لم يمنع شُح المياه الفلسطينية أم جمال من زراعة النباتات حول خيمتها في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، لقد قامت بزراعة نبات البقدونس والجرجير والثوم، قالت "كنت أصحو باكرًا كل يوم لتجهيز الأرض وسقيها بالماء، ذهبت بعد ذلك للسوق وقمت بشراء العديد من البذور النباتية، الأسعار غالية جدًا، إضافة إلى أنني رغبت في تشجيع أبنائي على العمل في ظل انقطاع الدراسة عنهم، لقد قلل هذا المشروع الصغير من شعورهم بالخوف والقلق بسبب الحرب، فأصبحوا يتناوبون على جلب الماء من المنطقة القريبة للمخيم باستخدام الجالونات وري المزروعات كل يوم، وها نحن نستخدم العديد من الأصناف على مائدة الإفطار في رمضان".

تكررت هذه الفكرة لدى العديد من النساء في مخيمات النزوح، فبينما كنت أتنقل بين ممرات خيم النازحين الضيقة وبمحض الصدفة وصلت إلى خيمة صديقتها نجاح خضر التي نزحت من شمال قطاع غزة وبالتحديد من مدينة بيت لاهيا إلى منطقة الدرج بغزة ومن ثم إلى مخيم النصيرات بوسط غزة إلى أن انتهى بها المطاف واستقر بها الحال في رفح.

قالت "على غرار ما كنت أفعل في مدينة بيت لاهيا التي تعد السلة الزراعية بشمال قطاع غزة، حاولت محاربة الأسعار الجنونية للخضار بالطرق البديلة، فالزراعة ليست هواية فقط ولكنها تسري في شراييني، لقد ارتبطت بالأرض ارتباطًا عميقًا ووثيقًا منذ الصغر، مع بداية وصولي إلى مدينة رفح ذهبت يومًا لجلب الحطب من منطقة قريبة لإعداد الطعام وبالصدفة وجدت بعض الثوم البري فجلبته للبيت ومن هنا بدأت الفكرة، وهي الزراعة في الممرات وفي فناء الخيام لنأكل منها ونوزع على جيراننا النازحين، بعدها قمت بشراء بعض البذور وزرعتها أيضا في الممرات القريبة، الآن لدي نباتات الفجل والثوم والجرادة والسلق والملوخية والفول والبندورة والريحان والنعناع والزعتر".

يتجول الكثير من النازحين والبالغ عددهم بحسب ما ورد عن بلدية رفح بأكثر من مليون ونصف مليون نازح في سوق رفح جنوب قطاع غزة لكن الملاحظ أن هناك إقبالا ضعيفا في عملية الشراء في ظل شُح السلع واختفاء كثير منها وارتفاع الأسعار بشكل كبير جدًا.

أم أحمد، أرملة، لديها طفل، قامت بشراء ماكينة خياطة بدائية تعمل من خلال بطارية تقوم بشحنها يوميا "متوسط عملي اليومي لا يقل عن ٦ ساعات؛ أقوم بخياطة بعض الحقائب باستخدام القماش للنساء النازحات اللواتي يستخدمنها لوضع ملابسهن وأغراضهن داخل الخيام، لقد جاءتني هذه الفكرة بعد أن فقدت منزلي ومشغلي في مدينة غزة بسبب القصف الإسرائيلي للمنطقة". قالت وهي تحاول أن تكمل عملها داخل خيمتها الضيقة "سوء الحال المادي دفعني للبحث عن فرصة لتوفير بعض المال لشراء الطعام والخبز وبعض المستلزمات لا سيما في ظل شح المعونات التي تصل إلينا نحن النازحين".

شيرين، خريجة جامعية، كانت تعمل معلمة رياضيات في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في مخيم الشاطئ بغزة، قالت: "لقد وقّعت على عقد العمل السنوي في منتصف شهر أغسطس 2023م أي قبل الحرب بحوالي شهرين، كنت فرحة للغاية، أذهب يوميا لممارسة عملي مع الطلبة في الصف الثالث الأساسي، كنت أخطط لمساعدة والدي في تعليم إخواني لكن الحرب جاءت وقتلت كل أحلامي، ها أنا نازحة منذ ستة أشهر، التعليم متوقف بسبب الحرب، أشعر بالحزن عندما أرى الأطفال يستبدلون مقاعد الدراسة باللعب بين أزقة الخيام".

بعد نزوحها إلى مدينة رفح قامت بعمل مشروع خاص يتمثل بشراء بطارية ولوح طاقة شمسية، ثم قامت بتصميم غرفة صغيرة لشحن الهواتف المحمولة باستخدام الطاقة الشمسية وهي الآن تحاول مساعدة ذويها في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

لم يختلف حال الصيدلانية أريج عن حال الأخريات من النساء، لقد كانت فكرتها بعيدة عن تخصصها الطبي حيث عملت على تأسيس فريق من النساء النازحات يعملن في مجال تجهيز الخبز وبيعه.

تقول: "زوجي مريض ولدي العديد من الأطفال، ولا يوجد لدي مصدر رزق بسبب الحرب، كان هناك إغلاق للمخابز بسبب قلة الوقود بالتزامن مع قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف العديد من المخابز، جاءتني فكرة استغلال أوقات الفراغ لدى النساء النازحات فقمت بالاستعانة ببعض منهن لبناء أفران الطينة بدائية الصنع ومن ثم أسّست فريقا من النساء اللواتي يتناوبن على عجن وتقطيع وإعداد الخبز وتجهيزه في أكياس للبيع، بعض الفتيات يساعدن في بيع الخبز الجاهز بأسعار مناسبة وتوزيع الإيرادات على النساء العاملات"، قالت ذلك بينما كانت تستقبل عربة من الحطب المستخدم لإشعال نار أحد الأفران.

جاء رمضان ونساء غزة يتعرضن لأبشع واقع في ظل الصمت والعجز العربي والدولي عن حمايتهن، وجوه شاحبة، وأمراض متفشية، ومياه شحيحة وملوثة، وبنى تحتية وبيوت مدمرة، ومجاعة تضرب أرجاء غزة من شمالها حتى جنوبها، ومستشفيات تحولت إلى ثكنات عسكرية أدت إلى خروجها عن الخدمة، فيما يواجه مليون طفل صدمات يومية بينما تعاني النساء والفتيات من انعدام الأمن على جميع الأصعدة.

في حين تواجه المرأة الفلسطينية معاناة معقدة نتيجة فقدان المتطلبات الأساسية المتعلقة بخصوصيتها مثل فقدانها الحفاظات والحمامات ونقص الملابس نتيجة النزوح من الشمال إلى الجنوب، فيما تتعرض عشرات آلاف الحوامل لشروط قاسية تفوق الوصف من فقدان الرعاية الصحية وظروف الولادة التي يعجز الإنسان عن وصفها، ووفق التقديرات هناك أكثر من 50 ألف امرأة حامل تفتقر في مراكز الإيواء إلى الغذاء المناسب والرعاية الصحية المناسبة والآمنة، ومن المرجح أن تعاني 15% منهن من مضاعفات في الحمل والولادة ويحتجن إلى رعاية طبية إضافية غير متوفرة، إضافة إلى نقص الغذاء والمياه النظيفة، لا بل تفاقم وضعها مع مضاعفة وتعميق حرب التجويع والأمراض والأوبئة المعلنة، جميع العوامل آنفة الذكر تلازمت مع عمليات القصف والإبادة غير المسبوقة والمحرمة دوليا.

‏أمام هذا التغول الوحشي والإجرامي على المرأة الفلسطينية، الذي قل نظيره في التاريخ المعاصر وعلى مرأى ومسمع من العالم المتحضر، مطلوب من العالم الضغط من أجل وقف الحرب فورًا ودون قيد أو شرط، كما يجب أن يتم تفعيل دور المنظمات النسوية العالمية بمختلف مسمياتها ومواقعها والمطالبة بتشكيل ائتلاف دولي ضاغط لوقف حرب الإبادة الجماعية بأسرع وقت ممكن، والعمل على تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني عمومًا والمرأة والطفل خصوصًا.

د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العدید من من النساء قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

شهادة إسرائيلية غير مسبوقة.. من قتل الرهائن في جباليا؟

قال الجنرال المتقاعد نيتزان ألون: "أيّ شخص يزعم أنه استوعب الصورة الكاملة في يوم 7 أكتوبر لا يقول الحقيقة".

كشف الجنرال المتقاعد نيتزان ألون، الرئيس السابق لمقر الرهائن والمفقودين بالجيش الإسرائيلي، في أول مقابلة له بعد ترك منصبه، أن العديد من الرهائن الإسرائيليين قتلوا نتيجة نيران الجيش الإسرائيلي أثناء محاولات تحريرهم من قطاع غزة، نتيجة ثغرات استخباراتية وفوضى أعقبت هجوم 7 أكتوبر 2023.

وقال ألون إن عمليات الإنقاذ تأثرت بالضغط السياسي المستمر، والتنقل المتكرر للرهائن، وتأخر اتخاذ القرارات، إضافة إلى صراعات داخلية بين وسطاء دوليين مثل قطر ومصر.

وأكد أن الفريق الذي قاد الجهود ضم أكثر من 2,500 شخص، مع نحو 500 منهم نشطون في أي لحظة، لتجميع معلومات استخباراتية من مصادر متعددة، شملت وسائل التواصل الاجتماعي، وشهادات المدنيين، والاستخبارات الميدانية داخل غزة، وكاميرات "الإرهابيين" وفق توصيفه.

بداية الأزمة وفقدان السيطرة

بدأت الأزمة مع أكثر من 3,100 مفقود، تبين لاحقًا وفاة أو اختفاء العديد منهم. وتم التأكد من احتجاز 251 شخصًا كرهائن، بينهم رهائن كانوا محتجزين لفترات طويلة مثل هدار جولدين وأورون شاول.

وأوضح ألون أن "أي شخص يقول إنه فهم الصورة الكاملة في يوم 7 أكتوبر، فهو لا يقول الحقيقة"، مضيفًا أن الصدمة كانت "وطنية شاملة".

وأشار إلى أن عدة رهائن قتلوا نتيجة ضربات جوية إسرائيلية على مبانٍ لم يكن الجيش يعرف أن الرهائن محتجزون فيها، في حين نجت رهائن آخرون بسبب "الإجراءات الخاصة التي حدت من القصف".

كما لفت إلى أنه تم إنشاء تصنيف "على الأرجح ميت" لتأكيد الوفيات التي لم يتم العثور على أجسادها، بالتعاون مع الحاخامية الرئيسية.

Related توتر داخل "غرفة التنسيق" الخاصة بغزة.. هل تتجسّس إسرائيل على القوات الأمريكية؟شجرة الميلاد تتلألأ في بيت لحم بعد انقطاع لمدة سنتين بسبب الحرب على غزةغارات من غزة إلى جنوب لبنان.. و"مراسلون بلا حدود": الجيش الإسرائيلي "أسوأ عدوّ للصحافيين" جهود الوساطة الدولية

شارك في جهود الإفراج عن الرهائن أطراف دولية عديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقطر، ومصر، وكان تأثير كل طرف متفاوتًا.

وأكد ألون أن الحكومة الإسرائيلية كانت منشغلة بأمور أخرى في الصفقة الأولى، بينما تمتع هو ورئيس الموساد بدعم شبه كامل لاتخاذ قرارات سريعة.

وأشار إلى تدخل وزراء الحكومة لاحقًا، وأوضح أن المفاوضات توقفت مرات عدة بسبب ما قال إنه "تعنت حماس" و"تأخر الاستجابة لخطوات إنسانية كانت من الممكن أن تستأنف الحوار".

وكشف ألون أن جميع صفقات الرهائن كانت تنص على إطلاق سراح تدريجي، وأن إسرائيل أقنعت حماس بالاعتراف بأن الرهائن دون 18 عامًا يُعدّون أطفالًا، ما زاد عدد المستفيدين من الصفقة. إلا أن الصفقة تعطلت بسبب احتجاز نساء وتصنيفهن كجنود، وقرار الحكومة الإسرائيلية استئناف الحرب.

وأوضح أن الحرب بدأت بمبدأ "الرهائن أولًا..حماس لاحقًا"، لكن الحكومة اتخذت مسارًا مختلفًا.

وأكد أن تقييم نتائج الحرب يعتمد على ما إذا كانت حماس ستظل في السلطة بغزة أم لا، معتبرًا أن إعادة بناء غزة وفق تصور أمريكي جديد يواجه صعوبات كبيرة بسبب تعلق السكان بأراضيهم.

كما شدد الجنرال المتقاعد على أن مهمته لن تنتهي إلا مع عودة آخر رهينة، ران غفيلي.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • صندوق الأمم المتحدة للسكان يحذر من مخاطر الحرب على النساء والفتيات في السودان
  • مُختص بيئي لـ"صفا": 5 مليون طن من النفايات الخطرة في غزة بسبب الحرب
  • مُختص بيئي ل"صفا": 5 مليون طن من النفايات الخطرة في غزة بسبب الحرب
  • 37% من القوى العاملة الصناعية في الأردن نساء..
  • شهادة إسرائيلية غير مسبوقة.. من قتل الرهائن في جباليا؟
  • السودان: تزايد موجات نزوح المواطنين من مدينة كادقلي المحاصرة
  • بسبب خلاف علي سرقة كرسي.. مقتل رجل خمسيني علي يد شاب طعنًا بمنطقة الورديان بالإسكندرية
  • ملتقى بجامعة السلطان قابوس يؤكد أهمية إعادة تشكيل التعليم لمواكبة متطلبات المستقبل
  • بعد غياب ثلاث سنوات.. «أغاني وأغاني» يعود ويثير الجدل
  • شاب يقتل والدته بتهشيم رأسها بسبب خلافات أسرية فى مدينة الشيخ زايد