المنطقة المعزولة في سيناء.. هل يستعد السيسي لتهجير الفلسطينيين؟
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
على مدار الأيام الماضية، نشرت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ثلاثة تقارير مصحوبة بمقاطع فيديو وصور من المنطقة العازلة في شمال سيناء على بعد كيلو مترات قليلة من الحدود المصرية مع قطاع غزة والأراضي المحتلة.
بدأت الحكاية يوم الرابع من فبراير عندما حرك الجيش المصري مصحوبا بمهندسين تابعين لشركات هندسية تعاقدت معها شركة أبناء سيناء المملوكة لرئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم العرجاني، لوادر وعربات للبدء في عمليات تجريف وانشاءات في مساحة 13 كيلو متر داخل المنطقة العازلة وذلك بوتيرة متسارعة على غير العادة ، كما رصدت الصور إنشاء سور ضخم بارتفاع 7 أمتار.
بعدها بيوم واحد نشرت عدة مواقع غربية مثل وول ستريت جورنال، نيويورك تايمز، واشنطن بوست، الجارديان، ووكالتي روتيرز وأسوشيتيد برس، تقارير مصحوبة بصور للأقمار الصناعية كلها تؤكد ما ذهبت له مؤسسة سيناء وكان الجميع يبحث عن إجابة سؤال واحد، هل تستعد مصر لاستقبال النازحين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء بعد بدء إسرائيل العملية العسكرية في رفح الفلسطينية؟
النظام المصري لم ينتظر طويلا وجاء رده سريعا، ليس مرة واحدة بل أربع مرات بأربع روايات رسمية مختلفة وعليك أن تختار ما شئت منها.
النظام المصري يمتلك من أوراق القوة ما يمكنه من وقف الحرب الإسرائيلية بأكملها على قطاع غزة ومنع مخطط التهجير نهائيا ولكنه اختار سياسة التصريحات والبيانات التي لا تعبأ بها إسرائيل ولن توقف أبدا تدفق الفلسطينيين إلى كانتونات المنطقة العازلة في شمال سيناء.الرواية الأولى جاءت على لسان اللواء محمد شوشة محافظ شمال سيناء يوم 15 فبراير الجاري عندما تحدث لموقع العربية السعودي قائلا أنه لا يوجد أي نية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وأن الأعمال الجارية في المنطقة العازلة ما هي إلا لجان من المحافظة تقوم بحصر أعداد المنازل التي هدمت في هذه المنطقة أثناء الحرب على الإرهاب للنظر في كم التعويضات المناسبة التي ستعطيها الدولة لاهالي سيناء المهجرين من منازلهم منذ سنوات.
المشكلة في هذه الرواية أن أهالي رفح والشيخ زويد يتظاهرون بالفعل منذ أشهر للمطالبة بعودتهم إلى منازلهم وأرضهم مرة أخرى وهو ما ترفضه السلطات المصرية بل وتتعامل معه بقبضة أمنية قوية وتعتقل أبرز رموز القبائل السيناوية المطالبين بحق العودة ، فلماذا تقرر السلطات المصرية فجأة ودون سابق إنذار إعادتهم بل وتعويضهم أيضا؟
الرواية الثانية جاءت على لسان السيد ضياء رشوان رئيس الهيئة الوطنية للاستعلامات والذي قال في مداخلتين هاتفيتين أنه لا نية لمصر لاستقبال الفلسطينيين وأن المنطقة العازلة موجودة منذ سنوات ولا جديد يذكر بشانها فلماذا تقيم مصر منطقة عازلة جديدة.
الغريب أن السيد رشوان نفى شيئا لم تذكره مؤسسة سيناء ولم تذكره تقارير الصحافة الغربية ، فلم يدعي أحدا أن مصر تقيم منطقة عازلة جديدة ولم ينفي أحد وجود منطقة عازلة بالأساس وإنما كان الحديث عن الإنشاءات الغريبة التي ظهرت فجأة في هذه المنطقة بالتزامن مع العملية العسكرية الاسرائيلية في رفح الفلسطينية.
الرواية الثالثة جاءت على لسان نفس اللواء محمد شوشة محافظ شمال سيناء يوم 17 فبراير عندما قال في تصريحات نقلها موقع العربية السعودي أيضا أن الجيش المصري ينشيء منطقة لوجيستية في هذا المكان لتنظيم انتظار شاحنات المساعدات وتوفير أماكن مبيت مريحة لسائقي هذه الشاحنات الذين ينتظرون منذ أشهر.
اللواء شوشة هنا ناقض روايته الأولى وكذبها ونفاها وشكك في مصداقيته كمصدر رسمي عندما صرح بروايتيين في يومين مختلفين عن نفس الموقع ، ولكن السؤال لماذا ينشيء الجيش منطقة لوجيسيتية بعد أربعة أشهر من انتظار هذه الشاحنات امام معبر رفح، وما الذي تغير الآن.
الأكثر من ذلك أن الجيش قد رفع لافتة هزيلة أمام تلك المنطقة مكتوب عليها منطقة لوجيستية وسارعت وسائل الإعلام المصرية المقربة من النظام بإذاعة هذه اللقطات على الفور لتأكيد الخبر ونفي أي حديث او تخمين عن استعداد مصر لاستقبال الفلسطينيين.
الرواية الرابعة جاءت على لسان سامح شكري وزير الخارجية المصري على هامش مشاركته في مؤتمر مينويخ الدولي للأمن حيث قال أنه لا نية لمصر في استقبال الفلسطينيين ولا يمكن السماح بتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة وأضاف أن ما يجري في المنطقة الحدودية العازلة ما هي إلا أعمال صيانة.
الحقيقية أنا لا أدري أي أعمال صيانة تلك التي تحتاجها رمال الصحراء في المنطقة العازلة، ولماذا ينشيء الجيش جدارا بارتفاع 7 متر إذا كان الهدف هو صيانة الحدود وهل هي منطقة لوجيستية أم حصر لمنازل المهجرين أم صيانة لشيء لا نعرفه على الحدود المصرية؟
الروايات المصرية المتضاربة كلها تثبت ما ذهبت إليه مؤسسة سيناء الحقوقية وتقارير الصحافة الغربية أن مصر تستعد لاستقبال الفلسطينيين في المنطقة العازلة في مكان أشبه بالكانتونات.
فما هي هذه "الكانتونات"؟
الكانتونات هي مساحة محكومة أمنيًّا وعسكريًّا وخاضعة لإجراءات مشددة و يمكن تصورها كسجن لمجموعة من الناس في الهواء الطلق و تعتبر محكومةً ذاتيًّا من قبَل سكانها تحت سلطة إقليمية أكبر.
تعتمد هذه الكانتونات على قنوات اتصال خارجي للحصول على المساعدات و ليس لديها ما يكفي من الموارد للاعتماد على نفسها للمعيشة حيث تقام كمخططات بديلة توفر سيطرة أمنية وتخضع لحصار صارم من السلطات الإقليمية الأعلى.
تعتبر الكانتونات طريقة سهلة للتخلص من مجموعات عرقية بشكل غير مباشر حيث طبها الاحتلال الإسرائيلي مع بعض أهالي الضفة الغربية المحاصرين وسط المستوطنات، كما عانى النازحون السورييون من بقائهم داخل هذه الكانتونات التي تتبع قوى عرقية مختلفة
تاريخيا كانت هناك "ثورة الكانتونات" في إسبانيا، ونظام الكانتون بسويسرا ، كما طبقها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لتشتيت السكان وإضعافهم بشكل مستمر.
الكانتونات هي مساحة محكومة أمنيًّا وعسكريًّا وخاضعة لإجراءات مشددة و يمكن تصورها كسجن لمجموعة من الناس في الهواء الطلق و تعتبر محكومةً ذاتيًّا من قبَل سكانها تحت سلطة إقليمية أكبر.إذا ما اعتمدت مصر نفس السياسة ووضعت الفلسطينيين داخل هذه الكانتونات فهذا يطرح مجموعة من الأسئلة الهامة ، على سبيل المثال من سيكون المسؤول عنهم أهي القوات المسلحة المصرية أم ميليشيات اتحاد قبائل سيناء ورئيسها إبراهيم العرجاني.
