رسالة للسيد ناظر قبيلة الرزيقات السيد محمود موسى مادبو.
بعد السلام عليكم ورحمة الله ومع كامل الاحترام والتقدير.
المشكلة اليوم هي مع مليشيا الدعم السريع وليست مع قبيلة أو مكون اجتماعي، والحرب قامت أساسا ضد الدولة الوطنية السودانية وضد مؤسسة القوات المسلحة وهي مؤسسة قومية بها كثير من أبناء عموم عرب دارفور الكرام، والحرب هدفها نسف المشروع الوطني السوداني والذي سيتبلور بالإصلاح والتطوير لما هو قائم أصلا رغم وجود عيوب ومشكلات تحتاج للحل، لكن ذلك كما تعلم لا يتم بالتدمير والتخريب بل بالتماسك والوحدة والحكمة، وهذا ما لم يتعلمه حميدتي فحربه ليست حربا نبيلة بل حرب خبيثة مدفوعة بالقوى الخارجية والمال والسلاح الإماراتي.


سيدي الناظر: إن المتمرد المجرم حميدتي وقوات الدعم السريع لا تخدم أي أجندة محلية، ولا تعبر في حقيقتها عن مصلحة لأي مكون أهلي بما في ذلك عموم القبائل العربية في دارفور، إن حميدتي والمليشيا هم خصوم مستقبل السودانيين جميعهم، وخصوم الدولة الوطنية، ولتعلم أنهم لم يجلبوا لكم الخراب وحدكم بل كادوا أن يجلبوه للشعب السوداني كله، وما فعلوه في السودان سيكتبه التاريخ ولن ينساه أحد، ويجب ألا ننسى أن هناك فصيلا سياسيا مخربا وعميلا ساهم بشكل مفصلي في هذه الحرب، وأقصد قوى الحرية والتغيير (قحت) تحديدا، فقد ساهمت هذه القوى بطريقة مباشرة في إشعال فتيل الحرب وتغذية المشكلات ودفع الأسباب لمداها الأقصى بدافع سلطوي مريض. الحرب إذن سياسية وعسكرية.
ويقال في المثل السوداني (الفشا غبينتا خرب مدينتا) ومدينتنا هي الدولة الوطنية السودانية التي ستجمع كل السودانيين على أسس السيادة الوطنية والتنمية والعدالة والوحدة، ولقد سمعت حديثكم وفيه اعتراف بهزيمة الدعم السريع وفيه مخاوف على القبائل من أي نية لانتقام قادم، ورأيتك تدعوهم لحماية أنفسهم لأنهم قد يتعرضون للهجوم بسبب ما جره عليهم حميدتي وقد شبهته كالمجمرم الذي يقتل بعيدا ويأتي جالبا معه الخراب للقبيلة والأهل.
ولو كان لي أن أنصح من هم في مقامكم واسمكم فإنني أقول:
هذه مخاوف مفهومة ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الحرب القائمة ليست حربا أهلية وإن شملت بعدا قبليا وتعبئة عرقية في بعض جوانبها، إلا أن تعريفها الأساس هي حرب الدولة ضد اللادولة، ةحرب الوطني ضد غير الوطني، وحرب المشروع السوداني ضد المشروع الأجنبي، وحرب جيش الدولة الوطني الذي يسمى القوات المسلحة السودانية ضد مليشيا الدعم السريع الممولة تمويل أجنبي كامل وتحديدا من دويلة الشر التي لا تهمها مصلحة قبيلة الرزيقات ولا غيرها من القبائل السودانية.
عليه فإن مشكلة كل السودانيين هي ضد المليشيا وضد شكلها المؤسسي الذي يحمل السلاح ويقاتل الناس والجيش ويرتكب الانتهاكات. ولا مشكلة مع الأبرياء المواطنين من عموم القبائل العربية في دارفور أو كردفان. وعموم قبائل المجموعة العربية في دارفور وكردفان وهم جزء لا يتجزأ من نسيج سوداني تاريخي، وهم ينتمون للجغرافيا السودانية كغيرها من المجموعات وتجمعهم أواصر تاريخ، وشرايين وأوردة لا يسع المجال لذكرها
لذا سيدي الناظر أقول لك ثلاث نقاط:
أولا:
هذه ليست حرب أهلية وفق نماذج شهيرة للحرب الأهلية، فأهم عنصر في الحرب الأهلية غير متوفر هنا وهو أن يتفق الطرفان المتقاتلان على عداء الدولة من أجل إقامة كيانهم القبلي أو العنصري الخاص، وذلك حدث في الصومال مثلا وقبرص ولبنان، لكننا هنا لا نجد طرفين بل نجد جانب الدولة ضد اللادولة، وجانب الدولة هذا الذي نقف فيه مع القوات المسلحة السودانية والشعب السوداني والمستنفرين والقوى السياسية الوطنية وهو جانب يشمل كل السودانيين بمختلف قبائلهم ويشملكم بالضرورة، أما جانب اللادولة فتقف فيه المليشيا العنصرية وبعض القوى العميلة التي تتكسب سياسيا من الحرب وتسعى لبث أوهام تارة حول دولة ٥٦ تارة حول الجلابة وغيرها.
ثانيا:
لقد آن الأوان لإظهار المسافة بين المكونات السودانية جميعها وبين مليشيا الدعم السريع، خصوصا تلك المكونات التي تدعي المليشيا أنها تمثلها، نعم نحن نفهم الظرف المعقد لكم ولبعض الرموز الأهلية، وندرك الترهيب والضغط الذي تتعرض له، ونثمن هنا دور كثير من الرموز الذين تحدوا الشرط العنيف والإرهاب الذي يمارس ضدهم ليعلنوا موقفهم الوطني ويستنكروا الجرائم والسرقات والاعتداءات والاغتصابات التي قامت بها مليشيا الدعم السريع. ولكن سيدي آن الأوان للابتعاد عن مليشيا الدعم السريع في كل مكان وكل أرض وذلك من أجل استرداد اللحمة الوطنية السودانية وتحقيق السلام الحقيقي واستعادة الأبناء للديار حال غررت بهم دعاية المليشيا المتوهمة عن دولة ٥٦ وخطابها العنصري ضد بقية السودانيين.
ثالثا: لا يمكن خلق حل بدعوتك لقوة جديدة غير الدعم السريع تحمي المجموعات القبلية ضد الانتقام والتشفي، هذه المجموعات لا يجب أن يمس الأبرياء منهم أيا كان، والظرف الحالي يتطلب جرأة ومبادرة تجاه دعم بقاء الدولة وجيشها ضد مليشيا جلبت الخراب للجميع، نعم نحن ضد إفلات المجرم من العقاب لكننا نعلم أن المجرم لا قبيلة له. وحماية القبيلة تحتاج دمجها أكثر مع مصلحة المكونات الأهلية ودعم القوات المسلحة السودانية المؤسسة القومية وتعزيز بقاء الدولة السودانية.
ختاما:
السلام يحتاج منا جميعا معالجة دقيقة وفرز للأجندة المحلية عن الأجندة الخارجية، وذلك بطرح رؤية سياسية شاملة تحفظ الدولة وتبقيها وتعزز السيادة الوطنية، لذلك من الضروري على القيادة السياسية والعسكرية والرموز الأهلية وكافة أبناء الوطن رفع الصوت الوطني الذي ينظر للسودان في ترابطه العميق وهذا يحتاج منكم دورا كبيرا نحو الوطن في عمومه ونحو القوات المسلحة السودانية تحديدا.
هشام عثمان الشواني
الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية.
٢٣ فبراير ٢٠٢٤م

