إن بي سي: الاجتياح الإسرائيلي لرفح ليس وشيكا
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
نقلت شبكة "إن بي سي" الأميركية عن مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية قوله إن إسرائيل لم تحرك قوات برية أو معدات باتجاه مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، مما يشير إلى أن التوغل البري الذي يعتزم الجيش الإسرائيلي شنه على المدينة ليس وشيكا.
كما نقلت "إن بي سي" عن مسؤولين في الإدارة الأميركية اعتقادهم أن إسرائيل ستؤجل غزوها البري لرفح عدة أسابيع على الأقل، ويعود ذلك جزئيا إلى أن كثيرا من موارد إسرائيل تتركز في أماكن أخرى في غزة.
وأوضح المسؤولون أن الولايات المتحدة لم تتلق حتى يوم الخميس الماضي خطط الجيش الإسرائيلي للعملية العسكرية في رفح أو إستراتيجيته لإجلاء نحو 1.5 مليون مدني هناك.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر في فبراير/شباط الماضي بتعبئة جنود الاحتياط استعدادا لشن عملية برية عسكرية في رفح، التي أصبحت الملاذ الأخير لآلاف النازحين الذين هجّرهم العدوان الإسرائيلي من مناطق عديدة بالقطاع.
وأثار الإعلان عن الاستعدادات لاجتياح رفح، وما رافق ذلك من قصف على المدينة، إدانة دولية واسعة، وطالبت دول ومنظمات عديدة تل أبيب بوقف عملياتها العسكرية الوشيكة على المدينة، كما دعا الرئيس الأميركي إسرائيل لإعداد خطة لـ"حماية المدنيين" قبل انطلاق العملية العسكرية.
لكن إسرائيل واصلت إصرارها على اجتياح المدينة، وقال نتنياهو في العاشر من فبراير/شباط الماضي إنه أصدر توجيهات للجيش الإسرائيلي بالتخطيط لإجلاء مئات الآلاف من سكان المدينة قبل الاجتياح البري المرتقب للمدينة.
وأشار نتنياهو -في مقابلة أجرتها معه قناة "إيه بي سي نيوز"- إلى أن جيش الاحتلال سيضمن "ممرا آمنا" للمدنيين قبل الهجوم المرتقب، وقال إن هناك مناطق في شمال رفح "تم تطهيرها ويمكن استخدامها مناطق آمنة للمدنيين"، وفق تعبيره.
وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالسيطرة على رفح التي وصفها بـ"المعقل الأخير لكتائب حماس"، في إشارة إلى كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وردّ على الانتقادات والتحذيرات القلقة بشأن مصير مئات الآلاف من النازحين المدنيين إذا شنّ الاحتلال هجوما بريا على رفح، قائلا "أولئك الذين يقولون إنّنا يجب ألّا ندخل رفح مطلقا، يقولون لنا في الواقع إننا يجب أن نخسر الحرب، ونترك حماس هناك".
وحذّرت حركة حماس من وقوع "مجزرة" في رفح التي تؤوي أكثر من مليون نازح فلسطيني وقالت -في بيان- "نحذّر من كارثة ومجزرة عالمية قد تُخلِّف عشرات آلاف الشهداء والجرحى إذا تم اجتياح محافظة رفح".
وقالت حماس إنها تحمّل الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن سلامة سكان المدينة.
كما حذّر مسؤول السياسة الخارجيّة بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من الهجوم الإسرائيلي المرتقب على رفح، وقال إنّه سيخلف "كارثة إنسانيّة لا توصف".
