لجريدة عمان:
2025-06-30@16:46:38 GMT

الصارمي: شاعر الحماسة والفتوحات

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

الصارمي: شاعر الحماسة والفتوحات

بعد أن ذكرنا جملة من رواد الأدب العماني في العصور القديمة والوسيطة، نأتي إلى ذكر روّاد الأدب العماني في عصر اليعاربة والبوسعيد.

كان قيام دولة اليعاربة مدفوعًا بتأييد العلماء، والصحوة الدينية، كما كان مصحوبًا بالتوسُّع العماني والصراع العسكري مع البرتغاليين، حتى غدا الأسطول العماني واحدا من أقوى أساطيل العالم، وعليه سنجد معظم أدب هذا العصر يدور حول هذين المحورين علاقة العلماء بالسلطة لنجد الأدب مصطبغًا بالصبغة الدينية، كما نجده في مدح الأئمة الفاتحين ووصف معاركهم، بل أغلب الشعراء من المشاركين في الفتوحات أو الولاة أو الأئمة أنفسهم.

ويبدو أن العلماء والناس اشتغلوا في هذا العصر بالفتوحات، فقلّ الإنتاج العلمي والأدبي النوعي، فنجد أكثر الإنتاج العلمي تقليديًا دون ابتكار أو إبداع، كما نجد ذات الحال في الأدب، فالشعر يغلب عليه التكلّف والصنعة الزخرفية والخيال السطحي والمعاني المستهلكة والعاطفة الفاترة، وأغلب الشعراء علماء أو قادة فاتحون،كان همُّهم إما النصح الديني أو وصف المعارك، وقد حملوا معهم إرث بني نبهان، غير أنهم بالغوا في البديع، وبعدوا عن الغزل الفاضح، ونلحظ في شعرهم الحماس الديني والوطني مع بلوغ الدولة أوج قوتها، ووصف المعارك مع البرتغاليين وحماسة الجيش العماني، ومنهم الصارمي.

سكن محمد بن مسعود الصارمي بلدة إمطي من أعمال إزكي. وتقلّد في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي الأول منصب الوالي على مسقط، وقاد بعض جيوشه وهو الفاتح لبلدة "بته"، إحدى بلدان شرق إفريقيا. وقد حقق انتصارات على العدو البرتغالي في كثير من المعارك، وإضافة إلى تضلعه بالفقه والقيادة العسكرية كان لغويًا كما توضّح أرجوزته في علم الصرف. وقد نظم قصيدة حائية في مسيره إلى "بته" وانتصاره، أوردها السالمي في التحفة، والقصيدة كما صفها الدكتور محمد الحجري بأنها "فريدة في بنيتها ومضمونها، فقد نظمها على قافية حائية ساكنة، تظهر فيها جليا سهولة اللغة، ذات إيقاع يناسب حركة الوقف، وجعل مطلعها ملائما لغرضها رغم غزليته ورقته، فذكر وداع نسائه وأحبائه وهو يغادر إلى الحرب، فيما يشبه القصة منذ تحركه وحتى بلوغه أرض العدو لأداء مهمته، وكأنها تقرير حربي أراد له أن يكون شعرا"، فيقول:

كشفن عن تلك الوجوه الصباحْ

إذ زمّتِ العيس ليوم المراحْ

وجئن يختلن يعاتبنني

يبسمن عن درٍّ كلون الأقاحْ

خامرهن الشك في عزمتي

فقلن جَدٌّ منك أم ذا مزاحْ

حتى إذا ما قربت ناقتي

نحو رحيلي واحتملتُ السلاح

صافحنني بكما بلا منطق

مني ومنهن وكنا فصاح

أسبلن دمعًا هاملًا هاطلا

إذ صرت في عزم النوى باتضاح

من عبرة حلّت بنا لم تزل

ما بيننا تذري الدموع السفاح

حتى إذا ما صرت في مركبي

وحث بي حادى المطايا وصاح

أدبرن على خائبات الرجا

وقلن ودعن القلوب القراح

لا تجزعي يوم الهوى خلتي

لكل ليل مدلهم صباح

وكل حي غائب آيب

لو طول الغيبة والانتزاح

وكما أسلفنا قال الصارمي هذه القصيدة في مسيره إلى (بته) في إفريقيا وذكر فتوحها. ونلاحظ أنه ابتدأ النص في وصف وداع أحبته، فنراه يصف لحظات وداع أحبته يوم رحيله (لتحرير بته)، فقد كشفن وجوههن وعاتبنه على عزمه الرحيل، وهن لا يزلن غير موقنات أنه سيرحل، حتى إذا قرّب ناقته وحمل سلاحه، صافحنه دون كلام ودموعهن سواكب، وحين ركب ناقته عدن خائبات حزينات، ليقول لهن لكل ليل صباح ولكل غائب عودة. ثم ذكر شوقه إلى عمان، فمما يزيد ألمه بعد حزن أهله لفراقه، شوقه لوطنه، وشدة حنينه إليه، وخصوصا سيما وسمد الشأن، ويتمنى أن تحمل الريح بعضا من روائحها. فقال:

فصرت مسلوب الحشى ذا أسى

من أجل هجر كل خود رداح

يزيد ما بي واشتياقي إذا

ما بدا برق نحو سيما ولاح

أو (إن) تذكرت ديارا زهت

من سمد الشأن وتلك البطاح

أو ساق لي يومًا نسيم الصبا

من روضها نشر الخزامى وفاح

ليلج إلى تشجيع جنده وتقديم النصح لهم، فهم قد وصلوا "بته" ضحى، فقال لجنده: لا تحزنوا فالله معنا، واصبروا، واعلموا أن الموت حق وخير الموت الموت في معركة. فيقول:

أطوى الفلا واليم في فيلق

يطفئ ضوء الشمس والجو صاح

حتى أتينا بته بالضحى

ثم نزلناها بأرض براح

فقلت لأصحابي لا تحزنوا

من عنده الله فلا يستباح

اصطنعوا الصبر ولا تجبنوا

عند الوغى فالجبن لؤم صراح

ثم اعلموا لا بد للمرء من

موت وبالهندي فيه الفلاح

ثم ذكر الانتصار وهزيمة الأعداء، حين عمل الجند بوصيته، واقتحموا المدينة، واشتدت الحرب، فهزموا الإفرنج وتركوهم قتلى، وهرب الباقون.

فامتثلوا الأمر ولا قصروا

وجردوا أسيافهم والرماح

فاقتحموا السور كأسد الفلا

واشتدت الحرب وضرب الصفاح

كأنما القتلى بأرجائها

من فئة الإفرنج صرعى طراح

كأنهم أعجاز نخل بها

منقعر من عاصفات الرياح

فانهزم الإفرنج من بته

بالذل والخزي وبالافتضاح

بعدا لهم بعدا وسحقا لهم

من قوم سوء ووجوه قباح

ليمدح الإمام سلطان بن سيف، فكل ذلك بسبب عزيمة الإمام سلطان بن سيف، ملك ملوك الأرض الذين لهم الفخر بتقبيل قدميه، العادل، ويختم النص بالدعاء له ولأبنائه بطول البقاء.

بعزم سلطان بن سيف الذي

أباد أهل الكفر يوم الكفاح

مليك ملوك الأرض أن قبلوا

أقدامه فخر لهم وامتداح

هو الإمام العدل في دينه

وملكه لا يسع غير الصلاح

أدامه الله وشبليه ما

دام مدى الدهر المسا والصباح

ونلاحظ أن غرض النص الغزل والحنين والوصف والمدح، كما يلمس المتلقي ضعف العبارة وشيئا من ركاكة الأسلوب، ونرى أن الشاعر لم يستطع تصوير عاطفة الحب تصويرا صادقا لا مع أهله ولا وطنه. كما جاء تصويره للحرب فاترا ضعيفا. ولعله إنما كان يريد أن يشغل نفسه بالشعر في غربته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سلطان بن سیف

إقرأ أيضاً:

في شمس آرت سبيس.. داسم يكسر حدود الكلمة إلى عالم من الإحساس

في أمسية ثقافية وفنية غير مسبوقة، نظّمت مؤسسة لمسات بالتعاون مع Shams Art Space ندوة تفاعلية لمناقشة رواية "داسم" للكاتب عمرو طارق، في تجربة استثنائية جمعت بين الأدب والفن والتحليل النفسي والعرض الحسي، لتخلق حالة من التفاعل والانغماس الكامل في عوالم الرواية.

