إعداد: أمين زرواطي تابِع إعلان اقرأ المزيد

تداولت عدة جهات سواء عربية أو أجنبية وكذا منظمات وهيئات إعلامية فلسطينية عديدة مؤخرا، أنباء عن سعي إسرائيل إلى إبرام صفقات مع شركات كبرى للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة، فيما تواصل حربها على حركة حماس في القطاع الفلسطيني المحاصر.

وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة في بيان إن "وزارة الطاقة الإسرائيلية منحت تراخيص لستة منشآت إسرائيلية وشركات عالمية للتنقيب الاستكشافي عن الغاز الطبيعي في المناطق التي تعتبر بموجب القانون الدولي مناطق بحرية فلسطينية".

ولفت بيان هذه المنظمة غير الحكومية، التي تتمتع بصفة استشارية خاصة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، إن من بين تلك الشركات: إيني الإيطالية (Eni S.p.A)، دانا بتروليوم البريطانية (Petroleum Dana)، وراسيو بتروليوم الإسرائيلية (RatioPetroleum)، مشيرة أيضا إلى أن منح تلك التراخيص تم بموجب "جولة المناقصات البحرية الرابعة (OBR4)، التي أطلقتها وزارة الطاقة والبنى التحتية الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2022".

"استغلال موارد الغاز في الحدود البحرية لفلسطين"

من جانبه، أعلن مركز عدالة لحقوق الإنسان ومقره حيفا في بيان، أنه  راسل في الخامس من فبراير/شباط وزير الطاقة الإسرائيلي والمستشارة القضائية للحكومة، للمطالبة بـ"إلغاء تراخيص التنقيب عن الغاز الممنوحة في المنطقة جيم"، و"إلغاء المناقصات الجارية في المناطق التي تقع ضمن الحدود البحرية لفلسطين"، وكذا "الوقف الفوري لأي نشاط ينطوي على استغلال موارد الغاز في الحدود البحرية لفلسطين".

اقرأ أيضاوكالة الطاقة الدولية: تداعيات الحرب بين حماس وإسرائيل على الإمدادات النفطية "محدودة حاليا"

وأشارت هذه الجمعية المسجلة في إسرائيل، إلى أن المناطق المعنية بهذه الشكوى (جيم G) "لا تنتمي إلى دولة إسرائيل"، وأن الأخيرة لا تمتلك أي حقوق سيادية عليها بما فيها الحقوق الاقتصادية الحصرية. مضيفة في بيانها بأن "التنقيب عن الغاز واستغلاله في المناطق البحرية الفلسطينية ينتهك بشكل صارخ الحق الأساسي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والذي يشمل إدارة موارده الطبيعية".

إخطارات من مكتب محاماة وضغوط على الحكومة الإيطالية

كذلك، لفتت الهيئتان (مركز الميزان وجمعية عدالة) إلى أن مكتب المحاماة الأمريكي فولي هوغ Foley Hoag LLP ومقره بوسطن، والذي يمثل في هذه القضية الخلافية كل من مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قد أرسل بتاريخ 6 فبراير/ شباط 2024 "إخطارات إلى شركات Eni S.p.A، وDana Petroleum Limited، وRatio Petroleum، يطالبهم فيها بالكف عن القيام بأية أنشطة في المنطقة جيم (G) التي تقع ضمن المناطق البحرية دولة فلسطين، والتأكيد على أن مثل هذه الأنشطة من شأنها أن تشكل انتهاكا سافرا للقانون الدولي". ونشر مركز الميزان وثيقة الإخطار الموجهة للشركات المعنية يمكن الاطلاع على نسخة إلكترونية منها.

ولم تكن هذه الشكوى الوحيدة التي تلاحق هذه الشركات، ففي إيطاليا، أشارت الصحافة المحلية إلى ضغوطات تمارس على الحكومة وعلى شركة إيني تحديدا، لحثها على عدم إبرام أي صفقات تخص الغاز في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك حقل "غزة مارين".

فقد أفادت "إل مانيفستو Il manifesto" بأن زعيم حزب الخضر "أوروبا الخضراء (يسار)" أنجيلو بونيلي قد طلب في رسالة برلمانية إحاطة عاجلة من حكومة جورجيا ميلوني وشركة إيني، لتقديم توضيحات عن إمكانية "توقيع عقود تخص موارد الشعب الفلسطيني". وأضافت الصحيفة الإيطالية أن بونيلي انتقد قيام روما بـ"ممارسات رهيبة غير مقبولة في استغلال الموارد الطبيعية وإمدادات الطاقة دون مراعاة القانون الدولي".

لتسليط الضوء على موضوع حقل غاز "غزة مارين" والثروات الطبيعية الكامنة في الأراضي الفلسطينية، والنزاع مع الجانب الإسرائيلي حولها، حاورنا الباحث الاقتصادي الأردني عامر الشوبكي المتخصص في شؤون النفط والطاقة.

فرانس24: ما هو حقل الغاز "غزة مارين" وما تاريخه؟

عامر الشوبكي: يعتبر حقل "غزة مارين" من أقدم الحقول المكتشفة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. فقد اكتشفته شركة بريتيش بتروليوم عام 1999. هو أيضا من أقرب الحقول إلى الشاطئ حيث يبعد قرابة الثلاثين كيلومترا فقط عن شاطئ غزة، وهو بذلك يقع ضمن المياه التجارية الفلسطينية. وهو على عمق 600 متر فقط تحت سطح المياه ويحتوي على قيمة تقديرية 1.5 ترليون قدم مكعب من الغاز. كان الاتفاق الذي نتج عن عملية السلام في إطار اتفاقية أوسلو (13 سبتمبر/أيلول 1993) بين الفلسطينيين وإسرائيل، يقضي بأن تكون ثروات المياه التجارية الفلسطينية من حق السلطة الفلسطينية. وكان من المفترض أن يدر هذا الحقل ما بين 700 إلى 800 مليون دولار سنويا على السلطة الفلسطينية، عدا عن الثروات الأخرى في المياه التجارية الفلسطينية (حسب المركز الفلسطيني للإعلام: حقل ماري بي، حقل نوا، حقل المنطقة الوسطى)، والتي من المعتقد أن بها مكامن غاز أخرى قد تصل قيمتها إلى ثلاثة مليار دولار سنويا.

اقرأ أيضاإسرائيل تبدأ الضخ التجريبي في حقل كاريش للغاز المتنازع عليه مع لبنان

لكن، لطالما عرقلت إسرائيل أي استثمار في حقل "غزة مارين" بدءا من اكتشافه من قبل بريتيش بتروليوم، وفي عام 2006 حيث كان هناك حديث في هذا الشأن، لكن إسرائيل طالبت بالتحكم بإيرادات هذا الحقل وأن يتم توصيل الغاز إلى أراضيها بدلا عن غزة، عبر خط أنابيب تمتد من الحقل بحرا إلى الأراضي الإسرائيلية لتقوم هي ببيع الغاز وتوزيع إيراداته حسب ما تراه مناسبا، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية.

امتدت العرقلة الإسرائيلية حتى 2023 حين تم عقد عدة اجتماعات برعاية أمريكية بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي ومصر، تمت في شرم الشيخ ومدينة العقبة الأردنية ونتج عنها اتفاق يقضي بأن تقوم شركات مصرية بالتعاون مع صندوق السيادة الفلسطيني بالاستثمار لإنتاج الغاز في هذا الحقل. كان من المفترض أن يبدأ الحفر في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، على أن يبدأ إنتاج الغاز في ظرف عام. نلحظ أن كلفة استخراج الغاز أقل من باقي الحقول الأخرى التي تقع على بعد قد يصل إلى 100 أو 150 كيلومتر وبعمق أكثر من 3000 متر، مثل حقل ليفياثان أكبر حقول شرق المتوسط التابع لإسرائيل، عكس حقل غزة الواقع قرب الشاطئ وغير بعيد من سطح المياه.

هل هناك مفاوضات إسرائيلية مع شركات غربية للتنقيب عن الغاز في حقل غزة؟

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أجلت إسرائيل موافقتها فيما يخص حقل الغاز "غزة مارين". وبدلا من ذلك منحت قرابة 12 ترخيصا لسبع شركات أجنبية منها إيني الإيطالية وبريتيش بتروليوم البريطانية للاستكشاف في مناطق مختلفة من المياه التجارية الإسرائيلية لكن من ضمنها أيضا 74 بالمئة من المياه التجارية لقطاع غزة. كما تنص تلك الاتفاقية على تمديد التراخيص لتلك الشركات مع بدء الحفر.