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن جيش الاحتلال عدوانا مدمرا على غزة أدى لاستشهاد أكثر من 30 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وعشرات آلاف المصابين، كما أدى لتدمير مدن القطاع وتهجير وتجويع سكانه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
إشارات خاطفة رأيتها للتو في إسرائيل
قضيت للتو أسبوعا في إسرائيل، وفي حين أنه قد لا يبدو أن أمورا كثيرا تغيرت ـ فالحرب الطاحنة في غزة لا تزال مستمرة ـ شعرت بشيء جديد هناك للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر سنة 2023. لا يزال من المبكر أن أصفه بالحركة متسعة القاعدة لمناهضة الحرب، فهذا أمر لا يمكن أن يحدث قبل رجوع جميع الرهائن. لكنني رأيت إشارات خاطفة إلى أن المزيد من الإسرائيليين من اليسار إلى الوسط بل وفي بعض أجزاء اليمين ينتهون إلى أن استمرار هذه الحرب وبال على إسرائيل أخلاقيا أو دبلوماسيا أو استراتيجيا.
فمن الوسط كتب رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت مقالة في صحيفة هاآرتس لم يدخر فيها جهدا لمهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، فذهب إلى أن «حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا غرض، وبلا أهداف أو خطة واضحة وبلا فرص في النجاح. فما نفعله في غزة الآن هو حرب إبادة تقوم على قتل إجرامي عشوائي قاس ولا حدود له لمدنيين». وخلاصة مقاله أنه «نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب».
ومن اليمين، لديكم أمثال أميت هاليفي، عضو حزب الليكود الحاكم التابع لنتنياهو نفسه، وهو مناصر عتيد للحرب ويرى أن تنفيذها كان أخرق. قامت حكومة نتنياهو بتعليق عضوية هاليفي في لجنة شؤون الخارجية والدفاع في الكينيست بعد تصويته ضد مقترح بتوسيع قدرة الحكومة على إصدار أوامر استدعاء طارئة لجنود الاحتياط الإسرائيليين. وفي حوار مع صحيفة يديعوت أحرونوت بعد إقالته، قال هاليفي إن «هذه الحرب خدعة. لقد كذبوا علينا فيما يتعلق بإنجازاتها. [وإسرائيل] تخوض حربا منذ عشرين شهرا بخطط فاشلة...ولا تحقق نجاحا في تدمير حماس».
ومن اليسار يائير جولان، وهو زعيم تحالف ليبرالي إسرائيلي يطلق عليه (الديمقراطيون)، وقد قال في حوار مع الإذاعة الإسرائيلية إن «إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة، مثلما كانت جنوب أفريقيا، لو لم نرجع إلى التصرف بما يليق ببلد عاقل. والبلد العاقل لا يقاتل مدنيين، ولا يمارس هواية قتل الأطفال الرضع، ولا يضع لنفسه هدفا يتمثل في طرد شعب».
وبعد أن أثار تعليقه عن «الهواية» استنكارا، أوضح جولان ـ وهو نفسه من أبطال حرب غزة ـ أنه لم يكن يوجه اللوم للجيش، وإنما للسياسيين الذين يوسعون الحرب لأسباب لم تعد لها علاقة باحتياجات أمن إسرائيل الوطني.
وبرغم أن جولان كان ينبغي أن يستعمل كلمة مختلفة، لكيلا يمنح اليمينيين الإسرائيليين أداة يسيرة لتشويهه، فالحقيقة أنه لم يحصل صحفي أجنبي مستقل تقريبا على إذن بالتغطية من غزة مباشرة. وحينما تنتهي هذه الحرب وتتشبع غزة بالصحفيين والمصورين الدوليين يجوبونها في حرية، فسوف تتم تغطية وتصوير المستوى الكامل للموت والتدمير، وسوف تكون فترة عصيبة للغاية على إسرائيل ويهود العالم.
وإذن فقد أصاب جولان في تنبيهه لأمته بوضوح لتتوقف حالا، وتتوصل إلى إيقاف لإطلاق النار، وإرجاع الرهائن، وإدخال قوة دولية وعربية إلى غزة والتعامل مع فلول حماس في وقت لاحق. فحينما تكون بالفعل في حفرة، عليك أن تتوقف عن الحفر.
المؤسف أن نتنياهو مصرٌّ على الحفر، زاعما أن بوسعه أن يقصف حماس إلى أن تسلِّم بقية الرهائن الإسرائيليين الأحياء البالغ عدهم قرابة العشرين، وذلك لأن أعضاء ائتلافه القوميين المتدينين أخبروه بأنه في حال إيقافه الحرب فإنهم سوف يطيحون به. ولذلك يسعى الجيش الإسرائيلي إلى المزيد والمزيد من الأهداف الثانوية، والنتيجة هي مصرع مدنيين من غزة كل يوم.
