الأمم المتحدة وأفغانستان.. محطات في علاقة متأرجحة
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
على مدى عقود، لم تكن العلاقة بين الأمم المتحدة وأفغانستان هامشية أبدا؛ بل تراوحت بين ترؤس أفغاني للجمعية العامة والقطيعة شبه التامة، مرورا باتهامات وخلافات ومطالبات.
ولعل من المفارقات أن أفغانستان من أوائل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة حيث انضمت إليها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1946، كما أن مندوبها لدى المنظمة الدولية السفير عبد الرحمن بجواك تولى رئاسة الجمعية العامة في دورتها لعامي 1966 و1967.
وقد أدانت الأمم المتحدة الغزو السوفياتي لأفغانستان في ديسمبر/كانون الأول عام 1979، واستمر نشاط المنظمة الأممية في أفغانستان من خلال بعثتها في العاصمة كابل، كما قدّمت الخدمات الإغاثية للمهاجرين الأفغان في باكستان.
وعلى الصعيد السياسي، توسطت الأمم المتحدة عبر ممثلها الخاص دييجو كوردويز في توقيع اتفاقية جنيف في أبريل/نيسان 1988، والتي وفّرت غطاء لانسحاب القوات السوفياتية في 15 فبراير/شباط 1989.
سنوات الصراع الداخليوقبيل سقوط حكومة حزب الشعب الديمقراطي الموالي للاتحاد السوفياتي في 28 أبريل/نيسان 1992، بذل المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى أفغانستان بينون سيفان جهودا لضمان انتقال السلطة إلى حكومة مؤقتة، إلا أن سرعة انهيار حكومة الرئيس نجيب الله ودخول فصائل المجاهدين الأفغان إلى كابل، أديا إلى إفشال تلك الجهود.
ولاحقا ظهرت حركة طالبان في عام 1994، قبل أن تسيطر على الحكم في سبتمبر/أيلول عام 1996، إلا أن الأمم المتحدة لم تعترف بحكومة طالبان، كما لم تسلّم مقعد أفغانستان لها، رغم أنها واصلت نشاطها في البلاد من خلال بعثتها في كابل والمؤسسات التابعة لها خاصة في مجالات الإغاثة وتوفير الخدمات الصحية.
اجتياح أميركي
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011، قرر الرئيس الأميركي -آنذاك- جورج بوش الابن غزو أفغانستان، وقصفت القوات الأميركية والبريطانية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول مواقع طالبان في كابل وقندهار وغيرهما، إلى أن تم إسقاط حكومة طالبان في 17 ديسمبر/كانون الأول 2001.
ويرى مراقبون أن الأمم المتحدة وفرت غطاء سياسيا لاجتياح أفغانستان من قبل قوات التحالف وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث تم توقيع اتفاقية بون في الخامس من ديسمبر/كانون الثاني 2001 بحضور مبعوث الأمم المتحدة الخاص لأفغانستان الأخضر الإبراهيمي.
وتم تشكيل الإدارة المؤقتة برئاسة حامد كرزاي، كما نصت الاتفاقية أيضا على تشكيل قوة دولية من الناتو باسم قوات الدعم الأمني "آيساف"، والتي تولت -مع القوات الأميركية- محاربة حركة طالبان بذريعة مكافحة الإرهاب.
ولاحقا تم توسيع بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان تحت اسم "بعثة الأمم المتحدة لدعم أفغانستان" (يوناما) التي أصبحت مظلة للأنشطة السياسية للأمم المتحدة في أفغانستان، كما أن أغلب ما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها تريد تنفيذه في أفغانستان كان يتم تمريره من خلال "يوناما"، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة في مواجهة حركة طالبان مباشرة.
وهنا يقول قيادي في حركة طالبان تحفظ على ذكر اسمه: إن الأمم المتحدة كانت داعمة للحرب الأميركية على أفغانستان خلال سنواتها الـ20.
ويتهم القيادي -في حديثه للجزيرة نت- الأمم المتحدة بـ"توفير الشرعية الدولية لارتكاب مظالم في حق شعبنا بمبرر زائف سموه مكافحة الإرهاب".
عودة طالبان إلى الحكم
وبعد عودة حركة طالبان إلى الحكم في 15 أغسطس/آب 2021، ورغم عدم حصول حكومة تصريف الأعمال -التي تسميها الأمم المتحدة في وثائقها "سلطة الأمر الواقع"- على الاعتراف الدولي، إلا أن عمل الأمم المتحدة مستمر في أفغانستان من خلال "يوناما" وغيرها من الهيئات والمؤسسات الأممية.
وتتعامل الأمم المتحدة مع حكومة طالبان بدون الاعتراف بها، ومن ثم فلا تمنحها مقعدا في الاجتماعات السنوية للمنظمة منذ عام 2021، إذ لم تقبل المنظمة الدولية حتى الآن المرشح من قبل حكومة تصريف الأعمال محمد سهيل شاهين مندوبا لأفغانستان.