هل تمت دعوة الفلسطينيين أو مصر للمشاركة في هذه المفاوضات؟

لا، لم تتم دعوة الفلسطينيين أو مصر للمشاركة في المفاوضات الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول، والتي تختلف أصلا عن اتفاق إسرائيل مع السلطة الفلسطينية ومصر في عام 2023. فالدعوة الأخيرة للاستكشافات ومنح التراخيص هي منفصلة وتخص الحكومة الإسرائيلية والشركات المذكورة فقط.

ما مصير حقل "غزة مارين" في ظل استمرار الحرب؟

من المعلوم جيدا بأن إسرائيل تسعى إلى السيطرة الأمنية على قطاع غزة جغرافيا. كما أن وزير خارجيتها عرض على الاتحاد الأوروبي قبل شهر خارطة توضح ميناء لبيع الغاز المسال على ساحل غزة، وكان هناك استهجان في حينها من الاتحاد الأوروبي بسبب أن هذا الوقت غير مناسب لعرض مثل هذه المشاريع في ظل استمرار الحرب.

أعتقد أن إسرائيل الآن من أهدافها الاستراتيجية في السيطرة على جغرافية غزة هي أيضا السيطرة على ثروات المياه التجارية لغزة أو موقعها الجغرافي ومنها أيضا الغاز أو لتمرير مشاريع أخرى مثل قناة بن غوريون والممر الاقتصادي الذي أعلنته الولايات المتحدة قبل أشهر.

ما هي الثروات الأخرى التي تزخر بها الأراضي الفلسطينية؟

إلى جانب كميات الغاز الهائلة، تزخر المياه التجارية لقطاع غزة بثروات طبيعية مثل النفط. وإضافة إلى حقل مارين، هناك أيضا حقول أخرى مثل ماري بي ونوا. لذلك، يعتقد أن هناك نفط مصاحب لهذه المكامن من الغاز عدا عن المكثفات الأخرى. تمتاز غزة بموقع جغرافي استراتيجي يسهل تنفيذ مشاريع هامة لإسرائيل مثل الممر الاقتصادي الذي سيكون حلقة وصل ما بين الهند، التي ينظر لها كصين جديدة، والقارة الأوروبية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وهو أيضا هام لتمرير الطاقة من الجزيرة العربية سواء الغاز أو النفط، وسيحوي هذا المشروع خطوط سكك حديد وطرقا للشحن وأنابيب النفط والغاز عدا عن كوابل الألياف الضوئية للاتصالات. لقد كانت إسرائيل تخشى من صعوبة تنفيذه إذا ما كان يمر قرب جغرافية غزة مع بقاء تهديد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مثل هذا الممر الاستراتيجي.

اقرأ أيضاإسرائيل - فلسطين: ما هي مصادر تمويل حركة "حماس"؟

أما بالنسبة إلى قناة بن غوريون فهي عبارة عن مشروع إسرائيلي أمريكي سيكون بديلا عن قناة السويس المصرية لوصل البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط. كان هذا المشروع يواجه صعوبات في عملية تنفيذه ومساره الجغرافي في ظل بقاء غزة خارج السيطرة الإسرائيلية. لكن في حال سيطرت إسرائيل على القطاع سيتم توفير 100 كيلومتر من الطول المخطط لهذه القناة، التي ستكون عند اكتمالها باتجاهين ذهابا-إيابا وستؤمن قرابة 6 مليار دولار سنويا لإسرائيل، وتعطيها أهمية إقليمية وعالمية واستراتيجية، ناهيك عن عائدات الغاز بحوالي 3 مليارات دولار سنويا والممر الاقتصادي الذي يعتقد أنه سيوفر المليارات للدول المستفيدة ومنها إسرائيل والتي ستغدو بذلك منفذا استراتيجيا باتجاه أوروبا.

* للذكر، فقد كانت الدولة العبرية قد وافقت "مبدئيا" في 18 يونيو/حزيران 2023 على تطوير حقل الغاز الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا قبالة غزة، ضمن تنسيق أمني مع السلطة ومصر. وأشارت تقديرات في حينه إلى أنه يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يفوق بكثير مايلزم الأراضي الفلسطينية من الطاقة ما يتيح تصدير قسم منه.

