أوضح عدد من الباحثين والقائمين على المراكز الصيفية أنه وفي هذه الفترة الصيفية يتلقى أبناؤنا علوماً ومعارف قرآنية ومهارات تعود عليهم بالفائدة لتحقق الأهداف الدراسية كإضفاء صبغة إسلامية على حياة الطلبة على مدى أيام الدورة، وكذلك ترسيخ معرفة الله تعالى والتقرب منه بالأعمال الصالحة، والتولي الصادق له، وتحصين المشاركين بالثقافة القرآنية لتنعكس سلوكا مستمرا عليهم في الحياة وتبصرة الطلبة بواجباتهم تجاه دينهم وأمّتهم ومقدساتهم وترسيخ روح المسؤولية لديهم بما يجعل منهم عنصرًا إيجابيًّا فاعلًا ومؤثرًا في واقع الحياة.


الثورة / استطلاع / أسماء البزاز

الباحث والكاتب محمد حسن زيد قال إن التعبير عن حب الأبناء فطرة والحرص على مصلحتهم غريزة، لكن هذا التعبير والحرص يختلف حسب أولويات الأسرة وثقافتها، فمن كانت أولوياته دنيوية فسيجهز أبناءه لمواجهة الدنيا وتحدياتها فحسب، فيحرص على حصولهم على أفضل الشهادات والوظائف والأموال والصحة والمستوى المعيشي لأن هذا ما يراه مهما وأولويا.
وتابع زيد متسائلا: لكن أين هذا من تجهيز أولاده للآخرة؟ لدار البقاء؟ لدار الحقيقة والخلود؟! وعلى قدر إيمان الشخص بهذه الغيبيات ويقينه بها وحضورها في ذهنيته وحياته سيكون حرصه على تجهيز أولاده لها بل سيجعلها أولوية حتى قبل تجهيزهم لمواجهة ماديات الدنيا الفانية.. قال تعالى “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ”، وقال سبحانه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” صدق الله العظيم.
وأضاف: كيف بمن يعرض أبناءه للفتن بيده ويلقيهم لقمة سائغة للملحدين والمنحرفين والشواذ وعالم الإنترنت المتلاطم؟ وكيف بمن لا يسعى سعيا لتعليم أبنائه أبجديات النجاة يوم يقوم الأشهاد ليعرفوا الحق من الباطل والصواب من الخطأ فيكون لهم أبا حريصا ويكونوا هم له ذخرا في الدارين؟