والمفارقة أن الذي يمثل أفغانستان حاليا كقائم بالأعمال في الأمم المتحدة هو عضو بالبعثة التابعة للنظام السابق الذي لا وجود له على أرض الواقع.
مطالبات واتهامات متبادلة
ولا شك أن هذا الموقف من طرف الأمم المتحدة من أسباب التوتر بينها وبين حكومة تصريف الأعمال في كابل؛ ففي حين ترى الحكومة أن هذا الترشيح حق لها، تشترط الأمم المتحدة حصول حكومة تصريف الأعمال على الاعتراف الرسمي كحكومة شرعية لأفغانستان حتى تشغل هذا المقعد الدولي.
وأمام الإصرار والطلب المتكرر من قبل طالبان للاعتراف بحكومتها وقبولها عضوا في الأمم المتحدة، تطالب الأمم المتحدة طالبان برعاية حقوق الإنسان ورفع القيود عن تعليم المرأة وعملها، كما تطالب بتشكيل حكومة موسعة تشترك فيها عناصر من خارج طالبان.
كما يبدي مسؤولون أمميون مخاوفهم من وجود مجموعات في أفغانستان يصفونها بـ"الإرهابية".
وفي المقابل، تكرر حكومة طالبان موقفها من مطالب الأمم المتحدة بأن "إمارة أفغانستان الإسلامية تراعي حقوق الإنسان، ولا تنتهكها، وأن المرأة الأفغانية تتمتع بكامل حقوقها وفق الشريعة الإسلامية".
وتؤكد طالبان أيضا أن حكومة تصريف الأعمال التي شكلتها الحركة "موسعة وتشمل كافة مكونات الشعب"، مشددة على أنه يجب على الدول والمنظمات الدولية أن تكف عن التدخل في شؤون أفغانستان الداخلية، وألا تملي عليها نوعية نظام الحكم وأساليبه.
ويتهم المتحدث الرسمي باسم حكومة تصريف الأعمال ذبيح الله مجاهد بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان بإثارة مخاوف لدى النساء الأفغانيات وتتهمها بنشر الشائعات.
كما ترفض حكومة تصريف الأعمال أي شروط خارجية حول نوعية نظام الحكم، ويقول مجاهد "استوفينا كافة شروط الاعتراف الدولي، ولن نقبل بالنموذج الذي تقترحه الدول الأخرى لنوعية نظام الحكم في أفغانستان".
ويكرر المسؤولون في حكومة طالبان في مناسبات مختلفة أن أفغانستان اليوم لا تشكل خطرا على أمن أي دولة أخرى، وأن أبرز المجموعات المسلحة -وهي تنظيم الدولة- قد منيت بهزيمة كبيرة في أفغانستان، مشيرين إلى أن الحديث عن وجود مجموعات إرهابية في أفغانستان "مجرد دعاية مغرضة، القصد منها الدعاية لتلك المجموعات وتضخيمها".
وضمن مساعي الأمم المتحدة المعلنة للحوار مع ما تصفها بـ"سلطة الأمر الواقع في أفغانستان" من أجل دمجها في المجتمع الدولي، عقدت المنظمة الدولية اجتماعات عديدة لمناقشة الأوضاع في أفغانستان، آخرها الاجتماع الذي دعا إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش في الدوحة في 18 و19 فبراير/شباط الجاري، وقد حضره ممثلو 26 دولة، ودُعيت إليه حكومة تصريف الأعمال إلا أنها رفضت المشاركة، مشترطة أن تكون هي الجهة الأفغانية الوحيدة.
وجاء في بيان وزارة الخارجية الأفغانية: "أوضحنا للأمم المتحدة أن مشاركة الإمارة الإسلامية بصفتها طرفا مسؤولا وحيدا نيابة عن الشعب الأفغاني، يمكن أن تساعد في إتاحة فرصة لإجراء مناقشات واضحة حول القضايا كافة، وعلى مستوى رفيع بين الوفد الأفغاني والأمم المتحدة".
ويشير بيان الخارجية الأفغانية إلى اشتراطها عدم مشاركة وفد من المجتمع المدني ومندوبات عن النساء الأفغانيات في اجتماع الدوحة، الأمر الذي اعتبرته الأمم المتحدة -على لسان أمينها العام- منع حق تحدث الأمم المتحدة مع ممثلين آخرين للمجتمع الأفغاني، معتبرا أن طلبات حكومة طالبان "تشبه إلى حد كبير الاعتراف".
طالبان ترفض ممثلا أمميا
وتسعى الأمم المتحدة لتعيين مبعوث خاص لأفغانستان بناء على توصية المنسق الخاص للمنظمة فريدون سينيرلي أوغلو الذي اقترح -في تقييمه المستقل للحالة الأفغانية- "تعيين مندوب خاص لأفغانستان تتمثل مهمته في التركيز على الدبلوماسية فيما بين أفغانستان وأصحاب المصلحة الدوليين، وكذلك على تعزيز الحوار بين الأفغان".
وقد أخذ مجلس الأمن بهذه التوصية في قراره رقم "2721"، ودعا في ديسمبر/كانون الأول الماضي الأمين العام للأمم المتحدة لتعيين مبعوث جديد.