متى سيعود هؤلاء الفلسطينيون إلى أرضهم مرة أخرى، ومن يقرر كيف ومتى وإلى أين سيعودون، أهو النظام المصري أم إسرائيل؟
النظام المصري يمتلك من أوراق القوة ما يمكنه من وقف الحرب الإسرائيلية بأكملها على قطاع غزة ومنع مخطط التهجير نهائيا ولكنه اختار سياسة التصريحات والبيانات التي لا تعبأ بها إسرائيل ولن توقف أبدا تدفق الفلسطينيين إلى كانتونات المنطقة العازلة في شمال سيناء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المنطقة العازلة المصرية الفلسطينيين مصر فلسطين رأي منطقة عازلة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المنطقة العازلة فی النظام المصری مؤسسة سیناء فی المنطقة شمال سیناء قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
القُرْنة… مدينة الأموات وبلد السحر والغموض والخبايا والأسرار
جعل الفراعنة من طيبة القديمة في صعيد مصر مدينتين: مدينة للأحياء تقع على الضفة الشرقية من نهر النيل، ومدينة للأموات تقع على الضفة الغربية من النهر.
وجعلوا من مدينة الأموات جبّانة لموتاهم، فأقاموا فيها مقابر الملوك والملكات والنبلاء والنبيلات، وشيّدوا بين ربوعها معابدهم الجنائزية مثل معابد هابو، والرامسيوم، وسيتي الأول، وأمنحتب الثالث وغيرها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حمامات نبتون الإمبراطورية في رومانيا من منتجع الأباطرة إلى موقع تاريخي مهجورlist 2 of 2فتح مقبرة أمنحتب الثالث إحدى أكبر مقابر وادي الملوك أمام الزوارend of listوكانت المنطقة المطلة على الضفة الغربية لنهر النيل وحتى تلال جبل القُرنة التاريخي تُعرف باسم جبّانة طيبة، وتُعد أغنى جبّانة في التاريخ القديم والمعاصر، لما تضمه بين جنباتها من مقابر وكنوز لقدماء المصريين.
وصارت جبّانة طيبة القديمة تُعرف اليوم باسم "القُرنة"، وهي منطقة أثرية وسياحية غنية بمئات المقابر وعشرات المعابد التي شيّدها قدماء المصريين، بجانب فنادق ومطاعم تحمل طابعا ريفيّا خاصا.
أما طيبة فصارت تحمل اسم الأقصر، أي مدينة القصور، وهي اليوم من أشهر مقاصد السياحة الثقافية في مصر والعالم أجمع، واختيرت ضمن قائمة عواصم السياحة الثقافية بالعالم من قبل منظمة السياحة العالمية.
وتتفرد الأقصر اليوم -طيبة قديما- بأنماط سياحية خاصة مثل سياحة البالونات الطائرة (المناطيد) التي تقلع في سماء المدينة كل صباح حاملة مئات السياح في رحلة فوق معابد المدينة وآثارها. وهناك سياحة الدواب التي تنقل السياح في رحلة بين الزروع والحقول والقرى والنجوع، وخاصة في قرى البر الغربي للأقصر.
وهناك سياحة عربات الحنطور التي تطوف بالسياح بين معالم البر الشرقي للمدينة من معابده إلى متاحفه وفنادقه ومنتجعاته. وهناك السياحة النيلية التي تنقسم إلى أنماط متعددة، بينها الرحلات النيلية على متن البواخر والفنادق العائمة بين مدينتي الأقصر وأسوان، ورحلات المراكب الشراعية في وسط نهر النيل الخالد، بجانب رحلات "الدهبيات" النيلية.
لكن تبقى منطقة القُرنة، الواقعة في البر الغربي للأقصر، من أكثر المناطق غنى بالأسرار والخبايا، وبالآثار والمعابد والمقابر التي أقامها ملوك الفراعنة وملكاتهم ونبلاؤهم، وهي من أكثر المناطق سحرا وغموضا.
