لجريدة عمان:
2025-05-10@09:14:41 GMT

عن الإيمان بوجود الله

تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT

منذ شهور قليلة التقيت صديقة مستشرقة أمريكية متخصصة في الأدب العربي، كانت متزوجة لأكثر من أربعين عامًا من صديق رحل عنا منذ أكثر من سنتين عن عمر مديد، وهو من أعلام النقد المعاصر عمومًا، وخاصة في مجال الأدب العربي، وهو أيضًا أمريكي من أصل أوكراني، يُدعى ستيتكفِتش. كم التقيتهما سويًّا مرات عديدة، كانت آخرها حضورهما ندوة عن كتابي «الخاطرات» ببيت الشعر بالقاهرة القديمة.

حينما التقيتها وحدها منذ شهور قليلة قالت: الحمد لله أنه قد توفيّ قبل أن يشهد ما يحدث من دمار في بلده أوكرانيا. قلت لها: لعله في الجنة إن شاء الله بما نفع الناس بعلمه. قالت لا أظن ذلك: ألا تعرفَ أنه كان مُلحِدًا؟ قلت: أنا لا أسأل أي صديق عن دينه، ولا يشغلني ذلك، أنا أفكر مثلكم في مثل هذه الأمور. سرحَتْ قليلًا، وتذكرت عشرته الطويلة، ثم انخرطَت في بكاء متواصل.

لا أذكر هذه الواقعة على سبيل الحكايات الدرامية، وإنما للتأكيد على أننا كبشر- على اختلاف أشكالنا وأدياننا وثقافاتنا- تستولي علينا التساؤلات المتعلقة بالإيمان والإلحاد والآخرة والجنة والنار أو الثواب والعقاب، وهي التساؤلات التي لا مهرب منها. هذه التساؤلات شغلت البشر منذ أن بدأ وعيهم بالوجود والعالم. تطور هذا الوعي مع بدء الفكر والتأمل الفلسفي في الحضارات القديمة، وظل مهيمنًا بعدئذٍ على الفكر والوعي الإنساني؛ ولذلك فإن هيجل قد اعتبر الإنسان «حيوانًا متعبدًا بطبيعته، إذا لم يجد ما يعبده، عَبد نفسه»! وهذا حال الإنسان الملك المعبود في الحضارات القديمة. ظلت مسألة وجود الله مهيمنة على الميتافيزيقا في العصرين الوسيط والحديث؛ ولكنها تراجعت في الفلسفة المعاصرة التي أصبحت تنشغل بالمشكلات العملية والحياتية للإنسان المعاصر، وأزاحت مسألة وجود الله إلى الهامش، وأحلت محلها مسائل الحياة والوجود العام نفسه.

لا تنشغل الميتافيزيقا- ولا ينبغي لها أن تنشغل- بمسائل الآخرة والجنة والنار، وإنما يمكن أن تنشغل بمسألة الوعي بالألوهية؛ لأن مسألة وجود الله تظل حاضرة في وعي الناس، وحضورها يتزايد وإن كان بشكل سلبي. وليس أدل على ذلك من أن مسألة الإلحاد ذاتها أصبحت شائعة في كثير من شعوب العالم المتحضر، بل إنها تسللت أيضًا إلى وعي الشباب في عالمنا العربي. وربما يدعونا هذا إلى التأمل في هذه الظاهرة المتنامية في العالم من خلال النقاط التالية المختصرة التي ربما تصلح لتأملات تالية أكثر إسهابًا وبحثًا وتدقيقًا:

*من الصحيح أن ظاهرة الإلحاد في عالمنا العربي مرتبطة بمسائل تتعلق بإحساس بعض الناس باليأس من الظلم الاجتماعي والمعاناة من القهر والشر في العالم؛ ومن ثم بالإحساس الخفي في غمرة اليأس بأن هذا العالم ظالم غير عادل، ليس له رب يحميه. أما في الغرب، فإن الإلحاد غالبًا ما يكون نتاجًا للتأمل في أحوال الكون والبشر على أساس فكري؛ ولكنه في النهاية ينتهي إلى النتيجة نفسها: الإلحاد الناجم عن الشعور باليأس من هذا العالم ومن جدوى الحياة، سواء كنا نعيش هذا اليأس أم نتأمله.

