أصبح المستقبل السياسي للبرتغال معلقا في الميزان بعد الانتخابات العامة التي جرت يوم الأحد، حيث يتنافس حزبان رئيسيان معتدلان في السباق عن كثب ومن المقرر أن ينتظرا أسابيع لاتخاذ قرار بشأن الفائز بعد زيادة غير مسبوقة في الدعم للشعوبيين. الطرف الذي احتل المركز الثالث، وبحسب النتائج المعلنة، فقد فاز التحالف الديمقراطي بقيادة الديمقراطيين الاشتراكيين من يمين الوسط بـ 79 مقعدًا في الجمعية الوطنية (البرلمان البرتغالي) المكونة من 230 مقعدًا، بعد فرز جميع الأصوات التي تم الإدلاء بها في البرتغال، فيما حصل الحزب الاشتراكي الذي يمثل يسار الوسط، والذي تولى السلطة خلال السنوات الثماني الماضية، على 77 مقعدا.

وستأتي الأصوات الحاسمة من الناخبين في الخارج لزعزعة المقاعد البرلمانية الأربعة الأخيرة بعد ليلة انتخابية مليئة بالتشويق، وقد يستغرق هذا العد أكثر من أسبوعين، فيما جاء حزب تشيجا (كفى) اليميني المتشدد في المركز الثالث بحصوله على 48 مقعدا، وهي نتيجة تاريخية تمثل تحديا غير مسبوق للسياسة كالمعتاد، مما يسلط الضوء على الانجراف نحو اليمين في الاتحاد الأوروبي، بينما حصلت الأحزاب الصغيرة على بقية الأصوات في الانتخابات التي شهدت ارتفاع نسبة المشاركة إلى 66%، وهو أعلى مستوى في البرتغال منذ سنوات.

 

حزبان حاكمان لعقود من الزمن .. ولكن اليمين يصعد

 

وبحسب تقرير نشرته أسوشيتد برس - وكالة أنباء أمريكية - فقد تناوب الديمقراطيون الاشتراكيون والاشتراكيون المعتدلون على السلطة لعقود من الزمن في البرتغال، وأشار ارتفاع الدعم لحزب يميني متطرف إلى تحول كبير في المشهد السياسي في البرتغال ومن المرجح أن يكون نذيراً بفترة من عدم اليقين السياسي، حيث تقع حكومة الأقلية التي لديها أقل من 116 مقعدًا في البرلمان تحت رحمة أحزاب المعارضة عندما تحاول تمرير التشريعات، ومن الممكن أن يحمل دعم حزب تشيجا المفتاح لتشكيل حكومة فاعلة بالنسبة للديمقراطيين الاشتراكيين.

وقد ضاعف الحزب اليميني، والذي يبلغ من العمر خمس سنوات فقط، أصواته ثلاث مرات منذ الانتخابات الأخيرة في عام 2022، وقد وضعت النتيجة الحزب كصانع ملوك يمكن أن يمنح الديمقراطيين الاشتراكيين أغلبية برلمانية، ومهما حدث، لم يعد من الممكن تجاهل تشيجا على الرغم من محاولات الأحزاب الرئيسية تجنبها.

 

اليمين يفرض نفسه .. هل انتهى نظام الحزبين؟

 

من جانبه قال أندريه فينتورا زعيم حزب تشيجا: "هناك شيء واحد مؤكد الليلة، وهو أن نظام الحزبين في البرتغال قد انتهى، وأصر على أن الديمقراطيين الاشتراكيين يجب أن يتحالفوا مع تشيجا في البرلمان لتشكيل الأغلبية، وأضاف: "لدينا تفويض للحكم"، ولكن زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لويس مونتينيغرو، الذي من المرجح أن يصبح رئيسا للوزراء إذا فاز تحالفه، قال إنه سيفي بوعده الانتخابي بإقصاء تشيجا ورفض التفاوض على تقاسم السلطة مع الشعوبيين، وقال إنه يتوقع تشكيل الحكومة بمفرده.

