لا شك أن هناك تغييرًا واضحًا في الموقف الأمريكي المساند للعدوان الإسرائيلي على غزّة وعلى الشعب الفلسطيني بشكل عام، وهذا التغيير الذي يمكن إعطاؤه ولو بنسبة معينة، صفة التراجع، يمكن تلمّسه من الضغوط الأخيرة للبيت الأبيض على حكومة نتنياهو لتسهيل الحل والسير بصفقة معقولة، تعيد الأسرى الإسرائيليين والإسرائيليين – الأمريكيين، وتنهي الحرب بين الاحتلال وبين المقاومة الفلسطينية والمدعومة بقوة من أطراف رئيسية من محور المقاومة، خاصة في لبنان والعراق واليمن.


في الواقع، بمعزل عن موقف الثبات والصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية في الحرب، وبمعزل عن موقف حزب الله في لبنان، كداعم ومساند رئيسي لهذه المقاومة، عبر إجبار العدوّ على وضع جهود ضخمة لحماية جبهته الشمالية، ربما قاربت تلك الجهود التي وضعها لحربه على غزّة، وبمعزل عن مناورة المقاومة العراقية البطلة، والتي كانت صادمة للأمريكيين في استهداف قواعدهم في سوريا والعراق، وللإسرائيليين أيضًا في استهدافات حساسة داخل الكيان، فإن المناورة اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، لعبت دورًا أساسيًّا وفاصلًا ربما، في دفع واشنطن إلى هذا التراجع في موقفها، والذي بدأت ملامحه تظهر من بعض ما رشح عن نقاط صفقة الحل، والتي أصبحت قاب قوسين من موافقة “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية عليها، مع وجود تحفظ دائم على إمكانية نجاحها حتّى النهاية.
عمليًّا، يمكن الإضاءة على دور المناورة اليمنية في فرض هذا التغيير على الموقف الأمريكي وبالتالي على الموقف الإسرائيلي، وذلك من خلال النقاط التالية:
نقطة أولى: كشفت المناورة اليمنية بعض مشاكل ونقاط الضعف لدى التحالف البحري الأمريكي في البحر الأحمر، وذلك بعد أن أظهرت القوّة البريطانية افتقارها إلى صواريخ ضدّ قواعد اليمنيين في البر، حيث واجهت القوّة البريطانية صعوبة في التدخل دائمًا بالطيران ومن قواعد بعيدة مثل قبرص، الأمر الذي أصبح مكلفًا، وبالتالي كشف ضعف البريطانيين في هذا التحالف، ليبدو عدم جدية وعدم حماسة كاملة في السير بمناورة واشنطن كما يجب.
من جهة أخرى، رأى الأمريكيون أن حماية المعابر البحرية في المناطق والمساحات المحيطة باليمن، هي حاجة اقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي أكثر من أن تكون حاجة ملحة لهم، وبالتالي رأوا أن الأمر سيكون مكلفًا عليهم مع استمرار اليمنيين بهذه المناورة، ومع وجود حماسة أوروبية ضعيفة، وفي الوقت الذي لم تكن تعتبر واشنطن أن الموقف اليمني سيكون بهذه الفعالية وهذه الصلابة، اكتشفت أنها دخلت فيما يشبه مستنقعًا مكلفًا وصعبًا.
ومع ثبات اليمنيين وفشل واشنطن في ليّ ذراعهم، بدأت تتعرقل شيئًا فشيئًا الحركة البحرية في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم، وتفاقمت مشكلة النقل البحري مع ارتفاع مستوى تأثيرها السلبي على دول الاتحاد الأوروبي درجة أولى، مع فشل الأمريكيين في استيعاب حركة اليمنيين، وأصبح هذا الأمر يشكل ضغوطًا على هذه الدول، وبدأت تتمدّد تداعياته على اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، على قدرة هذه الدول على متابعة دعم أوكرانيا بمواجهة روسيا، حيث إن هذه الحرب متواصلة فعليًّا ولم تتوقف، رغم ابتعاد الانظار عنها، وعودتها إلى ساحة الاهتمام الدوليّ والغربي تحديدًا، آتية قريبًا وفور سلوك التسوية أو الحل أو الصفقة في غزّة.
زد على ذلك، فإن تداعيات الدعم الأوروبي (المطلوب أمريكيا) لأوكرانيا من خلال دعم الصادرات الزراعية الأوكرانية بأسعار منافسة لأسعار المنتوجات الأوروبية، بدأت تفرض واقعًا صعبًا وضاغطًا على حكومات الاتحاد الأوروبي، عبر مظاهرات واعتصامات لمزارعي أغلب دول الاتحاد الأوروبي، رفضًا لهذه السياسة الداعمة لأوكرانيا على حساب منتجاتهم.
هذا في البعد الاقتصادي، أمّا في البعد العسكري، فإن مناورة أبناء اليمن الداعمة لفلسطين، خلقت لهم الفرصة من جديد، لإثبات قدراتهم العسكرية والقتالية، برًّا وبحرًا وجوًّا، واستطاعوا مقارعة قوى كبرى بحاملات طائراتها وبمدمراتها وسفنها الحربية وقاذفاتها القتالية وصواريخها البحرية، توماهوك وغيرها، وذلك عبر اتجاهين: الأول دفاعي، بنجاحهم في حماية قدراتهم الصاروخية والمسيرة، وإبعادها عن دائرة الاستهداف رغم عشرات الغارات الصاروخية والجوية الغربية والأمريكية بشكل أساسي، وثانيًا، من خلال الثبات على مناورة استهداف السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” أو المرتبطة بالحركة الاقتصادية للكيان استيرادًا أو تصديرًا، ولاحقًا في استهداف السفن الحربية الأمريكية والبريطانية، وذلك عبر مروحة واسعة من وسائل التدخل العسكري، بالصواريخ البحرية وصواريخ كروز أو بالصواريخ الباليستية أو بالمسيرات أو بالزوارق، الانتحارية أو الحاملة لمجموعات المهمات البحرية الخاصة.
أما في البعد الاستراتيجي، فإن وحدات الجيش وحكومة صنعاء وأنصار الله في اليمن، ومن خلال مناورة الدعم الواسعة والحساسة لغزّة وللشعب الفلسطيني ولقضيته، استطاعوا فرض موقفهم وموقعهم على الساحة الإسلاميّة بمستوى كبير جدًّا، ونجحوا في إلغاء نظرة خاطئة لهذه الساحة عنهم وعن موقعهم ودورهم، كانت بعض الدول الإقليمية وبدفع أمريكي قد زرعتها خداعًا وتلفيقًا، وبالتالي، استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم عبر موقفهم المساند لفلسطين، داعمًا وفيًّا وصادقًا (فعلًا وقولًا) لقضية العرب والمسلمين، في الوقت الذي هم محاصرون وممنوع عليهم (وبرعاية اقليمية وغربية) التوصل إلى حل داخلي يعيد التوازن السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبلادهم، وفي الوقت الذي وقف قسم كبير من هؤلاء العرب والمسلمين في جانب كيان الاحتلال، سياسيًّا وإعلاميًّا، واقتصاديًّا حتّى عبر تسهيلهم خطوط نقل برية لـ”إسرائيل”، تعوض لها تداعيات الحصار البحري الذي فرضته اليمن نصرة لفلسطين.
انطلاقًا من كلّ ذلك، وخاصة من تأثيرات الموقف اليمني وتداعياته، ليس فقط على “إسرائيل” ومن مختلف الجوانب، بل لناحية التأثير على ملف الحرب التي يخوضها الغرب ضدّ روسيا في أوكرانيا، يمكن القول إن الأمريكيين رأوا مصلحتهم في إيقاف هذه المناورة اليمنية، والمرتبطة بوقف الحرب على غزّة.
* كاتب ومحلل استراتيجي لبناني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

مجلة عبرية: القوات اليمنية أفشلت آلة الحرب الأمريكية والمبادرة لا تزال بيد صنعاء

يمانيون | تقرير
كشفت مجلة Australia/Israel Review، التابعة لما يُعرف بمجلس الشؤون الأسترالية/الإسرائيلية واليهودية، عن حجم الإخفاق الذي مُنيت به الولايات المتحدة خلال عمليتها العسكرية الواسعة في اليمن.

وأكدت المجلة، في تقرير تحليلي حمل عنوان “نهاية قاسية لفيلم رايدر في اليمن”، أن العملية التي أطلق عليها اسم “رايدر العنيف” انتهت إلى فشل ذريع، رغم التصعيد الأمريكي الهائل على مدار قرابة شهرين.

ووفقًا للتقرير، الذي كتبه محللون عسكريون واستخباراتيون بتوجه صهيوني، فإن الحملة الجوية التي ضمت أكثر من ألف غارة جوية، لم تفلح في تقويض قدرات القوات المسلحة اليمنية، التي بقيت – بحسب تعبير المجلة – “متماسكة، وفعّالة على جميع المستويات”.

وأضاف التقرير: “رغم القصف المتواصل والاستعراض الناري الكبير، فإن نهاية العملية كشفت أن المبادرة لا تزال بيد صنعاء”.

ترامب قلّص العملية… والمخابرات الأمريكية في مأزق
تقرير المجلة أشار إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تدخّل شخصيًا لتقليص مدة الخطة الأصلية التي اقترحها قائد القيادة المركزية الأمريكية من ثمانية أشهر إلى ثلاثين يومًا فقط، تحت ضغوط تتعلق بالتكاليف والخسائر المتزايدة. ووفقًا لما نشر، فإن العملية كلفت واشنطن أكثر من مليار دولار، وشهدت فقدان طائرات مسيّرة ومقاتلات، دون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.

وأقرت المجلة أن الاستخبارات الأمريكية لم تستطع تقديم مقياس واقعي للنجاح خلال الحملة، باستثناء ما وصفته بـ”العدد الضخم من الذخائر التي تم إسقاطها”. وبناءً عليه، اعتُبر قرار وقف إطلاق النار بمثابة انسحاب غير معلن من معركة لم تحقق أهدافها، بحسب لغة التقرير.

إرباك داخل التحالف وصدمة لدى الكيان الصهيوني
اللافت في التقرير هو تسليطه الضوء على حالة من الارتباك والتخبط داخل معسكر الحلفاء، إذ كشفت المجلة أن بريطانيا لم يتم إبلاغها مسبقًا بقرار وقف إطلاق النار، فيما تلقّى كيان الاحتلال الإسرائيلي ما وصفته المجلة بـ”الصفعة السياسية”، بعدما تُرك وحيدًا في مواجهة عمليات الرد اليمني، التي تواصلت بالصواريخ والطائرات المسيّرة، من دون أي غطاء أمريكي مباشر.

ونقل التقرير عن السفير الأمريكي لدى كيان الاحتلال أن بلاده “لن تتدخل مجددًا في اليمن إلا إذا تعرض مواطنوها لخطر مباشر”، وهو ما اعتبرته المجلة ضربة قاصمة لصورة التحالف الأمريكي–الإسرائيلي، وتآكلًا للثقة في ما كانت تعتبره “الضمانة الأمريكية الدائمة”.

صنعاء: لا تنازلات… والمبادرة بأيدينا
وفي لهجة توحي باعتراف نادر، أكدت المجلة أن القوات المسلحة اليمنية لم تقدم أي تنازلات خلال المفاوضات التي سبقت وقف إطلاق النار، ولم تتراجع عن إعلانها باستمرار العمليات العسكرية في البحر الأحمر، خصوصًا تلك التي تستهدف السفن المرتبطة بكيان الاحتلال.

وأشارت إلى أن القرار بوقف استهداف الملاحة “لا يصدر من الضغوط أو التهديدات، بل من صنعاء وحدها”، في إشارة إلى أن ميزان المبادرة انتقل بالكامل إلى اليمن.

الوضع في البحر الأحمر لم يتغير… والخوف مستمر
وفي نهاية تقريرها، حذّرت Australia/Israel Review من وهم استعادة الأمن في البحر الأحمر، مؤكدة أن شركات الشحن ما تزال تتجنب المرور من هناك، وأن خطر التصعيد لم ينته، بل إنه قد يتجدد في أي لحظة.

وأظهرت المجلة، بلغة تغلب عليها المرارة والإحباط، أن واشنطن فشلت في فرض شروطها، وأن حلفاءها تلقّوا ضربة قاسية على المستويين السياسي والعسكري، في وقت ما تزال فيه صنعاء تردد رسالتها بصوت واضح: لا تراجع عن فلسطين، ولا مساومة على سيادة القرار في البحر الأحمر.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوما
  • مجلة عبرية: القوات اليمنية أفشلت آلة الحرب الأمريكية والمبادرة لا تزال بيد صنعاء
  • الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
  • حماس: المقترح الأمريكي الذي وافقت عليه إسرائيل حول الهدنة في غزة لا يستجيب لمطالبنا
  • مراسل سانا: وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني والمبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا السيد توماس باراك يفتتحان دار سكن السفير الأمريكي بدمشق
  • دبلوماسي: الموقف الأوروبي أصبح أكثر تماشيا مع الرؤية المصرية في القضية الفلسطينية
  • السفير أحمد أبو زيد: الموقف الأوروبي من البداية داعم للقضية الفلسطينية ويحترم الرؤية المصرية
  • الاتحاد الأوروبي يعتمد صكوكا قانونية تدعم رفع العقوبات عن سوريا
  • الحرب في غزة: الاتحاد الأوروبي مُطالب برد مشترك عقب قراره إعادة النظر في اتفاق الشراكة مع إسرائيل
  • تحول في الموقف الأوروبي تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة