تحاول كل جهة أثارتها فظائع الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وما نجم عنها من قتل وتدمير داخل القطاع الفلسطيني، أن تعبر عن رفضها وإدانتها بأسلوب يتماشى مع طبيعة الدور المنوط بها، كما فعلت نقابة المحامين الأردنيين، بالتنسيق مع نظراء لهم في دول عدة؛ إذ اختاروا المحكمة الجنائية الدولية، ميدان مواجهة جديدا مع قادة إسرائيل.

 

فريق من نقابات المحامين في الأردن وفلسطين والجزائر وتونس وموريتانيا ومحامين دوليين، تقدموا ببلاغ لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم أحمد خان، قبل نحو أسبوعين، للبدء بإجراءات تحقيق رسمي بحق قادة عسكريين ومدنيين إسرائيليين، بتهمة "القيام بأفعال تشكل جريمة إبادة جماعية مرتكبة في دولة فلسطين".

 

وللوقوف على التفاصيل، أجرى مراسل الأناضول مقابلة بالعاصمة عمّان مع نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبو عبود، تحدث خلالها عن ماهية البلاغ المقدم، والمسارات القانونية واجبة التطبيق في حال أخذت بها المحكمة الجنائية الدولية.

 

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية" للمرة الأولى منذ تأسيسها.

 

وفي 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت محكمة العدل الدولية قراراتها الأولية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في إطار الاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية لعام 1948، وأمرت إسرائيل باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.

 

ورغم قرارات العدل الدولية الداعية إلى وقف الهجمات على الفلسطينيين دون أن تتضمن نصا لوقف إطلاق النار، لا تزال إسرائيل تواصل هجماتها على قطاع غزة، وتبتعد عن اتخاذ خطوات لإنهاء المأساة الإنسانية.

 

** إجراءات أردنية

 

أبو عبود قال للأناضول: "بمجرد وقوع العدوان على غزة، قامت نقابة المحامين الأردنيين بدورها التاريخي المتمثل في تعبئة الرأي العام، وحشد القوى المختلفة في مسيرات ووقفات وفعاليات متنوعة، ومن ثم التنسيق مع نقابات داخل الوطن العربي وخارجه من أجل وقف العدوان الإسرائيلي".

 

وأضاف: "كان المسار الثاني هو التبرع المالي للمساعدات، والذي بلغ نحو ربع مليون دينار (352 ألف دولار)، ودعم أسر المحامين الشهداء في غزة، بالإضافة إلى دعم نشاطات نادي الأسير الفلسطيني".

 

وتحدث أبو عبود عن اتجاه المساءلة القانونية قائلا: "المسار المتطور للنقابة كان عبر الدعم القانوني للحق الفلسطيني بمحورين: محور المرافعة والمدافعة أمام المحافل الدولية، ومحور الملاحقة القانونية بحق قادة إسرائيل".

 

وذكر النقابي الأردني: "استطعنا التغيير في الكثير من المواقف الدولية، بالاشتراك مع زملائنا العرب، فرسالة المحامي هي مساعدة المظلوم للوقوف في وجه الظالم".

 

وأردف: "شكلنا هيئة إسناد لملاحقة قادة إسرائيل، وكانت في البداية أردنيين فقط، وتكونت من 15 خبيرا، ثم تطور الأمر وتم تشكيل هيئة إسناد من خلال اتحاد المحامين العرب الذي ينضوي تحته أكثر من مليون محام".

 

وأشار إلى أنه "نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تشكل في الجزائر تحالف دولي بنفس الفكرة، بهدف ملاحقة قادة الكيان الصهيوني أمام المحاكم الدولية".

 

** بلاغ دولي

 

وفي ما يتعلق بالبلاغ الدولي لمساءلة إسرائيل جنائيا، قال أبو عبود: "بعد تكوين تحالف من نقابات المحامين في الأردن وفلسطين والجزائر وتونس وموريتانيا ومحامين دوليين، قدمنا قبل نحو أسبوعين بلاغا لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية (كريم خان) من أجل بدء تحقيق رسمي في حق قادة إسرائيل، ليصار إلى إصدار مذكرة توقيف بحقهم".

 

ويقول الحقوقي الأردني إن "تحقيق ذلك يعتمد على طبيعة البينات ومدى التزام المدعي العام بالقيام بمهامه بكل نزاهة وحياد".

 

وبشأن نطاق الملاحقة، لفت إلى أن "البلاغ تم تقديمه بحق 15 من قادة إسرائيل، بدءاً من الرئيس إسحاق هرتصوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقائد الجيش هرتسي هاليفي، ومجلس الحرب، وآخرين".

 

وبشأن كيفية معرفتهم بتجاوب مدعي عام الجنائية الدولية مع بلاغهم، أشار أبو عبود إلى أن "الرد يكون بمباشرة الإجراءات، وهناك تواصل لاستكمال عناصر البلاغ والتوسع في القضية".

 

واستطرد: "عند القبول، نتوقع أن يصدر قرار المحكمة على البلاغ في مدة تراوح بين شهر وشهرين".

 

** أدلة موثقة

 

وبخصوص البينات المقدمة بالبلاغ، قال أبو عبود إنها "تتعلق بتصريحات قادة الكيان الإسرائيلي ومواد فيلمية وإفادات لعدد من الضحايا، وقد شكلنا فريق رصد وتوثيق لهذه الغاية تحت بند تهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية".

 

وشدد في ختام حديثه على أن "واجب المحامي المواصلة حتى بلوغ هدفه بنصرة موكله والقضية العادلة التي يحملها، فنحن لا نتوقع ولكن نعمل لتحقيق ما نهدف إليه".

 

وأُسست الجنائية الدولية عام 2002 بوصفها أول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

 

وفي 20 فبراير/ شباط الجاري، تنظم الأناضول من أنقرة ندوة حوارية بعنوان "الإبادة الجماعية في غزة: أدلة جديدة" تناقش جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، بمشاركة خبراء في القانون الجنائي الدولي، ومطلعين على جوانب القضية التي تُساءَل فيها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

 

وخلال الندوة المرتقبة، سيتم تقديم أدلة جديدة للرأي العام متعلقة بجرائم الحرب الإسرائيلية التي لا تزال تُرتكب في غزة، بعد القرارات التي اتخذتها العدل الدولية.

 

وسبق أن أصدرت الأناضول كتابا بعنوان "الدليل"، يحوي صورا تكشف عن "الجرائم الإسرائيلية" في غزة كانت بين الأدلة المقدمة في قضية "الإبادة الجماعية" التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة قادة إسرائیل قطاع غزة أبو عبود فی غزة

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تهدد المحكمة الجنائية الدولية بالانسحاب وقطع التمويل إذا صدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو

كشفت المحكمة الجنائية الدولية أن الحكومة البريطانية هددت بوقف تمويل المحكمة والانسحاب من نظام روما الأساسي إذا أصدرت مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان في مذكرة دفاعا عن قراره بملاحقة نتنياهو، إن اتصالا أجراه في 23 أبريل 2024 مع مسؤول بريطاني تضمن تهديدًا واضحًا، من دون ذكر اسم المسؤول.

وتشير تقارير إلى أن المتصل قد يكون وزير الخارجية البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون، الذي رأى أن إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت سيكون إجراء غير متناسب.

وأضاف خان أنه تلقى في أبريل 2024 تحذيرا من مسؤول أمريكي بشأن "عواقب كارثية" إذا أصدر المذكرات، موضحا أنه واجه أيضا دعوات للتأجيل، لكنه أكد خلال الاتصال عدم وجود أي مؤشر على استعداد الحكومة الإسرائيلية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أو تغيير سلوكها.

وأشار كذلك إلى أنه تلقى تحذيرا آخر من السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام في الأول من مايو، قال فيه إن تطبيق مذكرات التوقيف يعني، حسب تعبيره، أن حركة حماس قد تقدم على قتل الرهائن الإسرائيليين.

ولفت خان إلى أن الاتهامات المتعلقة بسوء سلوك جنسي بحقه ظهرت للمرة الأولى في 2 مايو، موضحا أن طرفا ثالثا أبلغ جهاز الرقابة الداخلي في المحكمة بشكوى قدمت من دون موافقة الضحية المزعومة.

وأضاف أن الضحية رفضت متابعة التحقيق، ما أدى إلى إغلاق الملف قبل أن تعود مزاعم مجهولة عبر منصة "أكس" لإحياء القضية في أكتوبر.

وأكد خان في مذكرته أنه تصرف بحياد كامل وأن خطة إصدار مذكرات التوقيف سبق أن وضعت قبل ظهور أي ادعاءات ضده، مشددا على أن الاعتماد على تقارير إعلامية أو تكهنات لتبرير مطالب تنحيته هو أمر لا يستند إلى أسس قانونية.

وأوضح أيضا أنه أصر على إرسال رد مفصل وقوي من 22 صفحة على الطلب الإسرائيلي بإسقاط المذكرات، بعدما رأى أن الرد الأولي الذي أُعد كان "ضعيفًا نسبيًا".

وختم خان بالإشارة إلى أنه شكل فريقا من خبراء القانون الدولي لدراسة مدى اختصاص المحكمة وإمكان المضي في القضايا ضد نتنياهو وغالانت وثلاثة مسؤولين من حركة حماس.

مقالات مشابهة

  • بريطانيا المنافقة تتحرّش بـ"الجنائية الدولية" لحماية نتنياهو
  • فنزويلا تنسحب من «المحكمة الجنائية الدولية».. آخر تطورات التوتر مع أمريكا!
  • كاتب سعودي يطالب بإحالة جرائم الإنتقالي بحضرموت إلى الجنائية الدولية
  • محكمة روسية تعاقب كريم خان وقضاة في الجنائية الدولية
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • بريطانيا تهدد الجنائية الدولية بالانسحاب وقطع التمويل بسبب نتنياهو
  • مدعي الجنائية الدولية: بريطانيا هددت بقطع التمويل لمنع توقيف نتنياهو
  • بريطانيا تهدد المحكمة الجنائية الدولية بالانسحاب وقطع التمويل إذا صدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو
  • روسيا تصدر أحكاماً بالسجن بحق «المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية»!
  • ألمانيا تَطعن المحكمة الجنائية الدولية