من رأس الحكمة لـ رأس جميلة.. هل تنقذ صفقة بيع الأصول للسعودية اقتصاد مصر؟
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
قدمت السعودية عرضا للحكومة المصرية بالتنازل عن ودائعها في البنك المركزي المصري، مقابل إتمام صفقة "رأس جميلة" والاستحواذ على عدد من الشركات الحكومية.
الصفقات التي يتضمنها العرض السعودي تشمل مدينة رأس جميلة، وشركة سيرا للتعليم، (شركة متخصصة في قطاع الخدمات التعليمية، تقوم بتشغيل 27 مدرسة مملوكة لها)، إضافة إلى 5 شركات أخرى في قطاعات مختلفة.
وأشارت التقارير الصحفية إلى أن العرض المقدم من الصندوق السيادي السعودي يأتي مقابل التنازل عن ودائع السعودية بقيمة 10.3 مليار دولار بالبنك المركزي، إذ تمتلك السعودية ودائع، تنوعت ما بين 5.3 مليارات دولار ودائع متوسطة وطويلة الأجل، و5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل.
وكان وزير قطاع الأعمال العام المصري محمود عصمت، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن الوزارة تخطط لطرح أرض رأس جميلة للاستثمار، لإقامة مشروع فندقي على نسبة 50 في المئة من مساحة الأرض التي تتجاوز أكثر من 800 ألف متر مربع، من خلال شراكة مع الجانب السعودي لتطوير وتنمية رأس جميلة، مقابل حق انتفاع لأرض المنطقة على أن تقدّم الحكومة المصرية كافة التسهيلات الممكنة للجانب السعودي، عبر تهيئة البينة التحتية والطرق الموصلة للمنطقة.
والمفاوضات تجرى على أن تكون قيمة الاستثمار بالمنطقة من خلال ضخ سيولة دولارية مباشرة من مستثمري المملكة للحكومة المصرية.
وتقع منطقة رأس جميلة على ساحل البحر الأحمر بمساحة تبلغ نحو 860 ألف متر على امتداد مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، وتتميز بقربها من مطار شرم الشيخ الدولي، وتعد من أفضل الشواطئ بمناظرها الخلابة والطبيعية، وأفضل منطقة تحتوي على أندر الشعاب المرجانية على طول البحر، كمان أنها منطقة مناسبة لإقامة فنادق سياحية جذابة، نظرًا لتمتعها بما تتطلبه العوامل البيئية القياسية، وكذا الإطلالات الطبيعية.
وتطل رأس جميلة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، التي تنازلت عنهما مصر للسعودية عام 2016 بموجب اتفاقية لترسيم خط الحدود البحرية بين البلدين، خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، في اتفاقية أقرها البرلمان ورفضها الشعب.
وتقع أيضا بالقرب من موقع اختير ليقام فيه جسر البحر الأحمر، الرابط بين السعودية ومصر وأعلن عنه ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، خلال الزيارة ذاتها، في عام 2016.
وقالت السعودية في 2018 إن مصر تعهدت بمساحة واسعة في جنوب سيناء لاستكمال مدينة نيوم (مشروع ولي العهد السعودي) قبالة مضيق تيران، فيما نقلت مصادر أن السعودية تقترب من التوصل إلى صفقة بقيمة 15 مليار دولار مع الحكومة المصرية.
وفي أغسطس/آب 2022، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إطلاق الشركة السعودية المصرية للاستثمار، بهدف تنمية وتعزيز الشراكة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة في مصر، فيما استحوذ الصندوق على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 4 شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، منها شركة أي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة موبكو، والإسكندرية لتداول الحاويات.
وفي أذار / مارس الماضي قالت وكالة الأنباء السعودية "واس" إن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ترأس جلسة مجلس الوزراء، التي أقر خلالها مجموعة من القرارات وتمت الموافقة على مذكرة تفاهم بين وزارة المالية السعودية ووزارة المالية في مصر لإقامة حوار مالي رفيع المستوى، قبل أن يعلن المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء المصري محمد الحمصاني، وفي نيسان / إبريل الماضي أنه جاري دراسة عدة فرص استثمارية كبرى تحقق مستهدفات الدولة في مجال التنمية، وأنه سيتم الإعلان عن أي صفقات جديدة في حينه من قبل مجلس الوزراء.
ويدخل صندوق الاستثمارات العامة السعودية منافسة مع صندوق الإمارات للاستحواذ على تلك المشاريع وذلك بعد أن وقعت الإمارات أكبر صفقة استثمارية لتطوير مدينة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار.