*لماذا ننكر وجود الله على أساس فكري؟! يمكننا أن نتفهم أن يأس بعض البشر من الحياة يمكن أن يجعلهم يكفرون بالله وبالإيمان بالآخرة، ولكننا لا يمكن أن نتفهم مواقف بعض المفكرين والفلاسفة حينما يصرون على إنكار وجود الله. لا أريد مسبقًا المصادرة على مواقف هؤلاء، ولكني لا أرى في إلحادهم حججًا قوية تبرر مواقفهم. من بين هؤلاء المعاصرين الفيلسوف الأمريكي من أصل أسترالي بيتر سينجر، الذي ترجَمتُ مؤخرًا كتابه ذائع الصيت في كثير من اللغات بعنوان «الحياة التي يمكنك إنقاذها»، وأعجبني في هذا الكتاب دعوته إلى البرهنة الفلسفية على ضرورة إعلاء قيمة الإحسان إلى البشر المساكين والفقراء حول العالم. عرفت مؤخرًا أن هذا الفيلسوف ملحد، ولم يشغلني هذا الأمر الشخصي، ولكن ما شغلني هو السؤال: كيف يمكن لفيلسوف أن يدعو إلى قيم إنسانية عليا من دون إيمان بوجود الله الذي هو نفسه- بحكم تصور ماهيته- أسمى صور هذه القيم في وعينا الإنساني المحدود؛ ولهذا فإننا نجد أن فضيلة الإحسان هي فضيلة عليا في كل الأديان التي تؤمن بوجود إله: السماوية منها وغير السماوية! ألا يمكن أن نعتبر هذا إنكارًا مجانيًّا من دون نقاش رصين: فإذا لم يكن الله موجودًا، فليست هناك ضرورة للالتزام بأية قيمة في هذا العالم، على الرغم من دعاوى القول بالدين الطبيعي لدى بعض الفلاسفة. أقول هذا رغم قناعتي بأن الأخلاق الإنسانية الحقيقية لا ينبغي أن تتوقف على الطمع في الجنة واجتناب النار، فهذا هو حال الصفوة، وليس حال العوام أو أكثر الناس؛ أعني أنه يعبر عن حال أولئك الذين يؤمنون بأن الله يجسد معنى الخير الذي به يؤمنون في أسمى صوره.

*ما مبررات إنكار وجود الله عند بعض المفكرين؟ لن تجد شيئًا مقنعًا يليق بحجة قوية. وكأن موقفهم هو مجرد مسألة مزاجية يبحثون لها عن مبررات واهية، وهو في أحسن الأحوال مجرد اعتقاد في أن شؤون هذا العالم تجري من دون حاجة إلى افتراض وجود الله! نعم يمكن لهؤلاء افتراض ذلك (وفي هذا مجادلات لا حصر لها، لا يمكن الخوض فيها في هذه العجالة). ولكن السؤال الذي يبقى هو: ما الحجة القوية التي يمكن أن نستند إليها في إنكار وجود الله؟! لا شيء. لا شيء سوى حالة مزاجية لا يمكن البرهنة عليها من خلال حجة علمية أو فلسفية قوية بحيث لا يمكن افتراض عكسها.

