علم التنبؤ بالمستقبل
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
منذ زمن الإغريق كانت الأحداث التي تقع في المستقبل تصنف الى ثلاث أصناف، صنف لابد وأن يقع مثل تتابع الليل والنهار، وصنف احتمال وقوعه مرتفع للغاية كشروق الشمس في أيام الصيف، أما الصنف الثالث فهو الصنف الذي لا يمكننا معرفته، وأغلب الأحداث هي من الصنف الثالث فلا إمكانية لمعرفة المستقبل لهذا الصنف من الأحداث.
لكن الفكرة التي غيرت مسار البشرية برمتها وأوجدت حلا للتنبؤ عن مستقبل الصنف الثالث من الأحداث، طرحت في القرن الخامس عشر، والتي يمكن أن نطرحها على شكل سؤال لتوضيحها، إذا كانت معرفة المستقبل بالنسبة للصنف الثالث من الأحداث متعذرة ولا يمكننا الكشف عنه، فهل من سبيل ووسيلة لقياس احتمالية حدوثه؟!
وقد يتساءل البعض عن سبب تأخرنا في طرح هذا السؤال كل هذه المدة، فالبشر يتخذون قراراتهم بناء على الاحتمالات، فلماذا لم نحاول أن نقيس هذه الاحتمالات بطريقة رياضية؟
قد تكون الإجابة على هذا السؤال غير جازمة، فهناك عدة احتمالات، فقد يكون السبب في تأخرنا، هو الاعتقاد باستحالة التنبؤ بالمستقبل بصورة علمية اعتمادا على القدرات البشرية، فمثل هذه الاعتقادات تؤثر في سلوك الانسان و تعطل من تفكيره، ولهذا ظلت محاولات التنبؤ عن مستقبل الصنف الثالث من الأحداث بطرق علمية بعيدة عن التفكير البشري لفترة طويلة من الزمن، وقد يرجع السبب الى أن مسألة القياس وإدخال الحساب الكمي في مختلف مناحي الحياة كان محصورا بأمور معينة، فحتى علوم الطبيعة لم يتم ادخال القوانين الرياضية فيها الا في تلك الفترة، أو ربما يرجع السبب في ذلك، أن عددا من الفلاسفة والعلماء كان يرى أن العلم مساوق لليقين، فالعلم يكشف عن الواقع بصورة يقينية لا بصورة محتملة، ومن هنا فقد سعت البشرية الى المعرفة اليقينية، ولم تعر اهتماما كبيرا بالمعرفة المحتملة فهي لا تولد علما بل هي ظنون لا تسمن ولا تغني من جوع كما قد يراها البعض، بينما نجد أن علم الاحتمالات قائم على فكرة مفادها أن العلم القطعي أمر لا يمكن الوصول اليه في التنبؤ عن المستقبل، ولكن ذلك لا يعني أننا نجهل المستقبل تماما، فهناك منطقة وسطى بينهما، وهي المنطقة التي يغطيها علم الاحتمالات.
ربما يكون ما يدعم السبب الأخير المذكور، هو أن علم الاحتمالات لم ينشأ في أحضان الفلاسفة كما هو الحال مع أغلب العلوم، بل نشأ وتولّد عند العوام من الناس والمقامرين بصورة خاصة، فهم كانوا السبب وراء ظهوره، فلقد كان اللعب بحجر النرد ما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر هو السبب وراء ظهور هذا العلم، إذ وجه أحد المقامرين سؤالا لجاليليو مفاده لماذا نلاحظ نحن المقامرين بأننا عندما نرمي ثلاثة أحجار نرد معًا، فإن مجموع الأرقام الناتجة مساوياً 10 يظهر أكثر من المجموع 9؟
وكان جواب جاليليو بأن المجموع 10 يمكن أن يكون نتاجا لثلاثة أحجار نرد ترمى معاً أكثر من 9، فعشرة يمكن أن تكون نتيجة (٣،٣،٤)، (٣،٤،٣) و (٤،٣،٣)، بينما 9 لا يمكن أن تكون إلا في حالة واحدة وهي (٣،٣،٣)، ولذا فإن مجموع 10 لثلاث رميات نرد تظهر أكثر من 9.
