ماذا لو كنتَ تعيش في غزة بعد كل ما حدث؟ أسيرًا في سجن مفتوح، على قطعة أرض صغيرة، مع مليونَي شخص آخرين، ولا مكان تذهب إليه. ثم تم احتلال نصف هذه الأرض من قبل إسرائيل، ودُمّر منزلك، وتم ترحيل جميع السكان إلى منطقة رفح..
عندما تمَّ قصف منطقة رفح، التي اعتبروها آمنة، وقُتل ما يقارب مائة مدني في اليوم السابق، قلت لنفسي، ما الذي يفكّر فيه الفلسطيني هناك؟
قُتل ما يقارب 30 ألف مدني وأصيب عشرات الآلاف.لجؤُوا إلى المستشفيات، وقُتلوا هناك. لجؤوا إلى الكنائس والمساجد، وقُتلوا هناك أيضًا. قُتلوا في طوابير الماء والخبز. أطلقوا النار على الأطفال وهم يسيرون في الشارع.
يموت الجرحى والمرضى وكبار السن أمام أعينهم؛ بسبب نقص الأدوية والغذاء. ويُمنع دخول المساعدات الغذائية من قبل المستوطنين الإسرائيليين المحتلين.
لا يوجد مكان للهروب، لا يوجد مكان للاختباء، لا أحد يمدّ يد العون.. لا يمكن لأي دولة في العالم مساعدتهم. ولا أحد يستطيع وقف هذه المجزرة. إذن، ما الذي يفكر فيه هذا الفلسطيني الآن؟
"هل يجب أن ينزل جبرائيل من السماء لمساعدتنا؟". أعتقد أنه يفكر في ذلك.
ماذا ينتظر قادتنا؟اجتمعت منظمة التعاون الإسلامي يوم أمس وندّدت بالهجمات على منطقة رفح، وطالبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة بوقف الهجمات. هذا كل ما في الأمر. لم يتحدثوا عن الحصار أو قوة حفظ السلام أو أخذ زمام المبادرة.
في المقابل، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل على ما يبدو، ووقّع مرسومًا لوقف الإرهاب الذي يسببه المستوطنون المحتلون. والنتيجة؟ لا شيء تغيّر. بعد هذه التصريحات الشكلية، قصفت إسرائيل منطقة رفح.
ندّد الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بمقتل المدنيين في غزة، وعارضوا تحويل غزة إلى منطقة غير مأهولة. والنتيجة: لم يتغيّر شيء أيضًا.
لم تفعل الصين وروسيا شيئًا بالنظر إلى التوازنات في العالم. إذن ماذا يجب أن يحدث أكثر من ذلك؟ كيف يمكن أن تسوء هذه المأساة الإنسانية أكثر؟ ماذا يجب أن يحدث حتى يتحرك البشر؟ أعتقد أنه لم يتبقَ سوى نزول جبرائيل عليه السلام من السماء وتحذير البشرية. لا أستطيع تفسير ذلك بطريقة أخرى.
أصبحت المذبحة أمرًا عاديًاأتابع وسائل الإعلام الأجنبية. حتى قبل ثلاثة أيام، كان كل منها يبث أخبارًا عن التطورات في منطقته الخاصة. كما ركزت وسائل الإعلام التركية على الانتخابات المحلية، وتراجعت أخبار غزة إلى الخلف. وحتى مقتل ما يقارب مائة مدني في الهجوم الذي وقع في منطقة رفح بالكاد أصبح خبرًا في العالم.
في عام 2015، عندما تعرّضت صحيفة شارلي إيبدو في فرنسا لهجوم مسلح قُتل على إثره 11 شخصًا، اجتمع جميع زعماء العالم في باريس وساروا جنبًا إلى جنب. لكن أمام مقتل ما يقارب 30 ألف شخص في غزة، ناهيك عن مسيرة، لم يقل أي زعيم في أوروبا كلمة واحدة لوقف هذه المذبحة. فقط المدنيون الذين يعيشون في أوروبا احتجوا بشجاعة في الشوارع ضد إسرائيل.
