قراءة في مجموعة «قلبٌ آيلٌ للخُضْرة»
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
بهاءٌ مديدُ الطُّهر يُفْرغُ سرَّه / على الأرضِ والقلبُ السّماويُ ينظر / تزِفُ خُطاها غيمتانِ وخفْقَةٌ / شماليّة الآمالِ بالحبّ تُزْهرُ
يشير أدونيس إلى ما قبل الرومانسيّة بأن الشعر كان يكرّر الأشكال والأفكار المستنفدة؛ بينما بعد ذلك انساق الشعراء في طرق مفتوحة باستعارة أجواء وصيغ أسلافهم. نستطيع أنْ نؤكد ذلك في تجربة الشاعرة رقيّة الحارثيّة؛ فهي تمثّل جيلا شعريّا في الأدب العماني المعاصر يعمل على الإمساك بطرف التجربة الأصيلة وحداثة التشكيل المعنوي في الشعريّة الحديثة أمام ثورة الشعر وانفتاحه على الفنون والعلوم بالإضافة إلى ركاكة التجارب الشعريّة التقليديّة التي وقع شعراؤها بين يُتم الصلة بالقديم وهشاشة التخلف عن الحديث، والأدب العمانيّ كغيره كان بحاجة ماسة إلى حساسية الشاعر لإنقاذه من التكرار والسطحيّة، فتغير الحساسية الشعريّة في الشعر العربيّ ـ كما تقرأه الخضراء الجيوسيّ في تجربة الأخطل الصغير ـ تحرّر من جمود الكلاسيكيّة وتقعّرها وانسياب موسيقيّ في يسر وتناغم لفظيّ، وكذلك حضور الطبيعة، ليس بالتّأمل الحسيّ كما يشير فاتح علاّق؛ بل بالاقتراب منها والإفضاء إليها بمشاعر الشاعر وأحاسيسه، وكأنها روح يبادلها النجوى ويحاورها ويستخلص منها تأملاته.
رقيّة الحارثيّة تستدرك ـ كآخرين من شعراء جيلها ـ رومانسيّة التجربة الشعريّة العمانيّة بعد جيلين من فترة الرّواد في الشعر الحديث، وعلى الرغم من تطوّر النص الشعري العماني المتمثّل في تداخل الشكلين التفعيلة وقصيدة النثر، ومحاولات القصيدة العموديّة لدى بعض الشعراء الشباب بأنْ تغامر مغامرة تحقيق شعريّتها بأدوات واتجاهات النصّ الحر؛ نقول على الرغم من ذلك إلا أن تجربتها في هذا الصفّ تستعيد محافظة على سمات الرومانسية في القصيدة المعاصرة، إيمانا بقرب هذه الاتجاه من الذات البشريّة في بساطتها وعلاقتها بالمحيط طبيعة ومواقف ورغبة من الانعتاق من صلابة المدنيّة وثقلها على الذات، وكذاك ـ كما يقول عبداللطيف عبدالحليم عن هذا الاتجاه في الأدب العمانيّ ـ إدراك هؤلاء الشعراء أن الشعر مغامرة صعبة في اكتشاف الكون وإعادة صياغته مع التزامهم بضرورات الفن؛ تلك التي يرونها ـ طبعا ـ بأنه تحقق الفن الحقيقيّ.
الذات والوطن والطبيعة ومواقف الإنسان منها؛ أهم ما يشكل معاني تجربة الشاعرة رقيّة الحارثيّة في مجموعتها الشعريّة (قلبٌ آيلٌ للخضْرة)، أصوات الداخل الإنساني وهو يعادل العلاقة بينه وبين محيطه محاولا إعادة صياغته؛ كما يشعر به.
إلى مَن تلوّحُ وقت انكسار الخُطى؟/ طويلا تلوّحُ/ والأرضُ لمّا تجفّ من الحُزن مُنذ استفاقت!/ أكنتَ تعبئُ قارورة العمر بعضا من الصبر كالعاشقين؟!/ تسرّحُ حقل الحنين الذي شعّثته الدروبُ بأضلاعنا؟!
