أهمية الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، ومشاهدتها أمر مشروع ولا يحرِّمه الدين، بل أمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم؛ فالآثار من القيم التاريخية والإنسانية التي ينبغي عدم مسها بسوء، وهي إرث إنساني يجب الحفاظ عليه.
وأوضحت الإفتاء أن الحفاظ على الآثار يعكس المستوى الحضاري للشعوب، وهي تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع؛ لأنها تعبر عن تراثها وتاريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هدم آطام المدينة؛ أي حصونها.
الآثار وسيلة لدراسة تاريخ الأمم السابقة التي ملأت جنبات الأرض علمًا وصناعة وعمرانًا، وقد لجئوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وحربيًّا نقوشًا ورسومًا ونحتًا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرًا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع.
القرآن الكريم حث على دراسة تاريخ الأمم
وأوضحت أن القرآن الكريم حثَّ على دراسة تاريخ الأمم، السالفة، والنظر في آثارهم، ولذلك كان حتمًا الحفاظ على تلك الآثار والاحتفاظ بها سجلًّا وتاريخًا دراسيًّا؛ لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20].
دراسة تاريخ وآثار الأمم السابقة
قال الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (3/ 93، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب) في معرض تفسير هذه الآية مستدلًّا على تكرير الأحوال: [كلُّ نهرٍ فيه ماءٌ قد جرى... فإليه الماءُ يومًا سيعود] اهـ.
وقال الإمام ابن عجيبة في "البحر المديد" (4/ 294، ط. الدكتور حسن عباس زكي): [فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على كثرتهم، واختلاف أحوالهم وألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وتفاوت هيئاتهم، لتعرفوا عجائب قدرة الله بالمشاهدة، ويقوى إيمانُكم بالبعث] اهـ.
تاريخ الأمم السابقة
كما جعل الله التعارف سمةً إنسانية، والاختلاف سنةً كونية، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13].
قال العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (26/ 259-260، ط. الدار التونسية): [جعلت علة جعل الله إياه شعوبًا وقبائل، وحكمته من هذا الجعل: أن يتعارف الناس، أي يعرف بعضهم بعضًا. والتعارف يحصل طبقةً بعد طبقةٍ متدرجًا إلى الأعلى... وهكذا حتى يعمَّ أمَّة أو يعم النَّاس كلهم، وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم] اهـ.
حكم دراسة تاريخ وآثار الأمم السابقة
الآثار: جمع أثرٍ وهو بقيَّة الشيءِ، والآثار: الأعلام، كما قال ابن منظور في "لسان العرب" (4/ 5، ط. دار صادر).
والواقع يشهد أن ما تركته الأمم السابقة يمثِّل للبشرية الحاضرة سجلاتٍ تاريخيَّة هائلةً شاهدةً على تاريخ الإنسان، وإعماره الأرضَ، وما توصلت إليه تلك الأمم من علومٍ ومعارفَ ورقيٍّ إنسانيٍّ، كالمصريين القدماء، والفرس، والرومان وغير أولئك، وهؤلاء ممن ملؤوا جنبات الأرض صناعةً وعمرانًا؛ فإنهم جعلوا تلك الآثار وسائل تسجيل أيامهم، وأهم أحداثهم الاجتماعية والسياسية، وأهم المعارف والمعتقدات عندهم، وهو ما لا يخلو مِن فائدةٍ تعود على الإنسان المعاصر، فبذلك يحسن تصوُّرُه وعلمه بما وقع في سالف الأزمان، بما يزيد إيمانه ويشرح صدره، ويرسخ قدمه في العلم والحكمة والإعمار.
تاربخ الأمم
كما إن القرآن الكريم والسُّنة النبوية المشرَّفة قد لَفَتَا الأنظارَ في كثير من نصوصهما إلى ضرورة السير في الأرض وتتبع آثار الأمم السابقة للتعلم منها وأخذ العظة والاعتبار، ومن ثمَّ فإنه لا مانع شرعًا من دراسة الشاب المذكور تاريخَ الأمم السابقة وآثارَهم، ويكون مثابًا على دراسته تلك؛ فإن هذا النوع من الدراسة يُعد الوسيلةَ العلميةَ الصحيحةَ لحفظِ تاريخ الحضارات البشرية، والنظرِ في مصائرها لأخذ العبرة والاتعاظ، والاستفادةِ من تجاربها، ومعرفةِ السنن الإلهية في الكون، مما يدفع بالإنسانية إلى مزيد من الوعي، ويضمن لها التقدم العلمي والحضاري المستنير.
وقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولُه: «الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» أخرجه الإمامان: ابن ماجه، والترمذي. ومن الحكمة: الاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين، حتى ولو كانوا من الأمم السابقة، فالمؤمن قاصدٌ للعلم والحكمة "يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها"، كما قال الإمام المُناوي في "فيض القدير" (2/ 545، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الاثار إدارة الآثار أهمية الحفاظ على الآثار الحفاظ على الآثار الحفاظ على الآثار الأمم السابقة القرآن الکریم تاریخ الأمم دراسة تاریخ
إقرأ أيضاً:
مستشار شيخ الأزهر: مسئولية الفتاة في العصر الحالي جسيمة.. وتكريمها من الله هو الأسمى
واصل مجمع البحوث الإسلامية فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية الخامس عشر» الذي تنظمه اللجنة العليا للدعوة بالمجمع، بالتعاون مع جامعة عين شمس، تحت شعار «الشباب بين مقاصد الدين ومحاولات التغريب».
وجاء ذلك برعاية الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وإشراف فضيلة وكيل الأزهر د. محمد الضويني، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. محمد الجندي؛ حيث عُقد اليوم اللقاء الثاني بكلية البنات جامعة عين شمس، تحت عنوان: «محاولات استقطاب المرأة وسبل مواجهتها»، بمشاركة نخبة من علماء الأزهر، وبحضور عدد من قيادات وأعضاء هيئة التدريس بالكلية.
وفي مستهل الندوة، تقدمت الدكتورة أسماء زعزع، وكيل كلية البنات بجامعة عين شمس، بالشكر والتقدير إلى الأزهر الشريف على جهوده المبذولة من أجل الحوار مع الشباب لأجل صيانة هويتهم، والوقوف على التحديات والقضايا التي تواجه المرأة، وبخاصة أن المرأة هي حجر الزاوية في بناء المجتمع، وأن تحصينها الفكري هو خط الدفاع الأول ضد الأفكار الوافدة التي تسعى لـ "تذويب" دورها الأصيل، مشددة على ضرورة التفريق بين الدعوات المشروعة للتنمية والتمكين، وبين أجندات التغريب التي تخالف قيمنا وتخدم مصالح غير وطنية.
وأكدت د. نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، أن الإسلام رفع شأن المرأة وخصها بمكانة سامية تفوق ما منحته إياها الحضارات الأخرى، فالتكريم الإلهي للمرأة وتصويرها في أحسن صورة في القرآن والسنة يغنيها عن الحاجة إلى تبني مظاهر الحضارات الأخرى لتكتمل، ولو أدركت المرأة جوهر هذا التكريم، لعلمت أنها في غنى عن أي مداد خارجي، مشددة على أن فهم المرأة لذاتها يتحقق بالاطلاع على كتاب الله، الذي سميت فيه سور باسمها، والتعمق في فهم نماذج النساء الفضليات اللاتي أشرقن في التاريخ الإسلامي بجوانب متعددة، مستندات في تفوقهن إلى الفهم العميق لرسالة المولى سبحانه وتعالى لا إلى أفكار الحضارات الدخيلة.
وأوضحت د. نهلة الصعيدي أن إدراك المرأة لمسؤوليتها هو الركيزة التي تقوم عليها الحياة المتفاهمة، ويمكنها من اتخاذ قرارات حكيمة في حياتها، فلا تخدعها المظاهر المادية البراقة، واستشهدت بالقدوة التاريخية للسيدة "بوهيسة" التي استطاعت بحكمتها البالغة أن تنهي حربًا استمرت أربعين عامًا من خلال زواجها، مؤكدة على ضرورة أن يكون نظر الفتيات موجهًا نحو الجوهر الثابت لا الشكل الزائل، وأشارت إلى أن التمسك بمنهج أمهات المؤمنين والنساء الصالحات اللاتي ساهمن في بناء الحضارة العظيمة هو الأساس المتين، مشددة على أن الذمة المالية المستقلة التي كفلها الإسلام للمرأة لا ينبغي أن تكون سببًا للاستعلاء أو الخلاف داخل الأسرة، بل قد تكون مصدر عطاء وإنفاق كما فعلت كثير من نساء التاريخ دون ادعاء فضل.
من جانبها قالت د. هالة رمضان، مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن المرأة تمثل الركن الأساسي في بناء المجتمع، نظرًا لدورها الجليل في التربية وتكوين الأجيال، وبما أنها تحمل هذه المسؤولية المحورية، فإن كثيرًا من التحديات والمشاكل التي تواجه المجتمع، وكذلك المحاولات الخارجية للنيل من استقراره، تكون موجهة بشكل رئيس نحو المرأة، وأشارت إلى أن تكريم ومكانة المرأة في ثقافتنا وقيمنا يجعلها هدفًا لأعدائنا الذين يسعون إلى استهداف وعيها وتشويه صورتها، لأن أي تأثير سلبي عليها سينعكس بالضرورة على بنية المجتمع ككل ووحدته الثقافية والقيمية.
كما سلطت الضوء على مجموعة من التحديات التي تهدد الهوية الأصيلة للمرأة، بدءًا من الانسياق وراء ثقافة الشكل والمظهر تحت ذريعة الموضة، مشيرة إلى أن ظاهرة الإفراط في عمليات التجميل وتغيير الشكل غير الضرورية، والتي لا تتسق مع هويتنا، ورصد المركز القومي للبحوث الجنائية العديد من المشاكل المترتبة على اللجوء المبالغ فيه لهذه العمليات، بالإضافة إلى ذلك، رصد المركز استشراء الإفراط في الاستهلاك غير الضروري بين بعض النساء، وفي سياق آخر، رصد المركز مشكلة تدهور لغة الحوار و"القاموس المصري الأصيل"، الذي يعكس هويتنا الثقافية، وهي ظاهرة بدأت تنتشر بين الشباب عموماً.
