بعد 15 يومًا على قرار العدل الدولية.. إسرائيل مستمرة بذات الوتيرة في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
#سواليف
قال المرصد #الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه وبعد مرور 15 يومًا على صدور قرار #محكمة_العدل_الدولية الذي ألزم إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب #جريمة_الإبادة_الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع #غزة، وثق مواصلة الجيش الإسرائيلي ارتكابه لتلك الجريمة بذات الوتيرة، من خلال قتل المدنيين على نحو واسع، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، واستمرار حصارهم وتجويعهم وإبقائهم دون غذاء وماء ودواء.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن الجيش الإسرائيلي يستمر في تنفيذ عمليات تدمير منهجي وواسع النطاق للمناطق والأحياء السكنية والبنية التحتية المدنية ومرافقها، مما جعل معظم القطاع بحكم الأمر الواقع مكانًا غير قابل للحياة والسكن.
وأضاف الأورومتوسطي أنه وثق قتل الجيش الإسرائيلي لأكثر من 1864 فلسطينيًّا، من بينهم 690 طفلًا و441 امرأة، إضافة إلى أكثر من 2933 إصابة، منذ صدور قرار المحكمة، ما يرفع عدد الضحايا القتلى للهجوم المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى 35880 شهيد، من بينهم 13880 طفل، و7910 امرأة.
مقالات ذات صلة تحذيرات من مجزرة عالمية في حال اجتياح رفح 2024/02/10بذلك، فإن إسرائيل تواصل انتهاك التزاماتها الدولية وقرار المحكمة الأعلى في العالم، بارتكابها جريمة كل الجرائم، جريمة الإبادة الجماعية، التي تصب إسرائيل في إطار تنفيذها انتهاكات جسيمة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والقائمة كجرائم بحد ذاتها، ضد الفلسطينيين وعلى نحو كلي في قطاع غزة.
وذكر الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي نسف ما لا يقل عن 43 مربعًا سكنيًّا خلال هذه المدة، يحوي كل مربع بين 20-50 منزلاً، خاصة في خانيونس جنوب قطاع غزة، واستمر في قصف منازل وتدميرها، رغم انتهائه من عملياته العسكرية فيها منذ أسابيع.
وأظهر تحليل صور قمر صناعي أوروبي حجمًا مهولاً للدمار في قطاع غزة، إذ تبين أن ما لا يقل عن 68% من المباني مدمرة أو متضررة شمال قطاع غزة، و72% على الأقل بمدينة غزة، و39% بالمعسكرات الوسطى، و46% في خان يونس. أما في مدينة رفح جنوب القطاع التي تلوح إسرائيل بتنفيذ عملية عسكرية فيها، فبلغت نسبة الدمار فيها نحو 20%، بحسب رصد القمر الصناعي.
وتشير التقديرات الدولية والأممية على أن إزالة الأنقاض ستستغرق سنة على الأقل، وما بين 7 و10 سنوات لإعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة، كما أن الاقتصاد في القطاع لن يتمكن من استعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 إلا في عام 2092، مع استمرار تدهور نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والظروف الاجتماعية والاقتصادية. وبأحسن الأحوال، وفي حال تم رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل إلى جانب بدء عملية إعادة الإعمار على الفور، فإن ذلك يمكن أن يتحقق في عام 2035.
وأكد الأورومتوسطي على أن الجيش الإسرائيلي يواصل عملية التدمير الشامل لكل المباني السكنية وتجريف الأراضي الزراعية في حدود يتراوح بين 1 إلى 1.5 كم بمحاذاة السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة وشماله، في إطار سعيه لإقامة منطقة عازلة تقتطع قرابة 15% من مساحة القطاع الذي لا يتعدى 365 كيلومترًا مربعًا، ويعد ضمن أعلى المناطق كثافة سكانية في العالم.
كما اقتحمت القوات الإسرائيلية أمس الجمعة عدة مدارس تؤوي آلاف النازحين في مخيم خانيونس، وقتلت تسعة منهم على الأقل، واعتقلت الرجال بعد أن أجبرتهم على التعري، فيما أجبرت النساء على المغادرة باتجاه إما منطقة مستشفى غزة الأوروبي أو منطقة مواصي خان يونس ورفح.