أوضح عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هاآرتس سبب ذلك وهو أن «كثيرا من القصف يكون في الواقع محاولات لاغتيال قادة حماس بينما هم مع أسرهم. وهؤلاء المسؤولون ما عادوا يعيشون في بيوت خاصة أو بنايات سكنية، وإنما هم في العادة داخل مخيمات مزدحمة بآلاف المدنيين. وحتى عند إعلان الجيش عن خطوات احترازية عديدة، تسفر هذه الهجمات عن قتل جماعي».
وليس ارتفاع خسائر المدنيين في غزة هو السبب الوحيد أو حتى السبب الغالب لتحول المزيد من الإسرائيليين على الحرب. فالسبب ببساطة هو أن الحرب أنهكت المجتمع كله، ويشير هاريل إلى أن علامات هذا الإنهاك حاضرة في كل شيء من «تزايد عدد المنتحرين (التي لا يعلنها الجيش) إلى الأسر التي تتفكك والأعمال التي تنهار. وتتجاهل الحكومة هذه التطورات وتنثر وعود النصر».
ولا يقتصر الأمر على أصوات السياسيين الناضجين الذين يقولون إن الحرب طالت على إسرائيل. فهناك أيضا أفعال يقوم بها أبرياء في الرابعة من العمر. فخلال رحلتي، سمعت قصة من المذيعة الإسرائيلية الشهيرة لوسي أهريش، وهي أول مذيعة أخبار عربية مسلمة في قناة كبيرة ناطقة بالعبرية. كنت وهي قد وصلنا إلى حوار أجريناه معا في تل أبيب بأعين شبه مغمضة وقد استيقظ كلانا في قرابة الثالثة صباحا على دوي صافرات الإنذار بالغارات إذ تدعونا إلى الاستتار من هجمة صاروخية حوثية. وفي صافرة الإنذار هذه أمر لافت ومثير للقلق، لكنك يجب أن تكون راشدا كي تدركه.
لماذا أقول هذا؟ لأن إسرائيل تحيي في كل عام ذكرى جنودها ومدنييها الذين قضوا نحبهم في حروبها بإنذار لمدة دقيقتين. فحيثما يكون الإسرائيليون ويسمعون ذلك الصفير يتوقفون، ويركنون سياراتهم على جوانب الطرق، ويصمتون منصتين إلى هذا الصفير المستمر المغاير للصفير المستعمل في التحذير من الغارات. حكت لي أهريش أنه في ذكرى العام الحالي انطلقت الصافرة الوطنية في موعدها المحدد «فإذا بالذعر ينتاب ابني آدم البالغ من العمر أربع سنوات، وكان يلعب على الأرض، فيمضي ليلملم لعبه كي يذهب بها إلى الغرفة الآمنة في البيت».
«قلت له ’لا. ليس عليك أن تفعل هذا. هذا صفير مختلف. هذا صفير الوقوف احتراما للأبطال الذين حافظوا لنا على الأمان ولم يعودوا معنا».
وعندما يتعين على الأطفال ذوي الرابعة من العمر أن يتعلموا التمييز بين مختلف أصوات صافرات الإنذار، ما تقف له احتراما وما يدعوك إلى لملمة لعبك والمسارعة إلى غرفة بلا شبابيك، تكون الحرب قد طالت أكثر مما ينبغي.
لو أن كثيرا من الإسرائيليين يشعرون أن قادتهم أوقعوهم في شرك، فكثير من أهل غزة يشعرون بالمثل. وبرغم أن استطلاع الرأي في غزة أمر صعب، لكن حركة مناهضة الحرب تنشط هناك أيضا، برغم أن حماس قد تقتل من يتظاهرون. وقد تبين لاستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني المستقل للبحوث السياسية والمسحية، ومقره رام الله، على سكان قطاع غزة أن 48% يؤيدون المظاهرات المناهضة لحماس التي اندلعت في عدة أماكن في الأسابيع الأخيرة.
