذا توصل الجانبان إلى اتفاق من شأنه أن يجعل منظومة "إس-400" الروسية التي تمتلكها تركيا غير صالحة للتشغيل.
وأوضحت أن هذا الموقف للرئيس الأميركي جاء بعد محادثته الهاتفية مع الرئيس أردوغان في 16 مارس/آذار الماضي.
وحسب فوكس نيوز، تحتاج الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا (كاتسا) من أجل بيع المقاتلة المذكورة إلى تركيا. وتابعت أن ترامب طلب من فريقه إجراء دراسة حول "سبل تجنيب تركيا عقوبات كاتسا".
وتمر العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بمفترق طرق تاريخي، في وقت يقوم فيه الرئيس الأميركي بجولة في دول الخليج العربي قد يستثني منها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أن ترامب ونتنياهو يتجهان بسرعة نحو تصادم مباشر حول قضايا إقليمية وعالمية عالية المخاطر.
وحسب أحد المحللين، فإن ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يجدان صعوبة في فهم المنطق الإستراتيجي وراء استمرار إسرائيل في الغوص في مستنقع غزة، الذي يعتبرانه حربا لا معنى ولا هدف لها.
وظهرت مؤشرات هذا الخلاف حين توصل ترامب إلى اتفاق مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) لوقف الضربات العسكرية الأميركية على اليمن، وبدأ في مفاوضات مع إيران من دون مباركة نتنياهو، كما أجرى مسؤول أميركي اتصالات مباشرة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر.