عادل الباز: هوامش على خبر المنامة
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
1 أثار الخبر الذي نشره د. مزمل أبو القاسم على صفحته في الفيس بوك أول أمس، بخصوص لقاء الفريق كباشي بعبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة، ونشرته بالأمس هذه الصحيفة (الأحداث)، أثار ردود فعل متباينة، أهمها ثلاث: أولها أن الخبر غير صحيح، ولا يمكن لكباشي وسط هذه المعمعة، وأنباء تقدم الجيش أن يقوم بالتفاوض سراً مع الجنجويدي المجرم عبد الرحيم دقلو، وبناء عليه نفى هؤلاء الخبر جملة وتفصيلاً.
هنالك رأي ثانٍ ذهب باتجاه صحة الخبر، ولكن رأى أن الوقت غير مناسب لنشر الخبر من ناحيتين: فهو يحبط الروح المعنوية للجيش الذي يقاتل الآن في كل ساحات الميادين، فكيف تمتد يد القيادة إلى الخونة من وراء ظهورهم؟!!، الناحية الثانية: يرى البعض أن نشر الخبر ما هو إلا استهداف للفريق الكباشي من منافسين داخل كابينة القيادة لغرض حرقه.
رأي ثالث يتعلق بالموقف المهني من نشر الخبر، فهذا الخبر نسب إلى مصادر. تلك المصادر مجهولة، مما قد يشير إلى أن الدكتور مزمل وقع ضحية تسريب سام ذو أجندة.
2
في الصحافة عموماً، أول ما ننظر إليه هو مصدر الخبر، فإذا انتابنا شك أو غاب المصدر، لجأنا إلى ناقل الخبر نفسه، من هو؟ وما تأريخه في نقل الأخبار؟، وفي هذه الحالة، غاب المصدر وحضر ناقل الخبر، الذي نعرف أنه ليس صحفياً صغيراً غراً باحث عن الشهرة بنشر الأخبار المثيرة، كما لا يمكنه الإساءة لتأريخه بنشر خبر كاذب كهذا، وقد عرف عنه أنه ليس عجلاً في نشر كل ما يقع في يديه من أخبار، وهل هذه أول مرة ينقل فيها مزمل خبراً من مصادر، ويثبت بعد حين صحته؟.
كما يعلم الجميع أن للمزمل مصادر كبيرة وموثوقة تم بناؤها عبر سنوات طويلة بعلاقاته الواسعة، إذن لا يمكن التشكيك في نزاهة ناقل الخبر، كما لا يمكن تصور أنه وقع ضحية تسريب، فخبر كهذا لا يمكن أن يمر من تحت يدى أصغر صحفي في صالة التحرير في “اليوم التالي” التي رئس مزمل تحريرها لسنوات.
عموماً، لا يعرف عن مزمل تحيزه لحزب أو لجماعة، ولذا ليس من سبب يدعوه لاستهداف الفريق كباشي شخصياً، بل أشهد أنه كان من المعجبين به.
لنأت إلى الرأي الثاني، لا أعرف كيف يحبط خبر مفاوضات مع عبد الرحيم دقلو الروح المعنوية للجيش، إذ أنه بعد أسبوعين من بداية الحرب بدأت مفاوضات معلنة فى جدة، واستمرت شهوراً، ثم قريباً، أعلن عن مفاوضات ولقاء بين البرهان وحميدتي شخصياً، لم تنخفض الروح المعنوية للجيش، وظل كما هو يقاتل كما كان يفعل بكل بسالة.
3
أما قصة أن التوقيت غير مناسب، فهذه تقديرات صحفية يمكن لصحيفة أن تنشر الخبر، وأخرى تقدر أن الوقت غير مناسب، وذلك لا يشكك في مصداقية أو مهنية الخبر.
شخصياً، نشرت هذا الخبر في هذه الصحيفة، بعد أن تأكدت من مصدر غير مصدر د. مزمل، وأضفت إليه معلومات نشرتها بالأمس، وهناك معلومات إضافية احتفظت بها.
وننشر جزء منها في هذا العدد وما يهمني هنا ألا ننخرط كصحفيين في صراعات السياسيين ومواقفهم، كما لا يجوز أن نشكك في مصداقية الزملاء، لأننا لا نرغب في نشر خبر ما لا يتفق مع مواقفنا السياسية والفكرية.