ويبلغ الإجمالي المتوقع من تلك الطروحات للحكومة المصرية حتى نهاية العام المالي الجاري 2023- 2024، قيمته نحو 2 مليار دولار، بعد تمديد برنامج الطروحات الحكومية.
ومن ناحية أخرى يتعين على مصر دفع أكثر من 97 مليار دولار (حوالي 4.65 تريليون جنيه) لخدمة الدين الخارجي (فوائد دين وأقساط)، الرقم الذي يعتبره مراقبون أنه تاريخي وغير مسبوق في تاريخ مصر.
ارتفع إجمالي مدفوعات الدين الخارجي المستحق على مصر من فوائد وأقساط بنحو 5.4% في الفترة بين 2024 و2027، إلى 97.1 مليار دولار، بسبب ارتفاع سعر الفائدة وأقساط القروض، بحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري حتى نهاية ديسمبر 2023.
وتجاوزت قيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال الـ 2024 التوقعات وقفزت إلى 36.3 مليار دولار، ومن المقرر سداد نحو 17.9 مليار دولار منها خلال النصف الأول من العام، على أن يتم سداد الـ 18.4 مليار دولار المتبقية خلال النصف الثاني من العام ذاته.
وقفز الدين الخارجي لمصر بنهاية عام 2023 نحو 168.034 مليار دولار، مقابل 164.522 مليار دولار في الربع المنتهي في أيلول/ سبتمبر الماضي بزيادة بلغت 3.51 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، فهل تنقذ صفقة السعودية مصر من أزمتها الاقتصادية وتراكم الديون؟
ومجيبا على هذا السؤال قال الباحث والكاتب المختص في الشؤون الاقتصادية عبد الحافظ الصاوي، في تصريحات خاصة لـ " عربي21" إن صفقة السعودية للاستحواذ عن بعض الأصول المصرية، تأتي لسعي الحكومة المصرية إلى إيجاد مخرج من أزمة الديون لتخفيف عن وطئه الأقساط والفوائد الموجود خلال الفترة القادمة، فضلا عن أنها تتيح للبنك المركزي المصري، اسقاط واجب سداد تلك الديون والودائع الأجنبية لتحسين وضعه في قيمة الأصول الأجنبية والارتياح النفسي للمتعاملين بسعر الصرف.
وأضاف الصاوي، أن صفقة السعودية للاستثمار في رأس جميلة وعدد من الشركات عبارة عن اتفاق يخص التعاقد على تقديم سلع أو خدمة، او بيع وشراء أصول رأسمالية وقد تتسبب في تحسن في سعر الصرف في السوق المصرية، إلا أنه تحسن لحظي، حيث تظل أزمة المديونية المتعلقة بالدين الداخلي والخارجي قائمة، إذ شهدت مشروع الموازنة العامة لعام 2024/2025 فقز فوائد الديون إلى أكثر من تريليون جنيه مصري.
وأشار الباحث والكاتب المختص في الشؤون الاقتصادية، إلى أن الحكومة المصرية مازالت تتعامل مع الأزمة الاقتصادية بجملتها وأزمة الديون وسعر الصرف وغيرها عن طريق المسكنات دون طرح حلول جذرية، حيث تحتاج مصر إلى مشروعات انتاجية في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، وليس مشروعات سياحية والاستيلاء على أصول رأس مالية قائمة.
وتابع الصاوي أن ما حدث في مشروع رأس الحكمة التي استحوذت عليه الإمارات وما سيتم في رأس جميلة لن يساعد في حل مشاكل مصري الاقتصادية المزمنة، سواء في الميزان التجاري أو أزمة الديون أو ميزان المدفوعات، مضيفا أن دائما ما تكون عمليات " الخصخصة" في صالح الدولة التي تقوم بها وتستحوذ على مشاريع ناجحة كمان يحدث مع تجارب دول الخليج في مصر كما حدث في العديد من شركات الأسمدة والنفط وغيرها.
ومن جانبه أكد الباحث الاقتصادي سامر موسي، في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن الاقتصاد المصري يمر بأزمة كبيرة ونفذت الحلول الاقتصادية لعلاج تلك الأزمات وما بقي سوى بيع الأصول سواء بيع أو حق الانتفاع كما يزعم المسؤولين، ولكنه في النهاية هو بيع للأصول.