المباركة الطيبة
من ناحيتها تقول فاطمة الجرب مسؤولة الدورات الصيفية للبنات بمحافظة حجة أنه ويفضل الله سبحانه وتعالى استطاعت الهيئة النسائية الثقافية العامة في محافظة حجة، من فتح 125 مدرسة صيفية في أماكن تواجدها حيث بلغ عدد الطالبات الملتحقات بالدورات الصيفية (٧٩١٩) طالبة وما زالت الأعداد في تزايد، ففي هذه المدارس الصيفية يتم تدريس المنهج المقرر للدورات الصيفية للمرحلة الأولى والتي تتضمن المستوى التأهيلي و الأساسي وكذلك المرحلة الثانية والتي تتضمن المستوى المتوسط إضافة إلى ذلك المرحلة الثالثة و التي تتضمن المستوى العالي وفق الجدول المعد لكل المراحل الدراسية. ولإكساب الطالبات أكثر معرفة وأكثر مهارة تم توزيع الطالبات إلى مجموعات كمجموعة الصحة وأصدقاء البيئة وأصدقاء المكتبة وغيرها من المجموعات ولكل مجموعة مسؤولة تعمل على إدارتها بحيث تضفي على العملية التعليمية في المدارس الصيفية نوعاً من المرح ولتستمتع الطالبات خلال هذه الفترة القصيرة بما يتلقينه من علوم ومعارف قرآنية ومهارات تعود عليهن بالفائدة ولتحقق الأهداف الدراسية كإضفاء صبغة إسلامية على حياة الطالبة على مدى أيام الدورة، وكذلك ترسيخ معرفة الله تعالى والشد إليه، والتولي الصادق له، وتحصينها بالثقافة القرآنية لتنعكس سلوكا مستمرا لها في الحياة.
وتابعت: وكذلك العمل على تبصرة الطالبة بواجباتها تجاه دينها وأمّتها ومقدساتها، وترسيخ روح المسؤولية لديها بما يجعل منها عنصرًا إيجابيًّا فاعلًا ومؤثرًا في واقع الحياة.
وأوضحت أنه في هذه المدارس يتم تعريف الطالبة على قدواتها وقادتها ورموزها من أعلام الهدى، والخط الصحيح الذي يجب أن تسلكه للوصول إلى السعادة في الدنيا والآخرة تبصرتها بواجباتها تجاه والديها وأرحامها وجيرانها ومجتمعها.
ودعت الجرب القائمين على هذه الدورات الصبر والاستمرار في أداء مهامهم ومسؤولياتهم لتحقيق كل الأهداف التي من أجلها تفتح الدورات الصيفية وعدم الشعور بالملل وكذلك الانضباط والجدية والإخلاص في العمل وعليهم أن يمثلوا القدوة الصالحة للطلاب في اهتمامهم وأخلاقهم وسلوكياتهم وفي الاقتداء برسول الله صلوات الله عليه وآله في الربط بين العلم النافع والعمل، والعناية والاهتمام بالجيل الناشئ والعمل على تزكية نفوسهم وتربيتهم وتنشئتهم النشأة الطيبة المباركة.

التوجه التحرري
أما هناء الديلمي المنسقة الميدانية في الهيئة النسائية والمسؤولة عن الدورات الصيفية للبنات بمحافظة إب، تقول من ناحيتها: تأتي الدورات الصيفية في هذا العام كما في كل عام في إطار التوجه التحرري لشعبنا اليمني العظيم واستجابة لدعوة السيد القائد يحفظه الله.
وقالت إنه وفي محافظة إب كما في جميع المحافظات بدأ التسجيل للالتحاق بهذه الدورات في الموعد المحدد حيث كان الإقبال هذا العام بحمد الله أكبر من العام الماضي، وقد بلغ عدد المدارس التي فتحت حتى يومنا هذا ما يقارب 72 مركزاً صيفياً للبنات في جميع مديريات المحافظة وبلغ عدد الطالبات 22,500 طالبة تقريباً، ستقدم المادة التي تنزل من اللجنة العليا للدورات الصيفية وهي مادة القرآن الكريم و الثقافة القرآنية وهي المادة الأساسية التي يجب أن تدرس في هذه الدورات الصيفية مدعومة بأنشطة ثقافية ومهارية متنوعة ليتزود النشء بالثقافة القرآنية الصحيحة التي تمنحه الحصانة والمنعة الثقافية لمواجهة الحرب الناعمة والحرب الشيطانية وتتعزز لديه الهوية الإيمانية وليعرف دينه ويتحرر من الثقافات المغلوطة والمفاهيم الظلامية ولو بالقدر المتاح حتى وإن كانت هذه الفترة قصيرة لكن إذا قدمت المناهج بطريقة صحيحة فإنها ستترك أثراً لا بأس به.
وقالت الديلمي: نصيحتي للقائمين على المراكز الصيفية، الحرص على تصحيح النوايا واستشعار المسؤولية في تحمل مسؤولية أبنائنا الذين هم في فترة ومرحلة ذهبية يجب أن تستغل وتوجه التوجه السليم لنقدم لهم العلم النافع الذي هو في بمثابة النور لهم في مواجهة الظلمات وفي مواجهة كل التحديات التي تمر بها أمتنا في هذه المرحلة العصيبة، وأيضا أقول لهم يجب أن يركزوا على تقديم ماده الثقافة القرآنية بعيداً عما يتوجه إليه البعض في بعض المدارس التي فتحت هذه الدورات للتركيز على تقديم دروس تقوية لبعض المواد الدراسية كمادة الرياضيات أو الإنجليزي أو غيرهما لأن الفرصة في هذه الدورات الصيفية هي في تقديم الثقافة القرآنية التي تصحح مسار النشء في انتمائه لأمته ووطنه ليبنيه بناءً حضارياً صحيحاً متميزاً كذلك أقول لهم تذكروا دوركم العظيم الدور الرسالي الذي سيكتبه الله لكم إذا صححتم مسار أفكار أبنائنا وبناتنا في إطار التدريس والإشراف على هذه الدورات الصيفية.
وتابعت: سيكتب الله لكم آثاراً عظيمة لأن آثار العمل الثقافي عظيمة وكبيرة لا تساويها آثار أي عمل آخر لأن الإنسان إذا تصححت أفكاره وإذا تصحح مساره في الحياة فإنه سيتحرك ببصيرة ووعي تحركا صحيحا فيكسب العزة والفلاح في الدنيا والفوز العظيم برضوان الله وجنته في الآخرة أيضاً.

جيل النهضة
من ناحيتها استهلت منسقة الدورات الصيفية في المحافظات ريم الرضي، حديثها بقوله تعالى: (يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، ويقول رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في الحديث النبوي «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة».
وتابعت الرضي: لقد أعلى الإسلام من شأن التعليم بشكل كبير والمعرفة الصحيحة والهدى الحقيقي ورغب فيه وحث عليه وجعله في عداد الفرائض الدينية والالتزامات الإيمانية وجعله من مميزات الكمال البشري ومن ضروريات هذه الحياة وهو من القربى العظيمة إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الدورات الصيفية التي سيكون التركيز فيها على الجيل الناشئ من خلال تعلم القرآن الكريم وترسيخ الهوية الإيمانية والانتماء الراسخ والوعي المسؤول والتربية على مكارم الأخلاق، التثقيف بثقافة القرآن وتعلم مبادئ الإسلام لاكتساب المهارات والقدرات التي ترسخ مستوى المعرفة الذهنية والمعرفة التي يحتاج إليها الجيل الناشئ من خلال ما تقدمه من أنشطة متنوعة من أبرز تلك الأنشطة أنشطة اجتماعية وثقافية وفنية ومهارية وزراعية .
وبينت أنه ومن منطلق هذه الأهمية سعينا للاهتمام بهذه الدورات والإعداد لها من خلال إقامة ورشات على مستوى المحافظات الحرة.
وقالت: في الهيئة النسائية الثقافية العامة المكتب الرئيسي نقيم ورشة مركزية تهدف إلى تدريب وتأهيل العاملات على كيفية إقامة الدورات الصيفية وكيفية متابعتها.
كما نقيم 28 ورشة في المحافظات على مستوى المديريات وما يقارب 500 ورشة على مستوى القرى والأحياء التي يشارك فيها أكثر من 4000 عاملة.
وأضافت: نأمل من مخرجات هذه الدورات أن يرتجي الجيل الناشئ في مختلف مجالات الحياة ليكون دعامة لنهضة حضارية إسلامية، جيلا راقيا في معرفته وأخلاقه واهتمامه..

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)

في زمن تتقاذف فيه الأمة موجات الهزيمة النفسية والضعف الروحي، برز الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) كمفكر ومجاهدٍ فريد، أعاد للأمة الإسلامية قيم العزة، والوعي، والاستعداد للتضحية. وفي قلب مشروعه القرآني المتجدد، تأتي الشهادة وقضية الشهداء كأحد أهم مرتكزات بناء الإنسان القرآني.

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

 

لم ينظر الشهيد القائد إلى الشهادة كمجرد “حدث” أو “نهاية”، بل قدّم رؤية متكاملة تجعل منها أسمى طموح الإنسان المؤمن، ووسيلة لبناء الأمة وتحقيق الانتصار الحقيقي.