 

ولكن فينتورا، أستاذ القانون السابق ومحلل كرة القدم التلفزيوني، يقول: "إنه مستعد للتخلي عن بعض مقترحات حزبه الأكثر إثارة للجدل - مثل الإخصاء الكيميائي لبعض مرتكبي الجرائم الجنسية وإدخال أحكام بالسجن مدى الحياة - إذا كان ذلك يمكّن حزبه من إدراجه في قائمة الاتحاد الأوروبي، كتحالف حاكم محتمل مع أحزاب يمين الوسط الأخرى"، غير أن إصراره على السيادة الوطنية بدلا من التكامل الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وخطته لمنح الشرطة حق الإضراب هي قضايا أخرى يمكن أن تحبط طموحاته في الانضمام إلى ائتلاف حكومي، بحسب تقرير الوكالة الأمريكية.

 

فضائح الفساد والتضخم العاملان الأهم في التصويت

 

ويبدوا أن هناك عوامل هامة قد ساهمت ي اتجاه التصويت داخل صناديق الاقتراع، فقد أدار الحزب اليميني حملته إلى حد كبير على منصة لمكافحة الفساد، فقد أدت فضائح الفساد إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد استقالة الزعيم الاشتراكي السابق أنطونيو كوستا في نوفمبر، بعد ثماني سنوات قضاها كرئيس للوزراء وسط تحقيقات فساد شملت رئيس مكتبه، ولم يتم اتهام كوستا بأي جريمة.

ويبدو أن تلك الحادثة قد أضرت بالاشتراكيين في صناديق الاقتراع، حيث كان الإحباط العام من السياسة كالمعتاد قد تسلل بالفعل قبل الاحتجاجات حول الكسب غير المشروع، وذلك مع الأجور المنخفضة وارتفاع تكاليف المعيشة – التي تفاقمت العام الماضي بسبب ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة – إلى جانب أزمة الإسكان والإخفاقات في الرعاية الصحية العامة ساهمت في الاستياء.

 

تشيجا يثير السخط.. ولكن الظروف الاقتصادية تغذيه

 

ولكن مازال حزب اليمين المتطرف يثير السخط، وهنا تقول سونيا فيريرا، البالغة من العمر 55 عاماً، وهي مديرة مالية تصوت في لشبونة، إن الاقتراع "حاسم" لأن القارة بحاجة إلى وقف نمو الأحزاب اليمينية المتشددة، وأضافت: "إننا نشهد حركات متطرفة للغاية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي وعلينا جميعا أن نكون حذرين للغاية"، كما شعر الديمقراطيون الاشتراكيون بالحرج قبيل الحملة الانتخابية بسبب فضيحة الفساد التي أدت إلى استقالة اثنين من مسؤولي الحزب البارزين.

وفي الوقت نفسه، أعرب الناخبون عن قلقهم إزاء مستويات المعيشة في البرتغال مع تصاعد الضغوط المالية، وقد أدى تدفق المستثمرين العقاريين الأجانب والسياح الباحثين عن إيجارات قصيرة الأجل إلى ارتفاع أسعار المنازل، خاصة في المدن الكبرى مثل العاصمة لشبونة، حيث يتم إخراج العديد من السكان المحليين من السوق، ويبدو أن الاقتصاد عالق في وتيرة منخفضة، فقد حصل البرتغاليون، الذين كانوا منذ فترة طويلة من بين أقل الأشخاص دخلاً في أوروبا الغربية، على متوسط ​​أجر شهري قبل خصم الضرائب بلغ حوالي 1500 يورو (1640 دولارًا) في العام الماضي - وهو ما يكفي بالكاد لاستئجار شقة بغرفة نوم واحدة في لشبونة، فيما يحصل ما يقرب من 3 ملايين عامل برتغالي على أقل من 1000 يورو (1093 دولارًا) شهريًا.

