بوابة الوفد:
2025-05-31@13:36:26 GMT

السياحة العلاجية.. الكنز المنسي

تاريخ النشر: 12th, April 2024 GMT

1350 موقعاً علاجياً فريداً فى مصر.. والاستفادة منها ضئيلة جداً

>> خبراء: مصر تمتلك مقومات هائلة للنجاح.. ولا ينقصها سوى زيادة الاهتمام بالبنية الأساسية

>> اعتماد 176 منشأة صحية مصرية للسياحة العلاجية

>> 100 مليار دولار حجم سوق السياحة العلاجية عالمياً.. وتزداد 15% كل عام

>> معدل إنفاق السائح العلاجى أكبر 10 مرات من العادي

 

مصر فى حاجة إلى مصادر جديدة للنقد الأجنبى بعيدا عن المصادر التقليدية المعتادة، فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها، والتراجع الكبير فى إيرادات قناة السويس بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلى على غزة وهجمات الحوثيين على السفن المارة فى البحر الأحمر.

ومن أهم هذه المصادر التى يمكن أن تدر على الدولة مليارات الدولارات سنويا، ولا تحتاج منها سوى بعض الاهتمام والتنسيق بين الوزارات والهيئات الحكومية، هى السياحة العلاجية التى يقدر حجمها عالميا بـ100 مليار دولار سنويا، ونصيب مصر منها ضئيل ولا يذكر.

والسياحة العلاجية من أهم أنواع السياحة، وتنقسم إلى نوعين الأول: يعتمد على استخدام المصحات المتخصصة أو المراكز الطبية أو المستشفيات الحديثة التى تتوافر فيها تجهيزات طبية وكوادر بشرية تمتاز بالكفاءة العالية لجذب مواطنى الدول المجاورة للعلاج بها.

والثانى: السياحة الاستشفائية، وتعتمد على توافر بعض العناصر الطبيعية الصحية المفيدة فى علاج بعض الأمراض مثل ينابيع المياه المعدنية والكبريتية، ونقاء الجو وجفافه، والتعرض لأشعة الشمس المشرقة، والدفن فى الرمال الساخنة وما إلى ذلك بغرض الاستشفاء من بعض الأمراض الجلدية والروماتيزمية وأمراض العظام وغيرها.

وتتمتع مصر بالمقومات الطبيعية فى الكثير من المناطق التى تتميز بكونها مشفى لاحتوائها على الرمال والطمى، ما يجعل لها أهمية كبيرة فى الشفاء من بعض الأمراض الجلدية التى أخطرها الصدفية، هذا بخلاف آلام العظام والروماتيزم، وتشير الأرقام إلى وجود مليون مصرى مصاب بالصدفية، كما يصل عدد المصابين بالصدفية فى العالم نحو 125 مليون مريض.

وأكدت الدراسات أن نحو 90% من المرضى تم شفاؤهم من المرض بعد علاجهم بالأشعة فوق البنفسجية بتلك المناطق، كما يعد مرض الروماتويد من الأمراض التى يتم علاجها عن طريق الدفن فى الرمال، وتعد واحة سيوة من أفضل أماكن العلاج، حيث يبدأ موسم السياحة العلاجية فيها من شهر يونيه حتى نهاية شهر سبتمبر، ويعتمد العلاج على دفن المريض فى الرمال لمدة تتراوح بين 15 و20 دقيقة، وبعدها يتم لفه ببطانية وإدخاله الخيمة، ودهان الجسم بزيت الزيتون وإعطاؤه مشروبا ساخنا، ويحظر على المريض التعرض لأى تيار هواء خلال فترة العلاج التى تختلف من مريض لآخر.

ولسنوات طويلة اشتهرت مدينة حلوان التى كانت أهم منتجع يقصده الأثرياء للاستجمام، بوجود عيون المياه الكبريتية التى يرجع تاريخ اكتشافها إلى عام 1899، حين تم اكتشاف عين ماء معدنية تخرج من الأرض تحتوى على عناصر غنية أثبتت قدرتها على علاج العديد من الأمراض الجلدية، كما تتمتع محافظة الوادى الجديد بالعديد من الآبار التى تحتوى على العديد من العناصر التى تساعد على الشفاء من بعض الأمراض

وتتمتع مصر بوجود عيون وينابيع للاستشفاء فى سيناء، أهمها حمام فرعون وهو عبارة عن مغارة جبلية تتفجر منها ينابيع المياه الكبريتية شديدة السخونة، وتصل درجة حرارتها لنحو 55 درجة، وحمامات موسى التى تحتوى على عنصر الماغنسيوم والصوديوم وغيرها من المناطق.