فلكم أن تتيقنوا من أنه لن يكون قادة إسرائيل وحدهم من يواجهون الحساب عندما تصمت البنادق أخيرا في غزة. فسوف يعيش قادة حماس مكللين بالعار. لقد هاجموا مجتمعات حدودية إسرائيلية في السابع من أكتوبر سنة 2023، ولما ردت إسرائيل كما كان متوقعا، قدم المدنيون من أهل غزة قربانا بشريا ليحظوا بتعاطف العالم مع قضيتهم، في حين اختبأ القادة من حماس في الأنفاق وبالخارج. ولا تزال حماس تعمل، لكن غزة الآن باتت غير قابلة لاحتواء الحياة. ومع ذلك، لا تزال قيادة حماس تقول في عناد إنها لن تسلم من بقي لديها من الرهائن الأحياء ما لم توافق إسرائيل على الرحيل من غزة والرجوع إلى وقف مفتوح لإطلاق النار.
فعلا؟ يجب أن ترحل إسرائيل عن جميع غزة وتقبل بوقف إطلاق النار؟ يا لها من فكرة عظيمة. لو حققت حماس ذلك «النصر»، سيكون معنى هذا أن حماس خاضت كل هذه الحرب ـ ففقدت عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين ولم يسلم حولها غير مبان قليلة في غزة - من أجل الرجوع بالضبط إلى ما كان لدى حماس في السادس من أكتوبر سنة 2023، فقد كان هناك وقف لإطلاق النار، وإسرائيل كانت خارج غزة.
لهذا وحده، سوف يتذكر التاريخ قادة حماس باعتبارهم «حمقى». حسبوا أنهم يطلقون حرب نهاية العالم على إسرائيل فأطلقوها على شعبهم ومنحوا نتنياهو رخصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا فأضعف ذلك قبضة إيران على كلا البلدين وكذلك على العراق وساعد في إخراج روسيا من سوريا، فكانت هزيمة نكراء لـ«شبكة المقاومة» ذات القيادة الإيرانية.
ولكن المشكلة تكمن هنا. فنتيجة لعمليات نتنياهو العسكرية، باتت للبنان وسوريا والعراق والسلطة الفلسطينية في رام الله ـ ناهيكم بالمملكة لعربية السعودية ـ حرية كبيرة الآن في الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بدرجة لم تحظَ بها من قبل حينما كانت الشبكات الإقليمية التابعة لإيران شديدة القوة.
نعم، نتنياهو فعل ذلك. لكنه أيضا لا يضيع فرصة لتضييع فرصة للسلام. نتنياهو اليوم يرفض بعناد حصاد ما بذره بنفسه. ولن يفعل الشيء الوحيد القادر على إطلاق سياسات المنطقة بأسرها، وهو أن يفتح طريقا، مهما كان طويلا، إلى حل الدولتين مع إصلاح السلطة الفلسطينية.
فلا عجب أن يعزف دونالد ترامب عن تضييع الوقت مع نتنياهو، خاصة وأنه لا يستطيع تحقيق أي مكاسب مالية من ورائه، وأيضا لأن نتنياهو لن يسمح له بأن يدخل معه التاريخ.
وكلما قلت للإسرائيليين إن نتنياهو يرتكب خطأ تاريخيا ـ هو التخلي عن السلام مع المملكة العربية السعودية لصالح اليمينيين المتطرفين الذي يبقونه في السلطة ـ سألوني بدورهم «وهل تظن أن ترامب قادر على إنقاذنا؟». وهذا السؤال هو العلامة القصوى على أن بلدكم الديمقراطي في مأزق.
كان عليّ أن أوضح أن ترامب يذهب إلى البلاد التي لديها ما تعطيه ـ من نقود أو وطائرات، أو عملات ترامب الميمية أو عملات ميلانيا الرسمية الميمية أو صفقات أسلحة أو صفقات فنادق أو مراكز بيانات ذكاء اصطناعي ـ ولا يذهب إلى البلاد التي تطلب منه شأن إسرائيل.
