آخرهم هيلين فارس.. لماذا يُطرد الصحفيون المتعاطفون مع فلسطين بألمانيا؟
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
برلين- من جديد يواجه صحفيون متعاطفون مع القضية الفلسطينية في ألمانيا تحديات طردهم من عملهم، بعد إعلان مؤسسة الإذاعة والتلفزيون "إس دبليو آر" (SWR) في جنوب غرب البلاد، إعفاء المذيعة السورية هيلين فارس من إدارة برنامج حواري وإنهاء العمل معها.
وجاء ذلك بسبب ما وصفته الهيئة بـ"مواقف سياسية متطرفة" عبّرت عنها فارس على وسائل التواصل، وتحديدا حديثها عن تطبيق يمكن من خلاله التعرّف على البضائع الإسرائيلية، وبالتالي تسهيل مقاطعتها.
وتقدّم فارس، وهي صانعة محتوى أيضا، عددا من البرامج الحوارية، وتعاقدت معها القناة الألمانية بناء على شهرتها في تطبيق "إنستغرام" الذي يتابعها عليه 100 ألف مستخدم. لكن القناة قالت عنها إنها "انتهكت مبدأ الحياد المطلوب في إدارة البرامج الحوارية"، كما أثرّت على استقلاليتها واستقلالية الهيئة، من خلال نشاطها على وسائل التواصل.
لكن ما سرّع قرار القناة في إعلان تخليها عن هيلين فارس هو الحملة التي شُنت ضدها من الإعلام الداعم لإسرائيل، خصوصا من صحيفة "بيلد" الشعبوية ذات الانتشار الواسع، لكن الغريب -وفق ما تؤكده فارس للجزيرة نت- أن القناة قرّرت وقف العمل معها دون سماع وجهة نظرها في الموضوع.
وتوضح أنه بعد نشر الصحيفة الخبر عنها، ووصفها بأنها "معادية للسامية"، حاولت التواصل مع رئاسة تحرير هيئة البث، بعد علمها أنهم يعدون بيانا في الموضوع، وبعد يوم كامل، طُلب منها الانضمام إلى محادثة عن طريق تطبيق "زووم"، حيث تم إخبارها بالقرار خلال الدقائق الأولى من المحادثة.
تقول فارس "لم أصدق أن طاقم القناة بأكمله لم يفكر بالاتصال بي والتحدث معي لمعرفة كيف يمكن حل هذه المشكلة". وتضيف "بل إن الإدارة قامت بتعميم البيان الصحفي قبل إجراء المحادثة معي!"، لافتة إلى أن الفيديو الذي تسبب بطردها كان يخص رفضها شراء منتجات شركة يدعم رئيسها التنفيذي الاقتصاد الإسرائيلي.
صنّف البرلمان الألماني حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) جهةً معادية للسامية، كما تربط وسائل إعلام وأحزاب داعمة لإسرائيل بين مقاطعة البضائع الإسرائيلية وبين سلوك في عهد النازية كان يشجع على عدم التعامل مع التجار والمحلات اليهودية، وهو ما ظهر في خبر صحيفة "بيلد" التي ربطت بين مواقف هيلين فارس وبين شعار نازي قديم، يشجع على عدم شراء البضائع من اليهود.
لكن داعمي "مقاطعة إسرائيل" يرفضون مثل هذا الربط، ويؤكدون أن المقاطعة هي آلية ضغط على إسرائيل لوقف الاحتلال، وليست موجهة لأيّ دين، خصوصا أن يهودا كثرا ضمن اليسار، يدعمون حركة "بي دي إس"، كما أن محاكم ألمانية متعددة نقضت قرار تجريمها، واعتبرت حظر أنشطة منظمات تدعم الحركة أمرا غير قانوني.
غير أن ارتباط مؤسسة تابعة لهيئة البث العام، والتي تموَّل مباشرة من جيوب سكان ألمانيا، يجعلها تحت ضغوط كبيرة عندما توجه اتهامات مشابهة لأطقمها، خصوصا عندما تكون الحملة من وسائل إعلام يمينية ذات انتشار كبير، حيث يكون الهدف من تغطيتها مواضيع مشابهة ليس إخبار الجمهور بالضرورة، بقدر ما هو ضغط على المؤسسة لاتخاذ قرار حاسم.
وبسبب حساسية الموضوع المتعلق بفلسطين وإسرائيل في ألمانيا، لأسباب منها التاريخ الألماني النازي، تتبنى جلّ وسائل الإعلام الألمانية خطا غير متوازن في التغطية، وهو ما تؤكده فارس بالقول "معظم الصحفيين الألمان الذين يعملون في منصات إخبارية ألمانية كبيرة، يتلاعبون بالقراء حتى يصدقوا ما يكتبون، يصورون كل ما فعلته الحكومة الإسرائيلية وجيشها خلال الأشهر الستة الماضية بعكس ما يجري في الواقع".
ليست هيلين فارس الأولى التي يتم إيقافها عن عملها، فقد أعلنت هيئة البث البافارية والقناة الثقافية "إيه آر تي إي" (ARTE) وقف التعاون مع الصحفي الألماني-النيجيري مالكوم أوهانوي، غداة هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إثر قوله "إذا كانت ألسن الفلسطينيين مقطوعة بشكل مستمر، فكيف سيدافعون عن أنفسهم بالكلمات؟"، واعتبرت القناتان كلامه دعما لحركة حماس.
ووصل الأمر لطرد صحفيين لمجرد النقاش الداخلي في مؤسساتهم، ومن ذلك طرد صحفية لبنانية، كانت تقضي تدريبا داخل مؤسسة "أكسل شبرينه" الداعمة لإسرائيل، بعد تساؤلها عن مصداقية السردية الإسرائيلية في الحرب على غزة، وهي السردية التي تدافع هذه المؤسسة بشدة عنها، وتعتمدها في وسائل إعلامها، خصوصا صحيفة "بيلد" وقناة "فيلت".
وتُعد أشهر قضية فصل صحفيين في ألمانيا على خلفية الموضوع ذاته، هي طرد مؤسسة "دويتشه فيله" 7 صحفيين عربا بسبب منشورات قديمة تم النبش عنها ونشرتها صحيفة محلية، مما أدى إلى ضجة واسعة وحملات من الإعلام الداعم لإسرائيل، لكن القضاء الألماني حكم لصالح عدد من المطرودين، وأعادت المؤسسة ملزمة واحدا منهم إلى عمله.
كما سبق لهيئة البث في غرب ألمانيا دبليو دي آر( WDR) أن أوقفت المذيعة الألمانية الفلسطينية نعمة الحسن، التي تعمل كذلك طبيبة، بعدما كان من المقرّر أن تبدأ في تقديم برنامج علمي عام 2021، وبدأ الجدل عندما عاد صانع محتوى يميني إلى صور قديمة لها في مسيرة القدس ببرلين التي رفعت رموزا مؤيدة لحزب الله، وكذلك لإعجابها بمنشورات تنتقد إسرائيل على "إنستغرام".
يُعد الخوف من فقدان الوظائف، وتحديدا من أن تصبح السمعة متعلقة بتهمة "العداء للسامية" حتى ولو لم يتم إثباتها قضائيا، أو كانت مسيسة ومرتبطة بمواقف ضد سياسات إسرائيل، السبب وراء التزام عدد من الصحفيين المتعاطفين مع الفلسطينيين الصمت أو حتى تعاملهم بحذر زائد للغاية عند إنجاز تقارير تخصّ الوضع في فلسطين.
لكن هيلين فارس تؤمن بالعكس، وتقول "لا أهتم لمساري المهني في ألمانيا إذا كان الثمن هو الصمت على الإبادة الحالية" وتضيف "تهديد مالي لا يعدّ تهديدا إذا ما تمت مقارنته بما يعيشه الفلسطينيون في غزة، ولا يوجد أيّ عذر لعدم النضال لأجل حق تحرير جميع الشعوب". وتؤكد بقولها "نضالي لن يتوقف، ما دامت صحتي النفسية والعقلية تسمح لي بذلك، فسأتابع معركتي لأجل حقوق كل الشعوب في الحرية وفي حقوق الإنسان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين خطوة رمزية تقلق إسرائيل
القدس المحتلة- تشهد الساحة الدبلوماسية تحركات غربية متسارعة باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوات قد تترك تداعيات واسعة على العلاقات الدولية لإسرائيل، وتزيد من الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف الحرب في قطاع غزة.
وأعلنت 15 دولة غربية، من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، الأربعاء، أنها تدرس بشكل إيجابي الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل.
واعتبرت هذه الدول، في بيان مشترك لها أن الاعتراف بدولة فلسطين يُعد "خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين"، داعية بقية دول العالم إلى الانضمام إلى هذا التوجه.
قوبل هذا الإعلان برد فعل إسرائيلي غاضب، حيث أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- عن معارضته الشديدة للخطوة، مدعيا أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو "عقاب للضحية"، وأن قيامها على حدود إسرائيل سيجعلها "دولة جهادية" تشكل تهديدا لاحقا حتى للدول الأوروبية.
ورغم الطابع الرمزي لهذا الاعتراف من الناحية السياسية، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى قلق متزايد من تأثيره على علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي، لا سيما مع أوروبا.
فاعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية ينظر إليه، حسب القراءات الإسرائيلية، كإشارة إلى تآكل الدعم التقليدي لإسرائيل، وكنتيجة مباشرة لتزايد الانتقادات الدولية لسلوكها في الحرب على غزة، التي توصف في الغرب بأنها "حرب إبادة" تتخللها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
وتحذر التحليلات الإسرائيلية من أن الاعتراف الغربي قد يمهد الطريق لقرارات أشد في مجلس الأمن، وقد يدفع باتجاه محاسبة إسرائيل دوليا، سيما إذا ما تطور الأمر إلى اعتراف رسمي في المجلس بدعم من الدول دائمة العضوية.
إعلانوبرغم التلويح الأميركي باستخدام الفيتو، فإن الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين يمنح زخما قانونيا وأخلاقيا لأي تحرك لعزل إسرائيل أو فرض عقوبات عليها.
تسونامي سياسي
وصف محرر الشؤون العالمية في القناة 12 الإسرائيلية عيران نير، التحركات الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطين بأنها بمنزلة "تسونامي سياسي"، لكنه أقر في الوقت ذاته بأن هذه الخطوة -من حيث الجوهر- تحمل طابعا رمزيا أكثر من كونها تغييرا ملموسا في الواقع الفلسطيني.
وطرح نير تساؤلا "ما الذي يدفع هذه الدول فعليا إلى دعم قيام دولة فلسطينية الآن؟"، وأتبعه بجواب أن "الاعتراف -حتى لو تم رسميا- فلن يحدث فرقا في حياة الفلسطينيين اليومية، لكنه سيترك أثرا كبيرا على علاقات إسرائيل الخارجية، وربما يصل إلى حد فرض عقوبات ملموسة عليها".
وأشار إلى أن دولا مثل فرنسا وهولندا وبريطانيا "لا تتحرك فقط تحت ضغط ناخبيها المسلمين، بل تسعى أيضا -على نحو ساخر- لإنقاذ إسرائيل من نفسها".
ويرى أن هذا التوجه الأوروبي نابع من عدة دوافع متشابكة، في مقدمتها:
تنامي ضغط الرأي العام المحلي الغاضب من صور التجويع والدمار في غزة. ازدياد الشعور بالعجز السياسي تجاه الحرب. فشل المجتمع الدولي في فرض وقف لإطلاق النار أو الدفع بمسار سياسي حقيقي.كما يتعزز ذلك بالقلق الأوروبي من احتمال إقدام حكومة نتنياهو على تنفيذ خطط ضم كامل للضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعتبر تهديدًا نهائيا لأي أفق لحل الدولتين، بحسب نير.
من هذا المنطلق، يقول نير إن الاعتراف بدولة فلسطين لا يقرأ فقط كخطوة تضامنية رمزية مع الشعب الفلسطيني، بل ينظر إليه كـ "أداة ضغط سياسي على إسرائيل لإجبارها على الانخراط في مسار تسوية ووقف الحرب المستمرة"، خاصة في ظل انسداد الأفق السياسي وفشل الخيارات الدبلوماسية التقليدية.
من ناحيتها، اعتبرت مراسلة الموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل" بيرنيت غورين، أن هذا الاعتراف الذي تسعى له الدول الأوروبية يعد "رمزيا ولا يغير شيئا على الأرض، إذ سبق أن اعترفت 150 دولة بفلسطين منذ 2012″.
وترى الكاتبة أن هذه الخطوة تعكس إحباطا دوليا من سياسات إسرائيل في غزة، لكنها لا تحمل دعما حقيقيا للفلسطينيين، ولا تقدم مساعدات ملموسة، ووصفتها بـ"إذلال سياسي" لإسرائيل أكثر من كونها انتصارا للفلسطينيين.
وأوضحت أن التحرك الأوروبي باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين، يشكل تطورا دبلوماسيا بارزا، يضع حكومة نتنياهو أمام تحديات متزايدة على الساحة الدولية، وقد يدفع تدريجيا نحو تغييرات ملموسة في خريطة المواقف العالمية إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ووفق غورين، فإن الغرب لا يريد التدخل فعليا، لا باستقبال لاجئين ولا بإرسال قوات عسكرية، وقالت بسخرية إن أقصى ما يقدمه هو "فطائر بالمظلات"، وأضافت أن "الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية لم يكتفِ بإعلان دولة يهودية، بل أرسل الجيش لإنقاذ اليهود، بدلا من إرسال الفطائر".
الهجرة الطوعية
وفي مقال حمل عنوان "دولة فلسطينية سيئة للعالم"، نشره السفير الإسرائيلي السابق في إيطاليا درور إيدار بصحيفة "يسرائيل هيوم"، شن الكاتب هجوما لاذعا على الدعوات الغربية المتزايدة للاعتراف بدولة فلسطينية، مستخدما لهجة تحريضية ضد الفلسطينيين، وموجها انتقادات حادة لدول الغرب، خاصة فرنسا، التي وصفها بـ"الفاشلة".
إعلانوصف إيدار فكرة إقامة دولة فلسطينية بأنها "هراء"، مشيرا إلى أن مجرد مناقشتها بعد "هجوم 7 أكتوبر" يعد "نوعا من الإخلاص الخاص لعبدة الأوثان الفرنسيين" وفق تعبيره.
ورأى أن السلطة الفلسطينية لا تختلف في جوهرها عن حركة حماس، زاعما أنها "تدفع الأموال للذين يقتلون اليهود"، وأن "عدم وقوع هجوم من جهة الضفة يعود فقط إلى عجز السلطة، وليس إلى اختلاف في النوايا".
كما امتدح دور المستوطنين في الضفة، واعتبر أن انتشارهم الكثيف هو ما منع تكرار الهجوم من الشرق، كما دعا إلى تعزيز هذا الوجود عبر فرض السيادة الكاملة على الأراضي الفلسطينية.
واقترح إيدار "تفريغ الاعتراف بالدولة الفلسطينية من أي مضمون" عبر خطوات عملية تشمل فرض السيادة الإسرائيلية من البحر إلى النهر، واستقدام يهود العالم للاستيطان في فلسطين التاريخية، وتشجيع ما وصفه بـ"الهجرة الطوعية للفلسطينيين"، لتحقيق أغلبية يهودية طويلة الأمد.
وختم مقاله بالدعوة إلى الصبر والإيمان بالانتصار الديمغرافي، مشددا على أن السيطرة الكاملة والدائمة على الأرض هي الضمانة الحقيقية، لا التسويات السياسية أو الحلول الدبلوماسية.