سودانايل:
2025-12-12@14:00:43 GMT

الصيام مفتاح لمشاهدة الآيات واكتشاف كفاءة الذات

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

د. السر أحمد سليمان

ارتبطت عبادة الصيام في الإسلام بشهر رمضان؛ قال الله عزّ وجلّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[البقرة:185].


فالصيام مرتبط بشهر رمضان، وإكمال عدة هذا الشهر صوما ليس أمرا صعبا على المسلم كما هو معلوم، بل هو يسر، ومستوجب للشكر كما ورد في الآية أعلاه، ولذلك فإنّ الصيام عبادة مرتبطة بالعلم بالكونيات من جانب؛ ومن جانب آخر ارتبط شهر رمضان بتغيير عادات الإنسان من خلال عملية الصيام. وسوف نبين ذلك فيما يلي:
الصيام ومشاهدة الآيات:
يتم تحري ظهور هلال رمضان بعد آخر يوم في شعبان، كما هو معلوم في البلدان الإسلامية. وهناك نقاشات كثيرة حول هذا الموضوع، وهناك نقاشات أيضا عن الطرق والأدوات التي ينبغي أن تستخدم في تحري رؤية هلال رمضان، أو من خلال حسابات إكمال شعبان ثلاثين يوما؛ بناء على التوجيه النبوي:
"صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ". (صحيح البخاري).
وهذا الأمر يشير إلى أنّ المسلم ينبغي ألا يكون منفصلا عن الكون وآياته، بل عليه أن يتعامل معها بإقبال كبير وألا يكون معرضا عنها أبدا، لأنّ التعامل مع الآيات الكونية مرتبط بالإيمان؛ قال الله عزّ وجلّ في سورة يوسف:
{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون (106)}.
والتعامل مع الآيات الكونية ينبغي أن يتم بعلم عميق وحساب دقيق؛ وخاصة التعامل مع الشمس وضيائها؛ والتعامل مع القمر ونوره ومنازله، كما قال الله عزّ وجلّ:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون}[يونس:5].
ومع أنّ علماء المسلمين في السابق قد اهتموا بعلوم الآيات الكونية ونبغ فيهم كم كبير من الأعلام في مجالات الفلك والفضاء كأبي جعفر الطوسي وأبي ريحان البيروني وثابت بن قرة وغيرهم؛ إلا أنّنا نلاحظ فراغا كبيرا وتخلفا مريرا في العصور المتأخرة والعصر الحالي في مجالات علوم الفضاء والفلك لدى المجتمعات المسلمة.
ولهذا ينبغي ألا نفصل الصيام عن العلم بالآيات الكونية والبحث فيها، وبهذه المناسبة ينبغي أن يتم تكثيف الجهود الدعوية والتعليمية والبحثية في مجال الكونيات، وأن يتم دعم هذا المجال بكل ما يتطلبه من مقومات، وأن تنشأ له البرامج التعليمية والمراكز العلمية البحثية، وأن يتم نشر ثقافة علوم الكونيات، ويستقطب لها النابهين من الطلبة من أجل تطويرها والكشف عن دقيق آياتها للاستفادة منها، لأنّها مسخرة لمصلحة الإنسان كما قال الله عزّ وجلّ:
{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَار (32) وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار (33)} [سورة إبراهيم].
الصيام واكتشاف كفاءة الذات:
عندما يشرع المسلم في الصيام، ويتخلى عن تناول طعامه وشرابه والمفطرات الأخرى التي كان يفعلها في الأوقات المعهودة، ويستطيع أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها، ويستطيع أداء صلاة القيام والتهجد بالليل، ويستطيع أن يقرأ القرآن كله أو أجزاء منه، وتكون لديه القابلية لمساعدة الآخرين، مع استمراره في عمله ومهنته العادية يشعر وكأنّه قد اكتشف شخصية أخرى لذاته، وكأنّ هناك وقت جديد أضيف لوقته السابق!
ويتساءل من أين لي بهذه الطاقات، ومن أين لي بهذا الوقت لإنجاز كل هذا؟ فقبل أيام لم أكن أشرع في عمل إلا بعد أن أتناول إفطاري! وكنت لا أستطيع أن أقرأ وجها من المصحف لأني أشعر بأنه لا وقت لي! فمن أين لي بكل هذا؟

