سؤال بؤس الحرب عن بهجة العيد.. كيف حال اليمن؟
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
على الرغم من أن عددا من مناطق اليمن أعلنت توافقًا على عدم شراء ملابس وجعالة العيد تضامنًا مع غزة، وهي مواقف غير مسبوقة ومحسوبة لها، إلا أن معظم المناطق أبدت إصراراً على تحدي الفقر والعوز والابتهاج بأي قدر كان بالمناسبة على الرغم من حالة البؤس التي نالت من الجمع، والحرب في عامها العاشر.
بلا شك أن ملامح العيد تراجعت لدى الكثير، لكنها لم تختف، فاليمنيون لديهم قدرة عجيبة على التكيف مع ظروفهم، وبالتالي لا يمنحون مآسايهم قدرة على سلبهم مباهج مناسباتهم، وبخاصة الدينية منها، وفي مقدمتها الأعياد.
يمكن القول إن عيد الفطر يهل في سنة عاشرة حرب، وقد خبت ملامح أبرز تقاليد الاحتفاء به، فافتقار العائلات في بلد هو الأفقر في شبه الجزيرة العربية، وصل إلى حد لم يكن مشهودًا على مدى الستين السنة الماضية على أقل تقدير.
يحرص الآباء، كل وفق إمكاناته، على توفير ثلاثية العيد (الملابس الجديدة، جعالة العيد، العوادة -العيدية)، وإن أصبحت مشكلة مؤرقة، لأن غالبية أرباب العائلات في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) فقدوا مرتباتهم الحكومية، مع استمرار صرفها في مناطق الحكومة المعترف بها، لكن ما يفاقم من ذلك أيضًا هو تدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار معظم السلع لعشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، وبالأمر الذائقة الاقتصادية بوجهها الشاحب تحضر في جميع أنحاء اليمن، لاسيما مع استمرار تفاقم الأوضاع جراء تصاعد الصراع المالي الدائر بين طرفي النزاع الدائر، الأمر الذي أوصل الحياة المعيشية إلى مستويات لم يسبق أن شهدها اليمن منذ أكثر من نصف قرن.
وهو ما يمكن قراءته بوضوح في اتساع ظاهرة التسول لدرجة صار يمارسها مَن كانوا يعتقدون قبل الحرب أنهم لن يفتقروا، فهذا رئيس تحرير صحيفة الثورة الحكومية الأسبق، عبد الرحمن بجاش، كتب منشورًا على “فيسبوك” يُعرب فيه عن صدمته، عندما رأى صديقًا له “كان مسؤولًا محترماً” صار يتسول في الشارع، ومثله رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، فتحي بن لزرق، الذي نشر في صفحته في ذات المنصة منشورًا عن امرأة تتسول في أحد شوارع عدن، وهي من عائلة معروفة. وهاتان قصتان تؤشران لما صار إليه حال الناس في شمال البلاد وجنوبها، وبالتالي يمكن القياس من خلالهما.
شهدت أسواق بيع الملابس في جميع مدن اليمن تغيرًا نوعيًا تمثل في انتشار المحلات التي تقدم عروضًا بأسعار مخفضة وموحدة، وهي عادةً ملابس تصفيات مصانع وماركات مضى عليها سنوات، لكن الأسعار المخفضة هي ما صار يطلبه غالبية الناس، ويبحث عنه معظم الآباء عند نزولهم للأسواق لشراء ملابس العيد.
القدرة الشرائية للمواطن اليمني تسجل تراجعًا كل عام، مع استمرار ارتفاع الأسعار بالتوازي مع استمرار تراجع دخل الفرد، ولذا يجد المواطن نفسه كل عام غير قادر على مجاراة الوضع، فيضطر في سياق معركته مع الحياة للبحث عن وسائل أخرى للتكيف، فيبدأ المجتمع جراء ذلك في ابتكار وسائل جديدة يتعايش من خلالها مع اتساع دائرة البؤس العام.
تمثل جعالة العيد أبرز ما تحرص عليه الأسرة اليمنية بعد توفير ملابس أطفالها، ونتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع دخل الأسرة، لم تعد بعض الأسر قادرة على شرائها، ومَن يستطع من محدودي الدخل فإنه يلجأ إلى عروض التخفيضات وباقات السلال التي تقدمها المحلات، فيما باتت بعض الأسر تلجأ للاكتفاء بكعك العيد.
من أبرز أساليب العائلات في التكيف مع العجز عن شراء جعالة العيد، هو ابتكار أنواع جديدة من الكعك يتم صناعتها بطريقة يتنوع معها الكعك شكلاً ومكونات ليكون مناسبا لاستقبال ضيوف العيد بدلاً من الجعالة.
مما سبق، فقد شمل بؤس الحرب تقاليد عيد الفطر، وبخاصة ما كان معهودًا لدى المجتمع فيما تُعرف بالعوادة أو ما تُعرف في بلدان أخرى بالعيدية، وهو أن يذهب الرجل لزيارة أقاربه من النساء وينفحهن مالا، كتقليد متوارث منذ مئات السنين، ولا يقتصر نفح المال للنساء، بل أيضًا لأطفالهن. هذا السلوك تراجع ولم ينقطع لعجز معظم اليمنين عن القيام به، ومن يقوم به لم يستطع إضافة زيادة عن المبلغ الذي كان ينفحه قبل الحرب، والبعض صار يقتصر على الزيارة دون نفح مال، فيما البعض الآخر يلجأ إلى دعوة أقاربه من النساء وأطفالهن إلى منزله، وهناك يكون قد أعد باقة متنوعة من كعك العيد بالإضافة إلى الهدايا التي يتم إعدادها في المنزل، لمنحها للأطفال بدلا عن المال.