وتشير دراسات منظمة الصحة العالمية إلى أن 95% من قاصدى السياحة العلاجية من دول إفريقيا، ويتوجه أغلبهم لجنوب شرق آسيا لتلقى العلاج هناك.

وقدرت جمعية السياحة العلاجية وهى جمعية عالمية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أن حجم سوق السياحة العلاجية عالميًا يزيد على 100 مليار دولار وينمو بنسبة 15 إلى 25% سنويًا.

وأشارت إلى أن منطقة الشرق الأوسط وجهة فريدة للسياحة العلاجية، وأن الشرق الأوسط ينفق أكثر من 10 مليارات دولار على السفر إلى الخارج، كما يمكن أن يصبح سوقًا للسياحة الطبية الوافدة بقيمة 20 مليار دولار فى المستقبل بفضل الاستثمار الذى يعزز من جودة الرعاية الصحية.

وأوضحت أن الأثر الاقتصادى للسياحة العلاجية أكبر من السياحة العادية، لأن السائح الذى يقصد العلاج يقضى فى المتوسط من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع فى بلد ما وفى الغالب يصطحب أسرته معه وينفق فى المتوسط ما بين 5 إلى 10 مرات أكثر من السائح العادي، وبالتالى فالفائدة الحقيقية للسياحة العلاجية هى أنها تدعم الاقتصاد ككل وتعزز قطاع الرعاية الصحية، كما أن مختلف القطاعات الاقتصادية كالفنادق، والمطاعم، والمحلات التجارية وغيرها من مجالات الاقتصاد تستفيد من السياحة العلاجية.

وأكد الدكتور أحمد السبكى، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية، جودة تجهيزات السياحة العلاجية، وإعداد البنية التحتية للمستشفيات، والأجهزة الطبية المتطورة، وتواجد الكفاءات الطبية المصرية، مشيرا إلى نجاح اعتماد 176 منشأة صحية بشكل مبدئى وكامل تابعة لهيئة الرعاية الصحية فى محافظات تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل، وحصولها على درجة الاعتماد القومية GAHAR والمعترف بها دوليًا من منظمة الإسكوا العالمية، وأن مستشفى شرم الشيخ الدولى هى أول مستشفى فى تاريخ مصر تحصل على الاعتماد الدولى JCI.

ولفت السبكى إلى أن حجم سوق السياحة العلاجية من المتوقع أن يصل فى عام 2030 إلى أكثر من 346 مليار دولار سنويا.

ووفقا لتصريحات سابقة للمتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة والسكان، الدكتور حسام عبدالغفار، فإن مصر تستهدف التواجد فى المراتب الخمس الأولى بين الدول الأكثر استقبالا للسياحة العلاجية فى العالم، وأن تحصل على 10% من عوائد السياحة العلاجية العالمية.

ويقول باسم حلقة - نقيب السياحيين، إن الدولة تهتم بالسياحة العلاجية والصحية، وعقدت مؤتمرا مؤخرا ناقش ضرورة الاهتمام بهذا القطاع بشكل أكبر مما مضى، مؤكدا أن مصر لديها أدوات وآليات تحقق لها النجاح فى هذا القطاع.

وأوضح «حلقة» أن مصر تمتلك الأطباء المتخصصين وهيئة التمريض المؤهلة للعب هذا الدور، فضلا عن المستشفيات المتاحة للرعاية الصحية، مع وجود أماكن ومناطق سياحية طبيعية متعددة للعلاج، فهناك مناطق فى البحر الأحمر لعلاج الأمراض الجلدية ومناطق الدفن بالرمال فى أسوان لعلاج الروماتويد، والمياه الكبريتية فى حلوان، بالإضافة إلى المناطق صديقة البيئة مثل شرم الشيخ والواحات.

وتابع نقيب السياحيين، «مصر لديها إمكانيات ضخمة تستطيع استيعاب السياح من هذا القطاع، ولكننا نحتاج إلى إدارة متخصصة للتنشيط والترويج لهذا النوع من السياحة، وحملات موجهة له»، مشيرا إلى أن أبرز الأسواق التى يمكن لمصر جذب أعداد كبيرة منها فى هذا المجال هى الشرق الأوسط وأفريقيا والخليج، خاصة أن مصر تتمتع بسمعة جيدة فى مجال الصحة والعلاج.