وأردف موسي أن الحلول الاقتصادية، لعلاج مثل هذه الأزمات تتلخص في موارد الدولة من النقد الأجنبي مثل قناة السويس والسياحة وتلك الموارد في الوقت الحالي قد لا تسعف في الحل، كمان أن اللجوء إلى القروض أصبح حل متهالك بعد ارتفاع الدين الخارجي لمصر وارتفاع فوائد الديون مما أثر على ثقة المستثمر والدول المانحة، ولم يتبقى سوى بيع الأصول، كما حدث في صفقة رأس الحكمة وما يحدث الصفقة السعودية للاستثمار في رأس جميلة.
أشار الباحث الاقتصادي، إلي أن الصفقة عبارة فشل في إدارة موارد الدولة، وعدم القدرة في الحصول على نقد أجنبي وعملة صعبة ذلك يتم طرح تلك المشاريع لمن يديرها ويستثمر فيها، سواء الصندوق السيادي السعودي كما يحدث في رأس جميلة أو الصندوق السيادي الإماراتي كما حدث في رأس الحكمة ومقابل دفع مبلغ مالي وكذلك نسبه من الأرباح، ولفت موسي إلى أن المكاسب المالية لن تعود إلى الشعب المصري خاصة أن تلك المشاريع تكون أراضي ملك الجيش المصري، وتكون مكاسبها إلي اقتصاد الجيش والمنتفعين من وراءه، واختتم حديثه بسؤال عن ماذا تفعل الحكومة المصرية بعد الانتهاء من تلك المسكينات؟.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية السعودية المصرية مصر السعودية راس الحكمة راس جميلة شركة سيرا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحکومة المصریة للحکومة المصریة الدین الخارجی صفقة السعودیة فی رأس جمیلة ملیار دولار رأس الحکمة حدث فی على أن
إقرأ أيضاً:
إلى أين تقود الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأسواق المصرية؟.. مؤشرات سلبية على الفقراء
كانت الزيادة التي شهدتها أسعار أعلاف الدواجن في مصر دفعة واحدة، كفيلة بدفع سوق الدواجن والماشية والبط والأغنام وغيرها إلى الارتفاع هي الأخرى نظرا لارتفاع جميع أنواع العلائق الخاصة بها، بفعل المواجهات الإسرائيلية الإيرانية.
برر بائع الأعلاف الحاج جمال، ذلك الارتفاع، من 560 إلى 575 جنيها، لزبائنه من المربين الصغار للدواجن فوق أسطح بيوتهم وفي حظائرهم الريفية بإحدى قرى محافظة الشرقية (دلتا مصر)، بـ"الحرب التي قد يتبعها إغلاق إيران مضيق هرمز بالخليج العربي، وإغلاق الحوثيين مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، وبالتالي منع وصول شحنات الذرة الصفراء إلى مصر".
"اضطراب رغم التطمينات"
رغم إعلان الحكومة المصرية وجود مخزون استراتيجي يكفي لمدة 3 أشهر على الأقل٬ ارتفعت أسعار الأعلاف والخامات البلدية منذ الخميس الماضي، لتتراوح بين 21 ألف جنيه إلى 22.700 جنيه لطن "أعلاف البادي"، وفقا لتعاملات عدد من المصانع.
كما ارتفعت أسعار الذرة وفول الصويا بنحو ألف جنيه للطن، مع تخفيض المستوردين للكميات المعروضة بالأسواق للتحوط من ارتفاع سعر الصرف وزيادة تكلفة استيراد المنتجات في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ما ينذر بزيادات في أسعار اللحوم، والدواجن، والألبان، وبيض المائدة، وكذلك الأسماك.
وحذرت "شعبة الدواجن" بالغرفة التجارية بالقاهرة من انفلات أسعار الأعلاف وطالبت الحكومة بتحجيم "من أطلقت عليهم وصف "تجار الأزمات"، الذين يقومون بتخزين الأعلاف وموادها الخام من الذرة والصويا وغيرها.
"6 سلع غذائية"
وبحسب "بوابة الأسعار المحلية والعالمية" التابعة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، سجلت أسعار 6 سلع غذائية رئيسية ارتفاعا بالأسواق الأيام الماضية، حيث سجل سعر الأرز المعبأ، والدقيق المعبأ، ارتفاعا بنحو 3 جنيهات، مع ارتفاع بقيمة جنيهين بسعر كيلو السكر المعبأ.