والإجابة تكمن في أنّنا لا نكتشف ذواتنا، ولا نعرف مدى كفاءاتنا وفعالية ذواتنا، فكأنّما الصيام هو مفتاح لاكتشاف كفاءة الذات، وكأنّما الصيام هو المحرر للإنسان من قيود الوهم والعادات التي تعوقه عن الفاعلية في الأداء والإنجاز، وهو الموقظ للإنسان للانطلاق واستثمار الإمكانات الضخمة التي لديه.
وكفاءة الذات هي مفهوم سايكلوجي يشير إلى مجموعة الأحكام التي يعتقدها الفرد عن إمكاناته، والتي بموجبها يستطيع أن يقرر مدى قدرته على إنجاز مهمة ما، ومدى مقدرته على المثابرة لتحدي الصعاب لكي ينجز مهمة من المهام.
ومع أنّ مفهم كفاءة الذات في علم النفس الحديث يشير إلى جوانب محددة من شخصية الفرد وتظهر من خلالها مستويات الكفاءة، إلا أنّ هذا المفهوم ومن خلال الصيام يتسع لإظهار جوانب أخرى لم يتطرق إليها علم النفس الحديث.
والجوانب التي تتضمنها كفاءة الذات في علم النفس تشمل ثلاثة أنواع هي:
• أولا: الكفاءة الذاتية العقلية المعرفية التي ترتبط بالأفكار التي تؤثر على الفردي في تحديد رؤيته للأشياء ووضعه للأهداف، وتقييمه لقدراته، وتطلعاته وطموحاته.
• • ثانيا: الكفاءة الذاتية العاطفية الانفعالية التي ترتبط بالمشاعر والعواطف ومدى المقدرة على الإحساس بها وتوظيفها وضبطها والتحكم فيها لإنجاز المهام بدون خوف ولا قلق ولا توتر ولا تردد ولا خجل. فيكون الفرد هادئا عندما يتطلب الأمر هدوءا ويكون متحفزا ونشطا عندما يتطلب الأمر شيئا من ذلك.
• • ثالثا: الكفاءة الذاتية السلوكية، والتي ترتبط بالأنشطة والتفاعلات الاجتماعية والإمكانات التواصلية مع الآخرين بفاعلية وإيجابية.

والملاحظ أنّ الصيام تظهر معه الكفاءة في الجانب الروحي الذي يجعل الفرد نشيطا على العبادات، وقادرا على أدائها؛ ولذلك تزدحم المساجد بالمصلين، ويقفون الساعات الطوال يسمعون القرآن وهم قيام، وينشطون في فعل الخيرات يتمثلون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ حتى ينسلِخَ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ". (صحيح البخاري).
وبناء على الكفاءة الذاتية الروحية يصبح إشباع الحاجات عند المسلم مختلفا عن التصور الذي وضعه ابراهام ماسلو في الهرم الشهير الذي يجعل إشباع الحاجات العضوية هو الأساس والقاعدة التي ينطلق منها الإنسان لإشباع الحاجات الأخرى.
فالكفاءة الذاتية الروحية تجعل إشباع الحاجات العضوية من طعام وشراب وجنس في آخر الترتيب، وتجعل إشباع الحاجات الروحية مقدمة على ذلك ولها الأولوية فيكف الفرد عن كل تلك الحاجات العضوية ويصوم عنها من أجل الطاعة والتقوى، كما ورد في الحديث القدسي: "يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: الصَّوْمُ لي وأنا أجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وأَكْلَهُ وشُرْبَهُ مِن أجْلِي، والصَّوْمُ جُنَّةٌ". (صحيح البخاري).
والكفاءة الروحية التي يكشفها الصيام ترتقي بالإنسان مراقي رفيعة، ففي العشر الأواخر من رمضان يتكثف الجهد التعبدي، إلى الاعتكاف في المساجد، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ". (صحيح البخاري).
ولذلك تنمو الكفاءة الروحية مع الصيام إلى أن يصل المسلم إلى مرتبة صوم القلوب عما سوى الله تعالى كما يقول الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين عن أسرار الصيام: "فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية. ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإنّ ذلك من زاد الآخرة، وليس من الدنيا. حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة، فإنّ ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا، فإنّه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل: {... قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون} [الأنعام : 91].

نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا على صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.
د. السر أحمد سليمان
أستاذ علم النفس بجامعة حائل
السعودية

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: صحیح البخاری قال الله عز الله عز وجل علم النفس ه عز وجل ى الله أن یتم

إقرأ أيضاً:

الاعتصام بالله .. معركة الوعي التي تحدد معسكرك، مع الله أم مع أعدائه

في عالم تتقاذفه موجات الفتن الفكرية والدينية والسياسية، يبرز مفهوم الاعتصام بالله كقضية قرآنية مركزية تُعيد الإنسان إلى أصله الإيماني، وتحدد له بمن يجب أن يتعلق، ومن يجب أن يبتعد عنه. فـالقرآن الكريم لم يطرح الاعتصام كخيار إضافي، بل كمنهج نجاة ،  ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

توجيه إلهي صريح يُلزم الإنسان أن يعرف بمن يعتصم، حتى لا يجد نفسه من حيث لا يشعر معتصماً بأهل الباطل أو خاضعاً لهيمنة أهل الكفر. فالاعتصام بالله ليس مجرد شعور، بل موقف وخطّ وانتماء.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

الاعتصام بالله يوقظ في نفس المؤمن حالة من الوجل الإيماني، خشية التقصير، وخشية الانزلاق إلى موالاة أعداء الله،  هذا الخوف البنّاء هو ما يرفع الإنسان إلى مستوى التعلق الحقيقي بالله، ويجعله يرى أن أي بديل أو ملجأ غير الله لا يعدو أن يكون سراباً، فالله سبحانه وتعالى  لم يجعل في علاقتنا به بديلاً عنه، والقرآن الكريم جعله الله سبحانه وتعالى كتاب توجيه وحركة، يعيد ارتباط الأمة بالله تعالى، وأن يمنع حصول أي انفصال بين الإنسان وبين الله، غير أن مساراً طويلاً من الانحراف في التاريخ الإسلامي أدّى إلى فصل القرآن عن الله، حتى أصبح كثير من الناس يتعاملون معه كمتنٍ روحي منفصل عن الواقع، وفي هذا يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه : (( الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً بديلاً عنه في علاقتنا به، وحتى القرآن الكريم ليس بديلاً عن الله إطلاقاً, بل هو من أكثر ما فيه، وأكثر مقاصده، وأكثر ما يدور حوله هو أن يشدك نحو الله ، الله ليس كأي رئيس دولة، أو رئيس مجلس نواب يعمل كتاب قانون فنحن نتداول هذا الكتاب ولا نبحث عمن صدر منه، ولا يهمنا أمره، ما هذا الذي يحصل بالنسبة لدساتير الدنيا؟ دستور يصدر، أنت تراه وهو ليس فيه ما يشدك نحو من صاغه، وأنت في نفس الوقت ليس في ذهنك شيء بالنسبة لمن صاغه, ربما قد مات، ربما قد نفي، ربما في أي حالة، ربما حتى لو ظلم هو لا يهمك أمره. لكن القرآن الكريم هو كل ما فيه يشدك نحو الله، فتعيش حالة العلاقة القوية بالله، الشعور بالحب لله، بالتقديس لله، بالتعظيم لله، بالالتجاء إليه في كل أمورك، في مقام الهداية تحتاج إليه هو، حتى في مجال أن تعرف كتابه.{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}، ألم يتحدث القرآن عن التنوير، والنور, والفرقان، التي يجعلها تأتي منه؟ ليس هناك شيء بديلاً عن الله إطلاقاً)) .