 

وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الأشخاص الذين ليس لديهم طبيب أسرة معين إلى 1.7 مليون في العام الماضي، وهو أعلى رقم على الإطلاق وارتفاعًا من 1.4 مليون في عام 2022، وقد نجح فينتورا، زعيم تشيجا، في التغلب على حالة عدم الرضا بذكاء وتمكن من بناء قاعدة جماهيرية بين الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كان لدى فنتورا مسيرة مهنية ملونة، فقد تحول من محامٍ ممارس وأستاذ جامعي متخصص في قانون الضرائب إلى محلل كرة قدم تلفزيوني صاخب، ومؤلف لكتب متواضعة وخطيب منمق خلال الحملة الانتخابية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی البرتغال

إقرأ أيضاً:

تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية.. الأسباب والتداعيات

شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة تحقيق الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف مكاسب تاريخية في دول رئيسية بالقارة العجوز، مما أثار تساؤلات  بشأن أسباب صعودها وتداعيات ذلك على التوجهات السياسية للاتحاد الأوروبي.

ورغم أن التوقعات تشير إلى استمرار سيطرة أحزاب الوسط والأحزاب الليبرالية على غالبية المقاعد في المؤسسة التشريعية الأوروبية، إلا أن التقدم الذي حققته أحزاب اليمين يُنذر وفقا لمحللين بـ"تحولات جوهرية "، في مقاربة التكتل الأوروبي لعدد من الملفات داخليا وخارجيا.

أسباب التقدم

واستطاعت الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف تحقيق مكاسب في انتخابات البرلمان الأوروبي، الأحد، مما وجه ضربة قوية إلى كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،  والمستشار الألماني، أولاف شولتس.

ومني حزب ماكرون بخسارة مريرة ضد التجمع الوطني اليميني المتطرف ما دفعه لإعلان حل الجمعية الوطنية والدعوة لعقد انتخابات برلمانية مبكرة، أم حزب المستشار الألماني فقد سجل أسوأ نتيجة له على الإطلاق، أمام المحافظين وحزب البديل من أجل ألمانيا المتشدد.

المحلل المتخصص بالشأن الأوروبي والهجرة، زاهي علاوي، يؤكد أن نتائج الانتخابات الأخيرة، وخاصة في ألمانيا وفرنسا، تكشف توجه أوروبا نحو أقصى اليمين، مرجعا ذلك إلى ما اعتبره "فشل الأحزاب التقليدية وحكومات دول رئيسية بالاتحاد في حل المشاكل والقضايا الداخلية العالقة، وتحديدا المواضيع الاجتماعية والاقتصادية".

ويضيف المحلل المقيم في برلين، في تصريح لموقع "الحرة"، أن القضايا الداخلية مثل البطالة والصحة والتعليم، أخذت حيزا أكبر من باقي الملفات الأوروبية المشتركة، باستثناء قضية تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا التي لاقت انتقادات شديدة، خاصة في ألمانيا.

ويضيف علاوي، أن خطابات الأحزاب اليمينية المعارضة تقاطعت في معظم دول الاتحاد بالتركيز على فشل الحكومات والأحزاب التقليدية، وتقديم نفسها كبديل جديد، قادر على مواجهة كل هذه المشاكل، فضلا عن تجديد مواقفها المعادية للمهاجرين.

وبشكل عام، ظلت كتلتا الديمقراطيين المسيحيين والاشتراكيين القوى المهيمنة،  في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، بينما جاءت مكاسب اليمين المتطرف على حساب حزب الخضر الذي يتوقع أن يخسر نحو 20 مقعدا ويتراجع إلى المركز السادس في البرلمان الأوروبي. 

"مقامرة أم مناورة".. ما أهداف ماكرون من الدعوة لانتخابات جديدة بفرنسا؟ في خطوة مفاجئة، قرر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، السبت، حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة، إثر الفوز التاريخي لليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات الأوروبية بفارق كبير عن معسكر الغالبية الرئاسية.

وعلى مدى عقود، كان الاتحاد الأوروبي يضع اليمين المتطرف على الهامش السياسي. ومع ظهوره القوي في هذه الانتخابات، يمكن لأحزابه أن تصبح لاعبا رئيسيا في سياسات تتراوح من الهجرة إلى الأمن والمناخ.

