عربي21:
2025-08-01@19:31:25 GMT

وقفة مع استشهاد أبناء هنية

تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT

إسماعيل هنية ورفاقه يطالبون شعب غزة بالصمود والصبر، بينما أبناؤهم وذووهم يرتعون في فنادق الدوحة آمنين. ذلك هو المحتوى الذي دأبت على ترديده وسائل إعلام وشخصيات سياسية وإعلامية عربية، منذ السابع من أكتوبر، وبشكل يوحي بأنه بلغ مرتبة عين اليقين.

واستخدمت هذه الدعاية المقيتة لتصفية حسابات أيديولوجية وسياسية مع حركة حماس، كان الغرض منها فصل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، وتصوير قادتها على أنهم حيتان الدولارات، الذين يضحون من أجلها بشعبهم ويدخلونه نفق الجحيم.



استخدمت هذه الدعاية المقيتة لتصفية حسابات أيديولوجية وسياسية مع حركة حماس

كانت هذه الدعاية هي ديباجة الردود على من يطالب الدول العربية بالتحرك الجدي لإنقاذ شعب غزة من آلة الموت والتضامن مع المقاومة، وراجت هذه الدعاية وصُدقت من قبل البعض، إلا أنه اعترضها خبر استشهاد سبعة من أبناء وأحفاد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بقصف صهيوني على غزة أول أيام عيد الفطر. هنا بطل السحر، ونُسفت الأسطورة، وظهر افتراء المُدّعين على رؤوس الأشهاد، وضاعت المادة الخصبة التي اعتمد عليها إعلاميون وسياسيون اقتاتوها زمنا، فكانت تبرئة لساحة قادة المقاومة من هذه التهمة البغيضة، ودفاعا عنهم ضد ما نُسب إليهم، فلا أجد لذلك مثلا سوى قول أبي تمام:

وإذا أراد الله نشر فضيلة … طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت … ما كان يعرف طيب عرف العود



لكن كيف تعامل الإعلاميون والسياسيون المروجون لهذا الادعاء بعد حادث مقتل أبناء وأحفاد هنية؟
بعض وسائل الإعلام تجاهلت الخبر الذي أوقعها في الحرج، وبعضها مرّ عليها مرور الكرام، دون الإغراق في التفاصيل. بعض الإعلاميين والسياسيين الذين طنطنوا كثيرا حول هذه الفرية التزموا الصمت، وبعضهم أدان الحادث بشكل طبيعي، وكأنه لم يتحدث بالأمس عن تنعم أولاد وعائلة هنية في الفنادق القطرية.

أليست هذه الفضيحة الإعلامية مُلزمة لهم بوقفة تصحيح لمسارهم المهني؟

قطعا لا يُنتظر أن يبدي هؤلاء أسفهم ويتقدمون بالاعتذار للأمة كلها قبل قادة المقاومة، فمن الواضح أنه عداء استراتيجي وتصفية حسابات، لكن أليست هذه الفضيحة الإعلامية مُلزمة لهم بوقفة تصحيح لمسارهم المهني؟ نحن هنا نتحدث عن أخلاق المهنة سواء كانت تتعلق بالإعلاميين أو المحللين السياسيين، الذين يخرجون على الفضائيات ويمطرون المقاومة بالأكاذيب، لا نتحدث عن واجب ديني أو عربي أو إنساني من المفترض أن يقوموا به تجاه فلسطين، وإلا فما الفرق بينهم وبين نظائرهم في الغرب، الذين طيروا في الآفاق أكذوبة قصف المقاومة لمستشفى المعمداني، وأسطورة قتل الأطفال الإسرائيليين، التي روجها بايدن بنفسه فضلا عن وسائل الإعلام!


أكاد أجزم أن إسماعيل هنية كان يستطيع أن يخرج عائلته من غزة بشكل أو بآخر، ولا أرى مانعا له من ذلك إلا الدافع الأخلاقي والقيمي، فليس دم أبنائه وأهله بأغلى من دم سائر شعبه، كما قال هو بعد أن تلقى نبأ استشهادهم.

تلقى هنية هذا النبأ وهو يتفقد الجرحى والمصابين الذين يعالجون في مستشفيات الدوحة، وكانت ردة فعله مثار دهشة واهتمام من قبل الشعوب ووسائل الإعلام العربية والغربية. كنا نتحدث عن ثبات الصحافي وائل الدحدوح ونصفه بجبل غزة، ونعتبره يمثل ذروة الصمود للفلسطينيين، وقد فقد زوجته وثلاثة من أبنائه وحفيده، واستمر في عمله إلى وقت خروجه للعلاج في قطر، لكن ثبات وصبر إسماعيل هنية فاق كل تصور.

الرجل كان يتفقد الجرحى، فجاءه نبأ استشهاد أبنائه الثلاثة وأحفاده الأربعة دفعة واحدة، لم يزد على أن نظر إلى الأرض برهة ثم دعا لهم، وأصر على استكمال برنامج الزيارة وكأن شيئا لم يصبه.

ثم يتحدث في تصريحات أعقبت الحادث عن كون هذه الآلام والدماء ستصنع المستقبل، وأن دماء أبنائه وأحفاده الذين لم يغادروا القطاع وأضيفوا إلى ستين من شهداء عائلته، ليست بأغلى من دماء شعب فلسطين، وأنها لن تزيدهم إلا إصرارا على استكمال الطريق.

ثم يفاجئنا بصورة له مع زوجته الراقدة في المستشفى لتلقي العلاج، بعد أن أخبرها بالنبأ، وظهرا معا يلوحان بعلامة النصر وابتسامة الرضا والصبر على وجهيهما. إسماعيل هنية بشر يتألم كما يتألم البشر، ويقينا كان يكتم حزنه وهو يدلي بهذه الكلمات، ويقينا كان الألم يعتصر قلبه وهو يتلقى النبأ، لكن الرجل يعلم أنه في موقع المسؤولية، وأن ثباته وصبره وصموده سوف يكون له أثره الإيجابي على شعب غزة.

هذا الثبات الملحمي لا يمكن أن يكون إلا لصاحب قضية وهبها نفسه وماله وراحته وأهله وكل ما لديه

هذا الثبات الملحمي لا يمكن أن يكون إلا لصاحب قضية وهبها نفسه وماله وراحته وأهله وكل ما لديه، ليس هذا حال عبيد المال والشهرة وزخرف الدنيا، ليس هذا حال قادة يتاجرون بدماء شعوبهم.
الذين يريدون لأعضاء المكتب السياسي أن يوجدوا على أرض غزة ليتشاركوا الموت مع أهلها، وإلا فهم الجبناء الخانعين المتاجرين بالدماء، هؤلاء بأي منطق يفكرون، بأي قلم يكتبون، بأي خلقٍ يهمزون ويلمزون؟!



إن لم يكن أعضاء المكتب السياسي بعيدا عن استهداف آلة الدمار، فمن يفاوض على الأوضاع في غزة مع الوسطاء والأعداء، هل ستخرج القيادات الميدانية للقسام من الأنفاق وتستقل طائرة خاصة تحلق بها في سماء غزة تعبر بها إلى حيث طاولة المفاوضات؟ فما لهم كيف يحكمون.

قطعا لن يكف أصحاب هذا الاتجاه العدائي عن شيطنة المقاومة ورجالها، لكن ما يهمني هو الجماهير التي تتعرض لهذه المواد المضللة، ينبغي أن تكون على قدر من الوعي، لا تركن إلى الأحاديث التي تُطلق جزافا بلا إثبات قطعي، فالوقت وقت حرب، ليس هذا بالوقت الذي نستهين فيه بالدعايات ونرددها ونروجها بلا يقين، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه هنية غزة المقاومة استشهاد غزة هنية الاحتلال المقاومة استشهاد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسماعیل هنیة هذه الدعایة

إقرأ أيضاً:

في ذكرى استشهاده.. حماس تُحيي إرث هنية.. ارتقى قائدًا كما عاش مقاومًا

أصدرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية بيانًا صحفيًا استذكرت فيه سيرته، مؤكدة أن استشهاده لم يكن نهاية لمسيرته، بل "محطة مفصلية تؤكد أن قادة المقاومة يختمون حياتهم كما عاشوها: في قلب المعركة، وعلى طريق القدس".

استشهاد في المنفى.. وجثمان في الدوحة
استشهد هنية فجر يوم الثلاثاء 31 تموز/ يوليو 2024، في العاصمة الإيرانية طهران، إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت مقر إقامته المؤقت خلال زيارة رسمية كان يجريها ضمن سلسلة لقاءات مع مسؤولين إيرانيين لمناقشة تطورات العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. وقد نُفذت الغارة باستخدام طائرة مسيّرة يُعتقد أنها عبرت الأجواء الإقليمية بدعم استخباراتي.

أسفرت الضربة عن استشهاد هنية ومرافقيه وعدد من المسؤولين الإيرانيين الميدانيين. ورغم الغموض الذي لفّ تفاصيل العملية في البداية، إلا أن وسائل إعلام عبرية أكدت لاحقًا وقوف "الموساد" ووحدة "أمان" العسكرية خلف العملية، التي اعتُبرت من أكثر العمليات جرأة منذ اغتيال القائد قاسم سليماني في 2020.

وقد وُري جثمان هنية الطاهر الثرى في العاصمة القطرية الدوحة، بحضور حاشد من أبناء الجالية الفلسطينية والعربية، وبتغطية واسعة رسمية وشعبية. وأعلنت "حماس" آنذاك أن الرد سيكون ميدانيًا واستراتيجيًا، مؤكدة أن "الدم لن يُهدر، بل سيتحول إلى نارٍ تحت أقدام المحتلين".

إرث مقاوم طويل.. من الانتفاضة إلى طوفان الأقصى

استعرض بيان "حماس" مسيرة الشهيد، التي بدأت منذ تأسيس الحركة في أعقاب الانتفاضة الأولى عام 1987، وتواصلت عبر عقود من النضال في ساحات العمل التنظيمي والسياسي والدبلوماسي والمقاوم. تولى هنية رئاسة الوزراء في أول حكومة فلسطينية بعد فوز "حماس" في انتخابات 2006، ثم أصبح رئيسًا للمكتب السياسي للحركة، في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ القضية الفلسطينية.

وأشار البيان إلى دوره في مواجهة الحصار والحروب المتكررة على قطاع غزة، فضلاً عن مساهماته في العمل الدبلوماسي على امتداد العواصم العربية والإسلامية، بما في ذلك جهوده لتثبيت المقاومة في الوجدان العربي والدولي.

صوت القرآن والموقف السياسي

لم يكن الجانب السياسي وحده ما طبع شخصية هنية، بل كان ـ كما وصفه البيان ـ صاحب "صوت شجي في تلاوة القرآن، وحضور جماهيري حاسم، ومواقف لا تتزعزع"، من أبرزها عبارته الشهيرة: "لن تسقط القِلاع، ولن تُخترق الحصون، ولن يَخطفوا منا المواقف، ولن نعترف بإسرائيل".

دعوة لتخليد ذكراه بيوم عالمي لغزة والقدس

وفي رسالة وفاء حملت طابعًا استراتيجيًا، دعت "حماس" إلى اعتبار يوم الثالث من آب/ أغسطس من كل عام "يومًا وطنيًا عالميًا" لنصرة غزة والقدس والأقصى والأسرى، وليكون منصة لحراك جماهيري مستمر حتى وقف حرب الإبادة والحصار، وإنهاء الاحتلال عن كامل الأرض الفلسطينية.

دماء على الطريق.. من أبنائه إلى نفسه
ذكّر البيان بالتضحيات الشخصية التي قدمها القائد هنية خلال حياته، والتي توّجها باستشهاده، بعد أن قدّم عددًا من أبنائه وأحفاده شهداء في العدوان الإسرائيلي على غزة خلال عملية "طوفان الأقصى".

وأكدت "حماس" أن الشهادة لم تُبعد القائد عن مسار المقاومة، بل رسّخت صورته "كقائد ميداني حتى وهو بعيد عن أرض الوطن"، معتبرة أن دمه المسفوك في طهران وجثمانه في الدوحة، إنما "يجسدان امتداد المعركة في بعدها العربي والإسلامي".

المقاومة مستمرة.. وعهد على الوفاء

اختتم البيان بالتأكيد على التزام الحركة بالسير على خطى الشهيد هنية وكل القادة الشهداء، "تمسكًا بالثوابت، ودفاعًا عن الأرض والمقدسات، وحمايةً لشعبنا، حتى تحقيق الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس".

وجددت "حماس" شعارها الراسخ: "وإنَّه لجهادٌ.. نصرٌ أو استشهاد."



مقالات مشابهة

  • في ذكرى استشهاده.. نص رسالة الشهيد إسماعيل هنية لقائد الثورة
  • في ذكرى استشهاده.. “الثورة نت” يعيد نشر رسالة الشهيد إسماعيل هنية لقائد الثورة
  • في الذكرى الأولى لاستشهاده.. كلمات خالدة للقائد إسماعيل هنية في لقائه الأخير مع ممثلي أنصار الله
  • لجان المقاومة: هنية كان نموذجًا متقدمًا لوحدة شعبنا
  • “حماس” في الذكرى الأولى لاغتيال هنية: استشهاد القادة يزيدنا تمسكًا بالحقوق والثوابت
  • عام على اغتيال إسماعيل هنية.. حماس: دماء القادة مناراتٌ على درب التحرير
  • "حماس" في الذكرى الأولى لاغتيال هنية: استشهاد القادة يزيدنا تمسكًا بالحقوق والثوابت
  • الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد "حماس" إسماعيل هنية
  • حماس تحيي الذكرى الأولى لاغتيال إسماعيل هنية
  • في ذكرى استشهاده.. حماس تُحيي إرث هنية.. ارتقى قائدًا كما عاش مقاومًا