وبدلاً من تسهيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة، صعدت إسرائيل من إجراءاتها لتقييد وصول هذه المساعدات عبر عدة آليات، منها السماح لمجموعات من المستوطنين المتطرفين بموافقة الشرطة الإسرائيلية وبناء على أوامر وزير المن القومي “إيتمار بن غفير” بتعطيل مرور شاحنات المساعدات من معبر “كرم أبو سالم”، وتكرر ذلك عدة مرات.
ونتيجة القيود الإسرائيلية، يعاني مئات الآلاف من السكان في شمال قطاع غزة من جوع حقيقي وحرمان متواصل وشديد من المواد الغذائية، فيما تبقى هناك مؤشرات عالية على بدء انتشار المجاعة في تلك المنطقة، وتسبب ذلك بخسران جميع السكان أكثر من 1200 طن من أوزانهم، نتيجة الحرمان من الغذاء الكافي، وهو ما سيكون له تأثيرات مستقبلية خطيرة على صحتهم وجهازهم المناعي، وسيؤدي إلى حالات وفاة كبيرة تفوق الأعداد الكبيرة الناجمة عن القتل المباشر.
وأشار في هذا الصدد إلى ما أعلنه المفوض العام للأونروا “فيليب لازاريني”، أن آخر عملية توزيع للمواد الغذائية في شمال وادي غزة نفذتها الأونروا كانت في 23 كانون ثانٍ/ يناير الماضي، وأن إسرائيل رفضت منذ بداية العام نصف طلبات إرسال المساعدات التي قدمت للشمال. وأضاف “لازاريني” أن الأمم المتحدة حددت مناطق عميقة من المجاعة والجوع في شمال غزة، فيما أكدت المعطيات الواردة في تقارير آليات عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أنه بحلول 7 شباط/فبراير 2024 سيكون جميع سكان قطاع غزة، أي بنسبة 100%، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد، بينما سيكون أكثر من نصف مليون شخص في مرحلة المجاعة، ويعانون من الحالة القصوى من حرمان الغذاء، وازدياد في حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما.
وكان المرصد قد وثق حادثة وفاة المسن الفلسطيني أحمد شاكر عايش عن عمر يناهز 70 عاما، الذي أفاد أقاربه أنه مات جوعا في مخيم الشاطئ في مدينة غزة في 28 يناير.
يذكر أن إسرائيل شنت حملة تحريض جديدة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تعد الجسم الأكبر لتقديم المساعدات للفلسطينيين في القطاع، بدعوى مشاركة 12 من موظفيها في هجوم 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي. تلا ذلك قيام 18 دولة بقطع تمويل الوكالة الأممية التي تقوم بإيواء أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أصل 1.9 مليون لاجئ في قطاع غزة. ومن شأن قطع التمويل الذي يأتي كشكل من أشكال العقاب الجماعي للفلسطينيين بأكملهم أن يوقف عمل الوكالة الأممية مع عدم وجود بديل عنها، الأمر الذي يعني تكريسًا لحالة التجويع وانتشار المجاعة واليأس وانقطاع الخدمات الأساسية في قطاع غزة.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن إسرائيل تواصل استهداف ما تبقى من المنظومة الصحية في قطاع غزة، وتعطيل أي قدرة لديها لإنقاذ حياة الفلسطينيين باستمرارها القصف المباشر وإطلاق النار على المستشفيات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، مع بدء الشهر الخامس على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد القطاع.
وأبرز الأورومتوسطي أنه وثق في الأيام الماضية العديد من الهجمات العسكرية الإسرائيلية الخطيرة، التي نتج عنها تعطيل العودة الجزئية لعمل المستشفيات، خاصة في مدينة غزة وشمالها، والتي تأتي في إطار هجوم إسرائيل واسع النطاق الذي طال القطاع الصحي بمكوناته المختلفة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وأوضح الأورمتوسطي أنه إلى جانب عمليات القصف الإسرائيلي التي لا تتوقف، بما فيها تدمير منازل سكنية على رؤوس ساكنيها وقتل النازحين قسرًا بعد ترويعهم واستجابتهم لأوامر إخلاء إسرائيلية غير قانونية، فإن إسرائيل تواصل هجومها على ما تبقى من النظام الصحي في غزة، وتحاصر المستشفيات التي بقيت تعمل جزئيًّا في خانيونس جنوبي القطاع وتستهدفها بشكل مباشر، حيث يقترب كل من “مستشفى ناصر” الحكومي و”مستشفى الأمل” التابع للهلال الأحمر من التوقف التام نتيجة الحصار والاستهداف المتكرر.
وأكد أنه بالتزامن مع إعداد هذا البيان، اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى “الأمل” في خانيونس، بعد 20 يومًا من الحصار والقصف الذي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات داخل المستشفى، وإجبار حوالي 8000 شخص على النزوح الفوري، دون أن يكون لهم أي وجهة أخرى معلومة يتخذونها ملجأ، فيما بقي هناك أربعون نازحًا فقط من كبار السن، بالإضافة إلى حوالي 80 مريضُا وجريحُا ومائة من الطواقم الإدارية والطبية.
بموازاة ذلك تم كشف وتوثيق إقدام الجيش الإسرائيلي على قتل وإصابة عشرات النازحين الفلسطينيين وحرق وتدمير منازل سكنية ومقرات مؤسسات عامة مثل جامعة “الأقصى” ومدارس تابعة للأمم المتحدة ومراكز تسوق في منطقة الرمال الجنوبي غرب مدينة غزة بعد انسحاب الآليات العسكرية الإسرائيلية منها في الساعات الأخيرة.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن إسرائيل لم تظهر أي جدية إزاء التحقيق في جرائم مروعة، بما فيها عمليات قتل وإعدام لأسرى ضمنهم مدنيون، وعمليات نهب وحرق منازل تجري بشكل ممنهج، وفق ما اعترف به طبيب في الجيش الإسرائيلي خدم لمدة شهرين حسب ما أوردت صحيفة “معاريف” العبرية هذا اليوم. ولم تباشر إسرائيل حتى تاريخه بالتحقيق في تلك الانتهاكات أو مساءلة ومحاسبة أي من المسؤولين السياسيين أو العسكريين أو الأشخاص المدنيين المتورطين في التحريض على إبادة الفلسطينيين في القطاع.
ورصد الأورومتوسطي عددًا من مقاطع مصور ما تزال تتكشف لضباط وجنود إسرائيليين في الميدان يشيرون مباشرة إلى التحريضات الرسمية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في القطاع، بما في ذلك “توجيهات العماليق” مع بيانات إضافية تفيد بالنية الإبادية، وتأكيد تنفيذها عمليًّا على أرض الواقع، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، كمقطعين مصورين لكل من الضابط افي الجيش الإسرائيلي “هيا بن هيمو”، والضابط “اتسيك وولف” وكذلك الأمر فيما يخص مقطعًا مصوّرًا نشره جندي إسرائيلي آخر، يروج لمحل الحلاقة الذي يملكه وهو واقف بجانب جثامين ثلاث ضحايا فلسطينيين، من بينهم امرأة، معلقًا: “هذا ما يستحقونه، أولاد العماليق”.
وجدد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان دعوته إلى إجراء تحقيقات دولية في الانتهاكات الموثقة منذ بدء إسرائيل هجومها العسكري على غزة، وإلى ضرورة إسراع المحكمة الجنائية الدولية بإجراءات تحقيقها، ووضع ما يجري في قطاع غزة ضمن أولويات عملها، والعمل لإنهاء حالة الحصانة والإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل، وتقديم جميع مصدري الأوامر ومنفذيها إلى العدالة ومحاسبتهم، بما يضمن إنصاف الضحايا وتعويضهم.
وجدد المرصد الأورومتوسطي دعوته إلى المجتمع الدولي بالاضطلاع بالتزاماته القانونية والدولية تجاه نفسه وتجاه سكان قطاع غزة، وضمان تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية، والعمل فورًا على وقف جريمة الإبادة الجماعية، التي قررت المحكمة رسميًّا بشبهة وقوعها هناك، والعمل والضغط على نحو حاسم لإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى قطاع غزة بشكل فوري وسريع ودون عوائق، من أجل وقف انتشار المجاعة في القطاع، والضغط من أجل مرور لجان التقصي والتحقيق الدولية والأممية إلى القطاع منعًا لتدمير الأدلة المرتبطة بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل هناك.
