إيهود باراك.. العبد نتنياهو والمسيح المخلص
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، مؤخرا، تصريحا للقناة التلفزيونية الإخبارية الفرنسية LCI، كان من المفترض "نظريا" أن يثير الجدل في هذه القناة وفي فرنسا، التي يرفع إعلامها وطبقتها السياسية شعار الدفاع عن "اللائكية" (العلمانية الفرنسية)، التي تحولت إلى ما يشبه "دين الدولة" بتفسيرات "أصولية متطرفة"، لا تدعو فقط إلى فصل الدين عن الدولة (للمفارقة!) بل استبعاد مظاهر الدين (والمقصود أساسا الإسلام) أيضا عن الفضاء العام بشكل تراجيكوميدي.
ولكن "اللائكية" المستغلة من هؤلاء "الأصوليين المتطرفين اللائكيين" المنحازين بشكل مفضوح لإسرائيل المبررين لجرائمها المتواصلة في غزة وفلسطين، لا يناقشون بمنظارها ما صرح به إيهود باراك وغيره من اليهود، سواءً الصهاينة الأصوليين أوالعلمانيين المزعومين، الذين "لا يؤمنون بوجود الله، لكن يؤمنون بأنه وعدهم بالأرض المقدسة في فلسطين"!
لقد تحولت "اللائكية" إلى سلاح يستهدف الإسلام والمسلمين فقط وخطرهم المزعوم عليها مثلما يحدث مثلا وبشكل "هستيري" في الصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية العنصرية والإسلاموفوبية المملوكة لأحد أباطرة الإعلام فانسون بالوري للذي هو للمفارقة "أصولي كاثوليكي". لكن وسائل إعلامه لا تتوقف عن مهاجمة المسلمين وخطرهم على "اللائكية" المقدسة، وتقوم للمفارقة، مثلما هو الشأن بشكل أوضح وأفظع في قناة "سي نيوز"، ببث القداس المسيحي من الكنائس كل أحد على المباشر، وتروج لما تسميه "فرنسا ذات المرجعية الثقافية والحضارية "المسيحية ـ اليهودية".. في المقابل يوثق المذابح التي قام بها المسيحيون وخاصة الكاثوليك، مثل بالوري، في حق اليهود، الذين يعتبرونهم قتلة المسيح..
فيما لا يعترف اليهود فقط بالمسيح، بل يقولون كلاما مسيئا في حقه وحق مريم البتول، ويعتبرون "البصق على المسيحيين تقليدا قديما محمودا يجب ممارسته"، كما برر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، هذه الممارسة التي يقوم بها اليهود المتطرفون في القدس المحتلة بشكل خاص ضد المسيحيين، إلى جانب التضييقات والاستفزازات التي يتعرض لها هؤلاء مثل المسلمين ومقدساتهم خاصة في المسجد الأقصى.. المسلمون الذين في المقابل يعتبرون المسيح نبياً ويعلون شأنه هو وأمه مريم التي نزلت سورة كاملة باسمها في القرآن الكريم.
بينما من جهة أخرى فالمسيحيون الإنجيليون، الذين يوصفون بالمسيحيين الصهاينة، وأكثرهم في أمريكا، حيث يبلغ عددهم نحو 80 مليون، فهم لا يرون في اليهود إلا "مطية" فقط، إذ أنهم يدعمون إسرائيل ليس حباً في اليهود، الذين يكرهونهم في الحقيقة، إنما بمعتقدات غريبة وتفسيرات عجيبة للإنجيل يعتقدون فيها بأن تجمع اليهود في الأرض المقدسة في فلسطين عبر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، هو علامة من علامات عودة المسيح المخلص وحرب نهاية العالم، وأنه عندما يعود المسيح فإنه سيخير اليهود بين التحول إلى المسيحية أو الذهاب إلى الجحيم، حيث سيتحولون "إلى كباب"، كما قال حرفيا، المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه!
المفارقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك تحدث في مقابلته مع القناة الفرنسية LCI عن عودة المسيح المخلص هو الآخر، حيث صرح "رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يوجد تحت تأثير وزرائه المسيحانيين (اليهود) العنصريين لحماية مكانته في السلطة، ولأنه لا يريد فقدان السيطرة على البلد. وقد تحول إلى أشبه بعبد لدى هؤلاء الوزراء الاستعباديين، الذين يفرضون خياراتهم عليه، مع أن الخيار الأفضل لإسرائيل هو العمل إلى جانب الحلفاء الأمريكيين. ولكن على العكس من ذلك فهؤلاء الوزراء يريدون مزيدا من التصعيد نحو حرب أوسع لتسريع مجيء المسيح المخلص".
وتجدر الإشارة إلى أن المشيح أو المِسّيّا بالعبرية، ومعناها المسيح، في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي.
واللافت أن باراك لا يتوقف عن انتقاد نتنياهو وأدائه قبل وبعد 7 أكتوبر 2023، واتهامه بتقديم حساباته الشخصية للبقاء في السلطة.
وأكد في تصريحات سابقة أنه لو كان نتنياهو في دولة بوضع طبيعي لاستقال بعد هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر الماضي، والذي اعتبره فشلا أمنيا كبيرا لإسرائيل. وصرح أنه "لا يمكن القضاء على حركة حماس بشكل كامل، فحماس هي أيديولوجية، وهي موجودة في أحلام الناس في قلوبهم وفي عقولهم".
الخيار الأفضل لإسرائيل هو العمل إلى جانب الحلفاء الأمريكيين. ولكن على العكس من ذلك فهؤلاء الوزراء يريدون مزيدا من التصعيد نحو حرب أوسع لتسريع مجيء المسيح المخلصلكن باراك لا يقل إجراما عن نتنياهو ومن معه. وفي هذا السياق، وحتى قبل 7 أكتوبر، قام الكاتب والصحافي الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي، الذي هو أشرف في انتقاد إسرائيل، من الكثير من الصحافيين الغربيين وحتى العرب الدعائيين المبررين لجرائم الدولة الصهيونية، بنشر مقال في يوليو 2023 بعنوان "مجرم يتحدث عن الديمقراطية.. إلى إيهود باراك: ماذا لو ولدت فلسطينياً؟" في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية رداً على مقال نشره باراك في الصحيفة نفسها، انتقد فيها الأخير نتنياهو "معادي الديمقراطية" في خضم الاحتجاجات الصاخبة ضده.
وقد كتب جدعون ليفي ردا على باراك يقول "كيف يمكن لسياسي وعسكري إسرائيلي له سجل كهذا (رئيس أركان ورئيس حكومة ووزير دفاع سابق) أن يتحدث بهذا القدر الكبير عن الديمقراطية.. والحقيقة الخالدة التي شارك في تشكيلها بدرجة لا تقل، وربما أكثر، عن اليمين. سياسي إسرائيلي مثل باراك غير مخول بالتحدث عن الديمقراطية ما دام يتحدث عن الديمقراطية لليهود فقط".
وذكر ليفي "أنه قبل 25 سنة بالضبط وقبل بضعة أشهر على انتخابه لرئاسة الحكومة، سألته في مقابلة أجريتها معه: “لو ولدتَّ فلسطينياً، كيف ستكون حياتك؟”، رد بجواب وحيد وحقيقي: “أتخيل بأنني لو كنت في الجيل المناسب في مرحلة معينة، لانضممت إلى أحد التنظيمات الإرهابية (ويقصد هنا طبعا حركات المقاومة الفلسطينية)".
وأضاف ليفي أنه "بعد عشر سنوات على ذلك، قاد باراك بصفته وزيرا للدفاع آنذاك عملية “الرصاص المصبوب”، وهو الهجوم الأكثر بربرية لإسرائيل على قطاع غزة والذي خلف 1385 قتيلاً فلسطينياً، أكثر من نصفهم مواطنون عاجزون، من بينهم 318 طفلاً و109 نساء و248 شرطي سير. هذا الهجوم البربري كان رقماً قياسياً آخر في الحكم العسكري الاستبدادي لإسرائيل على الشعب الفلسطيني. باراك هو الذي أشرف على العملية ولا يمكن نسيان ذلك".
وشدد الصحافي على أن باراك "وزير الدفاع السابق في حكومة بنيامين نتنياهو، حينها، إضافة إلى أن يديه الملطخة بالدماء، فقد أفشل التوصل إلى حل سياسي للصراع، حين عرض على الفلسطينيين أقل بكثير مما نصت عليه قرارات المؤسسات الدولية".
*كاتب جزائري مقيم في لندن
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فرنسا اليهود المسيحيون فرنسا علاقات يهود مسيحيون رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عن الدیمقراطیة إیهود باراک
إقرأ أيضاً:
باراك: ترامب لا يعير أي اهتمام لنتنياهو
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك -اليوم الجمعة- إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يهتم برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإن الحكومة تفرط بالأسرى المحتجزين في غزة لإرضاء المتطرفين.
وقال باراك، في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية الخاصة، إن "ترامب لا يعير أي اهتمام لنتنياهو، وإنه لم يتدخل فيما قرر نتنياهو فعله في غزة".
وأردف باراك "ترامب يرى أن إسرائيل لن تحقق شيئا في غزة، لأنها لم تحقق شيئا خلال العام ونصف (منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023)".
واعتبر باراك أن نتنياهو "مهمل" في أداء مهامه، وأنه يواصل الإبادة بالقطاع من أجل بقائه في الحكم.
وأوضح باراك أن "نتنياهو يفرط بالرهائن في غزة من أجل إرضاء المتطرفين في حكومته".
وأضاف "لقد تخلى أيضا عن الجنود الاحتياطيين لمصلحة المتهربين من الخدمة"، في إشارة إلى المتدينين اليهود (الحريديم) الذين يعارضون التجنيد الإجباري.
باراك الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 1999 و2001 اعتبر أن نتنياهو "مهمل في كل مهامه"، وأنه مستمر بالحرب من أجل بقائه في الحكم.
توسع العملية العسكرية
وفي ما يخص التوسع المحتمل للعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، يعتقد باراك أنه حتى لو وسّع نتنياهو حملته العسكرية، فذلك سيزيد من عزلة إسرائيل، ويزيد الانتقادات الموجهة لها.
إعلانوتابع "ربما هذه العزلة ستهدد استقرار اتفاقيات أبراهام وربما لاحقا استقرار اتفاقيات السلام".
وبوساطة إدارة ترامب خلال ولايته الأولى، وقعت 4 دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، في عام 2020 اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أُطلق عليها اسم "اتفاقيات أبراهام".
ويأمل ترامب خلال ولايته الجديدة، التي بدأت في 20 يناير/كانون الثاني 2025، أن يستكمل زخم تلك الاتفاقيات.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أن توسيع العملية العسكرية في غزة "حماقة إستراتيجية من الطراز الأول".
وأضاف "لن تحقق هذه العملية نتائج حقيقية، وهناك شك كبير في أنها ستؤدي إلى أي شيء، بل إنها تعرض حياة عدد غير قليل من الرهائن الذين ما زالوا أحياء للخطر الجسيم وربما الموت".
وتقدر تل أبيب وجود 58 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 9900 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، مما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ومطلع مارس/آذار 2025، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى بين حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بوساطة مصرية قطرية ودعم أميركي، والتزمت به الحركة الفلسطينية.
لكن نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية تنصل من بدء مرحلته الثانية واستأنف الإبادة الجماعية بالقطاع في 18 مارس/آذار الماضي، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية، وفق إعلام إسرائيلي.
وكثّفت إسرائيل خلال الأيام الأربعة الماضية وتيرة الإبادة الجماعية في قطاع غزة وارتكبت عشرات المجازر المروعة التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 378 فلسطينيا، وفق بيانات وزارة الصحة بغزة.
وجاء هذا التصعيد الدموي عقب تصديق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) على توسيع عمليات الإبادة في القطاع، وتفعيل خطة عسكرية جديدة تحت اسم "عربات جدعون"، تتضمن حشد مزيد من قوات الاحتياط.
إعلانومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة تترافق مع حصار خانق أدخل القطاع في ظروف إنسانية متردية غير مسبوقة.