المسافة بين الذات وصاحبها في الاتجاه الرومانسيّ لا يميّزها فيه عن غيره من الاتجاهات الحديثة قصر المسافة بينهما؛ بأنْ تكون قريبة كما يظن بعض الدارسين، فالمؤثّرات المختلفة والأدوات التي تتشكل منها هي الملامح البارزة، فالمخاطب في المقطع السابق هو ثنائيّة (أنتَ/ أنا)، كما تقرأ الذات صاحبها في الشبيه أو الضدّ أو المتوازي، ويتعلق الأمر بكيفية تتبّع العلاقات بين الذات وصاحبها ومدى ظهورها في التجربة؛ فالشاعر الحديث خفيّ عصيّ على الظهور أمام عين التلقي، ولهذا فتمازج الذوات كما في تجربة رقيّة الحارثيّة هو خروج منها إلى مقابلها باعتبارها مؤثّرا ومتأثرا، فكل ما يمتّ إلى الذات من مشاعر ومواقف تقف أمام الذات الشاعرة ذاتا موازية حقيقة أو مجازا؛ إذ الأول (هو) والثاني (أنا)، وهي ليست ثنائية محاكمة بل انتشال من محسوس مؤلم إلى ملموس أقل ألما بالاعتراف.
لا يعني هذا التّحول في الأدب العربي بأنّ الكلاسيكيين بعيدون عن هذه الرؤى؛ لكن ارتباطهم بمعجم وأساليب الشعراء القدماء حاصر آفاقهم فكان الجانب الرومانسي فيهم يتداخل مع الطبيعة الشعريّة العامة، ولهذا يرى عبدالقادر القط هذا الجانب في الباروديّ التفاته إلى ذاته، وتقاربه مع معاني الوجدانيين المحدثين، إضافة إلى معاني الغربة وآلامها، فإذا ما أسس دعائم التّحولات هو التحرر من القالب والأساليب بمعجم يعبّر عن رغبة الشاعر في الأفق، نقرأ في نصّ الشاعرة (وطَن يموسِقه الوطن) هذا الاغتراب الذي اشتبك مع الذات الإنسانيّة في شقائه على الأرض حين يعيش صراعا للاحتفاظ بوطنه:
(عيناي بلّلتا فؤادي للدّجى زُلفى/ والوقت ينهش ضِحكتي مع كل فاصلة تُثار! / ... / للموت رائحةُ الرّماد/ وأنت تعبره بِعكّازين وحْدك يا وطن!! / ... / بغداد يا «سيّاب» لمْ تأتْ وما صدقتْ رؤاي!/.../ بغْداد تغمس طينتي في آهة خرساء/ وتعيد أحلامي إلى الصّمت المُطعّم بالدموع)
تشير آلاء جرار في مقال لها إلى تعدد مفاهيم الوطن في الشعر العربي الحديث، وقد اتخذ أنماطا فلسفيّة وفكريّة بدلالات مكثّفة، وحاصرت التحولات السياسية والاجتماعيّة الشاعر من صريح غربة الوطن في حياة الشاعر العربيّ، ومنذ بداية صراع انتزاع الوطن العربي من أيادي الاستعمار؛ والشاعر العربي ينزف دما وأرضا وإنسانا، وكل وجع يتكرّر يستعيد هذا الغياب حتى لو لم يكن هذا الشاعر يعيش على تلك البقعة العربيّة، وفي نص الشاعرة رقيّة الحارثيّة السابق يتجلّى لنا ذلك بوضوح، فقد بدأت الشاعرة بسؤال التّحولات الأولى بمطلع النص:
(مَنْ نضّد الوجع المُبعثَرَ منذُ ميلاد الطهارة؟/ ذاك الذي اقترف النهاية ثم هرول واسْتباح الأغنياتْ)
إنه سؤال الإنسان العربي العميق حين يفيق على فراغ من كثير من المعاني التي تحقق له علاقته بذاته وأرضه، لا يمكن أن تتجاوز ذات الشاعر كل الروابط البشريّة إلى هذا المعنى الجارح إلا بامتزاج ذاته الموجوعة إنسانيّا، تلك التي لا تحاكم الشعور بغياب الوطن وغربته دينيّا أو عرقيّا أو شكليّا، وآلام الشاعرة في النص السّابق تستعيد حلما رآه السّياب بغداد الإنسان في عراق الحضارة، وفي كل ما بناه الإنسان انعكاس ذاته على الأرض، وانعكاسها على ذاته؛ وجودا وأنسابا وقيما وعمرانا، يترك كل ذلك وجع فقده على ذات الشاعرة تساؤلا وافتقادا (بغداد يا «سيّاب» لمْ تأتْ وما صدقتْ رؤاي!).
