الدكتور بنطلحة يكتب: في معنى السيادة
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
د.محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
تشكل السيادة أحد الأركان الأساسية لمفهوم الدولة الوطنية، حيث من خلالها يتجسد واقعيا الوجود القانوني والسياسي للدولة كعضو في المجتمع الدولي، كما يتجسد أيضا بموجبها الاستقلال الوطني، وهي تمثل ما للدولة من سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها أي أن سلطة الدولة في الداخل والخارج لا تعلوها أي سلطة وهي لا تتجزأ ولا تقبل التصرف.
إنها كما عرفها بودان «السلطة العليا على المواطنين والرعايا» كما أن تصريف محكمة العدل الدولية في قضية مضيق «كورفو» سنة 1949 يسير في هذا الاتجاه، السيادة بحكم الضرورة هي ولاية الدولة في حدود إقليمها ولاية انفرادية ومطلقة وأن احترام السيادة الإقليمية في ما بين الدول المستقلة يعد أساسا جوهريا من أسس العلاقات الدولية».
لقد تعرض مفهوم السيادة لعدة تأويلات عبر التاريخ وصلت إلى حد الإساءة في استخدامها لتبرير الفوضى الدولية حيث تهدف بعض الدول إلى المساس بسلامة التراب الوطني لدولة مجاورة وضرب الوحدة الوطنية عبر كيانات انفصالية مدعية أن ذلك يدخل في إطار تثبيت دعائم سيادتها وأمنها القومي وتوازنها الاستراتيجي.
إن ذلك يتمثل كما يشير Harry Gelber في توخي بعض الدول تدبير أمورها في إطار علاقتها بالدول الأخرى على النحو الذي يكفل لها Capacity to manage حماية مصالحها، وهي بذلك تخضع مفهوم السيادة لازدواجية الرؤى والمعايير وفقا لرغباتها ومصالحها.
التطبيق الأبرز على ذلك في الواقع العربي والإفريقي يتجسد في دولة الجزائر التي تحلم بالهيمنة إقليميا على منطقة شمال إفريقيا حيث تحرك أجندتها وفق شعارها المزعوم «تقرير المصير»، وهي بذلك تتجاوز المرجعيات والضوابط التي يسنها القانون الدولي في احترام سيادة الدول وحسن الجوار.
في المقابل، تتغاضى عن مطمح شعب القبائل مثلا في الاستقلال والحرية وتقرير المصير! إنها تتجاهل أحكام القانون التي تحظر المس بحقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب وجرائم إبادة الجنس البشري وحرمان مناطق بعينها من التنمية مما يفرض تدخلا للقانون الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية من أجل التنظيم والحماية على أساس المصلحة الدولية الشاملة.
ترى إلى أي مدى يستطيع حكام الجزائر الالتزام باحترام القوانين والأعراف الدولية، سيما وأن مفهوم السيادة قد عرف نقلة نوعية في ظل المتغيرات الدولية؟
المصدر: مراكش الان
إقرأ أيضاً:
د.منال إمام: مصر خالدة لا تهرم ولا تفقد بريقها وعلمت العالم معنى الحضارة
قالت الدكتورة منال إمام، الباحث في الشئون الدبلوماسية، إنه في زمن تتغير فيه الهويات وتتأرجح فيه الولاءات، يبقى الانتماء لمصر حالة فريدة لا يمكن مقارنتها. في هذا المقال، نغوص في أعماق الشخصية المصرية لنكشف كيف رسم الموروث الحضاري المصري ملامحها المتميزة من الحكمة والدبلوماسية إلى الكرم والابتسامة، وصولًا إلى ذلك المشهد البطولي الذي يتكرّر دائمًا في الأزمات: التفاف المصريين حول وطنهم، داخل البلاد وخارجها، لا لحماية أشخاص بل لصون الكيان الوطني.
دعوة لقراءة تأملية فخورة، تنبض بحب الوطن وتكشف سرّ خصوصية المصريين في زمن يبحث فيه العالم عن الثبات والهوية.
ليست مصر مجرد وطن نحيا فيه، بل هي هوية تسكننا، وتاريخ متجذر في أرواحنا، وموروث حضاري عظيم صنع منّا شعبًا متفردًا في صفاته، فريدًا في طباعه. هذا الموروث الذي لا يُقاس فقط بما تركه الأجداد من آثار شامخة ومخطوطات خالدة، بل بما تركوه فينا من قيم، وسلوك، وطرق تفكير، أصبحت اليوم بصمةً مميزةً للشخصية المصرية.
الشخصية المصرية، في جوهرها، هي نتاج آلاف السنين من الحضارات المتعاقبة، من الفراعنة إلى اليونان والرومان، ثم الفتح الإسلامي، وحتى العصر الحديث. عبر كل تلك المراحل، تبلورت سمات المصري لتظهر في هدوءه، حكمته، وحنكته الدبلوماسية. ليست دبلوماسية السياسة فحسب، بل دبلوماسية الحياة اليومية، تلك التي ترى أثرها في طريقة المصري في التفاوض، في احتواء الخلافات، وفي إدراكه أن السلام قوة، لا ضعف.
ومن رحم الحضارة، خرجت أيضًا صفات لا يمكن فصلها عن المصريين: كرم الضيافة، الذي لا يعرف حسابات، ولا ينتظر مقابل. والابتسامة تلك التي لا تغيب عن الوجوه رغم قسوة الظروف، والتي تُعد نوعًا من أنواع المقاومة الراقية، تذكيرٌ دائم بأن المصريين لا ينكسرون.
لكن الأروع ما يُرى في مواقف الشدة. حين تعصف الأزمات، وتشتد الخطوب، يتجلى معدن المصري الأصيل. لا يلتف حول أفراد أو حكومات، بل حول الوطن نفسه، تلك الأرض التي تقدّسها قلوبهم. وكم من موقف شهد التفاف المصريين في الداخل والخارج صفًا واحدًا لحماية وطنهم! مشهد أبناء مصر في المهجر، حين تلوح في الأفق ملامح خطر، وهم يعودون، لا فرارًا بل فداءً - هو مشهدٌ نادرٌ في عالم يهرب فيه الكثير من أوطانهم ساعة العسرة.
إن هذا الارتباط الروحي بين المصري ووطنه، ليس حالة طارئة، بل نتيجة متراكمة لحضارة علّمته معنى الانتماء، وفلسفة الصبر، وفن البقاء.
في وقت تتغير فيه القيم وتتأرجح فيه الولاءات، تبقى مصر في قلوب أبنائها وطنًا خالدًا، لا يهرم، ولا يفقد بريقه. كيف لا، وهي التي علمت العالم معنى الحضارة، وزرعت فينا خصالها، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ملامحنا وشخصياتنا.
إن مصر خالدة خلود كتاب الله إلى الأبد الذي احتوى بين كلماته ذكر مصر وهي الدولة الوحيدة المتفردة بهذا الشرف، حيث تعهد الله بحفظ كتابه وبقاءه ليوم البعث.
نعم، إنها مصر الخالدة.. التي لا تعرف سوى الكبرياء في المحن، والوفاء في الغياب، والحب الأبدي في قلوب أبنائها.