استيطان غزة الفكرة التي ستكلف إسرائيل ثمنا باهظا
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
القدس المحتلة – عكست تصريحات رئيس لجنة الأمن القومي وعضو الكنيست تسفيكا فوغل، التي أكد فيها أن الحرب على قطاع غزة يجب أن تنتهي بعودة "الاستيطان اليهودي" في جميع أنحاء القطاع، إجماع مختلف تيارات معسكر اليمين التي تستحوذ على الخارطة السياسية بإسرائيل.
وتتلاقى دعوات فوغل، وهو قيادي في حزب "عظمة يهودية" برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مع أطروحات العديد من أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية والاستيطانية.
كما تتناغم مع نتائج استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجراه مستطلع الرأي المعروف مانو غيفع خلال الأسابيع الأولى للحرب، والتي تفيد بأن أغلبية الجمهور اليهودي تؤيد الاستيطان في قطاع غزة.
وأظهر الاستطلاع ذاته أن هذه الأغلبية تعتقد بضرورة وصواب العودة والاستيطان في غزة، وبحسب الجماعات والانتماءات السياسية والحزبية، فإن ما بين 60% و70% من ناخبي كتلة اليمين والحكومة الحالية يؤيدون الاستيطان في القطاع.
في المقابل، فإن ما بين 16% و22% من ناخبي اليسار أو كتلة المركز يؤيدون "التوطين اليهودي" في القطاع.
تُوج هذا الإجماع الإسرائيلي من خلال المؤتمر الذي عُقد في القدس المحتلة في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي حول عودة الاستيطان في غزة بمشاركة 12 وزيرا وأكثر من 15 عضو كنيست من الائتلاف الحكومي بمباركة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وافتتح المؤتمر الذي عبّر عن المشروع الاستيطاني في كل فلسطين التاريخية، رئيس مجلس الاستيطان في الضفة الغربية يوسي دغان، قائلا "اتفاق أوسلو مات، نحن عائدون إلى غوش قطيف، لقد ناضلنا معا لمدة 16 عاما من أجل تصحيح عار الانفصال والترحيل وتهجير المستوطنات".
لم يقتصر الإجماع على السياسيين والحركات الاستيطانية، بل تفاعلت معه مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي روّجت لفكرة عودة الاستيطان اليهودي إلى قطاع غزة، ومنحت قادة المستوطنين منابر للشرح والترويج لكيفية تطبيق الدعوات وتحويلها إلى حقيقة على أرض الواقع.
يقول الناقد التلفزيوني يوانا غونين لصحيفة هآرتس "منذ ثلاثة أشهر، تتنقل عرّابة حركة الاستيطان دانييلا فايس بجد من أستوديو إلى آخر، ومن مقابلة إلى أخرى، لحشد الإسرائيليين للفكرة المضللة المتمثلة في الاستيطان اليهودي في قطاع غزة بأكمله، قائلة إن هناك شيئا واحدا فقط لم يفشل بالمشروع الصهيوني، وهو الاستيطان في أرض إسرائيل".
في الحقيقة، يضيف الناقد التلفزيوني يوانا غونين أن "فايس ليست شخصية هامشية، بل ناشطة حازمة في المشروع الاستيطاني وصاحبة سجل أداء حافل بالميدان، وتعرف كيف تحوّل الأحلام الخطيرة إلى واقع دموي".
ويضيف المتحدث ذاته أن الحكومة لديها عدد لا بأس به من الأحزاب والوزراء الشركاء في رؤية فايس المجنونة، وحتى في الجيش الإسرائيلي الذي يلتزم الصمت حيال دور الجنود وتفاعلهم مع عودة الاستيطان للقطاع.
وتغلغلت فكرة عودة استيطان غزة حتى في أوساط الجيش الإسرائيلي، الذي وجد ذاته مضطرا لتوبيخ الرائد في اللواء المدرع السابع المقدم أوفير كاسبي بسبب تصريحات في محادثة مع الصحافيين في خان يونس قبل أيام ادعى فيها أن "هذا الاستيطان سيكون الحل الأمثل والأصبع في عين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)"، حسب زعمه.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن كاسبي قوله "حتى لو قتلنا قائد حماس يحيى السنوار، فلن يفعل ذلك أي شيء. إن إيديولوجية حماس وما فعلته في 7 أكتوبر/تشرين الأول (الماضي) ستبقى، صحيح أننا إذا قتلناه فإن الحركة ستتضرر بشدة، ولكن أعتقد أن الحل في المستوطنات مثل الضفة الغربية" في تقديره.
تبلورت هذه الدعوات، التي ركزت على عودة الاستيطان إلى المنطقة الاستيطانية "غوش قطيف" التي أخليت ضمن خطة "فك الارتباط" الأحادي الجانب التي بادر إليها رئيس الوزراء السابق أرييل شارون في العام 2005، مع بدء معركة "طوفان الأقصى"، حيث تكرست بالخطاب الإسرائيلي مع استمرار الحرب على قطاع غزة.
لقد بدأت فكرة عودة الاستيطان اليهودي إلى القطاع وكأنها هامشية، تقول مراسلة القناة 12 لشؤون الثقافة والمجتمع إيلان لوكاتش "لكن مع استمرار الحرب أصبحت أقوى وتتغلل في أوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلي".
ولفتت لوكاتش إلى أن الفكرة سرعان ما توسعت في ظل الدعم في المجتمع الإسرائيلي حول إعادة بناء المستوطنات اليهودية في شمالي غزة، بالتوازي مع تشجيع "الهجرة الطوعية" للسكان الفلسطينيين بالقطاع.
ثمن باهظلقد اقتصرت فكرة عودة الاستيطان في البداية على أحزاب اليمين المتطرف وخاصة حزبي "عظمة يهودية" وتحالف "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
بيد أنها، تقول الصحفية الإسرائيلية، "أخذت تحظى بأصوات أكثر مركزية داخل حزب الليكود الحاكم برئاسة نتنياهو، وهناك بالفعل عناصر بدأت الاستعدادات لعملية عودة الاستيطان اليهودي للقطاع".
وقالت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، للقناة 12 الإسرائيلية، إن إمكانية تصور عودة استيطانية لليهود إلى قطاع غزة وإعادة إنشاء "غوش قطيف" وسط مليوني فلسطيني أشبه ببرميل من المتفجرات.
وأضافت "لكن ستتضمن العودة إلى القطاع أيضا تضحيات كثيرة، لا شك في أن غزة في نهاية المطاف جزء من أرض إسرائيل، وسيأتي اليوم الذي نعود فيه إليها"، حسب زعمها.
وخلافا لهذا الإجماع، كتب المدير العام لجميعة "درخينو" نمرود دويك مقالا في صحيفة "معارف" بعنوان "العودة إلى غوش قطيف تعني ثقلا دمويا على الحلم الصهيوني".
وأشار إلى أن توظيف الحرب لإعادة استيطان قطاع غزة يعني استمرار سفك الدماء، قائلا إن "إسرائيل خرجت للحرب لإعادة المحتجزين وضمان الأمن والأمان لسكان الجنوب والنقب الغربي وغلاف غزة"، حسب رأيه.
وأضاف دويك "نحن نقاتل هناك لهزيمة عدو يريد تدمير البيت الوطني من نهر الأردن إلى البحر. إن التوطين في القطاع ليس فقط جزءا من أهداف العملية، بل هو أيضا صراع ضد المشروع الصهيوني".
وأوضح أن عودة استيطان قطاع غزة ستتطلب من الأغلبية الإسرائيلية "المعتدلة" دفع ثمن باهظ من الدماء، وستتطلب من الجيش التعامل مع أمن المستوطنات في قلب السكان الفلسطينيين المعادين للرؤية الصهيونية، وستزيد من صعوبة ضمان وجود دولة إسرائيلية ذات أغلبية يهودية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات عودة الاستیطان الاستیطان فی فکرة عودة قطاع غزة غوش قطیف
إقرأ أيضاً:
عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
أستاذ وناشط حقوقي فلسطيني ولد عام 1994 في محافظة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، عُرف بموقفه الثابت في الدفاع عن قريته ومناهضة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في منطقة مسافر يطا. ساهم عام 2019 في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي حاز جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل عام 2025، ووثق معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال. واستشهد في 28 يوليو/تموز 2025 برصاص مستوطن إسرائيلي قرب منزله أثناء تصديه لعملية استيطانية.
المولد والنشأةوُلد عودة محمد خليل الهذالين عام 1994 في قرية أم الخير شرق بلدة يطا بمحافظة الخليل، في قلب الضفة الغربية المحتلة.
وتعود أصوله إلى قبيلة الهذالين، إحدى القبائل البدوية العريقة التي استقرت في المنطقة بعد أن أجبرها الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من موطنها الأصلي في بئر السبع عام 1948.
نشأ في كنف أسرة بدوية تعتز بأرضها، وتربى على قيم الصمود والتشبث بالأرض وعدم الاستسلام.
كان محبا للرياضة لا سيما كرة القدم، وشارك في مباريات ودية أقيمت في قريته ضمن فرق محلية مثل نادي مسافر يطا ونادي سوسيا، وآمن بأن الرياضة تعزز الانتماء وتُنمّي روح التحدي.
تلقى عودة تعليمه الأساسي في مدارس مسافر يطا، والتحق بمدرسة أم الخير الابتدائية عام 2000، وواصل دراسته رغم ضعف البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى المدارس بسبب مضايقات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أظهر منذ صغره حبه لتعلم اللغات، وأبدى اهتماما خاصا باللغة الإنجليزية، مما دفعه لإكمال تعليمه الإعدادي والثانوي في مدرسة الصرايعة التي تخرج فيها عام 2012. وواصل دراسته الجامعية في جامعة الخليل، وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 2016.
تزوج الهذالين وأنجب ثلاثة أطفال وهم وطن ومحمد وكنان.
المسيرة النضاليةعمل عودة بعد تخرجه مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة الصرايعة الثانوية الواقعة في البادية الفلسطينية، لكنه لم يكتف بالدور التعليمي، بل سرعان ما برز ناشطا في مجال حقوق الإنسان ومقاومة الاستيطان جنوب الضفة الغربية.
وعرفه المحليون والدوليون بأنه صوت قرية "أم الخير" والمدافع الأول عن سكانها، وأصبح المتحدث غير الرسمي باسمها، خاصة في الأوساط الحقوقية والإعلامية.
تولى لفترة طويلة مسؤولية المرافعة الميدانية، واستقبل الوفود الأجنبية من دبلوماسيين وصحفيين ونشطاء حقوقيين، وقادهم في جولات توثيقية داخل المناطق المهددة بالهدم، موضحا واقع البيوت التي أصبحت خياما، والأراضي التي صودرت لصالح التوسع الاستيطاني.
إعلانبالعربية والإنجليزية، قدّم الهذالين شهادات حية ومؤثرة نقلت معاناة قريته إلى العالم، مستخدما لغة بسيطة لكنها قادرة على النفاذ إلى الضمير الإنساني.
شارك الهذالين في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي صُوّر على مدى أربع سنوات (2019-2023) وانتهى العمل عليه قبل أيام قليلة من اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنرويج، حصد أصداء واسعة في الأوساط السينمائية والحقوقية، وفاز بجائزتي "أفضل فيلم وثائقي" و"جائزة الجمهور" في مهرجان برلين السينمائي عام 2024، ثم حقق إنجازا تاريخيا بفوزه بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل في الدورة الـ97 للأكاديمية، التي أُقيمت يوم 2 مارس/آذار 2025 على مسرح دولبي في هوليود.
وسلّط الفيلم الضوء على معاناة الفلسطينيين في قرية مسافر يطا جنوب محافظة الخليل، وركز على حياتهم التي يقضونها في المقاومة للبقاء والعيش في أرضهم رغم القمع والاستيطان.
وأثار فوز الفيلم بجائزة أوسكار موجة غضب كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، واعتبرته الحكومة الإسرائيلية "لحظة حزينة للسينما العالمية"، ذلك أنه جسّد حقيقة النكبة التي ترفض روايتها.
الاستشهاداستشهد عودة محمد خليل الهذالين مساء يوم الاثنين 28 يوليو/تموز 2025، وذلك بعدما أطلق مستوطن إسرائيلي النار مباشرة على رأسه أمام منزله في قرية أم الخير.
ووفقا لشهادات الأهالي، جاء الاعتداء في سياق اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي برفقة جرافة عسكرية أراضي القرية لتوسيع مستوطنة "كرميئيل" المقامة على الأراضي المصادرة.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن المستوطن المسؤول عن إطلاق النار هو ينون ليفي، أحد أبرز المستوطنين المعروفين بتورطهم في اعتداءات ممنهجة ضد الفلسطينيين جنوب الضفة الغربية.
ويُذكر أن ليفي هذا مُدرج منذ عام 2023 في قوائم العقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية والكندية، ضمن حزمة شُرعت لمحاسبة المستوطنين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة (ج) من الضفة الغربية.
سياسات قمع إسرائيليةوفي 29 يوليو/تموز 2025، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي خيمة عزاء الشهيد عودة الهذالين في قرية أم الخير، واعتدت على عدد من النشطاء والصحفيين الأجانب ثم طردتهم بالقوة، وأعلنت المنطقة "عسكرية مغلقة"، في محاولة واضحة لمنع أي مظاهر للتضامن المحلي والدولي.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن القوات طردت المعزين بالقوة من العزاء واعتقلت ناشطتين أجنبيتين كانتا ضمن المتضامنين.