وبذل الرياضي المشهور باسكال بعد ذلك جهدا كبيرا في هذا العلم الوليد، والسؤال الذي حاول الإجابة عليه يعرف باللعبة غير المنتهية، ولتبسيط المسألة لنفرض أن زيدا وعمرو راهنا بمبلغ 100 ريال عماني لمن يفوز في تنبؤه بخمس رميات لعملة نقدية، فاختار زيد الرسم بينما اختار عمرو الكتابة، وبعد ثلاث رميات، كانت النتيجة فوز زيد برميتين مقابل رمية واحدة لعمرو، ولنفترض أن حدثا معينا حدث أدى إلى توقف اللعبة، فمن يعد الفائز، واللعبة لم تكتمل بعد؟
وسأترك للقارئ العزيز التفكير في كيفية الوصول إلى الحل باستخدام قوانين الاحتمالات.
واستمر هذا العلم الناشئ يشغل ذهن علماء الرياضيات حتى نما ونضج بشكل واسع بما يعرف اليوم بعلم الاحتمالات، الذي غير مجرى حياتنا بحق، فشركات التأمين قائمة على هذا العلم، وأسواق الأسهم والسندات تقوم عليه أيضًا، ومفهوم إدارة المخاطر في مختلف الشركات والمؤسسات قائم على هذا العلم، بل كل محاولة للتنبؤ عن المستقبل قائمة على هذا العلم.
لكن من المهم أن نلاحظ أن هذا العلم يتميز بأن قدرته على التنبؤ لا تتم لكل حدث بشكل منفرد، فهو لا يستطيع أن يتنبأ بمستقبل الحدث المفرد ولكنه يستطيع أن يتنبأ بالحدث إذا تم تكراره بشكل كبير، ويعطيك احتمالات دقيقة للنتائج المتوقعة، ولذا فلا يصح تطبيقه على الحالات المفردة.
كما إن هذا العلم كغيره من العلوم يمكن لكل انسان أن يتعلمه ويبرع فيه، فأنت لا تحتاج الى مهارات خاصة لتتعلمه، فلا حاجة للتواصل مع الجن أو العفاريت أو تعرف كيف تقرأ الفنجان أو النجوم لتتنبأ بما هو قادم.
لقد أوضح لنا علم الاحتمالات أنه لا يمكن لنا نحن البشر أن نتنبأ بالمستقبل بصورة قاطعة ويقينية، ولكن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، فقوانين الاحتمالات تكشف لنا عن احتمالية نتائج الحدث بصورة دقيقة بحيث تولد لنا نوعا من الاطمئنان، وهو السبيل الوحيد الذي يملكه عامة البشر للتنبؤ بالمستقبل.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مديرة تطوير كرة القدم العلم الدولية: مصر تحقق انتشارا واسعا للعبة وتستطيع المنافسة في الأولمبياد
أعربت آفيا لو، مديرة تطوير كرة القدم العلم الدولية في رابطة NFL عن سعادتها بتواجدها في مصر خلال بطولة أفريقيا لكرة قدم العلم (Africa Flag) التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم الأمريكية (IFAF).
أوضحت آفيا لو في تصريحات خاصة لصدى البلد: الآن نحن هنا في مصر، وفي كل مرة نعود، نجد المزيد من الناس يلعبون اللعبة، وهناك المزيد من الاهتمام باللعبة والفعاليات والمزيد من الأشياء التي يمكننا القيام بها بصفتنا NFL ومع الاتحادات المحلية أيضًا ويمكننا حقًا أن نرى مدى نمو لعبة كرة القدم الأمريكية.
وأضافت : أعتقد عندما بدأنا هنا قبل 4 سنوات كنا نقوم بفعاليات "تعال وجرب" وبطولات محلية، والآن في هذا الوقت القصير، يظهر زيادة عدد الأشخاص الذين يلعبون وبالتالي اللعبة قادرة على جذب لاعبين جدد.
وعن رؤيتها في تطوير اللعبة في أفريقيا بشكل عام ومصر بشكل خاص قالت :لدينا برامج دراسية ودعم للاتحادات المحلية في جميع أنحاء أفريقيا، بل ندعم أيضًا بالتبرعات ونقوم بتنظيم مراكز تدريب في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك واحدة هنا اليوم، حيث ستأتي نساء من مصر ومن نيجيريا لتعلم المزيد عن كيفية تدريب هذه اللعبة.
وبسؤالها عن منتخب مصر لكرة العلم بعد تحقيقه المركز الثاني في البطولة الأفريقية قالت: مصر صنعت التاريخ ، ونافسوا على اللقب الأول من كأس NFL Flag ، لذلك نحن متحمسون حقًا لرؤية ومواصلة العمل مع مصر، ونرى إلى أين سيذهبون .
وأشارت آفيا لو خلال تصريحاتها إلي النجاحات الكبيرة لورش العمل التي أقيمت في مصر موضحة أن الكثير من الأشخاص متحمسين لهذه الفرصة لمواصلة السعي وراء هذا الشغف ومواصلة التعلم والنمو كمدربين ولاعبين ويعد ذلك ناجحًا جدًا بالنسبة لنا.
نظم دوري كرة القدم الأمريكية (NFL) دورة تدريبية لتأهيل مدربات كرة القدم العلم في القاهرة، ضمن استراتيجية مستمرة تهدف إلى تسريع وتيرة تطوير ونمو هذه الرياضة في جميع أنحاء القارة الأفريقية.
وأشادت مديرة التطوير في NFL على مشاركة الرجال والسيدات في كرة القدم الأمريكية مشيرة إلا أن أهم ما يميز اللعبة في مصر وجود النساء سواء كلاعبات أو مدربات أو حكمات وحتى مدربات لهذه اللعبة في مصر أكثر من الرجال.
وأكملت : متحمسة للعمل في مصر ونرى أننا سندفع بهذه الرياضة إلى الأمام هنا، وأن نكون قادرين على العمل معهم وإحضار مدربين رائعين من NFL ومن هذا المجال للعمل مع هؤلاء الأفراد المتحمسين ومساعدتهم في رحلتهم في التدريب، وأعتقد أن ذلك سيساعد في بناء الزخم ومواصلة نمو اللعبة هنا.
وأردفت : نهجنا في التطوير يتمثل إلى حد كبير في فهم ما هو فريد، ثم النظر في كيفية كسر الحواجز ببعض البرامج التي نقدمها.
وبسؤالها عن متطلبات اللعبة ردت : قد يكون بعض رياضيين بحاجة إلى السرعة، وقد يكونون رائعين في الاندفاع، وقد يكونون رائعين في حمل الكرة، ولكننا نحتاج أيضًا إلى أشخاص يتمتعون بمواهب أخرى، مثل القدرة على التخطيط، أو المدربين الذين يتمتعون بالجانب التكتيكي ويمكنهم التفكير في كيفية بناء خطة اللعب، وكيفية التفكير في جوانب اللعبة ووضع فريقهم في مكانة جيدة، أحد الأشياء الرائعة في الرياضة هو أن هناك شيئًا للجميع، بغض النظر عن مجموعة مهاراتك، هناك شيء لك في هذه اللعبة، وهذا يظهر حقًا عندما تنظر إلى الفرق التي تعمل معها والمدربين الذين ستعمل معهم، فلدى كل منهم موهبته الخاصة.
وعن تواجد اللعبة في أولمبياد لوس أنجلوس قالت: الإعلان عن أن كرة القدم الأمريكية ستكون جزءًا من ألعاب لوس أنجلوس هو لحظة تاريخية أرى النساء، وكذلك الرجال، يحصلون على فرصة اللعب على أعلى مستوى من جميع أنحاء العالم لسنوات عديدة
وأوضحت: تواجد اللعبة في الاولمبياد بمثابة تحقيق حلم الرياضيين، لذا فإن أولئك الذين يرغبون في اللعب على أعلى مستوى يمكنهم ممارسة هذه الرياضة وأن يصبحوا أولمبيين، وأعتقد أن هذا مثير للغاية لتطوير اللعبة لأن الشباب أو الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بالفعل يمكنهم الدخول في رياضة يمكنهم من خلالها الوصول إلى أعلى مستوى، وهذا يساعد حقًا على تمكين المزيد من الناس من ممارسة هذه اللعبة.