الصحافة الورقية المصرية.. لماذا لم تعُد فاعلة ومؤثرة؟
تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT
توالي "الهيئة الوطنية للصحافة" (مصرية، حكومية تدير شؤون الصُحف)، إعدامَ "الصحافة الورقية المصرية".. آخر قراراتها- قبل أيام-، دمج مجلة "نصف الدنيا" الأسبوعية (صدرت عام 1990 عن مؤسسة الأهرام الصحفية)، مع مجلة أخرى، ليكون الإصدار شهريًا. "نصف الدنيا"، كانت واسعة الانتشار عربيًا.. حققت شعارها (لكل الدنيا)، منذ صدورها، حتى سنوات قليلة مضت، برئاسة تحرير الكاتبة الصحفية المرموقة مهنيًا وإداريًا سناء البيسي (86 سنة).
تميزت المجلة مع "البيسي" بالتفرّد الصحفي والجودة العالية، وتنوع محتواها، ليشمل كل ما يهمّ المرأة من صحة، وجمال، وموضة، وأسرة، وحقوق.. دون إهمال لتنوع القضايا الثقافية والاجتماعية والجوانب الإنسانية، فكان محتواها ماتعًا، جاذبًا للجميع رجالًا، ونساءً، وشبابًا على السواء.
الكواكب والصحف المسائيةهيئة الصحافة، ذاتها، كانت قد أغلقت (عام 2022)، مجلة الكواكب الفنية الأشهر (صدر عددها الأول عام 1932)، وأدمجتها مع مجلتين غيرها.. كما ألغت (يوليو/ تموز- 2021)، الإصدار الورقي للصحف المسائية الثلاث التي تصدر في مصر. الصحف المسائية المغلقة؛ هي: "المساء"، أول جريدة مسائية مصرية، وأوسعها انتشارًا.. أسسها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (عام 1956)، وتولى رئاستها عضو مجلس قيادة الثورة (يوليو/ تموز 1952)، خالد محيي الدين (1922- 2018)، والأهرام المسائي (صدرت عام 1991)، والأخبار المسائي (عام 2015). هذه الحملة الممتدة على الصحافة الورقية؛ تتعلل بتراجع التوزيع، ونقص الموارد الإعلانية، وزيادة كُلفة الإنتاج والطباعة، وانصراف الجمهور إلى الإعلام الإلكتروني مع انتشار الإنترنت.
الخديوي.. وندرة المتابعة للفضائياتالمُشكل، أن حال "الصحافة المصرية" بالعموم- إلا قليلًا-، لا يسرُّ الخاطر. سواء كانت ورقية (الخديوي هي أول جريدة مصرية صدرت عام 1813، بخط اليد)، أو رقمية إلكترونية، أو مرئية (التلفزيون بدأ إرساله عام 1960)، أو مسموعة (الإذاعة بدأت البث عام 1934). تلاشى بريق، وتأثير، هذه الصحافة العريقة؛ سواء محليًا أو عربيًا. فالفضائيات ومحطات الإذاعة، والمواقع الإلكترونية، على كثرتها، وضخامة الإنفاق عليها.. تفتقد الإقبال، وندرة المتابعة (المشاهدة للفضائيات، والاستماع للإذاعات)، وتهاوي توزيع الصحف الورقية إلى أرقام مُخجلة. هذا بعد الريادة التي ميزت صحافة مصر منذ نشأتها.
أهرام المليون نسخةصحيفة "الأهرام اليومية" العريقة التي أسسها اللبنانيان بشارة وسليم تقلا عام 1876م.. صدرت لها طبعات يومية (عام 1984)، في دول عربية، ودولية في بلدان أوروبية وأميركا. احتضنت طوال مسيرتها المزدهرة (سابقًا)، عمالقة الأدب والصحافة، أمثال: نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وسلامة موسى، وطه حسين، وإدوارد سعيد، وإحسان عبدالقدوس، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم ممن يصعب ذكرهم حصرًا.