ولفت إلى أن مصر قادرة على استيعاب ما بين 500 ألف إلى مليون سائح من هذا النوع من السياحة سنويا، بحصيلة دولارية لن تقل عن 2 مليار دولار سنويا.

وأشار «حلقة» إلى أن مصر تقدم تسهيلات وحوافز متعددة لجذب السياح سواء التأشيرة الإلكترونية أو الفيزا عند الدخول، ولكننا نحتاج إلى تأهيل وتخصيص أطقم تمريض معينة بشكل أكبر فى مناطق سياحية معينة وإنشاء منشآت سياحية علاجية بالقرب من الأماكن السياحية، بحيث إن السائح يحقق معادلة القيام بالعلاج الخاص به ثم الاستجمام والترفيه فيما بعد، لأن هذا النوع من السياح يستقر مدة أطول فى البلد مقارنة بالآخرين، وبالتالى إنفاقه أعلى من أى نوع آخر.. وقال: «إذا كان القطاع الصحى لا يوجد به حاليا أماكن مجهزة للإقامة فى المستشفيات، فهناك فنادق عديدة يمكنها استقبال هذا النوع من السياح».

فيما قال مجدى سليم، وكيل وزارة السياحة سابقا، إنه لا يوجد اهتمام كافٍ بالسياحة العلاجية بالشكل الذى نستطيع معه استغلال إمكانيات مصر فى هذا المجال، رغم أن مصر تمتلك مقومات سياحة علاجية قوية، ولديها 1350 موقعا يمكن استغلالها بشكل جيد فيه.

وأضاف سليم: السياحة الصحية تنقسم إلى علاجية وطبيعية، ومصر تمتلك مقومات النوعين، فنحن لدينا أطباء على مستوى عالٍ، خاصة فى تخصصات طب الأسنان والعيون، ونجحنا بشكل كبير فى المبادرات الصحية المختلفة وأبرزها مبادرة القضاء على فيروس سى وغيرها، ما يدل على قدرات مصر الكبيرة فى المجال الطبى، فضلا عن امتلاك التكنولوجيا الطبية الحديثة، أما الأماكن الطبيعية فمصر تمتلك قدرا كبيرا منها، أهمها عيون موسى وحمام فرعون ومناطق سفاجا بالغردقة وسيوة ورمال أسوان، لتتجاوز 1350 موقعا.

وتابع وكيل وزارة السياحة سابقا، «المشكلة الأكبر التى تواجهنا فى هذا المجال تتمثل فى عدم توافر البنية الأساسية المطلوبة للسياحة العلاجية بشكل جيد، وأبرزها سهولة الوصول لهذه المناطق ووجود مطارات قريبة منها، خاصة أن معظم المناطق العلاجية خارج القاهرة، فضلا عن ضرورة توافر استخدام التكنولوجيا الحديثة، لأن السائح العلاجى بالتأكيد سيريد الاتصال بأهله وذويه فى البلدان الأخرى خلال مدة إقامته التى قد تصل إلى 15 يوما، مع ضرورة إنشاء المصحات العلاجية طبقا للقواعد والمعايير الدولية، بالإضافة إلى أن أسعار خدمات السياحة العلاجية عالية فى مصر، وبالتالى يلجأ السائح إلى دول عربية أخرى مثل الأردن وتونس».

وأوضح سليم أن هناك قصوراً فى بعض العناصر التى يجب أن نتلافاها حتى نستطيع جذب المزيد من السياح فى هذا المجال، مع ضرورة تسهيل الإجراءات فى المطارات والحصول على التأشيرة خلال دقائق معدودة، لأن ذلك يؤثر بشكل بارز على حجم السياحة العلاجية فى مصر.

وأشار إلى أن السياحة العلاجية تمثل 10% من إجمالى السياحة فى العالم التى تصل إلى مليار سائح سنويا، وللأسف نصيب مصر من هذا النوع ضئيل رغم إمكانياتها الكبيرة وامتلاكها مناطق استشفائية علاجية أكثر من أى دولة فى المنطقة، وبالتالى يجب زيادة الاهتمام بهذا النوع لجذب أعداد أكبر من السياح سنويا.