 

فصل القرآن والرسول صلوات الله عليه وآله عن الله .. مسألة خطيرة صنعت ضلالاً واسعاً

أهل الظلال في تقديمهم الفهم المغلوط للقرآن الكريم، ساهموا في صناعة حالة من الانفصال بين القرآن والرسول صلوات الله عليه وآله وسلم، وذلك حين جعلوا السنّة في بعض مراحلها منفصلة عن مرجعيتها الإلهية.
ومع مرور الزمن، وصلت الأمة إلى حالة أكثر خطورة، انخفضت قداسة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم في الوعي العملي،

بينما ارتفع تقديس الرواة والمحدّثين تحت مسمى علماء السنة، حتى غدا قولهم عند بعض الناس فوق النص ومرجعيته.

هذا المنحى أحدث تشويهاً في العلاقة بين المسلم ومصادر الهداية، وأن إعادة الأمور إلى نصابها تبدأ بإرجاع مركزية التوجيه إلى القرآن والرسول باعتبارهما متصلين بالله لا منفصلين عنه،

يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه : (( الذين يقولون: قد معنا كتاب الله وسنة رسوله, نفس الشيء بالنسبة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو هاديا إلى الله، أليس كذلك؟ هاديا إلى الله، فُصل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في ذهنية الأمة عن القرآن، وهو رجل قرآني بكل ما تعنيه الكلمة، فُصل عن القرآن، ثم قسموه هو فأخذوا جانباً من حياته، جانباً مما صدر عنه وسموه سنة، فأصبحت المسألة في الأخير: الله هناك، رسوله هناك! هناك بدائل نزلت: قرآن، وكتب حديث. ولاحظنا كيف أصبح الخطأ رهيباً جداً جداً في أوساطنا؛ لأننا فصلنا كتاب الله عن الله، وفصلنا رسول الله …  ))

 

طريق الأنبياء ..  طريق شاقة نحو الجنة

القرآن يؤكد أن طريق النجاة المؤدي إلى الجنة ليست سهلة ولا قصيرة، فهي طريق الأنبياء الذين حملوا الرسالة، وجاهدوا، وقدّموا النموذج العملي، والمواقف العملية ، مهما كانت هذه المواقف شاقة ، مهما كانت خطورتها ،  ولا سبيل للوصول إلى الجنة إلا أن يقيس الإنسان نفسه بميزان الأنبياء، وأن يجعل من رسول الله صلوات الله عليه وآله، معياراً لحركته وسلوكه وخياراته.

فالاعتصام بالله ليس مجرد خطاب نظري، هو منهج سلوك يبدأ من الداخل، ويترجم بالمواقف، والولاء لله تعالى ولرسوله والمؤمنين من أولياءه .

 

تحذير من واقع خطير .. كلام مع الله ومواقف مع أعداء الله

من أخطر الظواهر الدينية المعاصرة  تلك التي يظهر فيها الإنسان متديناً بلسانه أو قلمه، بينما مواقفه تميل إلى أعداء الله، هذه الازدواجية تشكل تهديداً لسلامة الإيمان، لأن القرآن يؤكد أن الموقف هو معيار الصدق، فالحديث عن الله لا يصنع إيماناً، ما لم يرافقه انتماء عملي إلى مواقف عملية تتجسد في الواقع جهاداً وتضحية، والكلمة ليست مجرد صوت، بل هي جهاد، غير أن خطورة الكلمة تتضاعف عندما تصبح خارج إطار الهداية، أو عندما تتحول إلى أداة تبعد الناس عن الله بدل أن تقرّبهم منه، أن تكون دعوة إلى الله تدفع الناس نحو الجهاد في سبيل الله بمعناه الشامل، الفكري، والعملي، والأخلاقي. فالكلمة المنفصلة عن هذا الإطار قد تُحدث ضجيجاً لا قيمة له.

 

التقوى .. البوصلة التي تمنع الانحراف وتردّ الإنسان إلى الله

التقوى في القرآن الكريم ليست مجرد حالة شعورية، بل منظومة وعي وسلوك،  وهي  قائمة على ثلاثة أسس،  المراقبة الدائمة لله، والحذر من التقصير، والخوف من العقوبة الإلهية.