 

الشهادة .. إلغاء لمفهوم الموت وبناء لروح الحياة

يبدأ الشهيد القائد حديثه عن الشهادة من أساس قرآني متين، حيث ينسف المفهوم التقليدي للموت في سبيل الله، منطلقاً من قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، وفي شرح الشهيد القائد، يُلغى الموت من قاموس المجاهد،  لا يُنظر إلى الشهيد كميت، بل كحيّ عند ربه، في كرامة دائمة وفضل إلهي عظيم، ليس ذلك فقط، بل إن إلغاء الموت هو وسيلة لدفع المؤمن نحو ميادين التضحية بدون تردد، حيث قال رضوان الله عليه : أن تخوفه بالقتل، فبماذا تخوفه؟ هو مجاهد يبحث عن الشهادة.

 

أعزة على الكافرين .. العزة التي تُترجم إلى مواقف

يبرز الشهيد القائد النموذج القرآني للمجاهد ، القويٌّ في وجه الأعداء، الرقيق والعطوف مع إخوانه، المتحرّك بنَفَس إيماني دون تردد أو تسويف، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، العزة هنا ليست صفة تجمّل الخطاب فقط، بل سلوك عملي وموقف سياسي وعسكري، يجعل من المجاهد إنسانًا رافضًا للخضوع، ينطلق بذاته وماله قبل أن يُطلب منه، وليس ممن “يثاقل إلى الأرض” أو “ينتظر من يدفعه”.

 

الشهداء صفوة مختارة والشهادة فضل من الله 

الشهداء في رؤية الشهيد القائد ، هم صفوة اختارهم الله واصطفاهم الله، ومنحهم كرامة التفضيل، فهم من اختارهم الله ليمثلوا مشروعه في الأرض، ليكونوا البديل عن القاعدين والمثبطين، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟ تفضيل من الله أن اختارهم هم؟ ، هم الذين آمنوا بحقيقة أن الجهاد مهمة ربانية لا تُؤدى من باب التسلية أو المصلحة، بل استجابة خالصة لله، واستعداد للتضحية بالنفس والمال دون مقابل دنيوي.

 

المجاهدون لا يُشترون .. تفكيك ظاهرة الارتزاق

الشهيد القائد يفصل بوضوح بين المجاهد الصادق، وذلك المرتزق الذي يتحرك لأجل السلاح أو المال أو المصالح، وفي معرض نقده لظواهر الاستغلال التي رافقت بعض المعارك السابقة، يُبرز أن المجاهد الحقيقي لا ينتظر بندقًا أو صرفة: ما كانوا يوم ملكي ويوم جمهوري؟ مرة هنا ومرة هناك .. هؤلاء متعيشين، مرتزقة،
بينما المجاهد الحق كما يؤكد رضوان الله عليه ، ينطلق بنفسه وماله، بدافع الإيمان، وبهدف واحد، وهو نُصرة دين الله، ونيل إحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة.

 

ثقافة الشهادة .. صناعة أمة لا تُهزم

في فكر الشهيد القائد، الشهادة مشروع نهضوي، الأمة التي تحب الشهادة وتستعد لها، أمة لا تُهزم، والشهادة تصنع وعيًا، وتزيل الخوف، وتُربّي الإنسان على العزة والكرامة، وهو يرفض تصوير الشهيد كضحية، بل يؤكد أنه صاحب فضل، فائز، حاز على أرفع درجات الاصطفاء، هم ممن حازوا هذا الفضل العظيم .. هم مفلحون، فائزون، وليسوا متورطين.

 

الشهادة حياة وبعث لا نهاية

واحدة من أعمق أفكار الشهيد القائد التصويرية ،  أن الشهيد لا يموت كما يموت الآخرون، بل ينتقل، االمجاهد لن يموت كما يموت الآخرون .. روحه تنتقل من بذلة لتعود إلى جسم آخر، كما تخلع الثوب وتلبس غيره.

هذا التشبيه يُبرز أن الحياة الحقيقية للإنسان تبدأ بعد الشهادة، وأن الموت لم يعد تهديدًا للمجاهد، بل أملًا ومقصودًا يُطمح إليه.

