سودانايل:
2024-09-22@08:20:07 GMT

رسالة في بريد “تقدم”: دعوة للتفكير خارج الصندوق

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

يتسم العقل الجمعي للنخب السياسية والاجتماعية بصفات سلبية جمة، حيث من ضمن هذه السمات سيطرة التفكير الرغبوي، ذلك الذي يُغَلِّب حسن النية على حقائق الواقع الموضوعي الباردة، ويراهن على عنصر الزمن في تحقيق نتائج إيجابية عقب جدل سياسي مفتوح النهايات، ويعوِّل على المعجزات لتوجيه مركب فقدت دفتها ومجاديفها؛ هذا إضافة إلى إجادته إدمان تجريب المجرب وانتظار نتائج مختلفة كل مرة! وفي هذا لن يمل الكاتب الطَّرق على باب "تقدم"، مقدماً النصح، آملاً في أن يرى مردوداً يوماً ما لدعوته لها للخروج عن النمط المألوف، ذو  الفعالية المتدنية، في ممارسة العمل السياسي بالسودان.



يتفهم الكاتب سيادة تلك العقلية لدى إسلامويي المؤتمر الوطني، قيادة وقاعدة، نسبة لأسباب بنيوية تتعلق بهم، تتمثل في تدني قيمة الفكر لديهم والتي يشهد عليه خلو مصادر البحث والمعرفة السودانية من تواجد إسهام محترم يمكن أن ينسب لهم. إن ما تلقوه من تربية فكرية وسياسية وتنظيمية، وما اجتمعوا عليه من تداخل مصالح، رسَّخ عميقاً سلوك القطيع وسطهم، مُلغِياً بذلك أي قدر معقول من العقل والخلق القويم بينهم. لذا ليس مستغرباً أن تؤدي حكومة الأمر الواقع، القائمة الآن، دورها وكأنها جهاز اتحاد طلابي. هل سمع أحد من قبل من مسئول رفيع في منظمة دولية يصف بيان حكومة دولة بأنه بيان منحط؟ هل يعقل أن تكون رؤية حكومة في حل أزمة الحرب القائمة أن تخرج قوات خصمها من منازل المواطنين ومرافق الدولة المحتلة، كشرط للتفاوض، رغم استحالة ذلك لأسباب عسكرية منطقية، غض النظر عن رأي أغلبية الناس المعادي لذلك الخصم الذي فرضه علينا ذات القائمين على تلك الحكومة؟ هل يعقل وسط هذا الهيجان السياسي الطاغي، إقليمياً ودولياً، أن تمد حكومة، تفتقد لأي مصدر قوة، يدها لإيران في وقاحة مدهشة واستفزاز بَالِغَيْن للدول المؤثرة إقليمياً ودولياً؟ هذا هو مستوى حكومة الأمر الواقع وحظها من العقل والفهم وحسن تدبير الأمور!

لقد بلغ من قصر بصر وبصيرة حكومة الأمر الواقع، ومبلغها من انعدام الكفاءة والمهنية، أن تعادي العالم بأجمعه تقريباً برفضها لكل المبادرات المطروحة، وبهجومها وتعاليها على الرؤساء والمبعوثين الدوليين والمنظمات الإقليمية والدولية؛ لدرجة أن مصر التي ساندتها من دون الدول رفعت أيديها عنها، ولمَّحت من طرف خفي، أكثر من مرة، إلى ضعف البرهان وارتهانه نفسه للإسلامويين. كما بلغ من تردي مستوى حكومة الأمر الواقع، وعدم رغبتها لوضع نهاية للحرب التي دمرت البلاد وشردت مواطنيها، اتهامها لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة الإيغاد بالتآمر على السودان بحجة استقبالهم الجنرال حميدتي، رغم أنه وجد ذات الاستقبال من رؤساء دول ليس لها رابط مباشر أو غير مباشر بما يحدث بالسودان، كرؤساء جنوب أفريقيا ورواندا! بل أنه تحادث حتى مع الأمين العام للأمم المتحدة نفسه! هذا رغم أنه لا يوجد سبب واضح يدفع تلك الدول للتضامن مع جنرال على حساب جنرال آخر.