*السؤال عن وجود الله هو سؤال لا يمكن أن يخضع بحكم تصوره (باعتباره الموجود الأعظم اللامتناهي) إلى التساؤل عن أصل وجوده أو التشكيك فيه. مثل هذا السؤال يعكس حالة من التناقض العقلي: لأن افتراض وجود الله باعتباره الأصل والأول والخالق- على الأقل بحكم ماهيته الافتراضية- هو افتراض لا يمكن التساؤل عن أصله ومُنشئه ومبرراته؛ لأن الأصل (على الأقل في التصور) لا ينبغي أن نسأل عن أصله!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا العالم وجود الله یمکن أن لا یمکن

إقرأ أيضاً:

3 سبائك ذهبيةونص مليون جنيه.. مسعف أمين يعيد ثروة لأصحابها| صور

سطر رجال هيئة الإسعاف المصرية صفحة جديدة من سجل الأمانة والتضحية كعادتهم في حفظ الأمانة.

 البداية 

 على مشارف حدود محافظة القاهرة الجنوبية، وتحديدًا فيحلوان، وقع حادث جديد سجل بحروف من ذهب معاني الشرف والأمانة، لرجال الإسعاف.

هتبدأ بكرة .. أعنف موجة حر تسبب متاعب صحية خطيرة .. اعرف الأعراض والإسعافات الأوليةبطولة فنانة مصرية.. فيلم إسعاف يقترب من 40 مليون جنيه بالسينمات السعوديةعلى العهد فوق وتحت الأرض.. رجال الإسعاف ينقذون سيدة سقطت في بئر صرف عميقنقابة الصحفيين: عيادتان للطوارئ وسيارة إسعاف خلال الانتخابات

مجموعة من المواطنين طرقوا أبواب وحدة إسعاف المرصد بحلوان لإنقاذ سائق سيارة ملاكي تعرّض لحادث مروري عنيف بمنطقة "بين الجبلين" بطريق الأوتوستراد لحظات وكانت أطقم الإسعاف في موقع الحادث، ليجدوا سيارة ملاكي بها مصاب وحيد دون مرافقين، مصاب بإصابة غائرة في الذراع مع اشتباه بوجود كسور متفرّقة.

وأثناء إسعافه، أخبر المصاب رجال الإسعاف بوجود حقيبة داخل السيارة تحتوي على أموال وسبائك ذهبية، وطلب منهم التحفظ عليها والتواصل مع ذويه لتسليمهم الحقيبة.

 امتثل رجال الإسعاف لطلب المصاب، وتحفّظوا على الحقيبة، وسارعوا بنقله إلى المستشفى. وفور إيداعه المستشفى والاطمئنان على استقرار حالته الصحية، تواصل رجال الإسعاف مع شقيق المصاب وطمأنوه على حالته، وطلبوا منه الحضور للمستشفى. وفور وصوله، اصطحبه رجال الإسعاف للاطمئنان على شقيقه، وهناك تم تسليمه السبائك الذهبية، التي تجاوزت قيمتها حأربعة ملايين جنيه، بالإضافة إلى مبلغ مالي قيمته نصف مليون جنيه.

طباعة شارك الاسعاف مفقودات امانات هيئة الإسعاف وزارة الصحة

مقالات مشابهة

  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • قرار عاجل بشأن مهندس تنفيذي بشركة المقاولات بتهمة التسبب في انفجار خط الغاز بأكتوبر
  • 3 سبائك ذهبيةونص مليون جنيه.. مسعف أمين يعيد ثروة لأصحابها| صور
  • البابا الجديد لاوون الرابع عشر يندد بتراجع الإيمان.. هذا ما قاله بأول كلمة
  • البابا الجديد يأسف لتراجع الإيمان أمام المال والسلطة واللذة
  • ناطق حكومة التغيير يوضح جانبا من الإنجازات والجهود التي بذلت في التصدي للعدوان الأمريكي
  • الإمارات: لا علاقة لنا بوجود أنظمة مدفع هاوتزر في السودان
  • السيد القائد يرسم معالم المرحلة: الإيمان محرك والإرادة سلاح والعزة هدف
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
  • شتاء نووي يهدد الأرض: كيف يمكن لحرب بين الهند وباكستان أن تجلب المجاعة والتجمّد للعالم؟