وصل توزيع الأهرام، إلى مليون نسخة في العدد الأسبوعي (يوم الجمعة)، عندما كان تعداد سكان مصر، نصف تعدادها الحالي (100 مليون نسمة تقريبًا). مثلها كانت "أخبار اليوم" التي أسسها التوأم مصطفى، وعلي أمين عام 1944م.. الآن، توزّع كل منهما، آلافًا أو عشرات الآلاف من النسخ (ليس هناك إحصاءات موثوقة). هذا، بخلاف اندثار صحف عديدة، خاصة، ومُعارضة.
محنة الصحافة المصريةهل إغلاق الجرائد والمجلات الورقية.. صواب.. يحل أزمة الصحافة المصرية؟. الإجابة بالنفي، تأكيدًا، فكما سلف القول؛ فالأزمة أو المحنة تطال الصحافة المصرية كلها، مطبوعة ورقمية ومرئية ومسموعة. السؤال الجوهري: لماذا؟. هناك تراكمات، انتهت بالصحافة المصرية إلى هذا الحال المُحزن على ماضيها المُشرق، تحت الرقابة على الصحف في "العصر الناصري" الموصوف بالدكتاتورية والاستبداد.
تراجع النفوذ والفاعلية، لهذه الصحافة بوسائلها العديدة، يمكن إجماله في أسباب أربعة. أولها: غياب حرية التعبير، والإبداع، وتداول الأفكار.. مما انعكس تضييقًا على الصحافة بوسائلها (مكتوبة ومسموعة ومرئية)؛ تحكُمًا، فيما يُنشر، ويتداول من أخبار. رغم سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، المُصطلح على تسميتها "الإعلام الجديد"، الذي صار- مع ما عليه من مآخذ-، متقدمًا على الإعلام التقليدي (صحافة وتلفزيون).
نسخ مُكررةثانيها: غياب الجودة، فكثيرٌ مما يتداول من أخبار أو تقارير، ينقصه معلومات ضرورية.. يتساوى في هذا، إن كانت هذه الأخبار والتقارير، منشورة في جرائد، أو مُذاعة في محطات الراديو، أو تبثها فضائيات تلفزيونية. فمن البديهيات التي غابت، أن "الخبر (أو التقرير)، عليه توفير إجابة للأسئلة "مَنْ، وماذا، وأين، ومتى، ولماذا؟".. قد لا تتوفر إجابة السؤال "لماذا"، دائمًا.. كما في الحوادث الغامضة، والجرائم، وتقاعس الجهات الإدارية عن إتاحة المعلومات.. لكن يجب المتابعة واستكمال ما هو ناقص أو غامض.
هذا، بدوره أدى بـ "وسائل الإعلام" (على تنوعها)، إلى التشابه في محتواها، دون فوارق تُميز كلًا منها. فالخبر أو التقرير يُنشر أو يُبث في وسائل الإعلام، بصيغة موحدة، فإن تنقلت بينها جميعًا باحثًا، عن معلومة ما، غائبة، فلن تجد ما يشبع فضولك. وتكتشف أنها "نُسخ مكررة"، من أصل واحد. ثالث الأسباب: هروب الجمهور إلى الإعلام الجديد؛ نتيجة للقيود المفروضة على "الإعلام التقليدي"، كون المتابع له، لا يجد ضالته لديه، فهذا الهروب نتيجة، وليس سببًا.
غياب الميول للقراءةرابعها: وآخرها، افتقار طائفة واسعة من الأجيال الجديدة، الميل إلى القراءة، على خلفية تدهور التعليم، وعدم وعي الأُسر، واهتمامها بتنمية ميول أطفالها للقراءة، بواسطة جلب مطبوعات متخصصة مناسبة لأعمارهم، تحتوي صورًا للحيوانات والطيور، والأشياء (ربما بسبب الغلاء).. مع تطور قدرات الطفل التعليمية، فإنه ينشأ مُحبًا للقراءة، يألف المطبوعات كُتبًا وصُحفًا. آية ذلك، أن كثيرين من مرتادي مواقع التواصل، يكتفون بـ "العناوين"، التي قد تكون مُضللة، بعيدة عن محتوى الخبر، ومضمونه، دون الولوج إلى التفاصيل، بما يؤدّي لانتشار أخبار زائفة، تفتقر للدقّة.