على خلاف ما تراه حكومة الأمر الواقع، فإن كل العالم تقريباً، ينظر لما يحدث بالسودان بأنه صراع بين جنرالين على السلطة. فإذا افترضت حكومة الأمر الواقع أن الدعم السريع قوة متمردة على وضع دستوري قائم، فإن العالم يعلم علم اليقين بأن البرهان نفسه قد تمرد على ذات الوضع الدستوري بانقلابه على حكومة مدنية معترف بها دولياً، وإن كانت تلك الحكومة تفترض أن الجيش أحد كيانات الدولة وأقطابها الرئيسية وفقاً للدستور والقانون وبالتالي هو الجدير بالاعتراف، فإن المتهم بالتمرد يتمتع بنفس الحق الممنوح للجيش، دستورياً وقانونياً! وهو أمر كما هو معلوم، لم تكن لدول العالم ومؤسساته التي ناصبتها حكومة الأمر الواقع العداء والاستفزاز سبباً له، وإنما تتحمل مسئولية وجود ذلك الدعم السريع ذات الجهة التي تطالب الآخرين بعدم الإعتراف به وبل إنكاره، فهي التي أوجدته من العدم، ورعته حتى اشتد عوده، ووضعت القوى الأخرى، محلياً وإقليمياً ودولياً في وضع ليس لهم غيره، وهو التعامل معه لإنقاذ بلد وشعب من الضياع الأبدي.

لا يهمنا كثيراً تواضع مستوى نخبة إسلامويي المؤتمر الوطني، وهو أمر معلوم لكل من يحمل رأساً بين كتفيه، بقدر ما يزعجنا ذلك البطء في تلمس الطريق الصحيح والمناسب لإنقاذ الوطن من قِيَل قوى الحرية والتغيير، في شكلها الجديد تنسيقية قوى التحول الديمقراطي المدني (تقدم). ونعني هنا بطأها في تغيير خطها السياسي بما يتناسب مع تعقيد الموقف وتوازنات القوى الماثلة، ورهانها الموغل في التفاؤل على لقاء يجمع بين الجنرالين لإيجاد حل للأزمة السودانية!

إننا نرى أنه، وباعتبارها أكبر تجمع شهدته الساحة السياسية في تاريخنا المعاصر، ولديها مشروعية ممهورة بأنهار من الدماء، وتتمتع بقيادة مجموعة من سياسيي السودان، يتسمون بالنزاهة والوطنية والرصانة في الخطاب والبسالة في المواقف؛ باعتبار كل ذلك، ومن موقعَي الحرص والعشم، نرى أنها أصبحت فريسة للمماحكات، وإثقال الخطو، في الخروج من مربع التوهان الذي اختارته لنفسها وفق ما نعتقد. لا يجب، بالطبع، أن تعني إشادتنا السابقة بقيادتها أنها مبرأة من العيوب، كما لا تعني أن أفرادها متساوون فيما طرحناه من صفات، لكننا نتحدث عن الصفة الغالبة عليها؛ بدون أن نجرِّد أي قوى أخرى اختارت أن تكون خارجها من تلك الملامح. لقد أكد أداؤها، أثناء الفترة الانتقالية، ذلك جيداً بالرغم مما وضع أمامها من عراقيل، وبالرغم خبرتها المحدودة. كما يحسب لصالحها ما أبدته من شجاعة في نقد أداءها عبر ما أقامته من ورش لمعالجة قضايا الانتقال، بما في ذلك إصلاح المنظومة الأمنية، والتي أمنت عليها الكتل الأساسية بمن في ذلك قائد الجيش فبل تنصله المشين لاحقاً.