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة ملیشیا الدعم السریع الدولة الوطنی

إقرأ أيضاً:

مناورة الدعم السريع الجديدة للتحايل على الهزيمة

في مساء 23 فبراير/ شباط 2025، تحوّلت نيروبي إلى خشبة مسرح طُرح عليها سيناريو جديد: تمردٌ يحاول أن يُقنّن فوضاه، وأن يُقنع العالم بأنه نواة دولة لا مجرد شظايا بندقية.

سعى تحالف (تأسيس) السوداني، بقيادة مليشيا الدعم السريع ومشاركة فصائل متمرّدة وشخصيات سياسية منشقة، لتقديم نفسه كبديل سياسي مؤسسي قائم على العلمانية والعدالة واللامركزية، في مواجهة ما وصفه بـ"النظام القديم المتحالف مع العسكر والفساد".

هذه المحاولة ليست الأولى في تاريخ السودان التي يسعى فيها كيان مسلح لشرعنة وجوده السياسي، لكنها تأتي في سياق يختلف كليًا عن حركات التمرد السابقة التي غالبًا ما كانت ترتكز على مطالب إثنية أو جهوية واضحة.

كان السقف الأعلى لتحالف "تأسيس" يتمثل في إعلان حكومة موازية من مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، إيذانًا بإحكام السيطرة على الإقليم بأكمله.