في تحولات الشعر العماني بعد جيل الرّواد وبعد تأصيل الشعر الحر تجربة خطاب الشعر الرومانسيّ كان على القصيدة أن تستجيب للنداء الدّرامي في التعبير عن هذه التحولات لغة وأسلوبا ومضمونا، فالتعبير الدرامي ـ كما يراه أستاذنا عز الدين إسماعيل ـ أعلى صورة من صور التعبير الأدبيّ، حيث يتولّد من الرغبة في البحث عن الذات والوصول إلى كينونة الإجابات الوجوديّة والقيميّة، فنقرأ بعد ذلك الجيل واليوم نموذجا شعريّا يمثل مراحل من هذه التحولات. نص الشاعرة (نهرانِ من حبّ):
أنْثالُ كالضّوء الموزّع ماءه/ ومعاطف الغيم المعلق أوسدتْ لي قلبها المُكتظّ بالطُّهْر الزُّلالْ/ ما كان في وسع الهواجس أنْ تجفّف من عيوني ماءها/ أو تشعلَ الوجه اغترابْ
لنقرأ في النصّ ذاته:
لو فرّ اسْمي من دَمي من غير رائحة العصافير الصغيرةْ / لو لم أكنْ منفضَّةً بالأمنيات المصطفاةْ / لو أنجبتْ كفّاي غيرَ الغيم ساعةَ صحوها / لو ...........!
نجد تحوّلات تجربة الشاعرة نموذجا على رؤية شعريّة تحرص على اختلاف الشعريّة واستدراك الرومانسيّة المتقدمة في الأدب العمانيّ؛ حيث توظّف الشاعرة أدوات الجيل الثالث الذي أثبت باختلاف أشكال تجاربه الشعريّة قدرته على التعبير الشعري بما استفاده من تطوّر الشعريّة الحديثة من الجمع بين استعادة الموروث وإبداع الجديد، ففي النص السابق تبني الشاعرة صورتها الشعريّة بتراكيب تتدفّق بيسر تتابع المتواليات الشعريّة، ويشكل المعجم تنوّعا دلاليّا يمنح القراءة عالما واسعا من قراءة المفردات وتوزيعها، وفي الجزء الثاني توظّف أدوات طباعيّة تنقل الخطاب به إلى مستوى آخر من القراءة البصريّة؛ يحوي دهشة المتناقضات في المتوالية الشعريّة؛ وكأن الشاعرة تمنحها بعدا آخر من المعنى.
هكذا تقرأ نصوص المجموعة متدفّقة بين الشكلين الشعريين، تستدرك بهما الشاعرة رقيّة الحارثيّة رومانسيّة الجيلين الشعريين في الأدب العماني، مؤكدة على استفادة الجيل المعاصر ـ الذي تمثّله الشاعرة ـ من التحولات الشعريّة. وقد حاولت قراءة بعض نماذج من مجموعتها في ضوء تنوعها بين الشكل العموديّ والتفعيلة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشعری ة ة الشاعر فی الشعر شعری ة
إقرأ أيضاً:
"اليونيسف" تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية
مسقط- العُمانية
تعد سلطنة عُمان من الدول الرائدة في مجال تنمية الطفولة المبكرة، سواء على مستوى السياسات أو الخدمات المقدمة، كما أنها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل، وبادرت مبكراً إلى سنّ التشريعات اللازمة لحماية حقوق الأطفال.
وأكد مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان على أن إصدار قانون الطفل في عام 2014 دليلاً واضحاً على هذا الالتزام، بالإضافة إلى قانون التعليم المدرسي 2023 الذي أكد على حق الطفل في الالتحاق بالتعليم المبكر، وقانون الحماية الاجتماعية 2023 الذي قدّم منظومة متكاملة للمنافع والتأمينات الاجتماعية والتي اعتمدت أفضل الممارسات الدولية في تقديم المنافع بما فيها منفعة الطفولة ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على تطويرها لتعظيم العائد في تحقيق الحماية والاستثمار في تنمية الطفولة وترسيخ مبادئ العدالة.
