نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً قالت فيه إن العالم يتعرّف على أهوال مدينة الفاشر من خلال الصمت والغياب، لا من خلال أدلة ملموسة، إذ لم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية الواقعة في ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية.



واختفى المرضى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات والعيادات التي استهدفها المقاتلون، فيما وصل الأطفال الفارون من الفاشر إلى مخيمات النازحين من دون آبائهم أو ذويهم.

وروى عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة شهادات عن مجازر وعمليات اغتصاب واسعة النطاق ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية المدمرة في السودان.



ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد، وجسد استيلاؤها على الفاشر عملية تقسيم فعلي بين الشرق والغرب، في حين استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم في وسط البلاد.

وأدت الحرب الأهلية إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بعدما نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، وتفشت المجاعة والأمراض، ومنها الكوليرا، في مناطق واسعة، خصوصا الفاشر ومحيطها، حيث وصف شهود عيان كيف عاش السكان المحاصرون على علف الحيوانات والأعشاب الضارة.

كما ترافقت الأزمة مع العنف الممنهج الذي تمارسه قوات الدعم السريع ضد جماعات عرقية وقبلية غير عربية في دارفور، ويقدر عدد المفقودين من الفاشر بنحو 150,000 شخص، فيما يشير باحثون إلى أنّ نحو 60,000 منهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.

وفي أعقاب سقوط الفاشر، قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي: "نشهد وتيرة قتل لا يضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا".

ويتابع المختبر تداعيات ما يجري، مضيفا: "نحن بصدد كارثة بشرية قد تتجاوز في غضون أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين. هذه هي سرعة القتل التي نشهدها بناء على ما نراه من أكوام الجثث على الأرض".

وقالت الصحيفة إن المنطقة لا تزال تعاني أيضا من صدمات سابقة، ففي لاهاي، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الثلاثاء حكماً بالسجن 20 عاما على علي محمد علي عبد الرحمن، قائد ميليشيا الجنجويد السودانية سيئة السمعة، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت تحت إشرافه قبل أكثر من عقدين خلال حملة مكافحة التمرد في دارفور.



وتعد الجنجويد النواة الأولى لقوات الدعم السريع، لكنها كانت آنذاك تنفذ أوامر الحكومة المركزية في الخرطوم بقيادة الرئيس عمر البشير.

وذكر الكاتب إشارات متكررة إلى العنف الإبادي الحالي، قائلاً إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع مصورة لمقاتلين وقادة في قوات الدعم السريع وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقتل واغتصاب المدنيين من مختلف القبائل.

وسابقةً لسقوط الفاشر، شهدت مدينة الجنينة في غرب دارفور أيضا مجزرة واسعة، حيث قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها نحو 15,000 شخص، وارتكبت عملية تطهير عرقي بحق شعب المساليت من أصول أفريقية سوداء.

وأشار المقال إلى أنّ الفاشر تحتل مكانة محورية في سجل الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين، إذ سبق أن شنّت قوات المتمردين في نيسان/أبريل 2003 غارة على منشأة عسكرية رئيسية في المدينة، ما مهّد لحملة القمع الوحشية التي دعمتها الحكومة وما تلاها من فظائع.

وأكد الكاتب أن أوجه التشابه واضحة، فنقل عن توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، قوله في إحاطة لسفراء الأمم المتحدة نهاية تشرين الأول/أكتوبر: "إن ما يحدث في الفاشر يُذكّرنا بالأهوال التي عانت منها دارفور قبل عشرين عاماً. لكننا نشهد اليوم رد فعل عالمي مختلفا تماما، رد فعل استسلام. إنها أيضاً أزمة لامبالاة".

وأضاف أن محللين شددوا مراراً على أنّ المأساة الحالية كانت متوقعة، ففي بيان صدر عام 2023 عند اندلاع الحرب الأهلية، قال تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب أفريقيا: "لا يزال المدنيون في دارفور اليوم تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور ومناطق أخرى من السودان، من المخزي أن يعيش الناس في السودان في خوف كل يوم".



ولفت إلى أن الجيش السوداني أيضاً متهم بارتكاب فظائع، لا سيما بالقصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كما يُزعم أنّ قوات الدعم السريع قتلت عشرات المدنيين بطائرات مسيرة في منطقة كردفان جنوب وسط البلاد، التي أصبحت أحدث بؤرة توتر في حرب فشلت القوى الخارجية في كبحها.

وأضافت مجموعة الأزمات الدولية في موجزها السياسي أن السودان يقف اليوم أمام مأزق سياسي لا يستطيع أي من الطرفين كسره عسكريا، في ظل تزايد جرأة قوات الدعم السريع وترسخ وجود الجيش، وبعد أن اشترط الجيش وحلفاؤه انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بات أقل استعداداً للدخول في محادثات بعد الهزيمة.

وشددت المجموعة على أنّ تجنب تقسيم دائم بين الشرق والغرب يتطلب دبلوماسية عاجلة ومبتكرة من جانب "الرباعية" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تضم مصر والسعودية والإمارات.

وختم المقال بالإشارة إلى أن المسار الدبلوماسي لا يزال ضعيفاً رغم تدخل الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، في ظل اعتقاد العديد من الدول بأن لها نفوذا ومصالح مهمة في الصراع، وأشار إلى أنّ الإمارات، على سبيل المثال، يُعتقد أنها دعمت ومكّنت قوات الدعم السريع عبر قنوات مختلفة، رغم نفي المسؤولين الإماراتيين بشدة.

واختتم بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: "يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تكتفي بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم هي وحلفاؤها الدعم المالي والسياسي، والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة دولية صحافة إسرائيلية صحافة دولية الفاشر السودانية الدعم السريع الخرطوم السودان الخرطوم أخبار الدعم السريع الفاشر صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع فی دارفور إلى أن

إقرأ أيضاً:

سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق النفط.. متغيرات جديدة في حرب السودان

بدخول قوات الدعم السريع إلى حقل هجليج النفطي بغرب كردفان، أكبر حقول البترول في السودان، تصبح كل مناطق النفط في غرب السودان تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

تقرير: التغيير

الجيش السوداني – وبحسب مصادر عسكرية – أكد انسحاب اللواء (90) التابع لبابنوسة من المنطقة باتجاه دولة الجنوب، حيث سبقته إلى هناك قوات الفرقة (22) بابنوسة واللواء (89) مشاة واللواء (170) مدفعية، تجنبًا للخسائر المادية والبشرية، برفقة عدد من المهندسين والعاملين بالحقل.

الهجوم المتكرر بالطائرات المسيّرة والمدافع من قبل قوات الدعم السريع على حقول النفط بغرب كردفان دفع العاملين والشركات العاملة إلى مغادرة حقول الإنتاج منذ وقت مبكر، حيث توقف العمل.

تراجع وأرقام

إنتاج النفط السوداني تراجع إلى (60) ألف برميل يوميًا قبل الحرب، وتوقف تمامًا أثناء الحرب. وكان حقل هجليج ينتج (70) ألف برميل قبل أن يتراجع إلى حوالي (40) ألف برميل، في منطقة تقع فيها حوالي (70) بئرًا وترتبط بحقول النفط في حقول (نيم) و(دفرة) و(كنار)، بخط الأنابيب الرئيسي، وبالمنشآت النفطية ووحدة المعالجة المركزية في هجليج.

قوات الدعم السريع أكدت في بيان صحفي أن سيطرتها على الحقل لصالح الشعب السوداني، فيما راجت أنباء عن اعتزام قوات تأسيس التنسيق مع حكومة الجنوب فيما يتعلق بالنفط المُصدّر للخارج.

وقال القيادي بتحالف (تأسيس) محمد بشير، إن تحرير منطقة هجليج بولاية غرب كردفان يمثل مرحلة جديدة في الحرب، باعتبار أن المنطقة لديها ثقل اقتصادي واستراتيجي يتمثل في حقول النفط، الداعم الأبرز للاقتصاد، والسيطرة عليها تعني امتلاك ورقة استراتيجية في أي عملية بناء للدولة السودانية بشكلها الجديد.

وأضاف: في الجانب العسكري، موقع المنطقة الحيوي يجعلها نقطة ارتكاز تتحكم في خطوط الإمداد وحركة القوات، مما يغيّر ميزان القوى على الأرض بشكل أوضح.

وأشار بشير إلى أن سيطرة قوات تأسيس على كامل ولاية غرب كردفان تعني بداية مرحلة الحرب على ولايات شمال كردفان ووسط السودان.

هجليج حسابات واتفاقيات

الباحث الاقتصادي عبد الله محمد أكد لـ(التغيير) أن السودان سيفقد ما بين (300) و(400) مليون دولار سنويًا جراء توقف نفط الجنوب.

مشيرًا إلى أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الصادرات، حيث كانت الحكومة السودانية تأخذ حصتها كمواد بترولية وتصدر بقية النفط، وبالتالي ستضطر لتعويض ذلك بالاستيراد.

وأوضح عبد الله أنه حتى في حالة اتفاق قوات الدعم السريع والجنوب على تشغيل الحقول، لا يمكن تعديل الاتفاقيات الموقعة من جانب حكومة السودان، التي تمتلك ورقة ضغط مهمة تتمثل في امتلاك الخط الناقل وصولًا إلى الميناء في بورتسودان.

وأبدى تخوفه من أن يؤدي الصراع على النفط إلى انفصال جديد لغرب السودان على غرار ما حدث في جنوب السودان، حيث كان النفط أحد محفزات الانفصال.

تجنب المخاطر

العقيد المتقاعد النور سعد، وصف لـ(التغيير) الوضع بالخطير بعد سيطرة قوات الدعم السريع على اللواء (90) آخر معاقل الجيش في ولاية غرب كردفان، مشيرًا إلى أن الانسحاب كان لا بد منه في ظل سقوط الفرقة في بابنوسة، كما أن القتال في منطقة حيوية واستراتيجية كان سيوقع خسائر كبيرة في المنطقة، حتى لو كان اللواء (90) يمتلك إمكانيات قتالية، إذ كان سينسحب تجنبًا للخسائر كما ذكرنا.

#غرب_كردفان | محلية هجليج

◉ سيطرت مليشيا الدعم السريع على منطقة هجليج النفطية، بما في ذلك مقر قيادة اللواء 90 مشاة عقب انسحاب القوات المسلحة ليلًا تجنبًا لوقوع دمار في المنطقة، مع إجلاء العمال السودانيين والصينيين من الموقع النفطي.

◉ توغلت مليشيا الدعم السريع نحو 22 كيلومترًا… pic.twitter.com/Qnvh1ED1DM

— VISTA (@VistaMaps) December 8, 2025

وأكد سعد أن خطوط إمداد الدعم السريع باتت مفتوحة من ولاية شرق دارفور (الضعين)، مما يضيّق الخناق على مناطق جنوب كردفان المحاصرة وهي كادوقلي والدلنج. وأشار  إلى ضرورة تحرك سريع ومدروس للجيش لفك حصار جنوب كردفان.

قائلًا: مرحلة الاستنزاف يجب ألا تطول حتى لا تتمكن قوات الدعم السريع – بمساعدة الإمارات – من بناء منظومات دفاعية في مناطق سيطرتها الجديدة كما حدث في نيالا.

وتابع: دولة جنوب السودان أيضًا متضررة من توقف النفط، وربما سيتم الضغط عليها من قبل داعمي قوات الدعم السريع لفتح خطوط إمداد جديدة من هناك للسودان، ولكن لا ننسى أن الحكومة في بورتسودان تمتلك أيضًا ميزة خطوط الصادر شرقًا، وبالتالي الوضع معقد جدًا.

وأضاف: الدعم السريع تقاتل بلا أخلاق، وهي جهة غير مؤتمنة على ممتلكات السودانيين، تمارس النهب والسرقة، وكلنا شهود عيان على الدمار والسرقات في حقول وشركات النفط. وأكد سعد ثقته في خطة قيادة الجيش السوداني في قلب الطاولة وتغيير المعادلة على الأرض.

الوسومإنتاج النفط في السودان حقل هجليج ولاية غرب كردفان

مقالات مشابهة

  • تلغراف: هل يتحرك الغرب ضد الإمارات بعد مجزرة الفاشر؟
  • واشنطن تعاقب شبكة تجند مقاتلين كولومبيين للقتال مع الدعم السريع في السودان
  • شبكة أطباء السودان: 19 ألف محتجز بسجون الدعم السريع بجنوب دارفور
  • شبكة أطباء السودان: ميليشيات الدعم السريع تحتجز أكثر من 19 ألف شخص في دارفور
  • اتهامات أمريكية للدعم السريع.. جرائم واعتداءات صادمة
  • هل أصبحت الفاشر مدينة موت بعد سقوطها في يد الدعم السريع؟
  • خبير عسكري: سقوط هجليج يمهد لفصل غرب السودان عن شرقه
  • سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق النفط.. متغيرات جديدة في حرب السودان
  • الدعم السريع يسيطر على أهم منطقة نفطية في السودان