إن العبد إذا أشرف نور الإيمان فى صدره استعذب الطاعة وحلا لقلبه نور العبادة ورايته يذهب يحمل نفسه بأكثر مما تطيق، والدين وهو الناظم لتكافل القوى بحيث لا تطغى قوة على قوة، ولا تضعف قوة تجاه قوة، لا يبيح للمتدين أن ينال من حقوق جسده، على حساب الاندفاع وراء العبادة، كما لا يسمح بأن يهضم عابد أو متحنث حقوق أهله على حساب دعوة الزهد والزهاد!
فالقوة الروحية فى نظر الدين مهما سمت وتغذت ما كان لها أن تهمل حق الجسد الترابى، أو تقصر فى حقوق الأهل والعيال، أو تختزل من واجبات الإنسان نحو المجتمع.
عن أنس – رضى الله عنه -: قال: جاء ثلاثة إلى بيوت أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها قالوا أين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم أما أنا فأصلى الليل أبدا، وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً! فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم الله وأتقاكم ولكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى. أخرجه الشيخان والنسائى.
وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن مظعون (وكان عثمان – عزم على نفسه – أن يقوم الليل كله ويصوم النهار ولا ينكح النساء)، فقال له رسول الله أرغبت عن سنتى؟ فقال عثمان لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب، فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم - فإنى أنام وأصلى وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً فصم وأفطر وصل ونم. أخرجه أبو داود.
ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال ما هذا؟ قالوا حبل لزينب فإذا فترت – يعنى تعبت من شدة العبادة والقيام – تعلقت به فقال لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد. أخرجه البخارى.
وعن أبى جحيفة – رضى الله عنه – قال آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبى الدرداء -رضى الله عنهما – فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة فى الدنيا، فجاءه أبو الدرداء فصنع له طعاماً وقال له كل فقال إنى صائم فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل فلما كان آخر الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم فنام، ثم ذهب ليقوم قال نم فنام، فلما كان فى آخر الليل قام سلمان: قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذى حق حقه فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال صدق سلمان. أخرجه البخارى.
وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت دخل علىّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندى امرأة من بنى أسد فقال من هذه؟ قلت فلانة لا تنام الليل فقال مه، عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
فالدين وإن عرف للروح حقها ونهى عن مادية متطرفة أهملت الخير والبر والنسك، نادى بنفس الوقت إلى طاعة وعبادة متزنة بحيث يرى من خلالها توزيع عادل للحقوق وانسجام محكم بديع بين مختلف القوى التى يتطلبها وجود الإنسانى فى هذا العالم الترابى.
وهو ينفى كل شذوذ لاتجاهات نفسية تسترت باسم العبادة والطاعة فلم يأذن لمتعبد ولا لمتحنث أن يخرج ببشريته عن سنة الله فى خليقته فأنكر المغالاة ودعا إلى القصد فى العبادة ضمن حدود الطاقة البشرية وإلى هذا يشير الحديث الشريف (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم فى الصوامع والديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم).
ويقول - صلى الله عليه وسلم - سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا، وشيئاً من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله تعالى بمغفرة ورحمة. وفى البخارى والنسائى أن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا. أخرجه الشيخان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور الايمان رسول الله أبو داود صلى الله علیه وسلم رسول الله رضى الله الله عن
إقرأ أيضاً:
هل الأفضل تأخير صلاة العشاء عن وقتها؟.. الإفتاء ترد
أسئلة كثيرة تدور حول تأخير صلاة العشاء، وهل الأفضل تأديتها في وقتها أم تأخيرها حتى منتصف الليل خاصة أنه وردت أحاديث في السنة النبوية، وفي السطور التالية نتعرف على حكم تأخير صلاة العشاء عن وقتها.
حكم تأخير صلاة العشاءاستدل بعض الفقهاء على تأخيرُ صلاةِ العشاء وأنها أفضلُ إذا لم يَشقَّ على الناسِ ببعض أحاديث السنة النبوية، وهو مذهبُ الحنفيَّة، والحنابلة، وقول لمالكٍ، وقولٌ للشافعيِّ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلم، واختارَه ابنُ حَزمٍ، والشوكانيُّ.
واستشهدوا بما جاء عن سَيَّارِ بنِ سَلامةَ، قال: دخلتُ أنا وأَبي على أَبي بَرْزةَ الأسلميِّ، فقال له أَبي: كيفَ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي المكتوبةَ؟ فقال: «... وكان يَستحبُّ أنْ يُؤخِّرَ العِشاءَ، التي تَدْعونَها العَتَمةَ، وكان يَكرَهُ النَّومَ قَبلَها، والحديثَ بَعدَها...» وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُؤخِّرُ صلاةَ العِشاءِ الآخِرةِ».
هل الأفضل تأخير صلاة العشاء؟من جانبها أكدت دار الإفتاء المصرية أنه من الوارد في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضلية تأخير العشاء عن أول الوقت إلى ثلث الليل أو نصفه، ومن هذه الأحاديث ما رواه الترمذي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلأخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح] اهـ، وما رواه أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ»، قال الترمذي: [حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح] اهـ.
وذكرت دار الإفتاء آراء عدد من الفقهاء ومنهم:
قال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 59-60، ط. المنيرية) بعد أن ذكر جملة من الأحاديث في فضيلة التأخير: [فهذه أحاديث صحاح في فضيلة التأخير، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وآخرين، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة والتابعين، ونقله ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأبي حنيفة.. وهو أقوى دليلًا؛ للأحاديث السابقة] اهـ. وهذا يكون لمَن يعلم من نفسه أنه إذا أخّرها لا يغلبه نوم ولا كسل، وإلا فيجب عليه تعجيلها، وأداؤها في أول الوقت.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 48، ط. دار المعرفة): [من وجد به قوة على تأخيرها -أي: العشاء-، ولم يغلبه النوم، ولم يشق على أحد من المأمومين، فالتأخير في حقه أفضل، وقد قرر النووي ذلك في "شرح مسلم"، وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم] اهـ.
شوقي علام: الأفضلية تأخير صلاة العشاء عن أول الوقتوفي هذا السياق، كان الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، أكد أن الوارد في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضلية تأخير العشاء عن أول الوقت إلى ثلث الليل أو نصفه.
وأفاد «علام»، في إجابته عن سؤال: «ما حكم تأخير صلاة العشاء وأدائها في جماعة؟»، بأن من هذه الأحاديث ما رواه الترمذي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلأخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح] اهـ، وما رواه أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ»، قال الترمذي: [حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح].
وأوضح مفتي الجمهورية السابق أن أفضلية تأخير العشاء عن أول الوقت إلى ثلث الليل أو نصفه تثبت في حق النساء مطلقًا، وكذلك في حق من لا يحضرون الجماعة لعذرٍ شرعي، وأما غيرهم من الرجال فتثبت الأفضلية للتأخير في حقهم إذا كانوا جماعةً في مكانٍ وليس حولهم مسجد.
وتابع: «أما إن كان هناك مسجدٌ جامعٌ فتركوا الجماعة فيه لأجل تأخيرها مع جماعةٍ أخرى في غيرِ مسجدٍ فلا أفضلية للتأخير، وكذلك إن كان التأخير بالمسجد ولكنه يشق على المأمومين فلا أفضلية له».