وقالت سعادة سومايرا تشودري ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان إنها تشهد تقدمًا مهمًا في مجال الحماية الاجتماعية، من خلال تعزيزها للسياسات الوطنية التي تهدف إلى دعم الأطفال والأسر، وضمان وصول الخدمات للفئات الأكثر احتياجًا، وشمل هذا التقدم تطوير نظم الحماية الاجتماعية وتحسين التنسيق بين القطاعات لضمان استجابة متكاملة لاحتياجات الفئات المستفيدة.
وكشفت أن المكتب يقوم بدور محوري في دعم الجهود التي تنفذها سلطنة عُمان، من خلال تقديم الدعم الفني والمشورة الاستراتيجية في تصميم السياسات والبرامج، وتعزيز القدرات الوطنية في جمع البيانات وتحليلها لاستخدامها في التخطيط القائم على الأدلة، كما يعمل بالشراكة مع الجهات الحكومية على تعزيز نظم حماية الطفل وضمان اندماجها ضمن منظومة الحماية الاجتماعية، بما يسهم في بناء نظام شامل ومستدام يُعنى برفاه كل طفل.
وأضافت سعادتها في حديث خاص لوكالة الأنباء العُمانية أن التعاون بين سلطنة عُمان ومكتب "اليونيسف" يرتكز على شراكة استراتيجية طويلة الأمد بدأت منذ عام 1971، وتهدف إلى تعزيز حقوق الطفل في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، والصحة، والحماية، والتغذية، والنماء في مرحلة الطفولة المبكرة. ويعمل الجانبان بشكل وثيق على تطوير السياسات والبرامج الوطنية التي تضمن لكل طفل في سلطنة عُمان التمتع بحقوقه بشكل متكامل وعادل، بما يتماشى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ورؤية "عُمان 2040".
وأوضحت سعادتها أن التعاون بين الجانبين يتمثل في برنامج قطري مشترك يتم التنسيق بشأنه مع الجهات المعنيّة بشؤون الطفل في سلطنة عُمان، ويُعاد إعداد هذا البرنامج كل خمس سنوات مع إعداد خطط سنوية للتنفيذ، حيث يجري خلاله النقاش حول الأولويات والبرامج الوطنية التي تُدرج ضمن إطار دعم اليونيسف لجهود الحكومة في مجال تعزيز رفاه الأطفال.
وأشارت سعادتها إلى اهتمام سلطنة عُمان المتزايد بتنمية الطفولة المبكرة، وهو ما يُترجم من خلال إدماج هذا الملف ضمن أولويات الخطط الوطنية، وزيادة الاستثمار في برامج الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، لافتةً إلى أن التركيز على السنوات الأولى من حياة الطفل يعكس الفهم العميق لسلطنة عُمان حول أهمية هذه المرحلة في تشكيل قدرات الطفل ومهاراته المستقبلية.
وأفادت أن سلطنة عُمان حققت مراكز متقدمة في مؤشرات تنمية الطفولة والتحصين الشامل للأطفال والالتحاق بالتعليم الذي يشمل جميع الأطفال دون استثناء، وتواصل إظهار التزامها من خلال تبني حلول مبتكرة لتعزيز دور الأسرة والطفل، مثل تشريع قانون العمل والسياسات الصديقة للأسرة التي تمنح الوالدين وقتاً كافياً لرعاية الطفل في مراحله الأولى، مؤكدةً أن هذه الجهود تضعها في موقع ريادي على خارطة العالم في مجال رعاية الطفولة وحمايتها.
وذكرت المسؤولة الدولية أن سلطنة عُمان تنفذ حزمة متكاملة من البرامج التي تهدف إلى تنمية قدرات الأطفال والناشئة، سواء في مجالات التعليم، أو الصحة، أو المشاركة المجتمعية واليوم، نلاحظ نقلة نوعية في تبني مقاربات شاملة تراعي احتياجات الأطفال من مختلف الفئات، بما في ذلك الأطفال ذوي الإعاقة، والأطفال المعرضين للخطر، مشيرةً إلى أن "اليونيسف" تدعم هذه التوجهات وتعمل على تعظيم أثرها من خلال التعاون الفني وبناء القدرات.