وسجلت الأسواق زيادة 50 قرشا بسعر المكرونة المعبأة والسائبة، ليرتفع سعر الشاي بين 8 جنيهات إلى 10 جنيهات، ليزيد سعر الدقيق المعبأ بنحو 1.12 جنيه، ليسجل زيت عباد الشمس زيادة قدرها 1.77 جنيه.
وفي مؤشر سلبي سريع، على قطاع العقارات والمشروعات الإنشائية في العاصمة الإدارية الجديدة، أكد أكثر من مكتب عقاري لـ"عربي21"، أنه خلال الأيام الماضية، أوقفت بعض الشركات جانبا من أعمالها وقلصت حجم عمالتها التي غادرت الشقق السكنية المؤجرة لها في مدينة بدر، التي تستقبل أغلب العمالة الموسمية في مشروعات العاصمة.
وكما توقعوا "ركودا في قطاع الإيجارات"، توقعوا أيضا "ركودا في عمليات البيع والشراء، في سوق العقارات"، ملمحين إلى أن "الكل يتحوط الآن ولا يرغب في الدخول في مغامرة شراء أو بيع مع احتمالات انخفاض جديدة للجنيه أمام العملات الأجنبية".
"واقع مصري صعب"
ومنذ 13 حزيران/ يونيو الجاري، ونتيجة لتبادل الضربات العسكرية بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، يترقب السوق المصري نتائج التصعيد الخطير الذي قد يشعل المنطقة مع دخول الولايات المتحدة الصراع بشكل علني إثر توجيه الجيش الأمريكي 3 هجمات عسكرية على منشآت "فوردو ونطنز وأصفهان"، النووية الإيرانية.
وبينما يرصد مراقبون المؤشرات السلبية للحرب الإسرائيلية على إيران على الاقتصاد المصري الذي يعاني أزمات هيكلية ومشكلات بنيوية خطيرة مع أزمات ديون خارجية تبلغ 155.09 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر 2024، تحول الحديث عن مخاطر أكبر للمواجهات العسكرية الجديدة على 107 ملايين مصري يعاني أغلبهم مع الفقر والفقر المدقع.
أدركت الحكومة المصرية منذ اليوم الأول للضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران، حجم المخاطر بإعلانها تنفيذ خطة طوارئ، تضمنت رفع استهلاك محطات الكهرباء للمازوت، وتشغيل بعض المحطات بالسولار كإجراء احترازي، وإيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية، مع توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر والذي يقدر بحوالي 800 مليون قدم مكعب يوميا.
كما شكلت لجنة طوارئ من: محافظ البنك المركزي، ووزراء الصناعة، والتخطيط، والتعاون الدولي، والكهرباء، والمالية، والتموين، والبترول، وممثلين عن وزارات الدفاع، والداخلية، والخارجية، وجهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية.
وفي الأربعاء الماضي، حذر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، من تداعيات استمرار الحرب، على ارتفاع غير مسبوق بالأسعار في مصر، وخاصة أسعار المواد البترولية متوقعا ألا تكون متواجدة من الأساس.
وعلى الجانب الآخر، حاول وزير المالية أحمد كجوك طمأنة المصريين، حيث قال لنشرة "إنتربرايز"، أمس الأحد: "الوضع آمن والموازنة لديها احتياطات قوية ستستخدم بدقة شديدة"، مؤكدا أن "الحكومة تتابع التطورات الراهنة من كثب".
ورغم ذلك فإن المؤشرات السلبية تتوالى، إذ واصل الجنيه المصري التراجع أمام الدولار منذ الخميس الماضي، مسجلا انخفاضا بمقدار 10 قروش إلى 12 قرشا، ليتراوح سعر صرف الدولار أمس الأحد، بين 50.7106 جنيه للبيع، و50.6106 جنيه للشراء بالبنك المركزي.
وفي أعقاب التصعيد الأخير، خسر الجنيه المصري حوالي 84 قرشا أمام الدولار في أقل من 48 ساعة، حيث ارتفع سعر الدولار من حوالي 49.80 جنيه إلى المعدل المذكور.
وهو ما يقابله تراجع في حجم التعامل بين البنوك وتخارج الأجانب من أذون وسندات الخزانة المحلية إذ سجلت حصيلة تعاملات بيع وشراء الدولار بين البنوك عبر "الإنتربنك" الخميس الماضي 270 مليون دولار، فيما تشير بيانات "اقتصاد الشرق مع بلومبرج" لخروج جزئي من المستثمرين سبب زيادة الضغط على طلب الدولار بـ"الإنتربنك".