كما يجب أن تسعى المستشفيات المصرية للحصول على شهادة تطبيق المعايير العالمية فى السياحة العلاجية من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من السياح فى هذا المجال، مع ضرورة تغطية شبكات التأمين الصحى فى البلدان المختلفة للعلاج فى مصر، لأن معظم السياح فى مصر يتحملون النفقات بشكل كامل ما يقلص عددهم فى ظل ارتفاع تكاليف العلاج، لكن إذا تمت تغطية العلاج بالتأمين الصحى مع الدول الأخرى سيساهم ذلك فى زيادة أعداد السياح بشكل كبير.

ومن جانبها تقدمت الدكتورة حنان حسنى يشار- عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه إلى وزير السياحة والآثار، بشأن خطة الوزارة لوضع مصر على خريطة السياحة العلاجية عالميا.

وأوضحت «يشار» إلى إن حجم إنفاق السياح العرب وخاصة دول الخليج على السياحة العلاجية بلغ نحو 27 مليار دولار عام 2015 من إجمالى 100 مليار دولار على مستوى العالم، وللأسف إيرادات مصر من السياحة العلاجية لم تتجاوز 5.5 مليون دولار سنويا.

وأكدت أن مصر إحدى أفضل الوجهات السياحية حول العالم، وتمتلك مواقع داخلية وساحلية تتوافر فيها علاجات طبيعية للعديد من الأمراض، ومن أشهر تلك المناطق حلوان التى اشتهرت بأنها مدينة الشفاء المقدس ووادى مريوط ووادى النطرون وواحة منيا بالصحراء الغربية وواحة آمون والعين السخنة وحمامات كليوباترا بالبحر الأحمر وغيرها، وقدرت عدد العيون الموزعة فى معظم أنحاء مصر بـ1356 عينا.

وتابعت «على الرغم من هذه المقومات التى تمتلكها مصر، لم تحصل على نصيب يذكر من هذا النمط السياحى الذى يزداد أهمية يوما بعد يوم رغم وجود جميع المقومات التى تؤهلها لتكون فى مصاف الدول، وفى الوقت الذى ارتفعت فيه نسبة السائحين الذين ينشدون السياحة العلاجية والاستشفائية دوليا، نجد أنها انخفضت لدينا نتيجة عدم وجود منظومة متكاملة للسياحة العلاجية تشمل العلاج أو العملية الجراحية والإقامة والتنقلات وغيرها نظرا لغياب التنسيق بين وزارتى الصحة والسياحة لإعداد منظومة للسياحة العلاجية».

وأكدت أن التحديات التى تواجه السياحة العلاجية تتمثل فى غياب التنسيق بين الجهات المعنية والاعتماد على الجهود الفردية وصعوبة الحصول على التأشيرات، ما أدى إلى عزوف تلك الشريحة ذات الإنفاق الأعلى عن القدوم لمصر بغرض السياحة العلاجية، وأعطى الفرصة لدول أخرى لاستغلال فترة غياب مصر لتطوير مستشفياتها والخدمات المقدمة للسائح العلاجى.

وأشارت إلى أنه فى حالة الاهتمام بهذا النوع من السياحة، سوف ترتفع إيرادات السياحة المصرية بـ2 مليار دولار على الأقل، وستكون السياحة العلاجية رافدا مهما فى اقتصاد مصر، وستساهم بنصيب كبير فى الدخل القومي، من خلال زيادة نسبة النقد الأجنبى الوارد للدولة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السیاحة العلاجیة من للسیاحة العلاجیة الأمراض الجلدیة بعض الأمراض دولار سنویا ملیار دولار من السیاحة مصر تمتلک أکثر من فى مصر إلى أن أن مصر من هذا

إقرأ أيضاً:

في قلب الطين .. حارة حماسة تبوح بتاريخها المنسيّ

وسط مشهد متغير تتسارع فيه أنفاس المدن وتتهاوى فيه التفاصيل الصغيرة، يبرز من لا يزال يفتح نوافذه لذاكرة المكان، ويجعل من الورقة الأكاديمية وسيلة لا لاجتياز المرحلة الدراسية فحسب، بل لاستعادة ما غفله التاريخ، وتوثيق ما أوشك على الاندثار تحت وطأة التحولات الحديثة.