4
الأمر في غاية البساطة، إذا كان الخبر مفبركاً أو كاذباً، كان يمكن لمجلس السيادة أو الجيش نشر التكذيب علناً ويطالبنا بالاعتذار أو حتى الذهاب به للمحكمة، أما أن تلوذ السلطات بالصمت، وتترك للأسافير أن تتجادل في صحة وعدم صحة الخبر، فإن ذلك أكبر تأكيد على أنها تقر بصحة الخبر، ولن ينفع تسريب أخبار هنا وهناك تنفى ما نشر، ” ستبدي لك الأيام ما كنت تجهله”.
ما يسر في هذا الصخب، هو أن الصحافة المسؤولة لا تزال حية تواصل مسيرتها في توجيه الرأي العام، وتفرض ضغوطها على قيادة البلاد وأحزابها وسياسييها، وتلك نعمة كبرى في وسط هذا العدم.
عادل الباز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: نشر الخبر لا یمکن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن للعالم الرقمي أن يُطيل أعمارنا؟
لم يعد التفكير في "تحميل الوعي" أو "العيش الرقمي" حكرًا على الخيال العلمي، بل أصبح موضوعًا يحظى باهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية والتقنية.
فمع التقدم الهائل في علوم الأعصاب الحاسوبية، وواجهات الدماغ-الحاسوب، والذكاء الاصطناعي، باتت الفكرة تُناقش بوصفها أحد المسارات الممكنة لتطوّر العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا.
تتعمق اليوم فرضية أن العقل البشري ليس سوى شبكة من الأنماط العصبية القابلة للتحليل والمحاكاة، وأن الإدراك والذاكرة والشعور بالذات يمكن – نظريًا – إعادة إنتاجها رقميًا داخل بيئات اصطناعية. في هذا الأفق، تلوح إمكانات غير مسبوقة: أن تنتقل الحياة من الجسد إلى السحابة، وأن يعيش الإنسان، بشكل أو بآخر، بعد الموت البيولوجي في عالم رقمي محوسب.
بعيدًا عن أطروحات نظرية المحاكاة، يكتسب هذا التوجّه العلمي زخمًا متزايدًا، مدفوعًا بتقدم تكنولوجيا واجهات الدماغ- الحاسوب التي تسمح بقراءة الإشارات العصبية وربما إعادة إنتاجها.
في مختبرات مثل "مختبر التجسيد الافتراضي" بجامعة ساسكس، يعمل الباحثون على بناء بيئات غامرة تُحاكي التجربة الإدراكية البشرية بكل تعقيدها، محاولةً محاكاة الشعور بالهوية الذاتية والذاكرة والانفعالات داخل فضاء رقمي.
إعلانوفي مراكز مرموقة مثل مركز العقول والآلات التابع لمعهد MIT، تتواصل الجهود لفهم البنية العصبية للذكاء البشري تمهيدًا لمحاكاتها خوارزميًا، الأمر الذي يغذي طموحات "العيش الرقمي" بوصفه مشروعًا علميًا قيد التشكّل.
ورغم أن هذه التصورات لا تزال بعيدة عن التطبيق الكامل، فإنها تفرض تحديات فلسفية وأخلاقية عميقة حول معنى الوعي وحدوده، وحول ما إذا كان بالإمكان فعلًا نقله من بيئة عضوية إلى أخرى رقمية. هل الوعي مجرّد نشاط كهربائي يمكن ترميزه؟ أم أنه يتجاوز حدود ما يمكن للآلة إدراكه؟ ماذا يحدث للروح، للنية، للشعور بالزمن والانتماء؟ في قلب هذه الأسئلة يتداخل البعد العلمي بالميتافيزيقي، ويُطرح التوتر بين محاكاة التجربة الإنسانية من جهة، وتجسيدها الحقيقي من جهة أخرى.
تظهر في هذا السياق نماذج تخيّلية مثل "دماغ ماتريوشكا" – بنية افتراضية تعتمد على طاقة نجمية هائلة لإدارة حضارات رقمية بالكامل داخل طبقات حوسبة متراكبة – لتجسّد أقصى ما يمكن أن تبلغه هذه التصورات من طموح: أن تصبح الحياة ذاتها مشروطة بالبقاء في الذاكرة الرقمية، لا في الجسد، وأن تصبح "الهوية" شيئًا قابلًا للنسخ والتعديل والحفظ.
ولكن هذه الرؤى – رغم إبهارها – تثير أيضًا قلقًا وجوديًا مشروعًا: هل يكفي أن تُحاكى الذاكرة والسلوك لكي نقول إننا ما زلنا أحياء؟ أم أن الإنسان يتجاوز مجرّد أنماط يمكن تمثيلها رقميًا؟
هنا تبرز الرؤية الدينية كخطاب موازٍ يرفض اختزال الإنسان في بيانات قابلة للترميز. في التصور الديني، لا يُختزل الوعي في تفاعلات عصبية ولا في رموز خوارزمية، بل هو متّصل بنفخة إلهية، وبمصير يتجاوز الحياة المادية.