وفي السياق، تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية (EGX30) بنحو 7.5 بالمئة، وخسرت السوق حوالي 100 مليار جنيه من قيمتها السوقية في يوم واحد، مع إيقاف تداول أسهم 47 شركة بسبب الانخفاض الحاد.
وبينما شهد قطاع السياحة المصري تعافيا مسجلا عائدات بقيمة 15.3 مليار دولار العام الماضي، تشير التوقعات إلى أن التوتر الحالي يقلص معدلات الإشغال وعدد الوافدين، خاصة من الأسواق الغربية.
"صورة متوقعة"
ويتخوف خبراء من زيادة الضغوط على الاقتصاد المصري وبالتالي على السوق المحلي وعلى ملايين من فقراء المصريين، مع احتمال تخارج الأجانب من سوق الدين المصري وما يطلق عليه "هروب الأموال الساخنة"، في أزمة تكررت عدة مرات منذ آذار/ مارس 2022 بهروب نحو 20 مليار دولار، عانت معها البلاد بشدة.
وقد تزداد احتمالات التخارج من سوق الدين المصرية من أزمة البلاد مع النقد الأجنبي، خاصة في ظل استحقاقات ديون خارجية واجبة السداد تقدر بنحو 55 مليار دولار من 2025 وحتى نهاية 2026، وبنحو 33.2 مليار دولار في 2025 وحده، حسب تقرير "شركة الأهلي فاروس" كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
إلى ذلك يرصد البعض الآثار المحتملة لما قد يلحق بسلاسل الإمداد العالمية من اضطرابات تؤثر على أسعار واردات السلع الغذائية والخامات والآلات والمعدات وقطع الغيار المستوردة للبلد العربي الإفريقي التي بلغت 94.5 مليار دولار، عام 2024، والتي تأتي أغلبها من الصين، وروسيا، وأمريكا، وألمانيا، والبرازيل، وغيرها.
وفي حين قفز سعر خام برنت القياسي العالمي بنحو 13 بالمئة في أعقاب التصعيد الأولي بين إيران والاحتلال الإسرائيلي٬ يرى خبراء أن دخول الولايات المتحدة الحرب ضد إيران كفيل بأن يدفع طهران لاتخاذ خطوات تصعيدية، ما يرفع أسعاره لأكثر من 100 دولار للبرميل.
ما يضاعف فاتورة استيراد مصر للطاقة التي تعد كمستورد صاف للنفط والغاز، وأي ارتفاع في الأسعار العالمية يضغط بشدة على ميزانيتها وميزان مدفوعاتها.
تؤكد تصريحات رسمية أن كل دولار زيادة في متوسط سعر برميل النفط العالمي يكلف الموازنة المصرية ما بين 4 إلى 4.5 مليار جنيه سنويا، مما ينذر بزيادة فاتورة دعم المواد البترولية.
ووفق توقعات بنك "جي بي مورغان تشيس" قد تصعد أسعار النفط إلى 130 دولارا للبرميل، فيما أشارت شركة "بي إم بي سوليوشن" إلى احتمالات وصوله نطاق 100 - 150 دولارا للبرميل في حال إغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه نحو 20 بالمئة من نفط وغاز العالم.
وبينما كان يعول خبراء على تحويلات 14 مليون مصري مقيم بالخارج 60 بالمئة منهم بدول الخليج لتعويض نقص العملة الصعبة من دخل الصادرات وعائدات قناة السويس وإيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية، يرى آخرون أن "استمرار الحرب قد يؤثر على أحد أهم المصادر الخمسة للعملة الصعبة لمصر".
ويرون أن "تحويلات المصريين في الخارج التي سجلت 29.6 مليار دولار العام الماضي بزيادة بنسبة 51.3 بالمئة، قد تتأثر سلبا مع احتمالات تأثر دول الخليج العربي بامتداد الحرب وظهور واشنطن في أحداثها".
"ضغط تضخمي مزدوج"
وفي إجابته على السؤال: إلى أين تقود الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأسواق المصرية، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري، "السؤال صعب الإجابة عليه مع تطورات الحرب ولأننا وسط اضطرابات شديدة لا نعرف إلى أي مدى يمكن أن تصل".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "مسألة ارتفاع أسعار الأعلاف نموذج يمكن القياس عليه، لأن مصر تعتمد على استيراد 90 بالمئة من مكونات الأعلاف كالذرة الصفراء والصويا، ونتيجة للحرب ارتفعت أسعار الشحن والتوصيل خاصة عبر قناة السويس والبحر الأحمر، ما أدى لارتفاع تكلفة استيراد حبوب صناعة الأعلاف".