الشهادة قمة في الاستسلام الواعي والطوعي لله

في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، لم تكن الشهادة مجرد خاتمة بطولية، بل تتويجًا لمسارٍ إيمانيٍّ شامل، يبدأ من لحظة وعي الإنسان بمسؤوليته أمام الله، وتُعد الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، مفتاحًا لفهم هذا المسار، فهو ينبه إلى أن الصلاة والنسك هما مقدمة لمسارٍ أشمل، يتمثل في أن الحياة والموت نفسيهما يجب أن يكونا لله، أي أن المؤمن لا يكتفي بأداء شعائر ظاهرية، بل يحوّل حياته كلها إلى ميدان عبادة، وموته إلى ختام لتلك العبادة، عبر السعي الواعي نحو الشهادة في سبيل الله.

ولذلك علّق الشهيد القائد قائلاً: لا يصح أن يُقال أمرت أن تكون حياتي بيد الله، لأن هذه قضية حتمية، لكن أمرت أن تكون حياتي لله، ومماتي لله، وهذا لا يكون إلا بجهاد، وسعي للشهادة.

 

الشهادة .. أعظم استثمار للموت

يرى الشهيد القائد أن الله برحمته الواسعة فتح أمام الإنسان فرصة استثمار الموت، الذي هو حتميٌّ لكل البشر، بحيث لا يكون الموت مجرد نهاية، بل وسيلة للفوز بالرضوان الإلهي والخلود في الجنة، (عندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله، فهو فعلاً من استثمر حياته، واستثمر موته) ، وهذا الشعور كما يؤكد رضوان الله عليه ليس حالة استثنائية، بل هو سمة أصيلة للمؤمنين الحقيقيين الذين باعوا أنفسهم لله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾

 

الإمام علي عليه السلام نموذجًا .. فزت ورب الكعبة

استلهم الشهيد القائد من سيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثالًا على أرقى مشاعر نذر النفس لله، حين بُشّر بالشهادة، فلم يهتم إلا بسلامة دينه: ((يا رسول الله، أفي سلامة من ديني؟ قال: نعم. قال: إذن لا أبالي)).
رسالة عظيمة يُطلقها الإمام علي عليه السلام، إن الشهادة مقبولة ومحبوبة إذا كانت في سبيل الله وبحفظ الدين، هذه المشاعر لا تنبع من ضعف، بل من قوة إيمانية تدفع الإنسان لتجاوز غريزة التعلق بالدنيا، وجعل سلامة الدين فوق كل اعتبار.

 

 حضور النموذج الجهادي وأثره في غرس ثقافة الشهادة

ينبّه الشهيد القائد إلى خطر تغييب الرموز الجهادية، وتغليب المشاهد العاطفية المنزوعة من روح البطولة، فيقول منتقدًا الاكتفاء بترديد أسماء مثل محمد الدرة فقط، دون إبراز القادة المجاهدين كعباس الموسوي ويحيى عياش: لأول مرة أسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقًا .. نحتاج إلى أن ننشد للأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة.

ويشدد على أن الرموز الجهادية تصنع وعيًا، تلهم نفوس الناس روح الفداء، وتُبقي ثقافة الشهادة حيّة، أما التركيز على مآسي عاطفية دون ربطها بسياق المواجهة والجهاد، فيفرغ القضية من جوهرها.

 

الشهادة ..عنوان الأمة التي تنصر الله

يعمق الشهيد القائد في هذا المحور الإدراك بأن الأمة التي لا تُنذر أبناءها لله، لا يمكن أن تكون أمة ناهضة، أمة تنشد الأمن دون تضحية، وتطلب العزة دون دماء، لن تنتصر، (ولا يمكن للمؤمنين أن يعلوا كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصارًا لله، ما لم يكن لديهم هذا الشعور، أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله)،

إن قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ﴾ في فكر الشهيد القائد هو بيان تكليف إلهي شامل، يجعل الشهادة ليست مجرد نتيجة بل غاية مقصودة، وسعي واعٍ ومحبوب لله، من يحمل هذا الوعي، يعيش لله ويموت لله، ويصنع من موته بوابة للحياة الأبدية.

