كيف أصبح الحوثيون يهددون سيطرة أمريكا على الشحن الدولي؟
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
في 30 ديسمبر 2023 تعرضت السفينة «ميرسك هانغتوش» التي ترفع العلم السنغافوري والتي تملكها شركة «ميرسك لاين» الدنماركية لهجوم صاروخي تلاه هجوم من قبل قوارب صغيرة تابعة لأنصار الله الحوثيين، وذلك في البحر الأحمر، وقامت الولايات المتحدة بالرد على هذا الهجوم باستهداف ثلاثة من تلك القوارب الأربعة مستخدمة مروحياتها.
وأعلنت الشركة «ميرسك»، التي تعد من أكبر شركات الشحن بالعالم، أنها ستوقف عملياتها في البحر الأحمر إلى وقت غير محدد، لتنظمَّ بذلك إلى العديد من الشركات العالمية المعنية بالشحن وعمليات الطاقة التي استخدمت طرقا بديلة بعيدا عن منطقة التهديد في البحر الأحمر.
وقد بدأ الحوثيون بالهجوم على السفن منذ أكتوبر الفائت معلنين أنهم سيستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل، وفي 18 ديسمبر ردت الولايات المتحدة بتشكيل ما يسمى بعملية «حارس الرخاء» لصد الهجمات الحوثية، كما فرضت عقوبات على الجهات الداعمة للحوثيين.
إن صعوبة تأمين مياه البحر الأحمر، و«عنق الزجاجة» أي «قناة السويس»، كشف عن هشاشة عمليات الشحن العالمية، فقد انخفضت حركة السفن في البحر الأحمر بنسبة 20% حتى ديسمبر، كما انخفضت حركة سفن الحاويات التي تمر يوميا عبر قناة السويس إلى النصف مع بداية شهر يناير الحالي وذلك مقارنة بالعام السابق.
وبدت تداعيات هذه المشكلة جلية على مستوى العالم، فقد ارتفعت معدلات الشحن عبر المحيطات بشكل لافت منذ بدء الهجمات، وتفاقمت تلك التداعيات حتى أن شركة الخدمات اللوجستية «فريتوس» أعلنت منذ بداية يناير أن تكاليف ورسوم الشحن من آسيا إلى شمال أوروبا ارتفعت بأكثر من الضعف لتصل إلى أكثر من 4000 دولار أمريكي لكل حاوية يصل طولها إلى 40 قدما.
ومع حلول منتصف شهر يناير ارتفعت تكلفة شحن حاوية بطول 24 قدما من الهند إلى أوروبا والساحل الشرقي من الولايات المتحدة من 600 دولار إلى 1500 دولار.
وإضافة إلى التكلفة المالية العالية فإنه من الوارد جدا فرض رسوم إضافية لكل حاوية ربما تتراوح ما بين 500 إلى 2700 دولار، وكذلك ارتفعت تكاليف الشحن من آسيا إلى أمريكا الشمالية بشكل كبير جدا.
أما بالنسبة للشركات التي تتجرأ وتُبحر في البحر الأحمر، فقد واجهت كذلك صعوبات مالية تمثلت في مبالغ التأمين، التي زادت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، فقد كانت بنسبة 0.2% من قيمة السفينة ككل، والآن وصلت إلى 0.7%، ومع كل ذلك ربما لم يشعر المستهلكون حول العالم إلى الآن بارتفاع تكاليف السلع، ولكن شبح التضخم سيلوح في الأفق خلال الأسابيع القادمة.
أتذكر ما حدث في قناة السويس في عام 2021، عندما جنحت سفينة «إيفر جيفن» فيها لمدة ستة أيام، وتركت الحادثة بعد ذلك حديثا طويلا امتد لعدة أشهر وأثرا ماليا، وهنا يكمن دور الولايات المتحدة في ضرورة أن تسيطر على التهديدات التي تتعرض لها عمليات الشحن الدولية والعمل على استقرارها، وذلك من منطلق التزامها بالاستقرار الاقتصادي العالمي، والتجارة الدولية التي يُسيطر عليها «الدولار الأمريكي»، إضافة إلى النفوذ الذي تفرضه على حلفائها وحتى على الخصوم.
إن دور الولايات المتحدة في ضمان الحركة الآمنة لسلع الدول الأخرى وتأمينها للسفن العسكرية تُكمِّل دورها وقدرتها على فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى دورها في الاستجابة السريعة للأزمات العالمية وجهودها في مكافحة الإرهاب والجريمة في العالم.
وتتعرض الولايات المتحدة للضغوطات حاليا، ولكن تاريخها يشهد أنها تعاملت مع التهديدات التي تواجه الشحن العالمي بنجاح في التجارب السابقة، وقد نجحت سابقا فيما يعرف بـ«الضمانات متعددة الأطراف»، مثل القوات البحرية المشتركة التي ضمَّت عشر دول خاضعة للولايات المتحدة، والتي تقوم بمهام مراقبة الملاحة في الشرق الأوسط، ومثال ذلك أيضا قوة المهام المشتركة 151 والتي يرمز لها «CTF-151» التي أنشئت عام 2009 التي كان من مهامها التصدي لتهديدات محددة منها القراصنة الصوماليون.
منذ عام 2015 يتم استهداف متقطع للسفن التي تعبر البحر الأحمر، ولكن تطورات الوضع الحالي والهجوم المستمر منذ أكتوبر الماضي من جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السفن أثار الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على تولي مسؤولية حماية الشحن الدولي، وتكمن الصعوبة في أن الحوثيين -الذين ينطلقون من اليمن- يستخدمون تشكيلات من الصواريخ، والرادارات، والمروحيات، والقوارب الصغيرة، والطائرات دون طيار غير المكلفة، وكل ذلك دون وجود مقر رئيسي قابل للاستهداف، بالمقابل تقوم الولايات المتحدة باستخدام صواريخ تبلغ تكلفتها حوالي مليونا دولار بهدف اعتراض طائرات «درون» تبلغ قيمتها 2000 دولار، وهذا بحد ذاته يزيد من مخاوف ارتفاع التكلفة على الولايات المتحدة من أجل السيطرة على الهجمات.
ومما يقوي الموقف الحوثي أنه مدعوم لوجستيا من إيران، كما أنه مناصر للقضية الفلسطينية، لذلك فهم يواجهون مقاومة ضعيفة من دول المنطقة التي لا ترغب في تصعيد التوترات، حتى أن دولا كثيرة امتنعت عن الدخول فيما يعرف بـ «حارس الرخاء» خشية أن تتَّهم بالإرهاب الداعم لإسرائيل، وجمهورية مصر العربية التي تتعرض لخسائر مالية كبيرة جراء تهديد الملاحة في قناة السويس اختارت أن تبقى على الهامش في هذه الأزمة.
مما يجدر ذكره أن حلفاء الناتو ومنهم فرنسا وإيطاليا وإسبانيا انسحبوا من تشكيلة عملية «حارس الرخاء»، بهدف تجنب الوقوع تحت سيطرة الولايات المتحدة، وبقي عدد قليل من الدول في «حارس الرخاء» منها المملكة المتحدة، وأستراليا التي عززت العملية بـ 11 فردا فقط أرسلتهم إلى المنطقة ولكن دون مشاركتها بالسفن الحربية.
وفي جهود مشابهة قامت عدة قوى كبرى بمحاولات مستقلة للسيطرة على الوضع، وهي قوى رفضت الانضمام إلى «حارس الرخاء» ومنها الهند التي بدأت بعملياتها الخاصة، كما رفضت الصين الانضمام لكنها نشرت كذلك سفنها العسكرية.
إن الفشل في صد الهجمات في البحر الأحمر سوف يدفع الكثير من دول العالم إلى الشك في قدرة الولايات المتحدة على حماية الملاحة العالمية وحركة الشحن، وبعد تراجع سيطرة الولايات المتحدة على الممرات المفتوحة زادت القرصنة الصومالية في 2023، كذلك زادت القرصنة في جنوب شرق آسيا في السنوات القليلة الماضية، واستولت إيران على سفينة غربية في ديسمبر الماضي، وتلقت إيران كذلك اتهاما من البنتاجون باستخدامها طائرة «درون» للسيطرة على ناقلة كيماوية في المحيط الهندي، والمخاوف تتزايد بهذا الشأن خاصة مع انشغال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إن الأوضاع السياسية الحالية أدت إلى توتر حركة الملاحة العالمية إضافة إلى ما يحدث في البحر الأحمر، وفي ظل أوضاع غزة رفضت ماليزيا استقبال السفن الإسرائيلية في موانئها، وأدت تصرفات روسيا إلى مزيد من تعطيل الحركة الملاحية في البحر الأسود، وإضافة إلى ذلك سوف تتأثر «حرية الملاحة» على مستوى العالم، كما أثرت التوترات بين الصين وتايوان على حركة الملاحة في بحر الصين الجنوبي ما أدى إلى تدخل الولايات المتحدة بمحادثات بين الطرفين.
ومع ذلك لطالما شهدت جهود الولايات المتحدة في حفظ الملاحة الدولية ترحيبًا من روسيا والصين وإيران للحفاظ على تدفق الحركة التجارية مستفيدين من مكانة واشنطن العالمية، وخاصة الصين التي استفادت من الاستقرار في تجارتها العالمية، ومع هذه الأوضاع تعتبر الطرق البديلة قابلة للاستخدام، باستثناء الممر الدولي المهم «قناة بنما»، القناة التي تعتبر محركا للشحن الدولي، حيث إنها تشهد جفافا أدى إلى انخفاض كبير في مستوى المياه فلم تعد إلا سفن بسيطة يمكنها العبور من خلالها.
واليوم.. يبدو أن إشراف الولايات المتحدة على عمليات الشحن الدولية يواجه مخاطر أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر المتحدة على حارس الرخاء قناة السویس
إقرأ أيضاً:
وسط الهدنة المعلنة.. قاذفات ومدمرات أمريكية تتأهب في البحر الأحمر!
شمسان بوست / متابعات:
في مؤشر على تشكيك واشنطن في جدية جماعة الحوثي المدعومة من إيران بوقف هجماتها، كشفت تقارير أمريكية عن استمرار تدفق عتاد عسكري متطور إلى المنطقة، معززة قدرات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر رغم الاتفاق الهش مع الحوثيين.
وأفادت تقارير أمريكية باستمرار وصول عتاد عسكري أميركي متطور إلى قاعدة ديغو غارسيا في المحيط الهندي برغم إعلان الحوثيين وقف هجماتهم ضد السفن، في حين من المتوقع أن تعزز المدمرة “فورست شيرمان”، من فئة “أرلي بيرك” التي أرسلت مؤخراً، قدرة البحرية الأميركية في مواجهة الحوثيين.
وبحسب موقع Maritime Executive، يبدو أن مخططي القيادة المركزية الأمريكية أدركوا هشاشة توقف الحوثيين عن هجماتهم على السفن، إذ استُبدلت طائرات “بي-2” الشبحية المنسحبة من دييغو غارسيا بأربع قاذفات استراتيجية من طراز “بي-52” على الأقل.
كما يبدو أن الولايات المتحدة تسحب عددًا من قاذفات الشبح “بي-2” الاستراتيجية بعيدة المدى من قاعدة دييغو غارسيا، منشأة الدعم البحري التابعة لها في إقليم المحيط الهندي البريطاني.
وفي 9 مايو، كانت ثلاث طائرات من هذا النوع تُشحن بالوقود باتجاه شمال أستراليا وعبورها في طريق العودة إلى قاعدة وايتمان الجوية في ميزوري.
ومن المرجح أن يتم سحب طائرات B-2 بعد إعلان الحوثيين مؤخرا أنهم سيوقفون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر – على الرغم من أن الجماعة تواصل مهاجمة إسرائيل.
اتفاق هش
في الاتفاق الذي توسطت فيه عُمان بين الولايات المتحدة والحوثيين، طالبت الولايات المتحدة بوقف هجمات الحوثيين على إسرائيل، وهو ما رفضه الحوثيون.
مع ذلك، قبلت الولايات المتحدة موقف الحوثيين، متراجعةً فعليًا عن حملتها الجوية دون تحقيق هدفها السياسي المتمثل في إجبار الحوثيين على التخلي عن جميع هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة خارج حدودها.
ووفق الموقع، رغم إجبارهم على الاتفاق بسبب الهجمات الجوية الأميركية، تمكن الحوثيون من الحفاظ على ما يكفي من قدراتهم المتبقية في مجال الصواريخ والطائرات بدون طيار لمواصلة هجماتهم على إسرائيل، ويمكنهم تصوير النتيجة على أنها انتصار لاستمرار الحوثيين في دعمهم لفلسطين.
كما يمنح الاتفاق الحوثيين قدرة كافية لاستئناف هجماتهم على سفن الشحن في وقت قصير، إذا ما رغبوا في اتهام الولايات المتحدة بدعم الهجمات الإسرائيلية المضادة المستمرة.
ولن تغفل شركات الشحن عن احتفاظ الحوثيين بقدرات مضادة للسفن، ومن المرجح أن تستغل هذه الشركات مبرر استمرار مسارها الأطول حول رأس الرجاء الصالح، نظرًا لما يمتصه من طاقة إضافية في سوق شحن يشهد فائضًا في المعروض.
ولا تتمتع قاذفة بي-52 العريقة بأي من قدرات التخفي التي تتمتع بها بي-2، لكن صيانتها أسهل بكثير في الانتشار المتقدم لمسافات طويلة.
مدمرة جديدة تتجه للبحر الأحمر
وكانت مجلة ناشيونال انترست ذكرت، أواخر الأسبوع الماضي، أنه في إطار جهود البيت الأبيض لمكافحة الاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر، تتجه سفينة حربية أخرى إلى منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي.
وبحسب تقرير للمجلة، غادرت “يو إس إس فورست شيرمان” (DDG 98) نورفولك بولاية فرجينيا في وقت سابق من الأسبوع الماضي لبدء انتشارها المقرر بانتظام كجزء من مجموعة حاملة الطائرات “جيرالد ر. فورد” (CSG-12).
ومن المتوقع أن يعزز انضمام المدمرة من فئة “أرلي بيرك” من قدرة البحرية الأمريكية على الدفاع ضد الهجمات الحوثية. وكما صرّح الأدميرال بول لانزيلوتا، قائد مجموعة حاملة الطائرات جيرالد ر. فورد (CSG-12)، “فإن بحارة يو إس إس فورست شيرمان متجهون للقيام بعمل أمتنا في البحر.
وستكون القدرات القتالية التي تجلبها هذه السفينة جاهزة في أي وقت لصد أي عدوان، وإذا لزم الأمر، دحره، دفاعًا عن مصالح أمريكا في جميع أنحاء العالم”.
وقبل يوم واحد من مغادرة “فورست شيرمان” نورفولك، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن البحرية ستوقف الضربات التي تستهدف الجماعة الإرهابية المدعومة من إيران، بعد أن “استسلم” الحوثيون، حسبما ورد. وكشفت سلطنة عُمان لاحقًا أنها توسطت في وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين.
غير أن استمرار التعزيزات العسكرية الأمريكية، سواء في البحر الأحمر أو في قاعدة دييغو غارسيا، يعكس حذر واشنطن واستعدادها للتعامل مع أي تجدد للهجمات الحوثية، سواء على السفن أو على حلفائها في المنطقة، وفق المجلة الأميركية.