على الرغم من ذلك، يبقى اليمنيون في مواجهة مستمرة مع تصاعد الضائقة الاقتصادية التي يضاعف من قسوتها استمرار الحرب الاقتصادية التي لا تلقي بالا بالناس، بل يبقى هؤلاء الناس هم ضحايا الحرب دائمًا.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن عيد الفطر الأزمة اليمنية الحرب على الرغم من مع استمرار
إقرأ أيضاً:
أضاحي العيد في اليمن :تراكمات مالية من الريف إلى المدينة وأسعار خيالية يعجز الفقراء عن توفيرها
الثورة /
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، لا يزال الحديث عن الأضاحي في اليمن يحمل في طياته شجوناً عميقة، ويُلقي بظلاله على واقع اقتصادي معقد، تتجلى فيه مفارقة صارخة بين الريف المنتج والمدن المستهلكة. هي قصة تتناثر فصولها بين حقول القرى الخضراء وأزقة المدن المزدحمة، حيث تتسع الهوة بين من يستطيع أن يضحي ومن باتت الأضحية حلماً بعيد المنال.
في قلب أحد أسواق المواشي الشعبية في صنعاء، حيث يضج المكان بأصوات الأغنام وضجيج الباعة، اخترقت أصواتٌ الاطلى والكباش الأضاحي الأجواء، حاملة في طياتها مرارة الواقع وسخرية القدر: «مش خايفين منكم، عارفين إنكم مفلسين!». خيال يختصر ببراعة المشهد، ويصف حال الكثير من اليمنيين الذين يواجهون تحدي الأضحية هذا العام.
من القرية
من مرعى القرية إلى سوق المدينة.. رحلة التكلفة المضاعفة
في القرى النائية، حيث تُربى المواشي وتتغذى على خيرات الأرض، لا يزال بإمكان المزارع المربي، أو حتى سكان القرى ذوي الدخل المحدود، ممارسة شعيرة الأضحية دون عناء كبير. «الطلي» أو «الكبش» الصغير، الذي تبلغ قيمته حوالي 30 إلى 40 ألف ريال يمني في بيئته الطبيعية، يمثل قيمة مقبولة نسبياً ليدٍ عاملة اعتادت على شظف العيش. إنه جزء من دورتهم الاقتصادية، ومن تقاليدهم المتوارثة.
نحو المدن
لكن هذه الصورة الوردية تتلاشى تماماً بمجرد أن تبدأ الأضحية رحلتها نحو المدن الكبرى. فكل كيلومتر تقطعه الشاة، وكل يدٍ تمر بها، يضيف عبئاً جديداً على سعرها الأصلي. تبدأ الحكاية بـ أجور النقل، التي تتضاعف مع ارتفاع أسعار الوقود وتدهور البنية التحتية. ثم تضاف الضرائب والرسوم التي تفرضها نقاط التفتيش المختلفة على طول الطرقات، والتي وإن بدت بسيطة في كل نقطة، إلا أنها تتراكم مع مصاريف التجار والمعاونين له في الشحن والتفريغ والعناية بالماشية فضلا عن قيمة الاعلاف المطلوبة لتغذية الماشية في المدنية، لتشكل مبلغاً لا يُستهان به.
التاجر
يلي ذلك دور تاجر الجملة، الذي يشتري بكميات كبيرة ويضيف هامش ربحه، ثم يأتي دور السماسرة، الذين يتواجدون بكثرة في الأسواق الحضرية، ويتقاضون عمولاتهم مقابل تسهيل عملية البيع والشراء. هذه الإضافات، التي تبدو «فوارق طبيعية» في أي سوق، تتحول في اليمن إلى كابوس اقتصادي، حيث تتراكم لتُضاعف سعر «الطلي» من 30 – 40 ألف ريال في القرية المنتجة إلى 80 – 100 ألف ريال في المدن المستهلكة.
الموظفون
موظفو الدولة: بين الأمل الضئيل والحلم المستحيل
تُعد فئة موظفي الدولة والقطاع العام من أكثر الشرائح تضرراً من هذه المفارقة. فبعد سنوات من انقطاع الرواتب، بدأ بعضهم يتقاضى نصف دخله المحدود، وهو ما لا يكفي لتغطية أساسيات الحياة، فكيف له أن يفكر في أضحية يتجاوز سعرها راتبه الشهري بأكمله؟ يتحول حلم الأضحية إلى شبه مستحيل، ويُجبر الكثيرون على الاكتفاء بمشاهدة الآخرين يمارسون هذه الشعيرة، أو البحث عن حلول بديلة كالمشاركة في الأضاحي الجماعية، إن وجدت.
صرخة الطلي «مش خايف منكم، عارف إنكم مفلسين» لم تكن مجرد تعبير عن تحدٍ تجاري، بل هي انعكاس لواقع مجتمعي يرزح تحت وطأة الفقر وتآكل القوة الشرائية. إنها صرخة تُشير إلى أن الأضحية، التي كانت رمزاً للتكافل والعطاء، باتت اليوم تكشف عن عمق الأزمة الاقتصادية التي تُعصف بالبلاد نتيجة ما تركه العدوان والحصار على مدى عقد من الزمن، باتت تقل كاهل المواطنين وخاصة ذو الدخول المتدنية.
في هذا العيد، وبينما تُرفع تكبيرات العيد في كل مكان، ستبقى قصة الأضاحي في اليمن تروي فصولاً من الصمود، والمرارة، والأمل الكبير في أن تحمل السنوات القادمة انفراجاً يُعيد لليمنيين بهجة أعيادهم، ويُمكنهم من ممارسة شعائرهم دون أن تكون عبئاً يثقل كاهلهم.