غير أن صمود المدينة أمام عشرات المحاولات العنيفة لاقتحامها من قبل مليشيا الدعم السريع، اضطر التحالف إلى خفض سقف طموحاته، والتفكير في إعلان الحكومة من مدينة نيالا، جنوب دارفور.

 وقد علّق كاميرون هدسون، المسؤول السابق في البيت الأبيض والمتخصص في شؤون السودان والقرن الأفريقي، بأن إعلان (الدعم السريع) تشكيل حكومتها الموازية من نيالا يُعدّ "مخيّبًا للآمال للغاية"، موضحًا أن الهدف الأصلي من إعلانها في الفاشر كان إيصال رسالة مفادها: السيطرة الكاملة على دارفور. أما إعلانها الآن من نيالا- كما يضيف هدسون- فهو مؤشر على حجم الضغط الذي باتت تواجهه قوات الدعم السريع.

لقد جاء هذا التحول النوعي في مسار الحرب السودانية بالتزامن مع تراجع عسكري كبير لمليشيا الدعم السريع. فبعد أشهر من المكاسب في الخرطوم ودارفور، بدأت موازين القوى تميل تمامًا لصالح الجيش السوداني، مما دفع قائد المليشيا محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى التفكير في تغطية إخفاقاته العسكرية بغطاء سياسي.

إعلان

هكذا وُلدت ما عرف بـ"الحكومة الموازية"، لا كسلطة بديلة، بل كقناع سياسي لسلطة تبحث عن شرعية، وأداة مزدوجة لتثبيت أقدام مرتجفة على الأرض تهتز من تحتها، وكسب أوراق على الطاولة.

 يهدف ميثاق التحالف إلى تأسيس "مجلس رئاسي" برئاسة حميدتي، وتقسيم البلاد إلى 8 مناطق إدارية، في خطوة تستبطن مشروعًا فدراليًا لا يقف على سيقان، قد يفتح الباب أمام التشرذم.

التأسيس النظري لحكومة بديلة يعكس نية واضحة لخلق دولة موازية لا تعترف بشرعية السلطة في بورتسودان، بل تسعى لإزاحتها من المشهد.

هذا المشروع التآمري، وإن بدا مزخرفًا، فإنه في سياق حرب أهلية يدفع نحو مزيد من التفتيت الجغرافي والسياسي، ويخلق سوابق خطيرة قد تؤدي إلى انفصال فعلي لمناطق واسعة تحت مسمى الإدارة الذاتية، خاصة في الأطراف الملتهبة مثل دارفور، وجنوب كردفان.

شرعية مفقودة وسيادة مهددة

بالكاد جفّ حبر إعلان القيادة العليا حتى بدأت شقوق التحالف في الانكشاف، وكأن البنيان السياسي أُسس على رمال الانتهازية لا على صخر الشرعية.

هذه الأطماع السلطوية والانشقاقات تؤشر على هشاشة البنية السياسية للتحالف الذي وُلد من رحم أزمة لا من قاعدة جماهيرية صلبة. إن غياب الإجماع الحقيقي بين مكوّناته، واعتمادها على مصالح مؤقتة تتقاطع حول دعم مليشيا الدعم السريع، يجعلان بقاءه مرهونًا بمدى قدرة حميدتي على الحفاظ على نفوذه العسكري والمالي، لا على قوة طرحه السياسي أو جاذبيته الشعبية.

الجيش السوداني لم يُبدِ قلقًا مفرطًا، بل وصف الخطوة بأنها مجرد محاولة من مليشيا الدعم السريع للضغط التفاوضي بعد خسائرها الأخيرة، معتبرًا "تأسيس" تكتيكًا أكثر منه مشروعًا طويل الأمد.

هذا الموقف ينسجم مع تقييم أغلب الدوائر السياسية التي ترى في التحالف مشروعًا مؤقتًا، لا يحظى باعتراف دولي ولا دعم شعبي حقيقي خارج معسكرات التمرد. إن رد فعل الجيش ينمّ عن ثقة في عدم قدرة "تأسيس" على اختراق جدار الشرعية الدولية والمؤسسية القائمة.

إقليميًا، تباينت المواقف لكن الإجماع كان على عدم دعم التحالف الجديد. لم تُبدِ مصر أو إريتريا ترحيبًا، واعتبرتاه خطوة تُضعف محاولات التوسط بين الطرفين، وتدفع السودان نحو الانقسام، وهو ما يهدد استقرار حدودهما.