الموت ليس مجرّد توقف للوظائف البيولوجيّة، بل هو انتقال إلى طور آخر من الوجود لا يمكن للتكنولوجيا إدراكه أو تمثيله. وعليه، فإنّ كل محاولات "تحميل الوعي" تبقى، في أفضل الأحوال، محاولات لمحاكاة القشرة الظاهرة من التجرِبة الإنسانية، دون النفاذ إلى جوهرها الروحي.
إعلانورغم كلّ التقدّم في أدوات المحاكاة، تظلّ هناك فجوة لا يمكن ردمها بسهولة بين ما يمكن للآلة أن تحققه، وما يجعل الإنسان إنسانًا حقًا: الشعور بالمعنى، القدرة على التأمل، الإيمان، الحَيرة، التوق إلى الخلود بمعناه الأخلاقي والروحي، لا الرقمي فقط.
صحيح أنّ الخوارزميات قد تتمكن من إعادة إنتاج السلوك البشري، وربما المشاعر المصطنعة، لكن هذا لا يعني أننا نقلنا "الوعي" فعلًا، بل أننا بنينا "مرآة" رقمية له، بلا ذات ولا عمق.
إنّ التقدّم الهائل في علوم الدماغ والواجهات الذكية والبيئات الافتراضية يفتح أمام البشرية أبوابًا جديدة لإعادة تعريف الذات والوجود، ليس فقط من منظور تكنولوجيّ، بل من منظور وجوديّ عميق.
لم يعد الإنسان مجرّد كائن بيولوجيّ يخضع لقوانين الفناء، بل مشروعًا مفتوحًا لإعادة التّشكيل، يمكن له أن يتجاوز حدوده الجسديّة ويتجسّد في صور جديدة من الوجود الرقْمي.
ومع ازدياد الحديث عن تحميل الوعي والعيش الرقمي، يدخل الإنسان مرحلة جديدة من الحوار مع ذاته، تتجاوز الأسئلة التقليدية حول الهوية والمصير، لتطرح إشكاليات أكثر جذرية: من نكون حين ننفصل عن أجسادنا؟ هل يمكن للهوية أن تظل متماسكة إذا ما انتُزعت من سياقها العضوي وزُرعت في بيئة اصطناعية؟ هل يكفي أن تبقى أنماط وعينا محفوظة في خوادم ذكية حتى نستحق أن نُسمى "أحياء"؟ وما الذي يجعل الوعي حيًّا أصلًا: استمرارية البيانات؟ أم الحضور الذاتي، والشعور الأخلاقي، والقدرة على المعاناة، وتطلّع الأمل؟
وفي موازاة هذه الأسئلة، يلوح احتمال آخر لا يقل إثارة للدهشة والأسى معًا، وهو إمكانية إطالة عمر الإنسان عبر تدخلات بيولوجية ورقمية، تطيل من فعالية الجسد أو تُحاكيه حين ينهار. لكن السؤال الأعمق يبقى: هل تطويل العمر يعني تطويل الحياة، أم مجرّد تمديد للزمن دون المعنى؟ وماذا يحدث للذات حين يُصبح الزمن نفسه مشروعًا تكنولوجيًا؟
إعلانفي هذه اللحظة المفصلية، لا يواجه الإنسان فقط تحدي التكنولوجيا، بل تحدي المعنى. فالمسألة لا تتعلق بإمكانية العيش الرقمي أو إطالة العمر بوصفهما إنجازين علميين، بل بقدرتهما على احتواء عمق التجربة الإنسانية بكل ما تنطوي عليه من هشاشة وغموض وحنين إلى ما لا يُختزل في معادلات.
قد تمنحنا هذه التقنيات امتدادات غير مسبوقة للوجود، وقد ننجح في محاكاة جوانب من وعينا داخل أنظمة رقمية فائقة الذكاء. بل قد نعيش أكثر، وأطول، وربما بأجساد أكثر قدرة، وذكريات محفوظة في سُحب ذكية. ومع ذلك، ما لا يجب أن نغفله هو أن الإنسان، في جوهره، ليس مجرد كائن معلوماتي.
فالوعي ليس فقط ما نعرفه، بل أيضًا ما نجهله عن أنفسنا، وما نشعر به دون أن نستطيع ترجمته. وبينما تتسابق التقنيات لمحاكاة الإنسان وإطالة عمره، تذكّرنا الروح بأن هناك دائمًا ما يفلت من المحاكاة، وهو: المعنى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline