هل الكشف عن جاسوسة بالبرلمان الأوروبي يفتح الباب لمفاجآت أخرى؟
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
ذكر موقع "ديلي بيست" الإخباري الأميركي أن عضوة في البرلمان الأوروبي اتُّهمت بالتجسس لصالح روسيا، مشيرا إلى أن ذلك يفتح بابا واسعا من المفاجآت الحبلى بالأسرار غير المصرح بنشرها.
وأشار الموقع إلى أن المشرعين في أوروبا صُدِموا من مزاعم تتحدث عن أن عضوة البرلمان الأوروبي التي تمثل دولة لاتفيا، تاتيانا شدانوكا، كانت تعمل في الخفاء جاسوسة لروسيا.
ووفقا لتحقيق استقصائي أجرته صحيفة "ذا إنسايدر"، ومركز البلطيق للصحافة الاستقصائية "ري بلطيقا" وصحيفة إكسبريسين" السويدية، عملت شدانوكا على ترتيب اجتماعات شخصية مع جهات اتصال خاصة بها في أجهزة المخابرات الروسية، ما بين موسكو وبروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي).
مراسلات وتمويلويستشهد التحقيق الاستقصائي برسائل بريد إلكتروني ومراسلات أخرى، زاعما أن شدانوكا طلبت أيضا تمويلا من ضباط المخابرات الروسية، وتبادلت معهم، في عدة مناسبات، مسودة مبادرات وبيانات صحفية.
وتقول مراسلة "ديلي بيست" لشؤون الأمن القومي، شانون فافرا، في تقريرها إن البرلمان الأوروبي فتح تحقيقا في الأمر، وإن مشرعين في لاتفيا يحذرون من وجود جواسيس آخرين بين صفوفهم.
وكانت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية ذكرت أن 3 من أعضاء البرلمان الأوروبي –هم ساندرا كالنيت، وروبرتس زيل، وإيفارس إيجابز- كتبوا في رسالة أنهم على قناعة بأن شدانوكا ليست حالة معزولة، وأن "هناك أعضاء آخرين في البرلمان الأوروبي.. يخدمون مصالح روسيا عن عمد". وتابعوا القول إن هناك "تدخلات عامة، وسجلات تصويت، وأحداثا منظمة، بالإضافة إلى أنشطة سرية".
مراجعة للسياساتودعا رئيس لجنة الشؤون القانونية والبرلماني الإسباني، أدريان فاسكيز لازارا، إلى عملية مراجعة لتحديد السياسات التي أتاحت لشدانوكا ارتكاب تلك الخطيئة.
وقال لازارا على وسائل التواصل الاجتماعي: "سيكون الأمر غير مقبول إذا كان هناك نواب يدفع لهم الكرملين يعملون على تدمير الديمقراطية الأوروبية من الداخل… يجب كشف ومتابعة أي صلات مع روسيا وأتباعها".
وبحسب تقرير "ديلي بيست"، لطالما كانت لروسيا مصادر معلومات في مواقع جيدة في الدول الأوروبية، وليست شدانوكا وحدها بأي حال من الأحول. فقد اعتقل المسؤولون في إستونيا مؤخرا أستاذا متهما بالتجسس لصالح روسيا. وفي العام الماضي، حُكم على عميل استخبارات سابق بالسجن بتهمة نقل معلومات حساسة إلى روسيا.
وفي عام 2022، ألقت السلطات الألمانية القبض على رجل في وكالة المخابرات الخارجية في البلاد بتهمة مشاركة أسرار مع موسكو. وقد اتُهم عضو مجري في البرلمان الأوروبي بالتجسس على الاتحاد الأوروبي لصالح روسيا في عام 2017. وهناك أمثلة حديثة أخرى كثيرة، من النمسا إلى بولندا، حسبما أفاد الموقع الإخباري الأميركي.
روسيا تجند كثيرا من الجواسيسوقال بيل إيفانينا، الرئيس السابق للمركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، لصحيفة "ديلي بيست"، إن روسيا تبذل "كثيرا من الوقت والجهد والموارد في تجنيد عملاء ليس فقط من دول حلف الناتو، بل أيضا من الدول المجاورة وأجهزة المخابرات والهيئات السياسية خاصة في المستوى الأدنى لأنهم يفترضون أنهم سوف يرتقون أعلى المناصب".
ومنذ غزت روسيا أوكرانيا في عام 2022، طردت الدول الأوروبية بشكل جماعي ما يقرب من 400 جاسوس روسي، وفقا لجهاز المخابرات الخارجية البريطاني (إم آي 6).
خدمة طويلة في البرلمان الأوروبيوقد مثلت شدانوكا بلدها لاتفيا في البرلمان الأوروبي خلال الفترة من 2004 إلى 2018، ومن 2019 حتى الآن.