 

الشهادة ضمانة للربح الحقيقي والخلاص الأبدي

يرى الشهيد القائد، أن الشهادة ، هي الضمانة الوحيدة للربح الأبدي،  فالإنسان الذي يخشى الموت ويهرب منه هو في الواقع أقرب إلى الموت، لأنه يُضيّع الهدف، ويعيش بقلق، ثم يموت ميتة لا معنى لها،  أما الشهيد، فقد كتب الله له الحياة الأبدية، (إذا كنت تكره الموت، فجاهد في سبيل الله، واطلب الشهادة، فبذلك فقط تُقهر الموت لا تهرب منه)، ويرى الشهيد القائد أن الآيات القرآنية لم تلغِ فقط خوف الموت، بل ألغت صفة الموت نفسها عن الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وهنا تصبح الشهادة بوابة للحياة لا للموت، وهي أرقى درجات الاستفادة من حقيقة حتمية لا مفر منها.

 

الشهادة في التربية النبوية والعترة الطاهرة

يشير الشهيد القائد إلى أن النموذج النبوي في التضحية كان قائماً على تقديم النبي صلوات الله عليه وآله ، لأهل بيته وأقاربه في مقدمة صفوف الجهاد، ابتداءً من غزوة بدر، حيث قاتل أقرباء النبي وذووه في مقدمة المواجهة، كما يشير إلى أن الآية: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾، هي خطاب خاص لقرابة النبي صلى الله عليه وآله، تُلزمهم بالتفاني التام في سبيل الله، ومن هنا، فإن قضية الشهادة ليست فقط تكليفاً عاماً، بل هي رسالة آل البيت ومسؤوليتهم التاريخية، وفي المقابل، يجب على الأمة أن تفهم الدين فهماً مسؤولاً، بأن كل تكليف إلهي هو نعمة وليس عبئاً، ومن يسير على درب أهل البيت لن يرى في الجهاد إلا تشريفاً، لا مشقة.

 

خاتمة

إن فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حول الشهادة ليس خطابًا عاطفيًا، بل بناء فكري عقائدي متكامل، يستمد قوته من القرآن، ويهدف إلى إنتاج أمة تتحرك بوعي وإرادة واستعداد للتضحية، وثقافة الشهادة كما طرحها ليست أداة موت، بل وسيلة حياة ونهضة، ووسام فضل إلهي يُختص به من يحملون همّ الأمة ويجاهدون في سبيل الله، وفي زمن الغربة والانحراف، ما أحوج الأمة اليوم إلى استعادة هذا الفهم الراقي للشهادة، لتكون كما أراد الله لها، {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}.

 

المصادر / محاضرات ودروس الشهيد القائد رضوان الله عليه

مقالات مشابهة

  • 120 طالبًا يختتمون ملتقى مدرسة الحياة بسمد الشأن في أجواء تعليمية محفزة
  • تأملات قرآنية
  • انطلاق أولى جلسات “التوجيهي” وفق النظام الجديد لطلبة الصف الحادي عشر اليوم
  • أبرز الانتقالات الصيفية التي شهدتها القارة الأوروبية
  • رحيل “رجل الظلّ” في الدراما المصرية… لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة
  •  الإرهابيان “التوجي أحمد” و ” ملوكي حيب الله”  يسلمان نفسيهما للسلطات العسكرية
  • رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
  • هل يجوز ترديد آيات قرآنية في السجود؟.. دار الإفتاء تجيب
  • استجابوا بنداء الحياة.. كوادر الدفاع المدني تنقذ “شهم” من الغرق في عين الباشا
  • وكيل وزارة الاوقاف يدشن بمأرب دورة في مجال المهارات الاساسية لإدارة المراكز القرآنية النموذجية