إعلانوتبقى القُرنة كذلك الأغنى بمعالمها التراثية مثل قرية المهندس المعماري المصري الراحل حسن فتحي رائد عمارة الفقراء في العالم، وفندق مراسم القرنة الذي كان مقرا لإقامة مشاهير المستكشفين وعلماء الآثار مثل البريطاني هوارد كارتر مكتشف مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، والذي كان مقرا لعشرات من كبار الفنانين التشكيليين المصريين الذين كانوا يفدون للأقصر ضمن بعثات مراسم الأقصر التاريخية.
وهو فندق تراثي مملوك لعائلة عبد الرسول، صاحبة الاكتشافات الأثرية الشهيرة في جبّانة طيبة، والتي يدور كثير من الجدل حول دورها في الكشف عن كثير من مقابر ملوك ونبلاء الفراعنة في أحضان جبل القُرنة التاريخي الذي يحتضن المقابر والمعابد الجنائزية لقدماء المصريين.
وتحتفظ القُرنة وجبلها التاريخي بكثير من أسرار الفراعنة، وتبقى شاهدة على كثير من أهم الاكتشافات الأثرية في العالم، والتي كان من أهمها الكشف عن مقبرة الملك توت عنخ آمون وكنوزه في عام 1922. ويوجد في باطن أرض القُرنة مئات المقابر التي لم تُكتشف بعد.
وبحسب علماء المصريات، فإن قرابة 850 مقبرة فرعونية لا تزال تنتظر الكشف عن معالمها وأسرارها في جبل القُرنة والمنطقة التي تقع في محيطه، وهو الغموض الذي تتكشف ملامحه عاما بعد عام، عبر ما يُعلن عن الكشف عنه من آثار بقيت مُخبأة على مدار آلاف السنين.
تشتهر القُرنة بكثرة معابدها ومقابرها المصرية القديمة التي شيدت ونحتت قبل آلاف السنين، حيث يستمتع زائر المنطقة برؤية معبد دير شلويط المكرس لعبادة الإلهة إيزيس، وقصر أمنحتب المعروف باسم "الملقطة"، و"هابو… بيت ملايين السنين"، ومقصورة الرب تحوتي، ومعابد الملك أمنحتب الثالث، والملك مرنبتاح، والملك سيتي الأول، والملك منتوحتب نب حبت رع، والرامسيوم الذي شيّده الملك رمسيس الثاني، ومعبد الملك تحتمس الرابع، والدير البحري الذي شيّدته الملكة حتشبسوت.
وتضم المنطقة مقابر وادي الملوك، ووادي الملكات، ودير المدينة، ومقابر الأشراف، ومقابر العساسيف، ومقابر ذراع أبو النجا، ومقابر قرنة مرعي، ومقابر باب الحجر بالطارف، وهي المناطق التي تضم بين جنباتها مئات المقابر الأثرية.
لكن من أكثر المعالم الأثرية والسياحية شهرة في القُرنة هي مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون في منطقة وادي الملوك، ومقبرة "جميلة الجميلات" الملكة نفرتاري زوجة الملك رمسيس الثاني، المنحوتة في منطقة وادي الملكات، والتي اكتشفها المستكشف الإيطالي جيوفاني باتيستا بيلزوني الملقب بـ"بيلزوني العظيم".
وتُعد المقبرة من أجمل المقابر الفرعونية في المنطقة، وذلك لاحتوائها على نقوش ورسوم ذات ألوان زاهية حتى اليوم، رغم إقامتها قبل آلاف السنين. وهناك معبد الملكة حتشبسوت المعروف باسم معبد الدير البحري، والذي نُحت في باطن الجبل، ويُعد أكثر المعابد براعة في هندسته وعمارته.
لمنطقة القُرنة الأثرية، التي تُعرف أيضا بمدينة الأموات، تاريخ طويل مع اكتشافات الآثاريين وعلماء المصريات لخبيئات أثرية احتوت على مومياوات وتوابيت وكنوز ضخمة، مثل خبيئة الدير البحري، وخبيئة مقبرة أمنحتب الثاني في وادي الملوك.
إعلانأما آخر خبيئة عثر عليها في المنطقة، فهي خبيئة العساسيف التي عثرت عليها البعثة الأثرية المصرية العاملة في منطقة العساسيف برئاسة الدكتور مصطفى وزيري، وذلك في نهاية عام 2019، واحتوت على 30 تابوتا خشبيا ملونا بوجه آدمي، بينها توابيت لرجال ونساء، بجانب توابيت لـ3 أطفال.