وأشار الموقع الأميركي نقلا عن تحقيقات صحيفة "ذا إنسايدر"، إلى أن شدانوكا تواصلت سرا مع اثنين من المتعاملين معها، حيث تعاونت في البداية مع رجل يدعى ديمتري غلادي قبل أن يُقدمها هذا الأخير –عبر البريد الإلكتروني- إلى آخر يطلق عليه سيرغي كراسين وهو اسم مستعار. وكلا الرجلين يُزعم أنه كان ضابطا في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
وورد في المراسلات أن شدانوكا بعثت معلومات وصفتها بأنها "تقارير"، وفي بعض الأحيان ادعت أن مهمتها الواضحة المتمثلة في جمع المعلومات الاستخبارية على أنها "المعلومات الموعودة".
وليس من الواضح تماما، في الوقت الحالي، ما الذي سيحدث لشدانوكا نظرا لأنها تتمتع بالحصانة البرلمانية من الملاحقة القضائية، لكن مصيرها في لاتفيا يبدو محفوفا بالمخاطر، حسب تقرير "ديلي بيست".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی البرلمان الأوروبی إلى أن
إقرأ أيضاً:
سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
قال المحلل السياسي المهتم بالشأن الدولي محمد عمر، إنه في ظل تواصل المواجهة ما بين روسيا وأوكرانيا وانهزام الأخيرة بشكل ملحوظ في الميدان، وسعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتطبيق خطة سلام، يقف قادة الدول الأوروبية حجر عثرة أمام هذه الجهود ويعملون على تأزيم الصراع بدعم أوكرانيا رغم المشاكل الإقتصادية الصعبة التي تواجه دولهم.
وأضاف أن ترامب استخدم "كلمات حادة" خلال حديثه الأخير مع قادة أوروبا بشأن الحرب الأوكرانية وانتقد الرئيس الأمريكي قادة أوروبيين واصفا إياهم بالضعفاء، وفي مقابلة مطولة مع موقع بوليتيكو، أشار الى أن دولا أوروبية متدهورة فشلت في ضبط الهجرة أو اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء حرب أوكرانيا مع روسيا، متهما إياها بترك كييف "تقاتل حتى تنهار".
وتابع المحلل، أنه في الوقت الذي كان يُتوقع أن ينفق فيه الاتحاد الأوروبي على استدامة اقتصاده وتحسين معيشة شعوبه، تقوم حكوماته بإعادة توجيه موارد مالية ضخمة في إطار الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي أفرز أزمة معيشية خانقة لدى المواطن الأوروبي، موضحا أنه بموازاة ذلك، تعمل المفوضية الأوروبية على بلورة آليات قانونية ومالية معقدة للاستفادة من الأصول الروسية المجمدة في الغرب، والتي تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار.
وأوضح أنه بذلك تضع أوروبا قدمها على حافة الهاوية من خلال السعي لتحقيق مكاسب مالية عاجلة من أصول مجمدة لتعويض خسائر سياسية متوقعة، مقابل مخاطر اقتصادية وقانونية وأخلاقية بعيدة المدى قد تعيد رسم علاقاتها الدولية وتعيد فتح ملفات ماضيها الاستعماري.
وأكد أن النقاش لم يعد يدور حول دعم أوكرانيا فقط، بل حول الثمن الذي سيدفعه الاتحاد الأوروبي وشكل النظام المالي الدولي في المستقبل، مشيرا إلى أنه لا يمكن فهم حجم الضائقة الحالية بمعزل عن أزمات بنيوية مزمنة، فمنذ عام 2009، تعاني منطقة اليورو من أزمة ديون سيادية هيكلية، تمثلت في عدم قدرة عدة دول (مثل اليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا) على تسديد ديونها أو إنقاذ بنوكها الوطنية دون مساعدة خارجية.
واستطرد المحلل، أن هناك عوامل هيكلية ساهمت في تفاقم هذه الأزمة، أهمها وجود اتحاد نقدي "عملة واحدة" دون وجود اتحاد مالي موحد بمعايير ضريبية ومعاشات مشتركة، مما حد من قدرة القادة الأوروبيين على الاستجابة بشكل فعال، حيث خلفت هذه الأزمة آثارا اقتصادية وسياسية عميقة، وصلت معدلات البطالة في بعض البلدان إلى 27%، وأدت إلى تغيير الحكومات في أكثر من نصف دول منطقة اليورو.
وأضاف أنه مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تحولت الأزمة البنيوية إلى أزمة مركبة، حيث أدت الحرب إلى تعطيل واردات أساسية مثل الطاقة والمعادن والغذاء، بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، ما تسبب في ارتفاع التضخم في دوله إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود.
