رسالة القيامة 

المطران د. سني ابراهيم عازر رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدس 

فَقَالَ لَهُنَّ: "لَا تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ ٱلْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا ٱلْمَوْضِعُ ٱلَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ." مَرْقُسَ ١٦:‏٦

 إخوتي وأخواتي الأعزاء، نعمة لكم وسلام من ربنا ومخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات.

 إن ما تشهده بلادنا المقدسة اليوم، وما مر على شعبنا الفلسطيني الصامد خلال الأشهر القليلة الماضية يعتبر من أحلك الظروف وأصعبها. فلم نشهد من ذي قبل مثيلا لما يحدث اليوم من إبادة جماعية رهيبة يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة، ومن اعتداءات وقتل واعتقالات موجهة ضد أبناء شعبنا في الضفة الغربية، ومن حياة مليئة بالخوف والاضطهاد والعنصرية يعيشها أبناء شعبنا في مدينتنا المقدسة. وبالرغم من كل الصعوبات، والمستقبل المبهم، والامل الخافت، فإن شعبنا لا يزال صامد ويناضل من أجل العيش بحرية وكرامة. 

قد لا تكون هذه الطريقة الامثل لبدء عظة عيد الفصح، ولكن لم يكن صباح عيد الفصح الأول مختلف عما نمر به اليوم. فهو لم يكن وقت احتفال وفرح، بل وقت ساد به الحزن، والشك وانعدام الأمن والأمان لاسيما مع حلول يوم الجمعة العظيمة والتي شهدت موت يسوع المسيح على الصليب والذي بموته ساد الخوف وعدم اليقين بين التلاميذ. واستمر هذا الحال لثلاث أيام. وكان كل يوم يمر على تلاميذ المسيح أصعب من اليوم الذي قبله. ونحن كفلسطينيون نفهم هذا الظرف أكثر من غيرنا. فقد شهدنا أشهر طويلة ملئها الحزن والالم وعدم اليقين والخوف من القادم. وهذا ما شهده التلاميذ في الجمعة العظيمة وللأيام الثلاثة ليسوع في القبر. 

وكفلسطينيين، فإننا نواجه صعوبات جديدة كل يوم، حيث نشهد مزيدا من موت الأبرياء من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ومزيدا من الجوع والعطش، ومزيدا من الدمار وانعدام الأمان والخوف من المستقبل، ومزيدا من العنصرية والتمييز. ونحن نفهم خوف التلاميذ لأننا نختبر الخوف يوميا. وبالرغم من الخوف والحزن والألم الذي سيطر على التلاميذ، نسمع أن النساء ذهبن مبكرا إلى القبر صباح الأحد متحلين بالقوة والصبر والصمود في وجه الخوف والصعاب. وبسبب اصرارهن وعزمهن، كانوا أول من قابل ملاك الرب. وكانوا أول من سمع الأخبار السارة: " قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا". وكانوا أول المبشرات " وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا. "(مت 28: 7).". وبينما هموا مسرعات لمشاركة هذه الأخبار السارة، بخوف وفرح عظيم، كانوا أيضا أول من التقى بالمسيح القائم من بين الأموات. سلم عليهن يسوع وقال لهن ألا يخافوا. أرسلهن يسوع بنفسه ليذهبن ويخبرن الأخبار السارة عن القيامة. وهذا ما نختبره في المرأة الفلسطينية المناضلة التي تتحمل كافة الصعاب، وتتحمل موت أبنائها وهي صامدة، وقوية، لتمنحنا الامل وتبشرنا بمستقبل أفضل.

 أخوتي وخواتي الاعزاء، قصة عيد القيامة هذا العام أكثر أهمية من أي وقت مضى. فمستقبل الشعب الفلسطيني غير مؤكد، ومستقبل الوجود المسيحي الفلسطيني مُهدد، والموت يحيط بنا من كل مكان. لكن حقيقة عيد القيامة تفوق الواقع الذي نراه ونحياه. فالقيامة تعني أن الموت ليس النهاية، وأن القيامة موجودة حقا! فالمسيح قام، حقا قام من بين الأموات وقهر الموت. ونحن، كجسد واحد في المسيح، لا يمكن تدميرنا حتى عندما نموت، فإننا نحيا على رجاء القيامة. 

القيامة تعني أنه على الرغم من أننا خائفون، فإن يسوع المسيح يقول لنا "لا تخافوا". والقيامة تعني أنه حتى عندما يتغاضى الآخرون عن معاناتنا، فإن الله لن يتخلى عنا أبدا. وبهذا تصبح القيامة مصدر قوتنا وصمودنا وجوهر عمل كنيستنا. فمن خلال برامجنا ومؤسساتنا التربوية والاجتماعية والبيئية ومكتب الشبيبة ومكتب المساواة بين الجنسين، فإننا نعزز من صمود مجتمعنا وشعبنا ولاسيما نسائنا، وشبابنا ليكونوا نموذجاً للإيمان والصمود والامل. وفي كنائسنا وطوائفنا، نعلن عن قيامة يسوع المسيح حتى يعرف شعبنا الحقيقة: فعندما يتغاضى العالم عن حقنا في الحرية، يعلن مخلصنا يسوع المسيح بأننا أحرار، وعندما يقول العالم أن ارواح شعبنا في غزة والضفة غير مهمة، يعلن يسوع أننا أبناؤه الأحباء، وعندما يقول العالم أن الشعب الفلسطيني ليس له مستقبل، يعلن يسوع أننا المستقبل المنشود. 

وبهذا نحن نعلن مرة أخرى حقيقة القيامة. فمثل النساء عند القبر، اللواتي لم ييأسن، بل بقين صامدات، ومثل تلاميذ المسيح، الذين تقبلوا وفرحوا بالأخبار السارة وبشروا بها لكل البشر وصمدوا في وجه الصعاب. كذلك نحن، يجب علينا أن نتكاتف مع بعضنا البعض ونصمد في وجه التحديات وألا نخاف من قبول المساعدة والدعم من الآخرين. عندما نكون وحيدين ومعزولين، لنتذكر أن يسوع يوحدنا ويجمعنا ليمنحنا القوة. وعندما نواجه الموت، دعونا نتذكر القيامة.

 فأقبلوا بركة ونعمة وسلام مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات من الآن وإلى الأبد. آمين. المسيح قام، حقا قام. كل عام وأنتم بخير. أخوكم، المطران د. سني ابراهيم عازر مطران الكنيسة الانجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: رسالة القيامة يسوع المسيح فلسطين قطاع غزة یسوع المسیح

إقرأ أيضاً:

أمين مفتاح كنيسة القيامة لـ صدى البلد: بيت لحم تعود لتضيء الميلاد رغم الجراح

بعد سنوات من الصمت الذي فرضته الأحداث القاسية، استعادت بيت لحم هذا العام نبض الميلاد وهي تعيد إضاءة شجرتها في ساحة المهد، عادت المدينة المحملة بتاريخ الرسالة الأولى لتعلن أن الضوء قادر دائما على اختراق العتمة، وأن روح الميلاد ما زالت حية رغم كل ما مر بها من ألم وظروف صعبة. 

مشهد العائلات المتجمعة، وأعين الأطفال المرفوعة نحو الأضواء، والترانيم التي تسري بين الحجارة العتيقة، كلها لحظات تعيد لبيت لحم دفئها وكرامتها ورجاءها القديم.

الجامعة العربية تدين اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلية لمقر الأونروا بالقدسأبو حسنة : اقتحام مقر أونروا بالقدس ورفع العلم الإسرائيلي للمرة الأولىمؤتمر المشرفين يدين اقتحام الاحتلال لمقر الأونروا بالقدسقوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدة حزما شمال القدس

وفي هذا الصدد قال أديب جوده الحسيني، أمين مفتاح كنيسة القيامة بالقدس، في هذا العام، تستعيد بيت لحم روح الميلاد بعد غياب ثقيل فرضته الأحداث والظروف الصعبة في السنوات الأخيرة. ومع إعادة إضاءة شجرة الميلاد في ساحة المهد، عادت الحياة لتنبض في المدينة التي شهدت ولادة رسالة السلام الأولى.

 الاحتفالات بعيد الميلاد رمز للمقاومة 

و أوضح  أديب جوده الحسيني، أمين مفتاح كنيسة القيامة  في القدس، خلال تصريحات خاصة لـ صدى البلد،  أن بيت لحم التي لطالما كانت رمزاً للبساطة والرجاء، تعود لتقول للعالم إن النور قادر دائماً أن يشق طريقه، حتى في أكثر اللحظات عتمة، مشهد العائلات التي تجمعت حول الشجرة، الأطفال الذين رفعوا عيونهم نحو الأضواء، والترانيم التي عادت تتردد بين الحجارة القديمة، كلها لحظات أعادت للمدينة دفئها القديم.

وتابع الاحتفالات هذا العام ليست مجرد مظاهر فرح، بل فعل مقاومة إنسانية. فالمدينة التي تحمل ذاكرة الميلاد تحفظ أيضاً قدرة الإنسان على مواجهة الألم بالإيمان والرجاء. وفي كل شمعة تضاء في بيت لحم، يلمع نوع من التحدي الهادئ أن بيت المهد لن تنطفئ روحه.

واختتم أمين مفتاح كنيسة القيامة حديثه، قائلا: هكذا يعود الميلاد إلى بيت لحم، لا بزينة ضخمة ولا بصخب كبير، بل بروح صادقة تبعث رسالة واحدة ، أن السلام يبدأ من قلب الإنسان، وأن مدينة الميلاد ستبقى، مهما اشتدت الظروف، منارة أمل للعالم كله.


 

طباعة شارك بيت لحم ساحة المهد أمين مفتاح كنيسة القيامة القدس إضاءة شجرة الميلاد شجرة الميلاد عيد الميلاد

مقالات مشابهة

  • الحواتمة يكتب: الرياضة .. مؤشر القوة والولاء الوطني
  • أمين مفتاح كنيسة القيامة لـ صدى البلد: بيت لحم تعود لتضيء الميلاد رغم الجراح
  • شقيق يزن النعيمات يوجه له رسالة بعد إصابته فى مباراة العراق بكأس العرب
  • القيامة اقتربت.. أحمد كريمة: كثرة الخبث من علامات الساعة
  • جمال السلامي: الأردن يكتب سطراً جديداً
  • رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك بلقاء دور ورسالة النشر المسيحي في العصر الرقمي
  • رئيس جامعة الأقصر: المشاركة في الانتخابات رسالة دعم للاستقرار وخطوة بمسيرة الجمهورية الجديدة
  • النائب السابق القوابعة يكتب في خدمة العلم
  • صادي يعزي رئيس فريق مستقبل الرويسات لعروسي
  • رئيس الطائفة الإنجيلية يترأس اجتماع المجلس الإنجيلي العام لاستعراض استعدادات احتفالات الميلاد