الركون إلى علل واهية، للإغلاق، ليس حلًا، فالصحافة المصرية (مقروءة ومسموعة ومرئية)، تستحقّ جهدًا لتطويرها؛ بغية استعادة مجدها الضائع، بعلاج الأسباب. فالصحافة الورقية، لم تندثر في الغرب الذي اخترع الإنترنت، ومنصات التواصل، لأنّ القائمين عليها هناك، سارعوا بتطوير محتواها، لتتفرّد، بمعالجات استقصائيّة، ومتخصّصة، تميّزها عن النسخ الرقمية، وتتكامل معها.. في كل الأحوال، يتعيّن تقديم الكفاءات المهنية والإدارية على أصحاب الولاءات.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الصحافة الورقیة الصحافة المصریة
إقرأ أيضاً:
مراسل الجزيرة على متن السفينة حنظلة: لم يبقَ إلا القليل
"لم يبقَ إلا القليل" يردد النشطاء على متن سفينة حنظلة وهم يتتبعون خط سير السفينة حنظلة.
"ما أقرب غزة" يقول أنطونيو الإيطالي، فيرد عليه سانتياغو من إسبانيا: بل ما أبعدها، فبيننا وبينها بحرية وسلاح وجنود.
أما القبطان فيقول لنا في الاجتماع الصباحي: بقي 150 ميلا بحريا، وهذا يعني أننا قريبون جدا من المنطقة التي احتُجزت فيها السفينة مادلين.
ومعنى ذلك كله أننا سنعرف مصير السفينة خلال أقل من 20 ساعة، هل يسمح لها بالوصول أم يكون مصيرها مثل مصير عشرات قبلها في قبضة الجيش الإسرائيلي.
يفترض في من ينتظر مصيره أن يقلق.
لكن لا ألمح أي قلق على متن السفينة.
جايكوب بيرغر يواصل هوايته المفضلة، الحديث إلى مئات الآلاف من متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يحكي لهم قصص السفينة، وحنظلة وفلسطين ويغني أحيانا لهم. فهو مغني راب وممثل ولديه هوايات أخرى في أوقات الفراغ.
جايكوب يهودي أميركي من نيويورك يفضل تسميته بجاكوب الفلسطيني. لديه حب استثنائي لفلسطين، أسأله: كيف حدث التحول الكبير في حياتك يا جاكوب؟
يجيب: لم يحدث أي تحول، منذ البداية كنت مؤمنا بقيم العدالة، ويكفي ذلك كي تدافع عن فلسطين.
أما سيرجيو أو سيرخيو، فقصة أخرى.
هذا الرجل الإسباني من بلاد الباسك مهندس ميكانيكي مختص بالسفن، سافر على متن سفينة حنظلة قبل 40 يوما، وعندما رحل رفع دعوى ضد نتنياهو. وهو الآن هو عائد على متن حنظلة.
أسأله: ألا تخشى أن يضطهدوك يا سيريجيو؟ يجيبني بضحكته المجلجلة التي تسعد كل من على متن السفينة: نعم قليلا، لكن لا أفكر في الأمر.
هناك أيضا بوب، وبوب هذا له قصة تستحق أن تُروى.
فهو يهودي أميركي ويحمل الجواز الإسرائيلي، مهدد بتهمة الخيانة، ورغم ذلك يواصل نشاطه من أجل فلسطين.
على امتداد أيام السفينة السبعة يلبس القميص نفسه، وعليه كتب "ليس باسمي"، الرسالة واضحة لا تكاد تحتاج إلى تأويل رغم ذلك أطلب رأيه، وهذا جوابه:
إعلان"اليوم تتم حرب الإبادة باسم اليهودية، وبدعم أميركي، وأنا يهودي وأميركي. أريد أن أقول لهم ليس باسمي".
انتظار وأمل
على ظهر السفينة انتظار وأمل.
كل شيء سيتبين خلال الساعات المقبلة، هل تصل السفينة إلى وجهتها أم يُحال بينها وبين ما تبغي؟
لا ضير، تقول كلوي أو شمس كما تحب أن نناديها أحيانا.
هي شابة في الثلاثين من عمرها، فرنسية أيرلندية. بدأت العمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة قبل سنوات. قبيل أيام أرسلت رسالة لرئيستها "شكرا لكم على كل شيء، سأستقيل وألتحق بحنظلة".
وكذلك كان.
في استقالتها ما يشبه الصرخة في وجه نظام عاجز.
تقول لي "في الأمم المتحدة لدينا التقارير والمعطيات والمعلومات الموثقة. لكنه نظام عاجز عن فعل شيء. ببساطة لا أرغب في البقاء في نظام مثل هذا بصمْته وعجزه الفاضح، أريد أن أفعل شيئا ملموسا لذلك شاركت في حنظلة".
على متن السفينة 21 شخصا من 10 جنسيات مختلفة، كلهم يحملون جوازات أجنبية باستثنائي وحاتم من تونس الذي فعل كل شيء من أجل الالتحاق بهذه الرحلة.
ماذا سيفعلون بنا؟
الجميع يدرك مصاعب الرحلة ومخاطرها.
لكن ماذا يساوي ذلك أمام ما يواجهه أطفال غزة؟ تقول لنا جوستين الممرضة الفرنسية التي تحرص على تقديم الدواء، خاصة حبوب منع دوار البحر للمشاركين.
على ظهر السفينة شخصية محورية، لا يكاد يُسمَع صوتها.. والجميع يتساءل: ماذا كنا سنفعل بدونها؟
الجدة فيديكس من النرويج، في الخامسة والسبعين من عمرها ركبت البحر.
أتساءل كم تحتاج من العزم ومن الشجاعة كي تفعل هذا في سنها؟
فيدتكس والجميع يناديها بالجدة، تقضي معظم وقتها في المطبخ.
وهو أسوأ مكان يمكن أن يقضي فيه المرء وقته على متن هذه السفينة. مكان ضيق وحار وعندما توجد فيه يتضاعف إحساسك بتمايل المركب بسبب موقعه، لكن الجدة فيديكس تقضي جُل وقتها هناك.
لا تبدي فيديكس أي خوف أو توجس.
خلال التدريبات التي يجريها الفريق تم تحديد أماكن وجود كل شخص في حال تعرض السفينة للهجوم، كان موقعي جانبها تماما. قالت لي: ابق بجانبي سأحميك، وأنا أصدقها.
عند الحديث عن التدريب فهو يندرج ضمن ما يُسمى بالمقاومة السلمية، فهذه سفينة مدنية ومن عليها نشطاء وسياسيون وصحافيّون مسالمون. ولا أحد منهم يمثل تهديدا لأي أحد، كما تذكر بشكل مستمر هويدا عراف التي تخوض البحر للمرة الثامنة ضمن سفن أسطول الحرية.
يقوم التدريب على سرعة الاستجابة بارتداء سترات النجاة تحسبا لاحتمال انقلابها في البحر، واتخاذ كل شخص موقعه.
والأهم أنه يشجع على السكينة والهدوء في مواجهة لحظات التوتر استنادا للقيم التي من أجلها خرج هؤلاء النشطاء.
لا يخلو الأمر من صعوبات، في اليوم السابع بدأت السفينة تعاني من شح المياه.
أصبحنا نعتمد على البحر كليا في غير الشرب، منذ اليوم الأول قيل لنا تعاملوا مع الماء كأغلى ما عندكم.
لحسن الحظ بقي ما يكفي من ماء الشرب لبضعة أيام آخر، وحينها سنكون قد وصلنا إلى غزة أو دخلنا السجن.