وأضافت الدكتورة هالة ومضان أن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية رصد تحولًا سلبيًا في الذوق الموسيقي للشباب، حيث أصبح هذا الذوق مخالفًا للهوية الثقافية ويتضمن رسائل تتعارض مع قيم المجتمع، كما لوحظ تراجع مستوى اللغة العربية بين الشباب نتيجة الميل إلى لغات أخرى بدافع التقليد غير المبرر للغرب، بالإضافة إلى قضاء أوقات الفراغ في أنشطة ضارة أو خطرة، مشددة على أن الزواج رباط مقدس وشراكة كاملة يجب أن تتجرد من الصراع والعنف، وأن يكون مبنيًا على القيم لا على المظاهر المادية والخداع، وأشارت إلى أن الإفراط في وضع معايير مادية أو شكلية للزوج هو أحد أسباب تأخر سن الزواج بين الفتيات، كما رصد المركز أن تدخل الأهل يلعب دورًا كبيرًا في زيادة حالات الطلاق المبكر.
من جانبه أكد الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة، على أن المرأة ثروة غالية لا تقدر بثمن، فهي تمثل الركائز الأساسية للمجتمع: الأم، والأخت، والبنت، والزوجة، انطلاقًا من هذه المكانة المحورية، تبرز ضرورة صيانتها وحمايتها من أي تأثيرات سلبية تأتي تحت مظلة التغريب، لأن أبرز أهداف التغريب هو العبث بفطرة المرأة السوية، ومحاولة وصفها بأوصاف قد تبدو براقة في ظاهرها، لكنها في جوهرها لا تتناسب مع طبيعتها ودورها الحقيقي.
وذكر أمين اللجنة العليا للدعوة أن نظرة الإسلام للمرأة هي نظرة تكريم وتقدير، فهو لم يحرمها من شيء أساسي في الحياة الاجتماعية أو العلمية أو الاقتصادية، بل قام الإسلام بتوجيهها نحو الأدوار التي تتناسب مع طبيعتها واهتماماتها الفطرية وقدرتها على تحقيق التوازن في المجتمع والأسرة، ولو نظرنا في التاريخ الإسلامي، نجد أدوارًا عظيمة قامت بها المرأة، منها على سبيل المثال لا الحصر، موقف الخنساء وتحفيزها لأبنائها ليلة موقعة القادسية، مما يوضح الدور الكبير والتأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه المرأة في صناعة الرجال والأجيال.
وأضاف الدكتور حسن يحيى أن المرأة هي من تشكل المجتمع بأكمله؛ لكونها القاعدة والأصل الذي نخرج منه جميعًا، لذلك، يجب الحذر الشديد مما يقدم على أنه نماذج للمرأة العصرية، بينما هي في حقيقتها نماذج لا تتناسب مع هويتنا الإسلامية والعربية الأصيلة، مشددًا على أهمية التزام الفتيات بالزي الذي يناسب ثقافتنا الإسلامية وقيمنا، وعدم الانصياع وراء الدعوات الزائفة التي يروج لها بدعوى "تحرير المرأة"، هذه الدعوات هي في الحقيقة قيود جديدة توضع فيها المرأة بهدف واضح هو فك ارتباطها بتراثنا الإسلامي الذي لطالما صانها وحفظ كرامتها، وهذا التراث ليس مجرد عادات، بل هو ترجمة للوحي الإلهي الذي جاء من عند الله، وهذه الدعوات المطلقة لحرية المرأة هي دعوات مغرضة، لأن المرأة لم تكن يومًا مقيدة في الإسلام، بل كانت مكرمة، وقد أكد المنهج القرآني على التزام المرأة بالعفة والستر، ومن ذلك قوله تعالى: "ولا يُظهرن زينتهن"، مما يعكس حرص الشرع على حماية المرأة والحفاظ على كرامتها وكيان الأسرة.
ومن المقرر أن تستمر فعاليات «أسبوع الدعوة الإسلامية خامس عشر» والذي يحمل شعار «الشباب بين مقاصد الدين ومحاولات التغريب»، بخطة شاملة على مدار خمسة أيام تبدأ من الأحد ٧ ديسمبر وحتى الخميس ١١ ديسمبر، في مختلف كليات جامعة عين شمس، بمجموعة من المحاول تشمل: «التغريب مظاهره ومخاطرة وسبل مواجهته»، و«محاولات تغريب المرأة وسبل ومواجهتها»، و«أزمة الشباب بين التطرف والانحلال»، «الحفاظ على الوطن في ظل موجات التعريب»، و«بناء الشخصية السوية ودوها في مواجهة التغريب».