وحذر الأورومتوسطي من التبعات الخطيرة لاستمرار قيام العديد من الدول المانحة بتعليق تمويلها لـ “الأونروا” في ظل الأوضاع الراهنة الكارثية والمجاعة الآخذة بالانتشار في القطاع، باعتبارها الوكالة الإنسانية الرئيسة في قطاع غزة، ويعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة، واصفًا القرار بالانتهاك الخطير للالتزامات الدولية لهذه الدول، خاصة فيما يتعلق بحماية الفلسطينيين من جريمة الإبادة الجماعية.
وأخيرًا، دعا الأورومتوسطي إلى تكثيف العمل من قبل المؤسسات الوطنية والدولية والأممية لمراقبة ورصد وتوثيق انتهاكات إسرائيل والإبلاغ عنها ونشرها على أوسع نطاق، من أجل تعزيز القدرة على مساءلة إسرائيل ومحاسبتها، خاصة فيما يتعلق بانتهاكها لقرار المحكمة العدل الدولية، وتقديم الأدلة اللازمة إلى المحكمة بعد انتهاء المهلة، ومدتها شهر، التي منحتها المحكمة لإسرائيل من أجل رفع تقرير حول تنفيذ التدابير التي انطوى عليها القرار.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الأورومتوسطي محكمة العدل الدولية جريمة الإبادة الجماعية غزة جریمة الإبادة الجماعیة المرصد الأورومتوسطی الجیش الإسرائیلی العدل الدولیة فی قطاع غزة مدینة غزة فی القطاع أکثر من خاصة فی من أجل
إقرأ أيضاً:
حاخام يهودي: يجب أن نعترف بالإبادة الجماعية ونعمل على إيقافها
نشر موقع "كاونتر بانش" مقالا يعبّر فيه الحاخام اليهودي التقدمي مايكل زوسمان عن ندمه لتأخره في وصف ما تفعله إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية، مؤكدا أن الاعتراف بهذا الواقع هو جزء من التوبة والالتزام بإصلاح العالم، رغم الخوف من خسارة دعم المجتمع اليهودي.
وقال الكاتب في المقال الذي ترجمته "عربي 21"، إن الحكومة الإسرائيلية تتحمل مسؤولية ارتكاب جريمة إبادة جماعية في قطاع غزّة، لكنه حتى وقت قريب كان مترددا في استخدام مصطلح الإبادة ولم يكن على يقين من أن الهجمات غير المتكافئة التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزّة تندرج فعلا تحت هذا الوصف.
مراجعة متأنية
ويوضح الكاتب أنه لم يجد صعوبة في وصف ممارسات "إسرائيل" في غزّة - ردا على الهجمات التي نفذتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما تبعها من احتجاز الأسرى- بأنها تطهير عرقي وعمليات انتقامية، مضيفا أنه خرج في مظاهرات علنية ضد تلك الممارسات، ولم يتردد إطلاقا في إدانة الانتهاك الصارخ للقانون الدولي الإنساني عند استهداف إيران.
ويتابع قائلا إنه لم يقتنع باستخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" إلا بعد مراجعة متأنّية لاستنتاجات معظم الباحثين المتخصصين في دراسات الإبادة، بما في ذلك أكاديميون إسرائيليون بارزون مثل عمر بارتوف وشموئيل ليدرمان، وأدرك حينها أن امتناعه عن استعمال هذا الوصف كان خطأً.
وقد خلص عمر بارتوف إلى أنه بحلول تموز/ يوليو 2024 "لم يعد ممكنا إنكار أن نمط عمليات قوات الدفاع الإسرائيلية يتماشى مع التصريحات التي صدرت عن قادة إسرائيليين بعد هجمات حماس، والتي تُعبِّر عن نية إبادة واضحة".
ويرى الكاتب أنه في تموز/ يوليو 2025، أصبح الامتناع عن استخدام مصطلح الإبادة الجماعية موقفا غير أخلاقي لا يمكن تبريره، كما اتضح أن الادعاء بأن إسرائيل تتخذ إجراءات ضرورية لحماية نفسها كأي دولة تخوض حربا هو ادعاء زائف جوهريًا، وإطلاق صفة "حرب" على ما يحدث في غزة هو توصيف مضلل بالأساس.
وقد عبّر بارتوف عن ذلك بدقة حين قال: "طيلة السنة الماضية، لم تكن قوات الدفاع الإسرائيلية تخوض قتالًا ضد قوة عسكرية منظمة. لقد تم القضاء على نسخة حماس التي خططت لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر ونفذتها، رغم أن الحركة وإن كانت ضعيفة، لا تزال تقاتل القوات الإسرائيلية وتحتفظ بقدر من السيطرة على السكان في المناطق التي لا توجد فيها قوات الجيش الإسرائيلي".
أمثلة تاريخية
وبناء على ذلك، فإن الواقع القائم -حسب الكاتب- لا يمكن تحت أي مقياس منطقي أن يبرر استمرار الحكومة الإسرائيلية في تجويع شعب بأكمله، وتدمير البنية التحتية، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
ويضيف أنه من الضروري توضيح أن الإبادة الجماعية تتخذ أشكالًا متعددة، وهو ما يتضح من خلال التعريف الذي يعتمده متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة، حيث يشير مصطلح الإبادة الجماعية من الناحية القانونية إلى "أفعال ترتكب بنية التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".
ومن الأمثلة التاريخية والحالية على ذلك: الهولوكوست، والمجازر الجماعية في دارفور، ورواندا، والبوسنة والهرسك، وحقول القتل في كمبوديا، ومذبحة نانجينغ في الصين على يد اليابانيين، والثورة الثقافية في الصين في عهد ماو تسي تونغ، والمجاعة الكبرى في أوكرانيا، وإبادة الأرمن، وجرائم التطهير العرقي في غواتيمالا وتيمور الشرقية وناميبيا، إلى جانب المجازر ضد شعب الروهينغا في ميانمار، واستهداف السكان الأصليين في أمريكا الشمالية، وتاريخ العبودية العابرة للأطلسي.
ووفقا للكاتب، فإن وصف سياسة الحكومة الإسرائيلية في غزّة بالإبادة لا يعني بالضرورة أن تلك الأفعال تُضاهي في حجمها أو طبيعتها ما فعله النازيون باليهود وغيرهم خلال الهولوكوست، أو أي من الأمثلة السابقة، لكن الحقيقة الثابتة هي أن حياة رضيع فلسطيني بريء دُفِن تحت أنقاض منزله في غزّة لا تقلّ قيمة عن حياة طفل يهودي قُتِل في غرف الغاز في عهد هتلر.
الاعتراف بالخطأ
ويقول الكاتب: "بصفتي حاخاما مُرنما يهوديا وصهيونيا تقدميا أعترف أنني أخطأت بعدم استخدام مصطلح إبادة جماعية في وقت مبكر لوصف ما ارتكبته إسرائيل في غزة. خوفي من فقدان الأصدقاء والزملاء، ومن الهجوم بسبب هذا الرأي غير المقبول لدى كثيرين، منعني من رؤية الحقيقة بوضوح".
ويضيف: "بالمقارنة، فقد كان من السهل عليّ، كمواطن أمريكي، ملاحظة انحدار بلدي نحو الاستبداد بعد ترشيح دونالد ترامب للمرة الثانية في 2024. كذلك، خشيت أن يُستخدم وصف الإبادة الجماعية ذريعة للمتطرفين المعادين لليهود".
ويؤكد الكاتب بأنه عندما يؤدي صلاة "أشامنو" في يوم الغفران هذا العام، سيستحضر تقصيره الأخلاقي، وتقصير كثيرين مثله، في الاعتراف بالإبادة الجماعية في غزة، عن وعي أو إنكار.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد أنه سيواصل الدعوة لإنهاء المذبحة في غزة وإعادة الأسرى إلى ديارهم، رغم علمه بأن ذلك لن يُصحح كل الأخطاء، إلا أنه قد يُساعد في توجيه رسالة إلى الأجيال القادمة من أجل مواصلة مسيرة "إصلاح العالم" بدءا من إصلاح الذات.