فالإنسان الذي يغفل عن التقوى يعرض نفسه لغضب الله وسخطه، لأن التقوى هي جوهر الاعتصام بالله، وهي التي تحمي المؤمن من الانجرار إلى ولاءات منحرفة أو مواقف مضللة، يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه : (( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) القضية مهمة جداً يجب أن تخافوا من الله من أن يحصل من جانبكم تقصير فيها، أن يحصل من جانبكم أي إهمال، أي تقصير، أي تفريط, القضية مهمة جداً جداً، هو يقول لنا هكذا، يذكرنا بأن نتقيه فالقضية لديه مهمة، وبالغة الخطورة، وبقدر ما تكون هامة لديه، وبالغة الخطورة أي أنه سيكون عقابه شديداً جداً على من فرط وقصر فيها، فيجب أن نتقيه أبلغ درجات التقوى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أقصى ما يمكن فالقضية خطيرة جداً، وهامة جداً لديه، ولن يسمح لمن يقصر، لن يسمح لمن يفرط، لن يسمح لمن يهمل))

 

كيف سقطت الدول العربية والإسلامية في الضعف حين اعتصمت بأعدائها

تاريخ الأمة وواقعها المعاصر يقدم شواهد واضحة على أن التخلي عن الاعتصام بالله يقود بلا استثناء إلى الذلّ والضعف والتبعية.
فكثير من الدول العربية والإسلامية اختارت أن تجعل مصدر أمنها وسياساتها قائماً على الاعتماد على قوى الهيمنة المعروفة بمعاداتها للإسلام، واستبدال مرجعية القرآن بمرجعية الأجنبي، واختارت هذه الدول الاحتماء بغيرها عبر قواعد عسكرية، واتفاقيات أمنية، وتحالفات تُمنَح فيها السيادة للعدو المستعمر، والنتيجة ، فقدان الاستقلالية ،والعجز عن حماية نفسها، وهذه نتيجة طبيعية لأن الاعتصام بغير الله لا يجلب إلا الضعف.

 

ختاماً 

يقدم مفهوم الاعتصام بالله من خلال الرؤية القرآنية، مشروعاً لإعادة تشكيل الوعي الديني والوجودي للمسلم،  إنه ليس مجرد توجيه روحي، بل بوصلة حياة تحدد المعسكر الذي ينتمي إليه الإنسان، وتمنع اختلاط الولاء، وتعيد القرآن والرسول إلى مقام القيادة والتوجيه.

إن أخطر ما يواجه الأمة ليس فقدان المعرفة، بل فقدان المعيار، ومعيار النجاة  هو الاعتصام بالله وحده، والسير في طريق الأنبياء، والالتزام بالتقوى، والحذر من كل انحراف يلبس ثوب الدين بينما جذوره ممتدة نحو أعداء الله.

مقالات مشابهة

  • موعد أول يوم رمضان 2026 فلكيا وعدد ساعات الصيام
  • علي جمعة: قيام الليل مفتاح السكينة والتقوى في زمن الفتن
  • موعد أول يوم رمضان 2026 فلكيا وعدد ساعات الصيام المتوقعة
  • العلامة مفتاح: الأعداء يستعدون لجولة قادمة لإسكات صوتنا ونحن واثقون بنصر الله
  • موعد بداية شهر رمضان 2026 فلكيًا.. وعدد ساعات الصيام
  • شاهد بالفيديو.. أول من دخل عليه بعد وفاته.. صاحبة الشقة التي يسكن فيها المذيع الراحل محمد محمود حسكا تكشف تفاصيل جديدة: “وجدته كأنه نائم”
  • جولات ميدانية مكثفة لدفع العمل ورفع كفاءة البنية التحتية بالمناطق الصناعية في العاشر من رمضان
  • مشروعية زيارة الأماكن التي تحتوي على التماثيل
  • أهمية الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي
  • الاعتصام بالله .. معركة الوعي التي تحدد معسكرك، مع الله أم مع أعدائه