السعودية كانت أكثر وضوحًا، إذ أعلنت رفضها أيَّ حكومة خارج إطار المؤسسات الرسمية، وواصلت دعم مبادرة منبر جدة للحل السياسي، مؤكدة على أهمية وحدة السودان واستقراره للمنطقة.

أما الاتحاد الأوروبي، فرأى في تحالف "تأسيس" تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان، وألمح إلى توسيع العقوبات ضد الجهات الداعمة للانقسام، وذلك انسجامًا مع سياسته العامة في دعم الدول المستقرة ومؤسساتها.

الموقف الأميركي من "تأسيس" كان حادًا: وزارة الخارجية وصفته بأنه "إنذار بتقسيم فعلي للبلاد"، بينما ضغط الكونغرس لوقف أي دعم عسكري خارجي لمليشيا الدعم السريع. كما أدرجت واشنطن قيادات من المليشيا في قوائم العقوبات، في رسالة واضحة أن "الشرعية لا تُنتزع بالتمرد".

الاتحاد الأوروبي تبنّى موقفًا مشابهًا، داعيًا إلى وقف فوري لأي خطوات أحادية نحو تشكيل حكومات موازية. هذا الموقف الغربي يعكس قلقًا عميقًا من تحول السودان إلى دولة فاشلة أو مقسمة، مما قد يزعزع استقرار منطقة الساحل والبحر الأحمر.

إعلان

أما الصين فقد تبنّت نهجًا أقل حدة وأكثر حذرًا. أعربت عن "قلقها" من احتمالات تفكك السودان، لكنها استمرت في دعم مشاريع البنية التحتية. موقف بكين يُمليه أساسًا مصالحها الاقتصادية والاستثمارية الكبيرة في السودان، وتجنبها التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول.

أما روسيا فكان موقفها الأكثر براغماتية: دعم رسمي للحكومة السودانية، مقابل تقارير غربية عن تزويد مليشيا الدعم السريع بأسلحة عبر شبكات غير رسمية، في تكرار لنهج "توازن النفوذ" الذي تتبناه موسكو في سوريا وليبيا.

الاتفاق الأخير حول القاعدة البحرية في بورتسودان عزّز من علاقة روسيا بالجيش، لكنه لا يُلغي تعاملها غير المباشر مع فصائل أخرى لحماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، مما يجعل موقفها أقرب إلى اللعب على جميع الأطراف.

الشرعية الدستورية وصمت القوى المدنية

من منظور القانون الدستوري، يمثل تحالف "تأسيس" حالة عصيّة على التطبيع السياسي. فالإعلان عن "مجلس رئاسي" وبرلمان من خارج إطار الشرعية القائمة يُعد مخالفة صريحة لأي مرجعية دستورية سابقة أو لاحقة. لا توجد أي وثيقة قانونية سودانية- منذ الاستقلال- تمنح كيانًا مسلحًا حقّ تشكيل حكومة في غياب تفويض شعبي، أو اعتراف دستوري.

بل إن التمرد نفسه، في الأعراف الدولية، لا يمنح قائده الحق في التشريع أو التقسيم أو إعلان الكيانات. وبذلك، فإن "تأسيس" ليس فقط كيانًا خارج القانون، بل يتحدى جوهر الدولة ذاتها، ويحاول كتابة نصوصه بمداد البنادق لا بأقلام الشرعية.

إنه يفتح الباب لسوابق خطيرة: أن يُصبح كل من حمل السلاح مؤهلًا لحكم ما تحت قبضته، ولو عبر مسرحية دستورية مفبركة، مما يقوض أي أسس لبناء دولة حديثة قائمة على القانون والمؤسسات.

أما القوى المدنية السودانية، فقد وقفت أمام إعلان "تأسيس" في حالة من التردد والانقسام. بعض التيارات مع وقوفها مع التمرد- كتحالف الحرية والتغيير- لكنها لم تجد بدًا من رفض فكرة الحكومة الموازية، واعتبرت الخطوة تهديدًا لمسار الدولة المدنية، ومقدمة لتقسيم البلاد على أسس عسكرية.

الحزب الشيوعي كان أكثر حدة، فوصف التحالف بأنه "تحالف انتهازي بين القتلة والانفصاليين"، داعيًا لمواجهته سياسيًا وميدانيًا. بالمقابل، فضّلت بعض الشخصيات المستقلة الصمت، أو أبدت مواقف رمادية تلوّح بـ"ضرورة الحلول السياسية من أي جهة".

هذا التباين يكشف عمق الأزمة في الجسم المدني المعارض، حيث لم يعد واضحًا ما إذا كانت وحدة التراب السوداني أولوية، أم إن خصومة بعضهم مع الجيش جعلت من التمرد أهون الشرّين.