إن القادة الأوروبيين يسيرون جنبًا إلى جنب ويتكاتفون ضد أي هجوم في بلدانهم، ولكن لماذا لم تقم بلادنا الإسلامية بمثل هذه المسيرة؟ لماذا لم يرفعوا أصواتهم بما يكفي لإيقاظ العالم؟ عوضًا عن ذلك، حُظرت المسيرات الداعمة لفلسطين في بعض الدول الإسلامية. فما الذي ينتظره زعماؤنا لوقف هذه الإبادة؟ أعتقد أنهم ينتظرون نزول جبرائيل من السماء وتحذيرنا.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: منطقة رفح ما یقارب
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد حالات سوء التغذية بين أطفال غزة
غزة – تنشغل أخصائية التغذية سوزان معروف بفحص عشرات الأطفال الذين وصلوا مستشفى أصدقاء المريض في مدينة غزة للاشتباه بإصابتهم بمضاعفات سوء التغذية، بعد أن ظهرت عليهم أعراض الهزال ونقص الوزن، حيث تمنع إسرائيل منذ بداية مارس/آذار الماضي دخول الغذاء والدواء لسكان قطاع غزة.
وينتظر الآباء والأمهات في طابور طويل للاطمئنان على صحة أطفالهم التي شهدت انتكاسة بسبب فقدانهم الغذاء الصحي، وغياب الفواكه والخضراوات واللحوم ومشتقات الألبان من الأسواق، في وقت تصاعدت فيه تحذيرات هيئات محلية ودولية متخصصة في رعاية الأطفال من كارثة وشيكة تطال ما يزيد عن 70 ألف طفل في غزة.
على سرير الفحص، تظهر أجساد أطفال دون الخمس سنين نحيلة جدا، بعدما تطورت الأعراض على عدد منهم ولم تعد تقوى أقدامهم على حملهم.
المرض ومضاعفاتهتقول الأخصائية سوزان معروف، للجزيرة نت، إن إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر زاد علامات سوء التغذية لدى الأطفال في غزة، وتزايدت أعداد المرتادين للقسم الذي استحدثه مستشفى أصدقاء المريض في يونيو/حزيران الماضي، لمتابعة الحالة الصحية للأطفال الذين يتعرضون للتجويع.
وأكدت أن أعراض سوء التغذية انتقلت بحالات كثيرة من المرحلة البسيطة إلى المتوسطة، ووصلت إلى الحادة لبعضهم، الذين يعانون نقصا شديدا في الوزن وضعفا في الحركة وهزال الجسم، واصفرار البشرة، وتكسر الأظافر.
إعلانوتجتهد سوزان لمنح الأطفال ما تبقى لدى المستشفى من مكملات غذائية، بعدما نفد البسكويت عالي الطاقة، وأوشك مخزون الحليب الذي كانت تعتمد عليه في العلاج على النفاد، مما يُصعِّب مهمتها.
وتقول سوزان إن عدم توفر الغذاء الصحي وغياب العلاج اللازم للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يؤخر شفاءهم، ما ينذر بمزيد من المضاعفات التي تلاحق أجسادهم الهزيلة، وتضيف أن نسبة سوء التغذية ارتفعت لدى الأطفال لأكثر من 10% في الأيام الأخيرة.
ولفتت المختصة الغذائية إلى أن الأطفال دون الخمس سنوات من الفئات الهشة، وتكمن أهمية هذه المرحلة العمرية في بناء أجسادهم للمستقبل، لكن فقدان العناصر الغذائية من فيتامينات وبروتينات يمنع نموهم بشكل سليم.
وحذرت من أن استمرار إغلاق معابر قطاع غزة سيزيد من تدهور صحة الأطفال بشكل مخيف، ويخطر بانتشار المزيد من الأمراض بسرعة، وارتفاع معدلات سوء التغذية.