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: حقوق المرأة الحرب بين حماس وإسرائيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية ريبورتاج على حركة حماس غزة غاز الحرب بين حماس وإسرائيل طاقة للمزيد الغاز الطبيعي بترول بريتش بتروليوم فلسطين إسرائيل الولايات المتحدة إسرائيل البحر الأحمر الجيش الأمريكي الحوثيون الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا الأراضی الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة المیاه التجاریة لحقوق الإنسان مرکز المیزان دولار سنویا غزة مارین حقل الغاز الغاز فی عن الغاز إلى أن

إقرأ أيضاً:

الغاز.. كلمة السر لفهم ذعر إسرائيل من نفوذ تركيا بسوريا

لا تختزل المواجهة بين تركيا وإسرائيل في الساحة السورية على البعد الأمني التقليدي، لكنها تتعداه إلى ملفات أخرى، في مقدمتها الاقتصاد وما ينطوي تحته من طموح لهما في تحقيق نفوذ وإنجازات كبرى تدخل تحت مفهوم الأمن القومي الأوسع لكل منهما.

ويعد ملف الغاز الطبيعي واحدا من أهم نقاط التدافع ومحرّكا غير معلن لديناميات التنافس بين القوتين في سوريا، فقد فتحت التحولات في الإقليم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 آفاقا في هذا الملف، وأوجدت في الوقت ذاته عوائق قد تغيّر خارطة الاستحواذ على ثروة غاز شرق المتوسط والهيمنة على خطوط الإمداد في الإقليم.

من هذا المنطلق، يضفي ملف الغاز الطبيعي في منطقة شرقي المتوسط على المشهد السوري منظورا جيوسياسيا، لا سيما مع وجود مخزون احتياطي كبير مثبت وآخر مقدر في سوريا، بالإضافة إلى احتمال تحولها إلى نقطة تقاطع لخطوط الإمداد بالشركة مع تركيا.

تسعى إسرائيل للتحول لتكون نقطة ارتكاز لتصدير ونقل الطاقة من المنطقة إلى أوروبا (غيتي إيميجز) الغاز الإسرائيلي والتنافس الجيوسياسي

بعد اكتشاف حقول تمار ولفيتان وكاريش، وضع قادة إسرائيل نصب أعينهم هدف تحويلها إلى نقطة ارتكاز حيوية لتصدير ونقل الطاقة من المنطقة إلى أوروبا، فإضافة إلى العوائد المالية الهائلة، سيجعل ذلك منها لاعبا إقليميا ودوليا نافذا.

ورغم عدم مضاهاة هذه الحقول إنتاج كبار موردي الغاز في الخليج، فإن الحكومة الإسرائيلية تروج لإمكان أن يصل إنتاج حقلي تمار وليفايثان وحدهما إلى نحو 40 مليار مترٍ مكعّب سنويّا، وهو ما عززه وزير الطاقة الإسرائيلي الأسبق يوفال شتاينيتز بقوله إن "تطوير احتياطيات الغاز يعد ذا أهمية اقتصادية وإستراتيجية بالغة لإسرائيل".

ويشير تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إلى أن أهمية الغاز الإسرائيلي تكمن في ترسيخ تحالفات جديدة، فضلا عن فتح قنوات دبلوماسية مع أطراف إقليمية ودولية.

إعلان

في هذا السياق، يُحذر باحثون إسرائيليون، مثل إيلان زلايت ويويل غوزانسكي، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، من أن النفوذ التركي المتنامي في سوريا، إذا ما ترجم عبر تنفيذ خطوط أنابيب مستقبلية للغاز الخليجي، قد يضعف وزن إسرائيل كمصدر طاقة إلى أوروبا، لأن الأخيرة تفضل تنويع مصادرها بدل الاعتماد على مزود واحد.

وأشار الخبيران إلى أن السماح لتركيا بتأسيس بنية تحتية واسعة للغاز في سوريا سيمكنها من منافسة مشاريع إسرائيل مع قبرص واليونان، الأمر الذي قد يفقد إسرائيل فرصا إستراتيجية في شرق المتوسط.

سوريا في حسابات تركيا الغازية

في المقابل يحرك تركيا طموح نابع من إدراك صناع قرارها لقيمة موقع تركيا في خريطة الطاقة بأن تتحول إلى ممر أساسي ومركز إقليمي يغذي الأسواق الأوروبية.

ويشكل استقرار السلطة في سوريا -وفق الرؤية التركية- عاملا يمكّن أنقرة من إعاقة مشاريع الطاقة بين إسرائيل ودول في المنطقة، إذ يصبح بمقدورها تقديم بدائل أو مسارات بعيدة عن الخطط الإسرائيلية.