وكان الصعود القوي لهذه الأحزاب، مدفوعا أساسا بمعاناة العديد من الناخبين من أزمة تكلفة المعيشة، إلى جانب المخاوف المرتبطة بالهجرة وتكلفة التحول نحو الطاقة المتجددة، والشعور بالانزعاج من التوترات الجيوسياسية المتزايدة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، وفقا لرويترز.

وواجه حزب الخضر مثلا، رد فعل عنيف من العديد من الأسر والمزارعين وقطاع الزراعة الذي يعاني من ضغوط شديدة بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي باهظة التكاليف التي تحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ومع انتقال اليمين المتطرف من الهوامش إلى مركز الواجهة، بات يستقطب أصوات شرائح واسعة من المجتمع، وفق تقرير لصحيفة "بوليتيكو".

وتشمل قاعدة مؤيديه مزارعين وعمالا يحمّلون سياسات الاتحاد الأوروبي مسؤولية تدهور أوضاعهم المعيشية، وناخبين من الطبقة الوسطى قلقين إزاء الهجرة وتآكل ما يعتبرونه قيما تقليدية. كما يستقطب بشكل متزايد شبابا يشعرون بالقلق حيال ارتفاع تكاليف المعيشة، أو منبهرين ببساطة بكل جديد.

وتلعب الهجرة أيضا دورا محوريا في جاذبية اليمين المتشدد، إلى جانب قضايا الحرب الثقافية كالإجهاض وحقوق المثليين. ومؤخرا، أضافت الأحزاب الشعبوية الأوروبية الغضب من اللوائح البيئية إلى قائمة القضايا الساخنة التي تتبناها، وفق تقرير لبوليتيكو.

ومما يعزز زخم اليمين المتشدد "غياب البدائل الجذابة"، وفقا للتقرير الذي أشار إلى أنه "في أوقات عدم الاستقرار التي تتسم بالحروب والأوبئة والغموض الاقتصادي، عادة ما يلجأ الناخبون إلى الأحزاب التقليدية الحاكمة، والتي تفككت اليوم في العديد من البلدان".

في هذا الجانب، يقول الخبير في الشؤون الأوروبية، محمد بركات رجائي، إن الأحزاب اليمينية المتطرفة تستغل تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين كورقة انتخابية في برامجها السياسية والانتخابية خاصة في ظل تراجع مستوى معيشة ورفاهية الشعوب الأوروبية.

ويضيف بركات في تصريح لموقع "الحرة"، أن هذه الأحزاب استعملت أيضا ورقة الصعوبات التي تمر منها الاقتصادات الأوروبية بعد فترة جائحة كورونا والتي فاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا، في ظل ارتفاع الأسعار وخاصة الطاقة والمواد الغذائية وغيرها، من أجل الترويج لنفسها كبديل للأوروبيين.

ويؤكد أن "هذه الأحزاب لا تقدم أي حلول واقعية لإخراج دول الاتحاد الأوروبي من الأزمات الاقتصادية، لكن قوة خطابها الشعبوي يقوّي رصيدها لدى فئات من الأوروبيين".

التداعيات

وتطرح المكاسب التي حققها اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، أسئلة بشأن مسار السياسات الأوروبية في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بمسائل مواجهة المساعي الأوروبية لزيادة الإنفاق الدفاعي الموجه لأوكرانيا، وأيضا تشديد القيود على استقبال المهاجرين واللاجئين، والمطالبة بتقليص أعدادهم بشكل حاد.

بركات، يقول إن حصول اليمين المتطرف على أكثر من 30 بالمئة من مقاعد البرلمان الأوروبي، "سيؤدي لا محالة إلى إحداث تغييرات جوهرية ليس فقط على مستوى البرلمان نفسه، وإنما أيضا داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".

لكن على الجهة المقابلة، يقول المحلل السياسي المغربي الفرنسي، مصطفى طوسة، إن وصول اليمين المتطرف بهذا الزخم إلى البرلمان الأوروبي يمثّل "منعطفا كبيرا" في الحياة السياسية الأوروبية، غير أنه "لن يغير الشيء الكثير".

ويوضح طوسة في تصريح لموقع "الحرة"، أن المستجدات الأخيرة "لن تغير الكثير في موازين القوى بالاتحاد الأوروبي ولا في المقاربات العامة لهذا التكتل"، باستثناء أن يكون هناك ضغط داخلي على بعض التعيينات في مناصب حساسة بمؤسسات الاتحاد المختلفة".

اليمين المتطرف يتجه لـ"اجتياح" برلمان أوروبا.. ما التداعيات على القارة؟ مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي، يظهر أن الساحة السياسية الأوروبية على موعد مع "تحول جذري" قد يعيد رسم خارطة سياسات الاتحاد الأوروبي وتوازن القوى بداخل أروقته، في ظل تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في أغلب أنحاء القارة وتوقعات تحقيقها مكاسب تاريخية في الاستحقاقات المقبلة.

وخلال السنوات الماضية، فشلت أحزاب اليمين الأوروبي في تشكيل "مجموعة قوية"، حيث أن أعضاءه منقسمون، لا سيما فيما يتعلق بروسيا وبنقطة الولاء للاتحاد الأوروبي والمؤسسات الأخرى فوق الوطنية، وفقا لصحيفة "فاينانشيال تايمز".

في هذا الجانب يقول بركات، إن هذا الصعود سيضعف موقف الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني اللذان يطمحان لتقوية الاتحاد وفرض توجهاتهما السياسية، خاصة فيما يتعلق بملفات كالحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط وربما حتى في العلاقات مع الصين. 

وذكر تقرير سابق لوكالة بلومبرغ أن تقوّي حضور الأحزاب المتطرفة إلى البرلمان الأوروبي من شأنه أن يؤثر أيضا على مسألة الدفاع، إذ من المرتقب أن تواجه دعوات لزيادة الإنفاق على البنية التحتية العسكرية الأوروبية ردا على حرب روسيا في أوكرانيا، معارضة من اليمين المتطرف، حيث لطالما ضمت هذه التيارات في صفوفها جيوبا تتعاطف مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وتقليديا، كانت مجموعة الهوية والديمقراطية (ID) التي تتشكل من حزب "التجمع الوطني الفرنسي" بزعامة، مارين لوبان، وحزب الحرية النمساوي و"فلامس بيلانغ" البلجيكي، مؤيدة لروسيا وتفضل مغادرة الاتحاد الأوروبي. 

ومع ذلك، مع سعي لوبان وغيرها من السياسيين الأوروبيين، في المجموعة لاستقطاب الناخبين في الانتخابات الوطنية المقبلة، فقد عدّلوا خطابهم في هذا الجانب، منذ اندلاع الحرب.

ويضيف الخبير بالشؤون الأوروبية، أن وصول أحزاب يمينية متطرفة إلى البرلمان الأوروبي أو إلى السلطة في بلدانها، قد يؤثر على الحرب في أوكرانيا، وذلك أن بعضها "لا تريد استمرار هذه الحرب"، وقد تدفع نحو تخفيض الدعم المالي والعسكري لكييف.

ويوضح أن بعض هذه الأحزاب تربطها علاقات قوية بروسيا وسيكون لها تأثير سياسات البرلمان الأوروبي ودول التكتل بصفة عامة.

وعلاقة بموضوع الصين يقول إن العلاقات معها ترتكز أساسا على الروابط التجارية والاقتصادية، مشيرا إلى أن "مصلحة دول الاتحاد الأوروبي هي استمراريتها، إذ لم تتبن هذه الأحزاب أي مواقف مغايرة فيما يتعلق بمثلا بالنزاع في تايوان، بالتالي لن يكون هناك أي تغيير ملموس".

اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية.. هل يُعيد تشكيل المشهد السياسي للقارة؟ يختتم الناخبون في 21 دولة بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، انتخابات البرلمان الأوروبي التي استمرت أربعة أيام، الأحد، في ظل توقعات بتحقيق الأحزاب اليمينية مكاسب غير مسبوقة قد تمنحها نفوذا أكبر في رسم السياسات وصناعة القرار داخل الاتحاد الأوروبي. ملف الهجرة والجاليات العربية

ويتخوف محللون كذلك من أن يؤدي تقدم اليمين المتطرف إلى فرض مزيد من القيود على استقبال المهاجرين واللاجئين، وتصاعد الأجواء السلبية تجاه الجاليات العربية والمسلمة التي كانت هدفا رئيسيا في الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة.

وذكر تقرير بلومبرغ، أن اليمين المتطرف سيحاول الضغط للمطالبة بمزيد من الخطوات الصارمة لمراقبة الحدود وتخفيضات جذرية في أعداد استقبال المهاجرين، بعد أن وافق الاتحاد على ميثاق جديد للهجرة واللجوء، بعد نحو عقد من المفاوضات.

في هذا السياق، يقول  المحلل المقيم في باريس، محمد طوسة، إن تقدم اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي لن يؤثر على الأجواء العامة بالاتحاد، باستثناء التأثيرات التي ستطال الجاليات من أصل عربي وأفريقي، موضحا أن "الهم الوحيد لهذه القوى المتطرفة هو تضييق الخناق عليها، والسعي لإرجاع كل المهاجرين المقيمين بدون وثائق رسمية".

وتبنى البرلمان الأوروبي في أبريل، تدابير واسعة لتعديل سياسات اللجوء في الاتحاد الأوروبي، تشدد الضوابط الحدودية على المهاجرين غير النظاميين وتجبر جميع دول التكتل على تقاسم المسؤولية.

ويتوقع طوسة، أن تشهد الفترة المقبلة ملاحقات وأجواء سلبية خصوصا في البلدان التي تعرف مدا كبيرا للهجرة، وتحديدا في دول ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا.

ويقول إن "الصعود الكبير لليمين المتطرف مؤشر سياسي قوي، على أنه يرسخ تواجده داخل المجتمعات الأوروبي، وهي أخبار سلبية لا تحمل أي جوانب إيجابية بالنسبة للجاليات العربية والأفريقية التي تحولت إلى هدف إعلامي وسياسي للخطاب العنصري الذي تحمله هذه التيارات".

بدوره، يرى علاوي، أن التداعيات الأساسية لصعود اليمين ستطال قضايا الهجرة واللجوء، مما سينعكس على أوضاع الجاليات العربية أو المسلمة بأوروبا، وأيضا على ملفات منح الإقامة والعمل.

ويضيف المتحدث ذاته، أن هذه الأحزاب "صعدت من خلال معاداتها لهذه الجاليات ورفضها لسياسات اللجوء والهجرة في كل خطاباتها وحملاتها الانتخابية، من أجل كسب أصوات الناخبين".

مقالات مشابهة

  • اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت بانتخابات فرنسا والأجانب يعربون عن مخاوفهم
  • فرنسيون يتظاهرون ضد اليمين المتطرف الفائز في الانتخابات الأوروبية
  • بعد الانتخابات الأوروبية.. لماذا سارع ماكرون إلى حل البرلمان؟
  • تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية.. الأسباب والتداعيات
  • نتائج الانتخابات الأوروبية 2024 الأولية.. اليمين المتطرف يعزز موقفه
  • اليمين المتطرف يفرض كلمته في انتخابات الاتحاد الأوروبي.. ماكرون وشولتس يسقطان
  • اليمين الإسباني يتقدم بفارق طفيف على اليسار في الانتخابات الأوروبية
  • الرئيس الفرنسي يعلن عن حل الجمعية الوطنية “الغرفة السفلى للبرلمان”
  • الانتخابات تنتهي اليوم.. البرلمان الأوروبي إلى اليمين در
  • متجها نحو اليمين.. بدء التصويت في اليوم الأخير من انتخابات البرلمان الأوروبي