ويرجع تاريخ التوابيت إلى القرن العاشر قبل الميلاد، أي قبل 3 آلاف عام مضت، وجميعها من الأسرة 22 في مصر القديمة.
تمثالا ممنون هما أول ما يُشاهده الزائر لآثار منطقة القُرنة ومعابدها ومقابرها في جبّانة طيبة القديمة، وهما تمثالان شهيران كانا على مدخل معبد الملك أمنحتب الثالث الذي تعرض لزلزال مدمر أدى إلى انهيار المعبد قبل آلاف السنين، وتسبب في دفن كثير من معالمه وآثاره في باطن الأرض.
وتمثالا ممنون هما أهم ما تبقى من آثار معبد أمنحتب الثالث المعروف اليوم باسم "كوم الحيتان"، والتمثالان يمثلان الملك أمنحتب الثالث جالسا، وهما تمثالان ضخمان منحوت كل منهما من قطعة واحدة من الحجر الرملي الأحمر، ويبلغ ارتفاعهما 15 مترا من دون القاعدة.
وترجع شهرة هذين التمثالين، بحسب علماء المصريات، إلى أنه في عام 27 ق.م تعرضت المنطقة التي يقع بها المعبد لزلزال مدمر هز غرب طيبة، وتسبب في انشطار التمثال الشمالي إلى نصفين عند وسطه. وبعد ذلك، كان الحجر يرسل ذبذبات صوتية عن طريق فعل داخلي ناتج عن التغيرات الفجائية للرطوبة ودرجة الحرارة عند الفجر. فظهرت أسطورة أن التمثال يصدر أصوات رثاء "أورورا"، ربة الفجر، على ابنها البطل الإثيوبي "ممنون" الذي سقط في ميدان طروادة كل صباح، ومنه أخذ التمثالان اسمهما.
عرفت القُرنة الفنون التشكيلية من رسوم ونحت وتصوير في الأزمنة القديمة، وعاش في المنطقة قبل آلاف السنين فنانون مهرة أقاموا بمنطقة دير المدينة التي تضم مقابر العمال في مصر القديمة، والتي كانت تُعرف باسم "مدينة العمال".
وعمل هؤلاء الفنانون في نحت ورسم وتشييد المقابر والمعابد التي تزدان بها القُرنة اليوم. ومن المثير أن سكان المنطقة توارثوا فنون أجدادهم من قدماء المصريين، وتشتهر المنطقة اليوم بوجود هؤلاء الفنانين الذين يعدّون "فنانين بالفطرة"، فهم ينحتون التماثيل ويرسمون اللوحات بنقوش بارزة وغائرة في صورة مماثلة لما كان يقوم به أجدادهم من قدماء المصريين قبل أكثر من 3500 سنة.
وعلى خطى سكان "مدينة العمال" التي أُسست في عهد الدولة المصرية الحديثة (1570-1070 قبل الميلاد)، يواصل سكان منطقة القُرنة الحفاظ على فنون النحت والنقش والرسم والتلوين في ما بات يُعرف اليوم بـ"صناعة الألباستر".
والزائر للقُرنة سيلفت نظره تلك المصانع التي تسمى "مصانع الألباستر"، والتي أقيمت على جانب الطرق المؤدية إلى معابد الفراعنة ومقابرهم. وتضم هذه المصانع مجموعات من الفنانين بالفطرة من أهل القُرنة، وقاعات عرض ضخمة يعرضون بداخلها مئات التماثيل واللوحات والتحف الفرعونية التي يفد السياح لشرائها والعودة بها إلى بلادهم.
وقد قام هؤلاء الفنانون بدور مهم في حفظ كثير من حرف قدماء المصريين وفنونهم. ومن الطريف أن هؤلاء الفنانين الذين يبدعون تماثيل ولوحات جدارية مدهشة لم يذهبوا إلى كليات أو معاهد فنية، بل توارثوا تلك الحرف والفنون من أجدادهم جيلا بعد جيل.