وبعد أن كانت إسرائيل تنظر إلى الساحة السورية من زاوية التهديد الإيراني الأمني مع غياب احتماليات التهديد المستقبلي للطموح الاقتصادي المتعلق بتوريد الغاز الطبيعي، باتت تراقب بقلق خطوط الأنابيب التي قد تمر في الغد القريب أو البعيد عبر الأراضي السورية لنقل الغاز الخليجي إلى أوروبا عبر تركيا، مما يمنح أنقرة ورقة قوة لا يستهان بها قد تمنع إسرائيل من بسط نفوذ أكبر في شرق المتوسط.

كما باتت إسرائيل تخشى من انخراط تركيا من البوابة السورية كلاعب حاسم في ترسيم الحدود مع لبنان، مما يحد من الطموح الإسرائيلي في الهيمنة على مساحات بحرية متنازع عليها تعظم حصتها من حقول الغاز المستكشف والقابل للاكتشاف.

ورغم أن دور تركيا في ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لم يبرز رسميا، فإنها تسعى إلى حضور إقليمي يربط بين نفوذها في سوريا وبين أي ترتيبات بحرية لاحقة قد تُعيد رسم خريطة استغلال حقول الغاز بما فيه الغاز اللبناني.

إعلان

كما أن أي نفوذ لأنقرة في سوريا سينعكس على المعادلات السياسية في لبنان، نظرا لمعادلة التأثير السوري تاريخيا في هيكلية السياسة والقوى اللبنانية.

إعادة تموضع

منذ تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يفترض الأتراك أنه جاء ضمن مساع لإقصائها أو حتى كمحاولة لتأسيس تحالف يبنى على العداء لتركيا -كما صرح وزير الخارجية السابق مولود تشاووش أوغلو- سعت تركيا جاهدة إلى إعادة تموضعها ضمن معادلة إقليمية تمثّل فيها طرفا قويا عصيا على الإقصاء أو التهميش.

فقامت نتيجة لذلك بإرسال سفن للتنقيب شرقي المتوسط محمية بأخرى حربية، إضافة إلى توقيع اتفاقيات لترسيم حدود المناطق البحرية الاقتصادية الخالصة، كالاتفاق مع حكومة الوفاق الليبية سابقا.

بالإضافة إلى ما سبق، ستسعى أنقرة إلى عقد اتفاقيات تنقيب واستثمار في الغاز البحري السوري المحتمل الذي قد يتراوح قرب 400 مليار متر مكعب من مجمل الحوض الذي يحتوي على احتياطات تقدر بـ 122 ترليون متر مكعب، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، مما سيعيد، بموازاة ملفات أخرى قيد التشكل، رسم المشهد الإقليمي برمته وتكون معالمه متناقضة مع منطق الإقصاء والهيمنة الذي تطمح إسرائيل إلى بلوغه.

مصفاة بانياس السورية على ساحل البحر المتوسط (الجزيرة) إعادة إحياء خط الغاز القطري التركي

ولعل خط الغاز القطري الذي اقترحته الدوحة عام 2009 -الذي عرقله النظام السوري السابق آنذاك- يعد من أبرز الدلائل على محورية الأراضي السورية في أي مشروع إقليمي للطاقة.

فبحسب تقرير لصحيفة الغارديان، فلو اكتمل هذا الخط، لسلك مسارا عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا نحو أوروبا، مما يمنح تركيا ميزة إستراتيجية لوجستية واقتصادية ضخمة.

وقد سعت قطر آنذاك إلى إتمام اتفاقات مبدئية مع دمشق تضمن مرور الأنبوب، بيد أن ميل النظام السوري لمشروع إيراني مواز قدر بـ10 مليارات دولار ويصب في مصالح روسيا أفشل هذا المشروع.

إعلان

ومن المرجح أن تسعى كل من أنقرة والدوحة إلى إعادة إحياء هذا الخط، وقد أشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، إلى "إمكانية إحياء المقترح القطري بعد سقوط نظام الأسد في حال بلغت سوريا درجة من الاستقرار والأمن".

جدير بالذكر أن أنبوب الغاز القطري عبر السعودية والأردن إلى تركيا سيكلف، بحسب مختصين، ما يقارب 10 مليارات دولار، وسيبلغ طوله نحو 1500 كيلومترا، وسيشكل بديلا موازيا لإمدادات الغاز الروسية لأوروبا.

ولعل ما يثير قلق إسرائيل في هذا السياق لا يقتصر على المنافسة الاقتصادية وحدها -وإن كانت تحاول فرض نفسها كمصدّر للغاز الطبيعي لأوروبا- بل يمتد إلى حسابات جيوسياسية تمس نفوذها الإقليمي.