الندوة التي أقيمت ضمن رؤية مؤسسة لمسات لتقديم الفنون الأدبية بأسلوب جديد، شهدت حضور عدد من الأسماء البارزة في مجالات مختلفة، حيث قدمت الدكتورة حنان شاذلي، الطبيبة النفسية المعروفة، قراءة تحليلية معمّقة للشخصيات الرئيسية في الرواية، مستعرضةً دوافعها النفسية وصراعاتها الداخلية من منظور علمي وإنساني في آنٍ واحد.

كما شاركت المهندسة والفنانة التشكيلية هبة يوسف، التي عرضت عملين فنيين تجسّدا فيهما أبرز ملامح الشخصيتين المحوريتين في الرواية، في رؤية بصرية أضافت بعدًا تشكيليًا للنص الأدبي، وقد أدارت اللقاء وأشرفت على إخراجه الفني المتكامل المخرج د. تامر يوسف، الذي ساهم في تحويل الندوة إلى عرض متكامل العناصر، يجمع بين الأداء الحي والمؤثرات البصرية والصوتية.

أبرز ما ميّز هذه الندوة هو استخدام تقنيات الصوت والإضاءة والـ Voice Over، حيث تم تقديم مشاهد مختارة من الرواية بصوت احترافي تمثيلي، أضفى بعدًا دراميًا حيًا، بالتوازي مع عرض بصري وموسيقي خلق تجربة حسية كاملة، جعلت الحضور يشعرون وكأنهم داخل عالم الرواية نفسه.

وعبّر الحضور عن إعجابهم الشديد بهذا الشكل الجديد من التقديم، واعتبروا الحدث خطوة متقدمة في إعادة تعريف شكل الندوات الأدبية في مصر، عبر كسر النمط التقليدي والانفتاح على أساليب تفاعلية تجمع بين الفن والفكر والتكنولوجيا.

ويأتي هذا الحدث في إطار رؤية "لمسات فاونديشن" لتقديم الأدب والفن بطريقة تفاعلية تمزج بين الإبداع النصي والبصري والحسي، وتفتح آفاقًا جديدة للتواصل مع الجمهور. 

ولاقت الندوة تفاعلًا كبيرًا من الحاضرين الذين اعتبروها تجربة استثنائية تُشكّل نقلة نوعية في تقديم الندوات الأدبية والفنية في مصر.

طباعة شارك أمسية ثقافية مؤسسة لمسات واية داسم للكاتب عمرو طارق الأدب والفن

مقالات مشابهة

  • أنشطة متنوعة بانتظار زوّار "مهرجان جنوب الباطنة للرطب العماني"
  • الطيران العماني يتوسع عالميا بانضمامه إلى تحالف ون وورلد
  • ندوة تفاعلية لكتاب داسم.. مزج مبتكر بين الأدب والفن والتحليل النفسي
  • كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي؟
  • الحبيب السابق لـ تايلور سويفت يلمح لألبومها: أنا أفضل شاعر في جيلي
  • رسالة دكتوراه تقدم قراءة جديدة لصورة ذوي الإعاقة في الأدب
  • في شمس آرت سبيس.. داسم يكسر حدود الكلمة إلى عالم من الإحساس
  • رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال نقوش الولد الضال
  • الحويج: بحثت مع نظيري العماني تعزيز التعاون الاقتصادي   
  • ذكرى رحيل مأمون الشناوي.. شاعر العاطفة الذي أنطق العمالقة وسكن وجدان أجيال (تقرير)