وإنصافا لترامب، قد لا يكون ترامب على علم بمدى تغير إسرائيل داخليا. بل إن كثيرا من اليهود الأمريكيين لا يفهمون مدى ضخامة وقوة المجتمع الأرثوذكسي المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى رؤيتهم لغزة باعتبارها حربا دينية.
«وبيبي بيدق في أيدي هؤلاء، فهو ليس اللاعب الحقيقي» حسبما أوضح أفروم بورج، الرئيس السابق للكنيست، مشيرا إلى اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل. «قل لهم إن إسرائيل يمكن أن تقيم سلاما مع المملكة العربية السعودية، فترى أنهم يهزون أكتافهم قائلين إنهم في انتظار المسيح. قل لهم إن بإمكانهم إقامة سلام مع سوريا، وسيقولون لك أن الشعب اليهودي يمتلك سوريا أصلا، فهي جزء من إسرائيل الكبرى. كلِّمهم عن القانون الدولي، وسوف يكلمونك عن القانون التوراتي. كلِّمهم عن حماس، يكلموك عن العماليق (أعداء بني إسرائيل التوراتيين)».
خلص بورج ـ أستاذ العلاقات بين الدين والدولة ـ إلى أن الانقسام الحقيقي اليوم في إسرائيل ليس بين المحافظين والتقدميين وإنما «بين قبيلة يهودية وقبيلة ديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي التي تحقق النصر الآن. ولو كانت الصهيونية في الأصل انتصارا للقومية العلمانية على اليهودية الدينية، فما يجري اليوم هو انبعاث لليهودية القومية الدينية على حساب الديمقراطية».
وهكذا، بعد أسبوع، رجعت إلى الوطن، لأكتشف أن مثل المسرح الإسرائيلي قائم في أمريكا وإن على نطاق أكبر. أمر غريب أن نرى كيف أن ترامب ونتنياهو يستعملان كتاب قواعد واحدا لتخريب بلدين ديمقراطيين. وسؤالي الوحيد: أي من الرجلين سيسبق الآخر في أن تشعل دوافعه الاستبدادية أزمة دستورية؟
كلاهما متهم بمحاولة تخريب القضاء والدولة العميقة في بلده، أي جميع المؤسسات التي تقوم عليها سيادة القانون. والهدف في حالة ترامب هو تحقيق الثراء له شخصيا ونقل الثروة في البلد من الأقل امتيازا إلى الأكثر امتيازا. والهدف في حالة نتنياهو هو الهرب من اتهامات الفساد العديدة الموجهة له، ونقل السلطة والثروة من الوسط الإسرائيلي المعتدل الديمقراطي إلى المستوطنين وغلاة المتدينين. وهذه المجموعة هي التي سوف تبقي ائتلاف نتنياهو في السلطة طالما أنه يعفي غلاة المتدينين من القتال في غزة ويسمح للمستوطنين بمواصلة مسيرتهم لضم الضفة الغربية اليوم وغزة غدا.
عند انتخاب نتنياهو في نوفمبر 2022 وبدئه تشكيل ائتلافه اليهودي العنصري، كتبت مقالا في الصباح التالي بعنوان «إسرائيل التي عرفناها انتهت». آمل أن أكون قد تسرعت فيما قلت، لكن أملي أكبر في ألا أضطر إلى كتابة المقال نفسه في حق أمريكا عما قريب.
سيكون لدى عام 2026 الكثير ليقوله عما لو أن بالإمكان احتواء طائفتي ترامب ونتنياهو. ففي هذا العام سوف يتعين على نتنياهو إجراء انتخابات وسوف يواجه ترامب انتخابات التجديد النصفي. والملتزمون بالديمقراطية واللياقة في البلدين لديهم مهمة واحدة فيما بين الآن وذلك الموعد: هي التنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم، من أجل الفوز بالسلطة.
وكل ما عدا ذلك غير مهم. وكل شيء معلق على هذا.