في المقابل، ترفض الحكومة في كابل تعيين ممثل جديد للأمم المتحدة في ظل وجود بعثة للمنظمة بالبلاد. وقد أكد وزير الخارجية بالإنابة في حكومة تصريف الأعمال المولوي أمير خان متقي هذا الموقف في لقاء مع القائم بأعمال السفارة البريطانية في أفغانستان روبرت ديكسون.
ويرى مراقبون أن سبب رفض طالبان تعيينَ مبعوث أممي آخر يرجع إلى أنه يفتح الباب على تعامل المنظمة الدولية مع جهات أفغانية أخرى، الأمر الذي يُضعف موقف طالبان التي تعتبر نفسها الجهة الوحيدة التي يجب التعامل معها في أفغانستان.
ويرى مراقبون آخرون أن طالبان لا تريد تعيين مبعوث أممي جديد لأن ذلك قد يؤدي إلى تدويل القضية الأفغانية وامتداد أيادٍ خارجية للتدخل في الشأن الأفغاني.
يقول الناشط السياسي الأفغاني محمد عظيم آبرومند إنه لا يمكن تصور المبعوث الخاص للأمم المتحدة على أنه شخص واحد، "بل هو عبارة عن جهاز كامل داخل أفغانستان".
ويضيف أن مستشاري طالبان يعرفون جيدا أن قبول ممثل أممي قد يقلص سلطة الحركة السياسية على المستوى الوطني، لأن الممثل الخاص للأمم المتحدة سيجري اتصالات ولقاءات مع الشخصيات والجهات في الداخل والخارج، وهذا سيؤدي إلى توسيع نفوذه، الأمر الذي لا تريده طالبان.
مستقبل العلاقات بين الأمم المتحدة وطالبان
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة لمناقشة الوضع في أفغانستان قريبا بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، تناقش نتائج اجتماع الدوحة.
من جهتها، تؤكد الممثلة الأممية الخاصة لأفغانستان روزا أوتونباييفا أن الأمم المتحدة ستواصل الحوار مع طالبان لتشجيعها على تلبية المطالب الدولية لأجل عودة أفغانستان إلى مكانتها الطبيعة داخل المجتمع الدولي.
وتقول إنه يجب على المجتمع الدولي الاستفادة بشكل أكبر من استعداد "سلطات الأمر الواقع" للانخراط في الحوار.
وتشير الممثلة الأممية إلى أن الحوار لا يضفي الشرعية، بل يمكن استخدامه للتعبير عن الاعتراض والتشجيع على التغيير.
ويرى مراقبون أن العلاقة بين الأمم المتحدة وحكومة طالبان ستبقى تتراوح بين شد وجذب بدون أن تصل إلى حد القطيعة بين الطرفين أو الاعتراف بالحركة، على الأقل في المدى المنظور.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حکومة تصریف الأعمال الأمم المتحدة فی المنظمة الدولیة للأمم المتحدة أفغانستان من دیسمبر کانون فی أفغانستان حکومة طالبان حرکة طالبان الأمر الذی طالبان فی من خلال فی کابل إلا أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما هو “مشروع إستير” الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
#سواليف
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على #الإبادة_الجماعية التي تنفذها #إسرائيل في قطاع #غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة “هيريتيج فاونديشن” (Heritage Foundation) ومقرها #واشنطن، ورقة سياسية بعنوان ” #مشروع_إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية”.
هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف “مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.
أما “الإستراتيجية الوطنية” التي يقترحها “مشروع إستير” المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.
مقالات ذات صلة انفجار الأزمة بين الجيش وحكومة نتنياهو 2025/05/20أوّل “خلاصة رئيسية” وردت في التقرير تنصّ على أن “الحركة المؤيدة لفلسطين في #أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)”.
ولا يهم أن هذه “الشبكة العالمية لدعم حماس” لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ”المنظمات الداعمة لحماس” (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك “المنظّمات” المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل “صوت اليهود من أجل السلام” (Jewish Voice for Peace).
أما “الخلاصة الرئيسية” الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة “تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية”- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.
عبارة “الرأسمالية والديمقراطية”، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.
وبحسب منطق “مشروع إستير” القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى “اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا”.
نُشر تقرير مؤسسة “هيريتيج” في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها “معادية لإسرائيل بشكل واضح”، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ”مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض”.
وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات “مشروع إستير”. من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل “شبكة دعم حماس”، وبترويج “خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة”، يدّعي مؤلفو “مشروع إستير” أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها “أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد”.
ليس هذا كل شيء: “فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية”، وفقاً لما ورد في التقرير.
وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر “المحتوى المعادي للسامية” على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة “هيريتيج” ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.
ومع كل هذه الضجة التي أثارها “مشروع إستير” حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ “أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره”.
وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة “هيريتيج” “كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية”، وأن “مشروع إستير” يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.
وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن “عددًا من الجهات” في الولايات المتحدة “يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة”.
وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى “مشروع إستير” وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.