لا بد لـ "تقدم" من مخارجة نفسها من هذا الشرك ذو الشباك المتعددة المتمثل في هذا الكم المتزايد والمتناسل من المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية، والمحكومة بالفشل في تقديرنا، والتي امتدت حتى البحرين شرقاً والجزائر غرباً، والتي تدور كلها حول أن يلتقي الجنرالان وجه لوجه، للاتفاق على إيقاف الحرب ورسم خطوات الانتقال للدولة. إن ذلك حلم بعيد المنال كما يرى كاتب هذه السطور، الذي يرى أن لا مناص من اختطاط مسار مختلف نوعياً، عماده أن تتولى "تقدم" الطلب من الفرقاء الدخول في تفاوض مباشر وبنية صادقة في إنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطي المدني في فترة زمنية تقدرها هي، ولنقل فترة شهر واحد، بعدها تطلب تقدم رسمياً، وبصفتها المعبر الشرعي لشعب السودان الذي خرجت غالبيته الساحقة إلى الشارع واقتلعت بأيديها العارية أحد أسوأ نظم البطش والاستبداد والفساد التي شهدها العالم، تطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي (حال رفض مجلس الأمن الدولي) التدخل السياسي والعسكري الفوري لإنقاذ بلادنا وشعبنا. إن حيثيات هذا الطلب منطقية وأخلاقية للغاية، ومبررة سياسياً. منها على سبيل المثال وليس الحصر:

* عدم الأهلية السياسية والعسكرية لقائد الجيش وحكومته وحلفائه؛ وتاريخهم المشين والمتصل في التنصل عن عشرات الاتفاقات والوعود بدون أن يطرف لهم جفن.

* رفضهم لكل المبادرات الوطنية الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء الحرب وإرجاع الحكم المدني الديمقراطي. بل تعمدهم وضع عراقيل غير مسبوقة أمام بعثة الأمم المتحدة السابقة (يونتامس) التي بذلت كل جهدها لتجنيب البلاد خطر الحرب الذي أناخ بكلكله على بلادنا الطيبة.

* توجههم العلني لإشعال حرب أهلية عبر تكوين وتنشيط كتائب عسكرية ذات توجه أيديولوجي معروف، وعبر تجييش الشباب ودفعهم لساحات القتال بدون تدريب أو تأهيل عسكري وأخلاقي.

* إثارتهم وبشكل علني، على مستوى قادتهم، للنعرات العرقية والقبلية والمناطقية، وتأليب العامة، بدون أي وازع وطني أو ديني أو أخلاقي لتصفية الأبرياء، ابتداءَ من ناشطي الثورة وحتى تعساء الحظ من الباعة المتجولين وغيرهم ممن ضاقت بهم الحيلة فاضطروا للقبول بأعمال بائسة من أجل سد احتياجات صغارهم وأسرهم.

* الاستهانة بحيوات ومصالح البسطاء عبر الاستخدام العشوائي للطيران في ضرب مواقع مليشيا الدعم السريع المتسربة داخل الأحياء السكنية والمرافق العامة، بدلاً عن توجيه الضربات إلى معسكراتهم وطوابيرهم العسكرية المتحركة بين ولايات البلاد ومناطقها المختلفة.

* إصرارهم العلني لفرض جهة سياسية اقتلعها الشعب بيديه العاريتين لفسادها، وبلطجتها، ووحشيتها، وتدميرها الممنهج لمقدرات الوطن لما يزيد عن الثلاثة وثلاثين عاماً. وفوق ذلك لإشعالها الحرب القائمة ووضع العراقيل لأي جهد يستهدف إنهائها.

ذلك ما كان من أمر حكومة البرهان ومن خلفها إسلامويو المؤتمر الوطني ذوي التاريخ والحاضر القبيحين. أما الدعم السريع فنلخص وضعه في التالي:

* غض النظر عن تاريخهم المشين، وما تسببوا فيه من تصفيات عرقية مثبتة سابقاً ولاحقاً، وما سببوه من تدمير ونهب ممنهج وواسع النطاق لممتلكات المواطنين، فهم، ولغرابة أقدار هذا البلد، أكثر صدقية ونضجاً سياسياً وعسكرياً من خصومهم. بيد أنه لا بد من الإقرار بأن تراجع قائده عن اللقاء مع الجنرال الآخر في إطار مبادرة الإيغاد، بزعم وجود عقبات (فنية)، يمثل مؤشراً ملفتاً لاحتمال تراجعه عن (صدقيته) المشار إليها فيما سبق.