فإذا ما كتب لهذا المشروع أن يرى النور، فسوف تحظى كل من قطر وتركيا بثقل إستراتيجي، بما قد ينعكس سلبا على الأهمية الإقليمية التي تطمح إسرائيل إلى ترسيخها عبر تحالفات ومشاريع غازية مشتركة مع حلفائها.

استقرار مشوب بالتوتر أم مواجهة حتمية؟

تتشابك الاعتبارات الاقتصادية مع الأمنية مع النزوع نحو البحث عن زيادة النفوذ الإقليمي لتؤكد أن المواجهة الإسرائيلية التركية في سوريا لا يمكن اختزالها ببعد أمني تهديدي على الحدود الشمالية لدولة الاحتلال، كما يطغى في فضاءات النقاش السياسي.

لكن ما السلوك المرتقب لكلتا الدولتين في ظل الحاجة إلى الهدوء والاستقرار كشرطٍ مسبق لنجاح مشاريع الطاقة؟ وهل ستجد إسرائيل نفسها أمام خيارات صعبة تخضع فيها لحقيقة وجود خط مناقض ومواز لسياساتها في الهيمنة على الإقليم؟

ليس من السهولة بمكان أن تبلغ القوتان مقاربة غازية تكون نتيجتها الانسجام، حيث تشير الوقائع إلى أن أي تفاهم بين إسرائيل وتركيا سيكون ملغّما بالتناقضات.

لذلك، من المرجح أن يتحول الغاز إلى سلاح ابتزاز متبادل يستعمله كل طرفٍ ضد الآخر، فلا ترغب إسرائيل في الارتهان لإرادة تركيا إذا ما بدأ الغاز يتدفق عبر أراضيها نحو الأسواق الأوروبية، ولا تريد تركيا أن تفقد فرصة سنحت بسقوط نظام الأسد لتحقيق رؤيتها بالتحول إلى معبر لخطوط الطاقة لا يمكن تجاوزه.

إعلان

لكن إذا استمر الجانبان في التصعيد، فستؤول الأزمة إلى التفاقم، وستدفع إسرائيل إلى السعي لإنتاج فرص من شأنها تهديد الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى السعي لإقامة مزيد من التحالفات الإقليمية والتقارب أكثر مع دول منتدى شرق المتوسط كقبرص واليونان ومصر، والسعي الحثيث لإقناع الأوروبيين بمحورية مكانة إسرائيل الغازية والتخويف من الارتهان لتركيا.

في الوقت ذاته، وعلى النقيض، ستبحث تركيا عن تعزيز نفوذها الميداني في سوريا بما يضمن لها فرض أمر واقع ومعادلة يستحيل القفز عنها في أي مشروع دولي للغاز، ومن المرجح أنها ستعيد إحياء مشروع خط الغاز القطري، بالتوازي مع مساعيها الحالية لتوفير شروط الاستقرار والوحدة السياسية في سوريا، ودعم ترسيخ النظام الجديد، وستقطع الطريق بحزم أمام محاولات تقسيم سوريا وستضع ذلك وفقا لمنطق أمنها القومي.

مقالات مشابهة

  • مبادرة "بحبح" تُحرك المياه الراكدة في مفاوضات غزة وسط تفاؤل حذر
  • الغاز.. كلمة السر لفهم ذعر إسرائيل من نفوذ تركيا بسوريا
  • لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
  • إعلام عبري .. بدلا من إنقاذ 20 أسيرا عاد نتنياهو للحرب وفقدت “إسرائيل” 20 جنديا
  • هآرتس: بدلا من إنقاذ 20 أسيرا عاد نتنياهو للحرب وفقدت إسرائيل 20 جنديا
  • صحف عالمية: جوع غزة يرافق أعنف الهجمات ومجندات إسرائيل لن تحل أزمة الجيش
  • مقتل شخص بغارة في جنوب سوريا وإسرائيل تعلن استهداف أحد عناصر حماس
  • مادلين: نحمل مساعدات لغزة وإسرائيل تهددنا بشدة رغم وجودنا في المياه الدولية
  • بين قافلة الصمود وسفينة «مادلين».. تحركات شعبية تخترق الحصار وإسرائيل تتوعّد بالرد
  • رهائن الحقول في إسرائيل: لماذا كان التايلانديون في صدارة أسرى حماس في طوفان الأقصى؟