وأردفت سعادتها أن من التعاون الوثيق مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المعنيّة الأخرى كوزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، تكاتفت الجهود من أجل تحليل وفهم مسار تنمية الطفل وحمايته من جميع أشكال الإساءة أو الخطر، وأن هذا التعاون المؤسسي يُجسد العمل المشترك على تحديث دليل حماية الطفل وإعداد دراسة عن إنشاء مراكز متكاملة للطفولة المبكرة؛ بهدف تعزيز آليات التنسيق والتكامل بين الجهات المعنيّة، بما يضمن تحسين متابعة حالات الأطفال، وتحقيق اتساق واستمرارية في الإجراءات والمتابعة بجودة عالية بين جميع الأطراف ذات العلاقة.
ولفتت إلى أن القوانين الوطنية مثل قانون الطفل ودليل حماية الطفل تُعد من الإنجازات المحورية التي تضع سلطنة عُمان في مصاف الدول الساعية لحماية حقوق الطفل، ومن منظور دولي، فإن هذه التشريعات تعكس التزاماً حقيقياً من سلطنة عُمان بمواءمة قوانينها مع الاتفاقيات والمعايير الدولية، التي تسهم في تعزيز بيئة قانونية توفر الحماية والإنصاف للأطفال.
وتابعت سعادتها قائلة إن لسلطنة عُمان دور مهم ومحوري في دعم البرامج التنموية والإنسانية المتعلقة بالطفولة، سواء على الصعيد الوطني أو من خلال مشاركتها في الجهود الإقليمية والدولية، وأن اليونيسف تؤمن أن سلطنة عُمان قادرة على أن تكون صوتاً مؤثراً للأطفال في المنطقة، من خلال دعم المبادرات التي تعزز الصحة، والتعليم، وحماية الأطفال، خاصة في سياقات الأزمات الإنسانية.
وقالت سعادتها إن سلطنة عُمان محط أنظار العالم بفضل مواقفها النبيلة وتوازنها في دعم قضايا الطفولة والإنسانية وتُعد سياستها السلميّة والحيادية عاملاً أساسياً في جعلها شريكاً موثوقاً وصديقاً للجميع، خصوصاً في ظل الأزمات الإنسانية المتكررة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي هذا الإطار، قدّمت دعماً سخياً لأطفال غزة من خلال التبرع بمبلغ 385 ألف ريال عُماني (مليون دولار) لصالح الأطفال في القطاع، وذلك في إطار دعمها المتواصل للأعمال الإنسانية والإغاثية التي تنفذها "اليونيسف" حول العالم.
وأضافت سعادتها أن أبرز المبادرات لتطوير برامج التعليم ما قبل المدرسي تمثلت في دعم تطوير البيئة المدرسية الصديقة للطفل، وتمكين المعلمين من استخدام أساليب تعليمية شاملة من خلال تعزيز إطار مهارات المستقبل، كما تضمّن العمل مع وزارة الصحة على بناء قدرات الكوادر العاملة في تقديم خدمات رعاية الطفولة المبكرة، إضافة إلى دعم برامج التغذية، مثل الرضاعة الطبيعية والصحة النفسية، فيما تضمّن التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، إجراء دراسة شاملة تستعرض عدداً من المسارات المحتملة لتفعيل قانون التعليم، والذي ينص على أن التعليم ما قبل المدرسي هو حق أساسي لكل طفل، وفي هذا الإطار ومن هذا المنطلق، تعمل اليونيسف على تحليل الاستراتيجيات المختلفة وتحديد المسارات المناسبة لضمان البدء بتقديم خدمات التعليم المبكر للأطفال في سلطنة عُمان. بالإضافة إلى إعداد دراسة لتعزيز تنمية الطفولة المبكرة من خلال إنشاء مراكز تقدم خدمات تعليمية وصحية للأطفال في هذه المرحلة العمرية.