* مهما بذل من جهد في اتجاه تمدين قيادته، ومن سعي لإظهار نفسه كداعم للتحول المدني الديمقراطي، يظل مجرد مليشيا عائلية وقبلية محاطة ومخترقة من أصحاب الأجندات السياسية والاجتماعية الخاصة، وتفتقد للعقيدة العسكرية التي تسمح لنا بقبوله كقوة عسكرية منضبطة.

* على عكس الجيش الذي يخضع لبعض المؤسسية التي ربما تقيه خطر التشرذم، فإن الاحتمال الغالب أن تتفتت مراكز التوجيه والسيطرة داخل الدعم السريع، وأن يتحول القادة الميدانيين به لأمراء حرب على النسق الصومالي. هذا خطر محتمل للغاية في حالة استمرار الحرب في حالها الذي هي عليه الآن.

حاولنا أعلاه، وبقدر استطاعتنا، أن نوضح من الحيثيات ما يبرر لـ "تقدم" إقدامها على ما اقترحناه عليها من تبني خط سياسي يقوم على تبني خيار الطلب من الأمم المتحدة و/أو المجتمع الدولي للتدخل الفوري لإنقاذ بلادنا وشعبنا. أدناه نختم ببعض الملاحظات التي تراها ضرورية في دعم وجهة نظرنا:

* بفرضية جمع الجنرالين التي استلزمت عشرة أشهر من الدمار ولم تتم حتى الآن، من هو الذي يضمن اتفاقهما؟ وكم من الزمن نحتاج يا ترى للوصول لتسوية عبر اتفاقهما إذا كان مجرد لقاءهما يهدر مثل هذا القدر من عمر بلادنا؟

* واضعين في الاعتبار مدى القوة الباطشة التي يحتازها كل منهما، وتمتعه بحواضن سياسية واجتماعية مدنية، كيف تضمن "تقدم"، باعتبارها المُعبِّر الأساسي والأهم لقوى الثورة (بحكم الأمر الواقع)، أن تغير توازن القوى ليصب في صالح الشعب، مع الوضع في الاعتبار صعوبة استعادة زخم الشارع الثوري بفعل الهجرة والتشرد، وعوامل أخرى، والتي تسببت في غياب أو يأس عشرات الألوف من العناصر النشطة والخبيرة في تحريك ذلك الشارع؟

* ليكن واضحاً، أن الجنرالين، بكل ما يتمتعان به من قوة، وما يتسمان به من صفات أوضحناها في حيز آخر من هذا المقال، لن يلتفتا، حال لقائهما، إلى قوى مدنية واقفة على رصيف الحرب، تريدهما أن يدفعا أثماناً باهظة جرَّاء ما فعلا.

* لا نزعم أن الدعوة للتدخل الدولي ستجد استجابة مؤكدة من المعنيين بالدعوة، لكننا نرجح التفاعل الإيجابي معها باعتبارها صادرة بطلب مباشر من جهة تمثل القوى الحية في البلاد،  ومسنودةً بحيثيات واضحة ومعلومة. إننا نراهن بأن الاحترام والتعاطف الذي وجدته ثورة الشعب من قبل المجتمع الدولي، ومشروعية مطالبها، هذا فضلاً عما يشكله الوضع الحالي من خطر على الأمن والسلم الدوليين، واحتمالات استعانة حكومة الأمر الواقع بالإرهاب الدولي و/ أو إدخال ايران أو روسيا في المعادلات الجيوسياسية؛ نراهن بأن ذلك يرفع كثيراً من درجة مقبولية تلك الدعوة.

* إن مجرد المطالبة بالتدخل الدولي، من جهة ذات إحترام وقبول دولي مثل "تقدم"، يشكل في حد ذاته عنصراً فعالاً في لفت انتباه العالم لما يجري في السودان، ويرفع من مستوى الضغوط التي ستفرضها المجموعة الدولية على أطراف الحرب، ويجعلها أكثر إيجابية في التعاطي مع الشأن السوداني.

* في حال قبول "تقدم" بهذا المقترح، عليها تفادي الكثير من الفخاخ التي برع إسلامويو المؤتمر الوطني، من شاكلة إرشاء المبعوثين الدوليين، وبالذات الذين بنوا مقدراتهم من خلال عملهم كموظفين كبار في حكومات شمولية أو دكتاتورية. كما عليها أن تدرس وبشكل متمعن تجربة القوات الدولية في دارفور من قبل، وما اكتسبه أولئك الإسلامويون من خبرة في تحديد مجال عمل تلك القوات وتمرير الكثير من أجنداتهم من خلالها.

 

 

gamal.a.salih@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی الدعم السریع الذی ی

إقرأ أيضاً:

تفجيرات “البيجر” واللاسلكي الإرهابية.. من الذي يجب أن يقلق؟

يمانيون – متابعات
لا يختلف اثنان على أن التفجيرات الأخيرة للأجهزة اللاسلكية في لبنان هو عمل إجرامي ناتج أولاً عن وجع صهيوني كبير وعميق ومؤلم بدرجة عالية من الإسناد الكبير من حزب الله لغزة، ومقاومتها على مدى قرابة العام، كما ينم عن عجز صهيوني عن إعادة سكان الشمال المحتل من الصهاينة الذين يقارب عددهم مئتي ألف مطرود.

كما لا يختلف اثنان أيضاً، على أنه عمل متوحش وجبان، وعلى أن كل الأوصاف القذرة والدنيئة تنطبق عليه، وعلى أنه جريمة موصوفة، تنم عن حقد فاعلها وبشاعته، وإجرامه، وعدائيته المفرطة، وخلوه من كل معاني الإنسانية وأدنى صفات بني البشر، وانعدام أي احترام للقواعد والأخلاق سواء الدينية أو الوضعية أو العرفية، وتجاوز لكل القوانين وحتى قوانين الغاب نفسها.

النقطة الثالثة في دلالات هذه الجريمة، ما تثيره من مخاوف من استخدام التكنولوجيا في القتل، صحيح أن القوى الاستكبارية مثل أمريكا والغرب عموماً وكذلك كيان العدو “الاسرائيلي”، تعتمد في ممارستها القتل بنحو كبير على هذه التكنولوجيا والتقنيات المتطورة، لكن المقصود هنا، هو استخدام التكنولوجيا النافعة والخدمية، في القتل، مثل استخدام أجهزة اللاسلكي، وهذا لم يقم به أحد إلى حد هذه اللحظة سوى كيان العدو “الإسرائيلي” بدعم أمريكي مؤكد لا يحتاج إلى أدلة.

من هنا، فإن فتح باب هذا النوع من الحروب خطير جدًا، وخصوصاً إذا رجحنا الفرضية التي تقول بإرسال “الموساد” “الإسرائيلي” برامج خبيثة، قام فيها الكيان، حسب الخبراء: “باستغلال نطاق تردي لتنفيذ هجوم سيبراني معقد ومتزامن؛ تسبّب في انفجار البطاريات الموجودة في داخل البيجرات”، من حيث أن تكرار هذه الحادثة وارتكاب هذه الجريمة مرة أخرى وفي أماكن أخرى، وفي حروب أخرى، قد يكون خياراً، وليس فقط للدول الإجرامية، و”الإرهابية”، ولكن حتى من قبل الهواة المجرمين الذين يعج بهم الغرب نفسه، والذين يرتكبون الجرائم فقط من أجل التسلية، فمن سيمنع هؤلاء من الوصول إلى هذه الأساليب “السيبرانية”، وقد نجح الهواة في أكبر عمليات الهجمات “السيبرانية”، إذ تشير التقارير إلى أن أغلبهم كان يستخدمها من أجل التسلية.

من هنا، فإن مواجهة هذه الجريمة يجب أن تكون مسؤولية عالمية، وألا تقتصر على لبنان أو المقاومة في لبنان، ممثلة بحزب الله، لأن فتح باب كهذا، يشكل تهديداً للبشرية بشكل عام ولا يقل خطورة عن القنابل النووية، أو الأسلحة الكيميائية.

بناء على حجم الجريمة وأسلوبها، والذي يجب أن يقلق العالم، ويدفع لاجتماع طارئ في مجلس الأمن، فإن سحب الاستغراب الكثيفة تخيم على الصمت الذي يبديه المجتمع الدولي، واعتبار أن ما جرى هو مجرد حرب، بين طرفين وهي وسيلة من وسائل تلك الحرب منذ ما يقارب العام.

نعلم أن العالم لا يهتم لشأننا نحن المسلمين، فليقتل منا أي رقم، ملايين، لا يهم، ليس الحديث الآن عن حماية المدنيين في لبنان أو فلسطين، وإن كان مهمًا، وواجبًا إنسانياً، لكن الأمر أخطر بكثير، نحن نتحدث عن إنقاذ الإنسانية، من خطورة هذه الوسيلة التي ينظر إليها، حسب متابعة المواقف، والصمت الرهيب، إلى أنها عادية.

لا . لا . لا .. هذه ليست وسيلة عادية، بل هي تتجاوز مفهوم الحرب والاشتباك الحاصل، وحتى تتجاوز ما يمكن توقعه من حرب إقليمية شاملة، لسبب بسيط، هو أنها تهديد خطير للبشرية، من يضمن ألا تكون كل أجهزة الخليوي، قابلة للتفجير بنفس تلك الطريقة، أو أجهزة “اللابتوب”، وكل جهاز يحمل بطارية. كل التقارير التقنية، تقول إن الأمر قابل للتطبيق على كل تلك الأجهزة، وهذا ما كشفته هذه العملية الإجرامية.

هل هناك من يضمن ألا يحصل شيء مشابه، في الصين، في روسيا، في أي بلد في العالم، أو ألا يتم استخدام هذه الطريقة المتوحشة، في التنافس التجاري بين الشركات؟

في الحقيقة، إن أسلوب الحرب، وآلته الجديدة التي ابتدعها الصهاينة، لن تتوقف بخطورتها عند حد، إلا إذا وقف العالم أجمع في وجه العدو الصهيوني واعتباره عدواً للإنسانية، وهذا ما أكد عليه سماحة السيد القائد في خطاباته الأخيرة، ويركز عليه منذ بدء طوفان الأقصى، وفي آخرها، أكد أن الحل مع هؤلاء هو الجهاد فقط، والعودة إلى مبدأ التضحية في سبيل الله، لإنقاذ الأمة، وإنقاذ البشرية، من عدو وفئة تنظر لهذه البشرية على أنها مجرد حيوانات خلقت في صورة آدمية، لتسهيل خدمة بني “إسرائيل”، حسب النظرة التلمودية الخطيرة.
—————————————————*
– موقع العهد الاخباري/ علي الدرواني

مقالات مشابهة

  • شلوف: الوضع السياسي في ليبيا انتقل إلى مرحلة “سياسة عضّ الأصابع”
  • الحوثي يكشف لأول مرة السبب الحقيقي الذي دفع “عبدربه منصور” و”خالد بحاح” لتقديم استقالتهما
  • “صندوق النقد” يدرس 3 خيارات لتخفيف العقوبات على الدول المتعثرة مالياً في أكتوبر
  • “بعد ذهاب نور زهير للحج”.. سؤال برلماني: هل في العراق حكومة وقضاء؟
  • الصين.. دعوة إلى “تقاعد” الناتو مع ستولتنبرغ
  • إدارة المولودية توجه دعوة لشخصيات النادي التاريخية لحضور أول مباراة بملعب “لابوانت”
  • المهندس “بالقاسم حفتر” يوقع مذكرتي تفاهم في المجال الطبي
  • “أصدقاء مرضى السرطان” تقدم 3 ملخصات خلال أعمال “مؤتمر السرطان العالمي”
  • تفجيرات “البيجر” واللاسلكي الإرهابية.. من الذي يجب أن يقلق؟
  • ما هي حقيقة زيادة معاشات متقاعدي الصندوق المغربي بنسبة 5%؟.. “وزارة المالية” توضح