وهنا يبرز سؤال لا يقل خطورة: هل يُمكن لمعارضة مدنية أن تستعيد المبادرة وهي تراقب المشهد من خلف النوافذ؟ إن صمت أو انقسام القوى المدنية يضعف موقعها التفاوضي، ويقلل من قدرتها على تقديم بديل سياسي موحد ومقبول للشعب السوداني.

"تأسيس": قيمة مضافة أم واجهة؟

يبقى السؤال الجوهري: هل يشكّل "تأسيس" قيمة مضافة حقيقية لتمرد مليشيا الدعم السريع، أم مجرد واجهة سياسية محكومٍ عليها بالانهيار؟

من منظور الواقعية السياسية، لم يكن "تأسيس" سوى منصة إسعاف تفاوضي لقوة تخسر الميدان، وتبحث عن مكاسب على الورق حين تتآكل على الأرض. لكنه في الوقت ذاته كشف عن حدود التحالفات الهشة، وعن استحالة فرض نموذج "الحكم الموازي" في ظل الرفض الشعبي، وغياب الشرعية والاعتراف الدولي.

الرؤية العلمانية والفدرالية التي يطرحها الحلف قد تروق للغرب نظريًا، لكنها تفقد كل جدواها حين ترتبط بفصيل متهم بارتكاب فظائع ضد المدنيين، مما يضعف أي محاولة لكسب الدعم الأخلاقي أو السياسي المستدام.

تشير أغلب التحليلات إلى أن التحالف لن يصمد بوصفه "حكومة ظل"، بل سيُستثمر في مرحلة ما كأداة تفاوضية، قبل أن يُحل أو يُعاد تشكيله ضمن صفقة شاملة.

إعلان

هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا يرى أن التحالف هو ورقة ضغط في يد مليشيا الدعم السريع، تُرفع على طاولة المفاوضات للحصول على مكاسب أكبر، أو لضمان حصة في أي ترتيبات مستقبلية.

في أسوئِها، فقد يتحول إلى مقدمة لانفصال سياسي- إداري جديد، خصوصًا في دارفور، ليُعمق بذلك جراح الانقسام ويضيف فصلًا جديدًا من عدم الاستقرار والصراع.

إن تحالف "تأسيس" أشبه بمحاولة صبغ الجدران المتهالكة بألوان الدستور واللامركزية، بينما الأساسات قائمة على فوهات البنادق. ليس مشروع دولة بقدر ما هو مرآة لهشاشة التمرد حين يضيق عليه الخناق.

إنه محاولة لتدوير الأزمة لا لحلها، لتلميع الخراب لا لبناء بديل. إنه محاولة لتقنين السيطرة عبر واجهات سياسية ودستورية هشّة، تفتقر للقبول المحلي والدولي.

وبينما تُصرّ مليشيا الدعم السريع على المضي في بناء حكومتها البديلة، فإن المجتمع الدولي يتعامل معها كـ"جهة متمرّدة" لا كشريك شرعي. وعليه، فإن القيمة الحقيقية لهذا التحالف لا تُقاس بما أُعلن، بل بما قد يُنجزه سياسيًا على طاولة التفاوض.. أو ما قد يُفشل تحقيقه على الأرض.

في ضوء هذه التحديات الجسيمة والرفض الدولي، يمكن أن نسأل: ما هي البدائل المتاحة لمليشيا الدعم السريع لضمان أي شكل من أشكال التمثيل السياسي المستقبلي؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • 10 تهم في مواجهته.. الإعدام شنقا لمتعاون مع الدعم السريع في الأبيض
  • بوصلة السودان الوطنية… ما بين الدعم الخليجي و الوقفة المصرية الصلبة
  • عاجل.. ضربة نوعية للجيش السوداني تربك تحركات الدعم السريع في الجنينة
  • والي الجزيرة: مليشيا أسرة دقلو إستهدفت طمس الهوية السودانية
  • محمد السيد الشاذلي: القضية الفلسطينية ستظل هي قضيتنا الأولى
  • المؤرخ محمود السيد… سوريا مهد العقاب وموطن شعار العزة في العالم
  • العيسوي يلتقي وفدان من نادي الشبيبة المسيحي وأبناء قبيلة الحويطات/العمران
  • مناورة الدعم السريع الجديدة للتحايل على الهزيمة
  • “الخارجية السودانية” تكشف محاولات دولة الإمارات لعرقلة صدور إدانات دولية ضد الدعم السريع
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!