وأفادت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" في سلطنة عُمان ينفذ مجموعة من البرامج التي تهدف إلى بناء وتعزيز قدرات الكوادر في الصفوف الأولية، ودعم العاملين في المجال الاجتماعي الذي يشمل تقديم الدعم الفني المستمر للشركاء في وزارتي الصحة والتربية والتعليم لضمان جودة واستدامة التدخلات، مؤكدةً أن هناك التزاماً متنامياً نحو تحسين جودة خدمات التأهيل والرعاية المقدمة للأطفال من ذوي الإعاقات وبالجهود الواضحة لتطوير البنية الأساسية والخدمات وتوفير الكوادر المؤهلة، لافتة إلى ضرورة تعزيز الدمج المجتمعي والتعليمي، وتطوير أدوات الكشف المبكر والتدخل في مراحل الطفولة الأولى.
وأوضحت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" يقوم بدور محوري في دعم الحكومة العُمانية لتطوير نظام وطني مُوحد لحماية الطفل يقوم على الوقاية، والرصد، والتدخل المبكر، كما يعمل على تعزيز التوعية المجتمعية، وبناء قدرات العاملين في الصفوف الأمامية، وتطوير الأدلة والإجراءات الموحدة للتعامل مع حالات العنف والإساءة والإهمال، حيث أطلق المكتب برنامجاً لتدريب المُدربين في مجال التربية الإيجابية؛ بهدف تعزيز وعي أولياء الأمور ومقدمي الرعاية حول عدد من المحاور الأساسية، من بينها حماية الطفل، والتغذية السليمة والتفاعلية، وتحفيز التعلم المبكر، وتعزيز الدمج المجتمعي للأطفال.
وفيما يتعلق بنشر الوعي لجميع فئات المجتمع، بيّنت أن بالتعاون مع شركائها من الجهات المعنيّة ومؤسسات المجتمع المحلي واللجنة الوطنية لشؤون الأسرة، تم إطلاق حملة توعوية وطنية تحت شعار "أطفالنا أمانة" حظيت بتفاعل واسع وتقبل كبير من المجتمع، ويتم تفعيلها بشكل مستمر لتذكير أفراد المجتمع بأهمية تنمية الطفولة المبكرة، وتسليط الضوء على المراحل الأولى من حياة الطفل لما لها من أثر مباشر على مستقبل الطفل والنشء.
وذكرت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" عمل على تصميم وتنفيذ حملات تواصل وتغيير سلوك تركز على دور الأسرة والمجتمع في حماية ودعم الطفل، خاصة في القضايا الناشئة مثل التنمر الإلكتروني، والصحة النفسية، والعنف بهدف إشراك الأطفال واليافعين أنفسهم في التعبير عن احتياجاتهم وتمكينهم ليكونوا جزءاً من الحل، كما أطلق بالتعاون مع شركائه من الجهات الحكومية، استراتيجية وطنية للتواصل الاستراتيجي من أجل التغيير السلوكي المجتمعي، وهي مبنيّة على أدلة علميّة تتناول الممارسات والعادات والمستوى المعرفي المتعلق بتنمية الطفولة المبكرة وأهميتها، وتبحث سبل معالجة التحديات المجتمعية التي قد تعيق هذا النمو، لا سيما تلك التي لا تشملها السياسات أو الخدمات المباشرة، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوعي والمعرفة المجتمعية، بالإضافة إلى تنفيذ حملات توعوية استراتيجية وموجهة تستهدف الفئات الرئيسة من المجتمع؛ بهدف رفع المؤشرات الاجتماعية المؤثرة على تنمية الطفولة المبكرة، مثل تعزيز الرضاعة الطبيعية والتغذية السليمة، بما يسهم في خلق بيئة داعمة لنمو الطفل وتطوره الشامل.
واختتمت سعادة ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان بالتأكيد على تطوير برامج تعزز من المهارات الحياتية والاجتماعية للأطفال واليافعين مثل مهارات التواصل، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنيّة للإسهام في تعزيز شعورهم بالانتماء والاندماج، إلى جانب دعم المبادرات التي تتيح لهم مساحات آمنة للمشاركة والتعبير، لربطها بالسياسات الوطنية لضمان استدامتها.