محاولة الإنقاذوعلى أسرَّة المرض داخل القسم المخصص من المستشفى ذاته، ترقد أجساد صغيرة يسيطر عليها الهزال الشديد، لتلقي العلاج الذي يساعدهم على استعادة عافيتهم.
تقول والدة الطفلة سهام -التي أتمت عامها الأول وهي تتنقل من مستشفى لآخر بحثا عن الرعاية- "بعد شهرين من ولادتها بدأت تظهر علامات تردي وضعها الصحي، حتى قرَّر الأطباء إخضاعها للمتابعة داخل المستشفى بسبب تدهور حالتها".
ويظهر الاصفرار جليا على وجه الرضيعة الشاحب، والتي ترفض تناول أيا من الطعام المعلب الشحيح أصلا في الأسواق، ما يبقيها نائمة لساعات طويلة، في ظل غياب الغذاء الصحي الذي يساعدها على الشفاء.
وعلى سرير مجاور تبدو علامات المرض على الطفلة سلام (7 سنوات)، التي لم تعد تقوى على المشي بعد أن انتفخت قدماها، وأصابها الهزال، حتى اكتشف الأطباء أن السبب يعود لنقص البروتين، وباشروا بتقديم العلاج والمدعِّمات الغذائية حتى تستعيد وزنها.
وتحرص الطواقم الطبية على تقديم العلاج بانتظام للطفلة الرضيعة سلام، للتغلّب على انخفاض الوزن الشديد الذي أدى لضعف شديد في يديها وقدميها.
ويشرح طبيب الأطفال محمد أبو شمالة السبب الرئيس لسوء التغذية قائلا إنه يكمن في نقص الكمية المطلوبة من السعرات الحرارية التي يتناولها الأطفال لقلة الغذاء المتوفر في غزة.
إعلانوعبّر أبو شمالة، في حديثه للجزيرة نت، عن خشيته على حياة الأطفال دون الخامسة، لأن سوء التغذية يؤثر على نموهم مستقبلا، وقد يصيبهم بأمراض في أوقات لاحقة من أعمارهم.
وتعمل أقسام سوء التغذية في مشافي غزة وفق المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية من خلال قياس الوزن والطول وحجم الذراع، وعليه، يتم التعامل مع الأطفال الذين يحتاجون الرعاية، سواء بالمتابعة الميدانية أو بمبيتهم داخل المستشفيات حال كانوا يعانون من سوء تغذية حاد.
وأكد الطبيب أبو شمالة أن سوء التغذية انتشر بين جميع الفئات العمرية بسبب قلة الموارد الغذائية، محذرا من زيادته والتسبب بمضاعفات أكبر على الأطفال والتأثير على مناعتهم حال استمرار إغلاق المعابر.
ولفت إلى أن المكمِّلات الغذائية التي يقدمها الأطباء كبديل عن الخضراوات والفواكه والغذاء الصحي للمصابين بسوء التغذية لم تعد موجودة، والأدوية نفدت من جميع المستشفيات، ما يعيق تعافي الحالات المرضية، وحذر من أن استمرار الأوضاع على هذا الحال ربما يؤدي لوفاة المزيد من الأطفال.
بانتظار الموت
وحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهات الحكومية في غزة، فإن 65 ألف طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية، وذلك بعد إعلان وزارة الصحة -في وقت سابق- ارتفاع عدد الوفيات نتيجة سوء التغذية إلى 57 طفلا.
وحذر تقرير مشترك صادر عن صندوق الأمم المتحدة للأطفال "اليونيسيف" وبرنامج الغذاء العالمي من كارثة وشيكة، إذ يواجه 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم خطر سوء التغذية، ويحتاجون لعلاج عاجل.
وقال التقرير إن مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي توصلت إلى أن 470 ألف شخص في غزة يواجهون الجوع، كما أن جميع السكان يعانون انعداما شديدا في الأمن الغذائي.
وحثت المنظمتان الدوليتان جميع الأطراف على تلبية احتياجات المدنيين والسماح للمساعدات بدخول غزة فورا، والوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني.
إعلان