القيادي بحزب "التحالف الشعبي"، أشار ثانيا إلى "أزمة تأثر العملة المحلية"، موضحا أنه "مع ارتفاع الأسعار نتيجة الإضرابات الإقليمية لدينا مشكلة في تدبير العملة الأجنبية التي نحاول توفيرها لدفع خدمة الديون الخارجية، خاصة مع تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة بسبب المواجهات العسكرية، ورغم زيادة تحويلات المصريين بالخارج لكنها لن تغطي العجز".
وفي أزمة الأعلاف والدواجن، أشار إلى أن "ارتفاع سعر طن الأعلاف أدخلنا دائرة انخفاض الناتج المحلي من 40 إلى 50 بالمئة في إنتاج المزارع الصغيرة والمتوسطة، ما انعكس على الاستثمار بقطاع الدواجن، وتضاعفت أسعار المستهلك بين 40 إلى 50 جنيه للكيلو".
وألمح إلى أن "الحكومة لديها مخزون من حبوب تصنيع الأعلاف يحافظ على استمرار عمل المصانع وكي لا تتوقف، ولكنه مع ارتفاع التكلفة اللوجستية والشحن سيؤدي ذلك التخزين لمساعدة المستثمرين وليس المواطن؛ وفي النهاية يحدث تضخم بأسعار الغذاء يؤثر سلبا على المواطن، كما أن الإنتاج المحلي عندما يقل سيؤثر سلبا على الاقتصاد".
وقال: "بالقياس على باقي السلع، فإن التضخم زاد في مصر إلى 16.8 بالمئة في أيار/ مايو الماضي، مدفوعا بارتفاع أسعار الغذاء كأهم العوامل، فنجد الفاكهة زادت بنسبة بين 13 و14 بالمئة، وكذلك الخضروات بنسبة 1.5 بالمئة، نفس الأمر في الأسماك والألبان والبيض وغيرها".
ولفت إلى أن "أي تحرك في هذا الإطار يؤثر على فاتورة استهلاك الأسرة المصرية، فارتفاع فاتورة الغذاء يأخذ من التعليم والصحة والنقل والسكن، ويضع الطبقات الشعبية الفقيرة والمتوسطة بدائرة ضغط تضخمي مزدوج ما بين غذائي وخدمي لم يحدث قبل ذلك".
وبين أن "ارتفاعات أسعار البنزين والسولار والغاز والنقل والمواصلات السابقة وغيرها وخصوصا بعد مناقشة قانون الإيجارات الجديد دفع بكثير من المواطنين تحت هذا الضغط المزدوج، ما يزيد تكلفة المعيشة ويزيد نسب الفقر ويؤدي لتقليل قدرة الإنفاق على الصحة والتعليم في أزمات تعانيها الطبقات الفقيرة ومحتمل تفاقمها مع استمرار الاضطرابات الإقليمية".
"مخاطر تطال مصر"
وفي رؤيته للتداعيات الاقتصادية المحتملة كنتيجة للحرب الإسرائيلية الإيرانية، قال الخبير في الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات الدكتور مراد علي: "أوضاع منطقتنا غير مستقرة والمخاطر الجيوسياسية عالية"، مؤكدا أن "الحرب لو ظلت على وتيرتها دون تدخل أمريكي وغربي قد يصل سعر برميل البترول إلى 100 دولار، ما يؤثر على تكاليف النقل والإنتاج والمعيشة".
وأشار في مقطع عبر "يوتيوب" إلى "تهديد خطوط الإمداد وخاصة الغاز"، متوقعا "ارتفاع أسعاره ما بين 15 و20 بالمئة ما يؤثر على دول تعتمد على الغاز في توليد الكهرباء كمصر والأردن"، ملمحا إلى "تأثر قطاعات التجارة والاستثمار والسياحة والنقل وحركة الطيران"، ومتوقعا "هروب رؤوس أموال وزيادة معدلات التضخم وتراجع نسب النمو".
ويرى أنه "حال توسعت الحرب قد يصل سعر البترول إلى 150 دولارا للبرميل وحدوث أزمة طاقة عالمية"، مؤكدا أن "الضرر الأكبر يقع على مصر والأردن وتركيا كونها تعاني أزمات اقتصادية"، متوقعا "هروب رؤوس الأموال وتوقف السياحة واحتمال توقف حركة السفن في قناة السويس".