وأكد أنه سبق وأن قدر بنك الاستثمار الأوروبي حجم الصدمة الناجمة عن ارتفاع فواتير الطاقة وانخفاض الصادرات بارتفاع نسبة الشركات الخاسرة في الاتحاد الأوروبي من 8% إلى 15%، كما أن نسبة الشركات المعرضة لخطر التخلف عن سداد ديونها قد ترتفع من 10% إلى 17%.
وتعكس أرقام التضخم في الاقتصادات الكبرى بمنطقة اليورو صورة واضحة لآفاق الأسعار في التكتل، ففي ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، ارتفع معدل التضخم على نحو غير متوقع إلى أعلى مستوى له منذ تسعة أشهر، وشهد قطاع الصناعة خسائر تتراوح بين 100-160 مليار يورو، كما ارتفعت تكلفة المعيشة وأسعار الطاقة في كل من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، أكبر دول الاتحاد.
وتابع المحلل، أن الاتحاد الأوروبي يواصل تقديم دعم مالي ضخم لأوكرانيا، وقد طرحت المفوضية الأوروبية منذ أيام خطة جديدة بقيمة 90 مليار يورو لتغطية ثلثي احتياجات كييف التمويلية لعامين، باستخدام الأصول الروسية المجمدة كضمان، إلا أن هذه الخطة تواجه معارضة ومخاطر جسيمة منها مخاطر قانونية حيث حذرت شركة "يوروكلير" البلجيكية - التي تحتفظ بأكبر حصة من الأصول الروسية المجمدة - من أن استخدام هذه الأصول قد يتم تفسيره على أنه "مصادرة"، مما يقوض ثقة المستثمرين الدوليين بأوروبا ويؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض لجميع دول الاتحاد.
كما رفض البنك المركزي الأوروبي ضمان قرض سابق بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، معتبرا أن ذلك يعد "تمويلا نقديا" مباشراً للحكومات، وهو ما يحظره القانون الأوروبي.
وأشار إلى أن هناك انقسام داخلي حيث ترفض دول مثل بلجيكا والمجر الخطة لغياب الضمانات الكافية أو لمعارضة أي تمويل إضافي، مما يعكس انقساما أوروبيا حول كيفية تحمل هذا العبء المالي الجديد.
وقال إن تنفيذ هذه الخطة سيؤدي الى تقويض ثقة المستثمرين الأجانب ببيئة الاستثمار الآمنة في أوروبا، مما قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع النمو، كما أنها ستعمل على تأجيج عداء طويل الأمد مع روسيا، وتشويه صورة أوروبا كحامية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويضمن حق روسيا بالرد القاسي على هذه الخطوة.
وأكد أنها قد تفتح الباب أمام مطالبات تعويضات تاريخية من دول أخرى، خاصة في أفريقيا، عن جرائم الحقبة الاستعمارية. وهذا ما بدأ يطفو على السطح، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي دعا خلال مؤتمر حول "تجريم الاستعمار" إلى "حق أفريقيا في التعويض العادل واستعادة الممتلكات المنهوبة".
وأوضح المحلل، أن المواطن الأوروبي العادي يعاني واقعا مريرا من ارتفاع متواصل في أسعار الغذاء والطاقة والنقل، بينما تبقى الرواتب كما هي دون زيادات تذكر، وقد حذرت دراسات من أن الارتفاع الكبير في الأسعار يضرب الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل غير متناسب، وخاصة في دول أوروبا الوسطى والشرقية، مما يهدد بدفع مئات الآلاف إلى دائرة الفقر.
وأكد أن ما يزيد الوضع تعقيدا هو أن أسواق السندات العالمية بدأت تطالب بعوائد أعلى على ديون الدول الأوروبية، مما يشير إلى مخاوف المستثمرين المتزايدة من تراخي السياسات المالية وتراكم الديون في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لفرض تقشف مالي، وفي الوقت نفسه، يمثل الإنفاق العسكري والأمني المتزايد نتيجة الدعم للنظام في كييف استنزافا إضافياً للموارد التي كان من الممكن توجيهها لتحسين الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية.
وتساءل إلى متى ستستطيع اقتصادات أوروبا تحمل تكلفة الحرب المزدوجة وتكلفة إنقاذ اقتصادها الداخلي من الإنهيار، وتمويل جهود عسكرية خارج حدودها - دون أن يدفع المواطن الأوروبي الثمن الأكبر من رفاهيته ومستقبله الاقتصادي، موضحا أن الإجابة مرتبطة بمسار الحرب نفسها، وإلى أي مدى يمكن للقادة الأوروبيين التوصل إلى حلول سياسية تخفف من هذا العبء المالي الذي يثقل كاهل شعوبهم، والتعاون مع الولايات المتحدة في خطتها المطروحة للسلام.