في عُمان، حيث تختزن القرى والحارات القديمة حكايات لم تُروَ بعد، ينهض جيل من طلبة الجامعات بشغف مغاير. جيل لا يكتفي بقراءة الأثر، بل يبحث عنه، يزوره، يوثّقه، ويطرح الأسئلة: من كان هنا؟ كيف عاش؟ وماذا بقي من ملامحه في المكان والناس؟

من بين هذه النماذج تبرز الباحثة حمدة المعمرية، طالبة الماجستير في قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس، التي قدّمت مشروعًا بحثيًا مميزًا بعنوان: “حارة حماسة في ولاية البريمي: دراسة أنثوأركيولوجية”، حاولت فيه أن تمسك بالخيط الدقيق الذي يربط الإنسان بالمكان، وتقرأ الطين والجدران والفراغات، لا بوصفها بقايا صامتة، بل باعتبارها بنية اجتماعية وثقافية نابضة بالحياة.

اختيار المكان... بين توصية علمية وحدس شخصي

لم يكن اختيار "حماسة" اعتباطيًا، بل جاء بعد مقارنة معمّقة مع عدة حارات أخرى في المنطقة، لتتفوق بمساحتها الواضحة وتنوع مبانيها، مما جعلها نموذجًا مثاليًا للدراسة، كما أشارت الباحثة. غير أن البُعد العلمي لم يكن العامل الوحيد الحاسم، فالمكان يحمل أيضًا صلة وجدانية خاصة. تقول: موقعها الحدودي يجعلها كيانًا صامتًا يتلقى نظرات المارّة بدهشة... وأنا واحدة منهم. هذه الحارة لم تكن حاضرة في الدراسات السابقة، ولم تحظَ بتوثيق وافٍ، فقررت أن أكون من يبدأ هذا المسار. شعرت أنها بحاجة إلى من يُصغي لها، من يُعيد قراءتها بإنصاف واهتمام.

الأنثوأركيولوجيا.. حين يتحوّل المعمار إلى مرآة اجتماعية

في الوقت الذي يرى فيه البعض أن المعمار مجرد كتل حجرية صماء، تؤمن المعمرية بأن الجدران تتحدث، وأن البيوت القديمة ليست فقط مساحات للسكن، بل شواهد على حياة اجتماعية متكاملة، وطقوس متوارثة، وعلاقات إنسانية عميقة. تقول: نحن في علم الآثار لا نكتفي برؤية الحجارة والطين، بل نصغي لما تقوله الزوايا، والممرات، وموقع النافذة، واتجاه الباب، موضحة أن الأنثوأركيولوجيا – أو الأثنوأثري – هو الحقل الذي يدمج الأثر مع المجتمع، ويبحث في كيفية تفاعل الإنسان مع بيئته، وما تركه فيها من أثر مادي وثقافي.

في حارة حماسة، لم تكن الدراسة قراءة معمارية فحسب، بل محاولة جادة لفهم كيف عاش الناس، وتفاعلوا، ونسجوا تفاصيل يومهم بين الفناء والسوق والبرج. الحارة -كما وصفتها- وثيقة معمارية حيّة، تزخر بالدلالات والمفاتيح لفهم روح المكان.

الوثائق، الميدان، والصور التي تعيد رسم الحكاية

اعتمدت المعمرية في بحثها على مصادر مكتوبة وميدانية، فجمعت بياناتها من كتب الرحالة والوثائق الأرشيفية، بالإضافة إلى الدراسات السابقة عن الحارات. غير أن اللحظة المفصلية في بحثها -كما تؤكد- كانت في الزيارات الميدانية. تقول: قمت بزيارتين وثّقت خلالهما عناصر الحارة بدقة: الآبار، والمباني، والسوق، والبرج. كل صورة التُقطت كانت بمثابة كشف جديد. هذه الزيارات أضفت للبحث بعدًا بصريًا ومعرفيًا لا يمكن تعويضه من الكتب وحدها.

تخطيط الحارة.. اقتصاد، أمن، وتكافل اجتماعي

من خلال تحليل المعمار، توصّلت الباحثة إلى أن الحارة لم تكن مجرد مساكن متناثرة، بل وحدات مترابطة شكّلت نسيجًا اجتماعيًا واقتصاديًا متكاملاً. تشرح المعمرية: يتجلى ذلك في الفناء المركزي المشترك الذي توزعت حوله البيوت، والسوق المنفصل بتصميمه المنظم، إضافة إلى وجود برج للمراقبة. وترى أن هذا التخطيط يعكس رؤية متكاملة: الفناء للحياة اليومية، والسوق للنشاط الاقتصادي، والبرج للأمن، مما يدل على وعي تنظيمي متقدّم لدى سكان ذلك العصر.

الصوت الغائب... ومحدودية الرواية الشفهية

رغم الأهمية البالغة للرواية الشفهية في توثيق الذاكرة الشعبية، واجهت المعمرية تحديات في الوصول إلى سكان الحارة الأصليين؛ فغالبيتهم لم يعودوا يقطنون المكان، الذي أصبح يشغله عمال وافدون. وتوضح: حاولت التواصل مع شخصيات محلية عبر الهاتف، لكن المضمون كان محدودًا وضعيفًا، لذلك لم أتمكن من بناء سردية شفهية قوية، فاعتمدت بشكل أكبر على الجانب الميداني.

وعي طلابي يتصاعد... وحارات تنتظر من يرويها

تبدي الباحثة تفاؤلًا بوعي زملائها من طلبة قسم الآثار، وتذكر نماذج مشرّفة مثل أسامة البلوشي الذي وثّق حارة “حجرة الشيخ” في وادي المعاول، وحميد الحضرمي الذي ركّز على حارة “الجناة” في سمائل. تقول: هذا الحراك يمنح الأمل، لكنه لا يزال غير كافٍ. هناك الكثير من الحارات التي لم تُدرس بعد، وتبقى عرضة للنسيان أو الهدم أو التحوير الجائر.

هوية شخصية... وذاكرة لا تنفصل عن المكان

حين يُسأل الباحث عادة عن أثر المشروع عليه، يجيب غالبًا بجمل تقليدية. لكن حمدة المعمرية تجيب من صميم تجربتها: أنا بنت الحارات، هذه الأماكن تسكنني كما أسكنها. لم يكن البحث مجرّد تغيير في الرؤية، بل تعميقًا لفهمي، وتأكيدًا لانتمائي. الحارة ليست ماضيًا ندرسه، بل حاضرًا نعيشه، وجزءًا من هويتنا اليومية.

نحو أفق أوسع... من الورقة إلى المنصة

لم يتوقف المشروع عند حدود التخرج، بل تحول إلى ورقة علمية شاركت بها الباحثة في مؤتمر دولي نظمته جامعة نزوى بعنوان “التراث والسياحة والآثار”. ترى أن هذه المشاركة لم تكن مجرد عرض لنتائج البحث، بل منصة لنقاش أوسع حول توثيق الحارات العمانية، وتبادل الخبرات الأكاديمية في هذا المجال الحيوي.

دعوة مفتوحة: استمعوا للحارة قبل أن تصمت

تختم المعمرية حديثها بنداء موجه لزملائها من طلبة الجامعات: التاريخ المحلي ليس ترفًا، بل مسؤولية. يكفي أن تبدأ من حكاية يرويها جدك، من بيت قديم، أو من طريق تسير فيه كل يوم. ضع كاميرتك، سجّل، اسأل، ودوّن. هذه المرويات، إن لم نكتبها نحن، فلن تُكتب أبدًا.

مقالات مشابهة

  • بنمو 22%.. صادرات الملابس تتجاوز مليار دولار في أول 4 أشهر من 2025
  • في قلب الطين .. حارة حماسة تبوح بتاريخها المنسيّ
  • حرب السودان.. حجم خسائر القطاع الصناعي نحو خمسين مليار دولار
  • «الشارقة الإسلامي» يعلن تسعير إصدار صكوك بقيمة نصف مليار دولار
  • الصادرات الهندسية تقفز 19% وتسجل 2.1 مليار دولار حتى أبريل 2025
  • وزير الاقتصاد السوري: ننتظر استثمارات بقيمة 100 مليار دولار
  • رئيس نيجيريا يطلب قرضا يفوق 21 مليار دولار لدعم النمو الاقتصادي
  • إعلام عبري: حرب غزة كلفت إسرائيل 40 مليار دولار حتى نهاية 2024
  • وزير الاقتصاد: 400 مليار دولار كلفة بناء "سوريا الجديدة"
  • حرب إسرائيل على غزة تكلفها 40 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي