منذ شهور قليلة التقيت صديقة مستشرقة أمريكية متخصصة في الأدب العربي، كانت متزوجة لأكثر من أربعين عامًا من صديق رحل عنا منذ أكثر من سنتين عن عمر مديد، وهو من أعلام النقد المعاصر عمومًا، وخاصة في مجال الأدب العربي، وهو أيضًا أمريكي من أصل أوكراني، يُدعى ستيتكفِتش. كم التقيتهما سويًّا مرات عديدة، كانت آخرها حضورهما ندوة عن كتابي «الخاطرات» ببيت الشعر بالقاهرة القديمة.
لا أذكر هذه الواقعة على سبيل الحكايات الدرامية، وإنما للتأكيد على أننا كبشر- على اختلاف أشكالنا وأدياننا وثقافاتنا- تستولي علينا التساؤلات المتعلقة بالإيمان والإلحاد والآخرة والجنة والنار أو الثواب والعقاب، وهي التساؤلات التي لا مهرب منها. هذه التساؤلات شغلت البشر منذ أن بدأ وعيهم بالوجود والعالم. تطور هذا الوعي مع بدء الفكر والتأمل الفلسفي في الحضارات القديمة، وظل مهيمنًا بعدئذٍ على الفكر والوعي الإنساني؛ ولذلك فإن هيجل قد اعتبر الإنسان «حيوانًا متعبدًا بطبيعته، إذا لم يجد ما يعبده، عَبد نفسه»! وهذا حال الإنسان الملك المعبود في الحضارات القديمة. ظلت مسألة وجود الله مهيمنة على الميتافيزيقا في العصرين الوسيط والحديث؛ ولكنها تراجعت في الفلسفة المعاصرة التي أصبحت تنشغل بالمشكلات العملية والحياتية للإنسان المعاصر، وأزاحت مسألة وجود الله إلى الهامش، وأحلت محلها مسائل الحياة والوجود العام نفسه.
لا تنشغل الميتافيزيقا- ولا ينبغي لها أن تنشغل- بمسائل الآخرة والجنة والنار، وإنما يمكن أن تنشغل بمسألة الوعي بالألوهية؛ لأن مسألة وجود الله تظل حاضرة في وعي الناس، وحضورها يتزايد وإن كان بشكل سلبي. وليس أدل على ذلك من أن مسألة الإلحاد ذاتها أصبحت شائعة في كثير من شعوب العالم المتحضر، بل إنها تسللت أيضًا إلى وعي الشباب في عالمنا العربي. وربما يدعونا هذا إلى التأمل في هذه الظاهرة المتنامية في العالم من خلال النقاط التالية المختصرة التي ربما تصلح لتأملات تالية أكثر إسهابًا وبحثًا وتدقيقًا:
*من الصحيح أن ظاهرة الإلحاد في عالمنا العربي مرتبطة بمسائل تتعلق بإحساس بعض الناس باليأس من الظلم الاجتماعي والمعاناة من القهر والشر في العالم؛ ومن ثم بالإحساس الخفي في غمرة اليأس بأن هذا العالم ظالم غير عادل، ليس له رب يحميه. أما في الغرب، فإن الإلحاد غالبًا ما يكون نتاجًا للتأمل في أحوال الكون والبشر على أساس فكري؛ ولكنه في النهاية ينتهي إلى النتيجة نفسها: الإلحاد الناجم عن الشعور باليأس من هذا العالم ومن جدوى الحياة، سواء كنا نعيش هذا اليأس أم نتأمله.
*لماذا ننكر وجود الله على أساس فكري؟! يمكننا أن نتفهم أن يأس بعض البشر من الحياة يمكن أن يجعلهم يكفرون بالله وبالإيمان بالآخرة، ولكننا لا يمكن أن نتفهم مواقف بعض المفكرين والفلاسفة حينما يصرون على إنكار وجود الله. لا أريد مسبقًا المصادرة على مواقف هؤلاء، ولكني لا أرى في إلحادهم حججًا قوية تبرر مواقفهم. من بين هؤلاء المعاصرين الفيلسوف الأمريكي من أصل أسترالي بيتر سينجر، الذي ترجَمتُ مؤخرًا كتابه ذائع الصيت في كثير من اللغات بعنوان «الحياة التي يمكنك إنقاذها»، وأعجبني في هذا الكتاب دعوته إلى البرهنة الفلسفية على ضرورة إعلاء قيمة الإحسان إلى البشر المساكين والفقراء حول العالم. عرفت مؤخرًا أن هذا الفيلسوف ملحد، ولم يشغلني هذا الأمر الشخصي، ولكن ما شغلني هو السؤال: كيف يمكن لفيلسوف أن يدعو إلى قيم إنسانية عليا من دون إيمان بوجود الله الذي هو نفسه- بحكم تصور ماهيته- أسمى صور هذه القيم في وعينا الإنساني المحدود؛ ولهذا فإننا نجد أن فضيلة الإحسان هي فضيلة عليا في كل الأديان التي تؤمن بوجود إله: السماوية منها وغير السماوية! ألا يمكن أن نعتبر هذا إنكارًا مجانيًّا من دون نقاش رصين: فإذا لم يكن الله موجودًا، فليست هناك ضرورة للالتزام بأية قيمة في هذا العالم، على الرغم من دعاوى القول بالدين الطبيعي لدى بعض الفلاسفة. أقول هذا رغم قناعتي بأن الأخلاق الإنسانية الحقيقية لا ينبغي أن تتوقف على الطمع في الجنة واجتناب النار، فهذا هو حال الصفوة، وليس حال العوام أو أكثر الناس؛ أعني أنه يعبر عن حال أولئك الذين يؤمنون بأن الله يجسد معنى الخير الذي به يؤمنون في أسمى صوره.
*ما مبررات إنكار وجود الله عند بعض المفكرين؟ لن تجد شيئًا مقنعًا يليق بحجة قوية. وكأن موقفهم هو مجرد مسألة مزاجية يبحثون لها عن مبررات واهية، وهو في أحسن الأحوال مجرد اعتقاد في أن شؤون هذا العالم تجري من دون حاجة إلى افتراض وجود الله! نعم يمكن لهؤلاء افتراض ذلك (وفي هذا مجادلات لا حصر لها، لا يمكن الخوض فيها في هذه العجالة). ولكن السؤال الذي يبقى هو: ما الحجة القوية التي يمكن أن نستند إليها في إنكار وجود الله؟! لا شيء. لا شيء سوى حالة مزاجية لا يمكن البرهنة عليها من خلال حجة علمية أو فلسفية قوية بحيث لا يمكن افتراض عكسها.
*السؤال عن وجود الله هو سؤال لا يمكن أن يخضع بحكم تصوره (باعتباره الموجود الأعظم اللامتناهي) إلى التساؤل عن أصل وجوده أو التشكيك فيه. مثل هذا السؤال يعكس حالة من التناقض العقلي: لأن افتراض وجود الله باعتباره الأصل والأول والخالق- على الأقل بحكم ماهيته الافتراضية- هو افتراض لا يمكن التساؤل عن أصله ومُنشئه ومبرراته؛ لأن الأصل (على الأقل في التصور) لا ينبغي أن نسأل عن أصله!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا العالم وجود الله یمکن أن لا یمکن
إقرأ أيضاً:
على صلة بحزب الله وايران.. اليكم آخر المعلومات عن ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي
ذكرت قناة CBS الأميركية، ان ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي إيرانية وعلى صلة بحزب الله.
فيما قالت السلطة البحرية في جيانا في بيان إن ناقلة النفط العملاقة (سكيبر) المحملة بنفط فنزويلي والتي احتجزتها الولايات المتحدة كانت ترفع علم جيانا على نحو زائف.
وأضافت "لاحظت إدارة الشؤون البحرية انتشارا وتوجها غير مقبول للاستخدام غير المصرح به لعلم جيانا من قبل سفن غير مسجلة في جيانا".
وأضافت أنها تعتزم اتخاذ إجراءات ضد الاستخدام غير المصرح به لعلم البلاد، بعدما أبلغتها الحكومة الأميركية باحتجاز الناقلة.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الأربعاء: "احتجزنا للتو ناقلة نفط على ساحل فنزويلا.. ناقلة كبيرة جدا.. إنها الأكبر على الإطلاق في الواقع، وهناك أمور أخرى تحدث".
ولم يذكر المسؤولون في إدارة ترامب اسم الناقلة، لكن مجموعة فانغارد البريطانية لإدارة المخاطر البحرية قالت إن ناقلة النفط (سكيبر) يُعتقد أنها احتُجزت قبالة سواحل فنزويلا في وقت مبكر أمس الأربعاء.
وقال متعاملون ومصادر في القطاع إن المشترين الآسيويين يطالبون بتخفيضات كبيرة على الخام الفنزويلي، وسط الضغط الناجم عن زيادة النفط الخاضع للعقوبات من روسيا وإيران وتزايد مخاطر التحميل في فنزويلا مع تعزيز الولايات المتحدة لوجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي. مواضيع ذات صلة CBS: ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي إيرانية وعلى صلة بحزب الله Lebanon 24 CBS: ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي إيرانية وعلى صلة بحزب الله
11/12/2025 06:47:33 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24 العدل الأميركية: احتجاز ناقلة تستخدم لنقل نفط خاضع للعقوبات من فنزويلا وإيران Lebanon 24 العدل الأميركية: احتجاز ناقلة تستخدم لنقل نفط خاضع للعقوبات من فنزويلا وإيران
11/12/2025 06:47:33 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24 وزارة الخارجية الفنزويلية: ندين أعمال القرصنة الدولية التي أعلنها ترامب عبر الاستيلاء على ناقلة نفط في البحر الكاريبي Lebanon 24 وزارة الخارجية الفنزويلية: ندين أعمال القرصنة الدولية التي أعلنها ترامب عبر الاستيلاء على ناقلة نفط في البحر الكاريبي
11/12/2025 06:47:33 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24 قلق أوروبي من ضربات أميركية في الكاريبي: عواصم أوروبا تُقلّص تبادل المعلومات مع واشنطن Lebanon 24 قلق أوروبي من ضربات أميركية في الكاريبي: عواصم أوروبا تُقلّص تبادل المعلومات مع واشنطن
11/12/2025 06:47:33 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان عربي-دولي الولايات المتحدة دونالد ترامب البريطانية البريطاني حزب الله دونالد ترامب روسيا قد يعجبك أيضاً
مؤشرات التصعيد مستمرّة ومساع ديبلوماسية لاطالة التهدئة
Lebanon 24 مؤشرات التصعيد مستمرّة ومساع ديبلوماسية لاطالة التهدئة
22:06 | 2025-12-10 10/12/2025 10:06:00 Lebanon 24 Lebanon 24 وساطة عُمانية ثلاثية الأبعاد لإنقاذ لبنان.. السفير الأميركي: المفاوضات لا تعني توقف إسرائيل
Lebanon 24 وساطة عُمانية ثلاثية الأبعاد لإنقاذ لبنان.. السفير الأميركي: المفاوضات لا تعني توقف إسرائيل
22:08 | 2025-12-10 10/12/2025 10:08:00 Lebanon 24 Lebanon 24 لودريان يطالب بتسريع الاصلاحات وحصرية السلاح و "مؤتمر باريس" معلّق على السلاح
Lebanon 24 لودريان يطالب بتسريع الاصلاحات وحصرية السلاح و "مؤتمر باريس" معلّق على السلاح
22:09 | 2025-12-10 10/12/2025 10:09:00 Lebanon 24 Lebanon 24 ترقّب للاجتماع المقبل لـ"الميكانيزم".. 32 بنداً على جدول مجلس الوزراء غداً
Lebanon 24 ترقّب للاجتماع المقبل لـ"الميكانيزم".. 32 بنداً على جدول مجلس الوزراء غداً
22:25 | 2025-12-10 10/12/2025 10:25:00 Lebanon 24 Lebanon 24 قطيعة بين "حزب الله" وفرنسا؟
Lebanon 24 قطيعة بين "حزب الله" وفرنسا؟
23:13 | 2025-12-10 10/12/2025 11:13:13 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
المنخفض الجويّ يصل الليلة إلى لبنان... أمطارٌ طوفانيّة وثلوج كثيفة
Lebanon 24 المنخفض الجويّ يصل الليلة إلى لبنان... أمطارٌ طوفانيّة وثلوج كثيفة
07:59 | 2025-12-10 10/12/2025 07:59:48 Lebanon 24 Lebanon 24 رحلة متّجهة إلى تل أبيب غيّرت مسارها... ما الذي جرى فوق بيروت؟
Lebanon 24 رحلة متّجهة إلى تل أبيب غيّرت مسارها... ما الذي جرى فوق بيروت؟
06:09 | 2025-12-10 10/12/2025 06:09:50 Lebanon 24 Lebanon 24 تقرير استرالي: مع اقتراب الموعد .. هل سينجو لبنان من حرب إسرائيلية جديدة؟
Lebanon 24 تقرير استرالي: مع اقتراب الموعد .. هل سينجو لبنان من حرب إسرائيلية جديدة؟
10:30 | 2025-12-10 10/12/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تعقيدات شمال الليطاني واحتمالات الحرب
Lebanon 24 تعقيدات شمال الليطاني واحتمالات الحرب
10:00 | 2025-12-10 10/12/2025 10:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير عاجل من الأمن العام للبنانيين: هذا الموقع تابع للعدوّ الإسرائيليّ
Lebanon 24 تحذير عاجل من الأمن العام للبنانيين: هذا الموقع تابع للعدوّ الإسرائيليّ
05:27 | 2025-12-10 10/12/2025 05:27:55 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان
22:06 | 2025-12-10 مؤشرات التصعيد مستمرّة ومساع ديبلوماسية لاطالة التهدئة
22:08 | 2025-12-10 وساطة عُمانية ثلاثية الأبعاد لإنقاذ لبنان.. السفير الأميركي: المفاوضات لا تعني توقف إسرائيل
22:09 | 2025-12-10 لودريان يطالب بتسريع الاصلاحات وحصرية السلاح و "مؤتمر باريس" معلّق على السلاح
22:25 | 2025-12-10 ترقّب للاجتماع المقبل لـ"الميكانيزم".. 32 بنداً على جدول مجلس الوزراء غداً
23:13 | 2025-12-10 قطيعة بين "حزب الله" وفرنسا؟
23:11 | 2025-12-10 لا ضمانات اميركية للبنان فيديو محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب !
Lebanon 24 محمد اسكندر يطلق " انسى وطنش ".. وملكة جمال تُشاركه الكليب !
05:09 | 2025-12-06 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو)
Lebanon 24 بسعر منافس جداً.. إطلاق هاتف جديد بقدرات تصوير مميزة (فيديو)
04:00 | 2025-12-06 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء
Lebanon 24 بث مباشر.. البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء
09:14 | 2025-12-01 11/12/2025 06:47:33 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24