لجريدة عمان:
2025-05-17@17:34:10 GMT

الرجل الذي ضل الطريق

تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT

كان في عجلة من أمره للحاق باجتماع مهم، وكان معروفًا عن هذا الرجل انضباطه واحترامه للوقت، إلا أنه في ذلك اليوم أخطأ الطريق فاضطر إلى أخذ لفة طويلة جدًا أخذته إلى الطريق السريع، فقط ليجد نفسه في المكان ذاته مرة أخرى، ومن تأثير الارتباك فقد تركيزه فوجد نفسه يدور في حلقة مفرغة حتى كاد الوقود أن ينفد من سيارته، وبالتالي عندما تمكن أخيرًا من تحديد وجهته، قرر التوقف عند أول محطة وقود صادفته، فقط ليجد شخصًا يترجل من سيارته ويأتي ليلقي عليه التحية.

كان هذا الرجل تربطه معرفة سابقة بصديقنا، لذا تبادلا الأرقام التي سقطت من ذاكرة كليهما، فاكتشف صاحبنا أن ذلك الرجل يشغل منصبًا مرموقًا جدًا، لا أذكر إن كان قد وصل أخيرًا إلى الاجتماع، لكن أظن أنه فاته، فقط لتمر عدة أيام ويجد مكالمة من صديقه ذاك يعرض عليه وظيفة براتب أضعاف ما كان يستلمه من وظيفته تلك.

حدثتنا كاتبة كويتية أثناء استضافتها لمناقشة كتابها هنا في العاصمة مسقط، كانت الجلسة قد تجاوزت ثلاث ساعات، قيل خلالها الكثير، لكن هذه القصة علقت في ذهني ولم تبرحه، وأعتقد لأنها لامست شيئًا في قلبي، فقد جعلتني أستحضر كل الانحرافات التي حدثت في مسيرتي المهنية والحياتية لا شيء إلا لتضعني وجهًا لوجه مع قدر جميل جعلني ما أنا عليه اليوم، كل ما حدث في حياتي تقريبًا حدث صدفة رغم كل ما خططت له، ومن يعرفني يعرف إلى أي حد أنا مهووسة بالتخطيط، كل مرة يأتي رب العزة ليذكرني بأنه (مدبر الأمر) وأن خططه لي يعجز عقلي عن استيعابها في حينه.

كل شيء بدءًا من قصة ابتعاثي، ومرورًا بإعلان الوظيفة الذي وجدته صدفة، وكل تفاصيل حياتي، والنهاية التي لا أعرفها لكني موقنة بأن اللطيف الخبير سيدهشني فيها مجددًا. أظن أننا جميعًا مثل ذلك الرجل، تُهنا في مرحلة ما من حياتنا، فقط لنكتشف أن يد الرعاية الإلهية هي التي أخذت بيدنا في ذلك الطريق المجهول، الذي ما كنا لنجرؤ على ارتياده لو اعتمدنا على شجاعتنا وتقديرنا للأمور، المرة القادمة عندما لا تحدث الأمور كما تريد لها، تذكّر قصة صاحبنا هذا.

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الرجل الأبيض وترويض الفهود..قصة فشل أوروبي وأمل عربي

نعيش عالمًا يطبعه صراع الهُويّات، أو حسب جملة مأثورة للصحفي الأميركي فريد زكريا، "إنها الهويات يا مُغفّل"، تحويرًا لجملة شهيرة وردت في مجلة ذي إيكونوميست سنة 1992، "إنه الاقتصاد يا مُغفل" في خضم الانتخابات الرئاسيّة حينها.

قضايا الهوية هي قضايا عابرة للمجتمعات قلّما تسلم منها دولة، وإن اختلفت أشكالها وطبيعتها، تتأثر بالسياق التاريخي والجغرافي والثقافي.

تعرف قضايا الهوية زخمًا مردّه حسب عالم الاجتماع الفرنسي ألان تورين، إلى الانتقال الذي طبع العالم، من نموذج صناعي يقوم على التنميط وصراع الطبقات، إلى مجتمعات ما بعد صناعية، يطبعها التنوع مما لا يتيح تجاوز الهويات.

بدت مطالب الهويات بشكل حادّ عقب سقوط جدار برلين، إذ حلت الهوية كعنصر تحليل محل الطبقة، وأضحى العامل الثقافي عنصر تفسير محلّ العامل الاقتصادي، وعرف العالم فورة مطالب هوياتية، في أوروبا الوسطى، والقوقاز، والبلقان، وانتقل تأثيرها إلى دول أفريقيا وحتى العالم العربي، وهو ما أفرز اهتزازات كبرى لم تخلُ من احتدام وصِدام، كما في يوغسلافيا السابقة، أو في رواندا، والتقتيل الذي عرفه هذا البلد ما بين الهوتو والتوتسي.

يستند خطاب الهوية، إلى عناصر موضوعية، إما إثنية، أو لغوية، أو عَقَدية. قد تكون جماعة ما عرضة للاضطهاد، أو محاولات تذويب، أو احتقار، أو تكون لغة ما مهمشة، أو غير معترف بها، أو عرضة للاندثار، أو عقيدة تتعرض للزراية، ولا يتاح لمعتنقيها مزاولة طقوسهم، وما يرتبط بذلك من ثقافة في الأفراح، والأتراح على السواء.

إعلان

يقوم خطاب الهُوية على قيم واعتبارات أخلاقية، منها العدالة، والحقّ في التنوّع، وحقوق الإنسان، والاعتراف، والكرامة، والتوزيع العادل للرموز.

يظلُّ الخطاب الهوياتي بناءً بالأساس، يقوم على العناصر الموضوعية المُومأ إليها، من لسان، أو إثنية، أو عقيدة، يوظفها مثقفون، في ظل احتقان يمسّ عنصر هويتهم، إما احتقارًا لها، أو تهميشًا، أو محاولة تنميط، من خلال ردّ الاعتبار لعنصر الهوية المضطهَدة، وتفكيك الخطاب الذي ينالها بالقدح، أو الشيطنة.

ولكن خطاب الهُوية يجنح، ويقع فريسة انزلاقين: الأول التمجيد الذاتي المفرط، أو الهيام في الأنا الجمعي، والثاني، وهو نتاج للأول، شطينة الآخر. كل خطاب هوياتي يستعدي آخر، وهو ما يسمى بالعدو الحميم، أي العنصر القريب. وهنا مكمن الخطورة.

ومن دون شك، أن الاستعداء أو الشيطنة هو ما ألهم الكاتب أمين معلوف بكتابة كتابه ذائع الصيت عن "الهويات المتناحرة"، لأن الهويات تناحرت وتنابزت في الفترة التي كتب فيها كتابه، في نهاية تسعينيات القرن الماضي، في كل ما كان في يوغسلافيا، وما طبعها من حروب أهلية وصور مروّعة للتّطهير العرقي، أو في رواندا، في الاقتتال ما بين الهوتو والتوتسي، وقبل هذا وذاك، في لبنان والحرب الأهلية التي مزّقت البلد منذ أن اندلعت سنة 1975.

لم يعد ممكنًا، في ظلّ السياق الذي أفرزته مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين، تجاهل المطالب الهوياتية، ولكن في الوقت ذاته، كان يتوجب حسن تدبيرها، أو ما يسمّيه أمين معلوف بترويض الفهود.

ساد في الغرب اتجاهان، اتجاه أول غلب أوروبا، ويستوحي سابقة كندا فيما يسمى التعددية الثقافية، وعرف تطبيقاته في كل من ألمانيا، وهولندا، وإنجلترا، وحتى فرنسا، والاتجاه الثاني، ذلك الذي ساد الولايات المتحدة، ويُعرف بالتوليفة الهوياتية؛ أي الإقرار بنوع من الانفصالية (كذا) التقدمية؛ أي خصوصية بعض الأقليات، والجماعات الإثنية، وبالأخص بالنسبة للسود.

إعلان

فشل النموذجان، لأن التعددية الثقافية في أوروبا أفضت إلى تمايزات مجتمعية أو ما يسمى أرخبيلًا مجتمعيًا، في نوع من أبارتيد فعلي، يسمى مجازًا بالأبارتيد الرخو، أما نموذج التوليفة الهوياتية فقد تعارض مع مقتضيات المواطنة، وأفرز، كرد فعل، الدفاع عن الهوية البيضاء، أو ما يسمى بالامتياز الأبيض، مما يغذي الاتجاهات اليمينية المتطرفة.

لذلك أصبحت الهويات وخطابها، يتهددان في الغرب القاسم المشترك، أو المواطنة. يتجلى ذلك في علاقات توتر في بعض مكوناته، ما بين الأصليين والوافدين.

لم يكن العالم العربي، بمنأى عن الطلب الهوياتي، وانصاعت كثير من الدول، تحت مطالب داخلية محلية، وضغط خارجي، إلى الاعتراف بحقوق الأقليات العرقية والعقدية، أو في الاعتناء بلغات مهمشة. ضمّنت بعضها في نصوصها الأساسية، وفي اتخاذ إجراءات عملية لرفع الحيف عن وحدات إثنية، أو عقدية، أو لغات، في نوع من التمييز الإيجابي، أو المحاصصة.

ولكن هذه الاعترافات لم تسلم من زيغ، من خلال انكفاء الوحدات الثقافية، وهلهلة السبيكة المجتمعية، وإضعاف الدولة، وفي حالات معينة، حمل السلاح، واتخاذها ذرائع للتدخل الأجنبي.

لا يمكن أن يجادَل في شرعية الهويات، ولكن يتوجب ألا تتعارض مع مقتضيات أساسية، أولها شخصية بلد ما، أي البنية العميقة التي هي نتاج لتفاعل الجغرافيا والتاريخ، والتي تثبت رغم التغييرات الثقافية والديمغرافية.

ولا يجوز أن تتعارض الهويات مع مفهوم الأمة، التي تنصرف إلى أزمّة ثلاثة: ذاكرة جمعية، وحاضر ينبني على التضامن، ومستقبل ينصرف إلى المصير المشترك، وألا تجافي الهويات المواطنة، إذ لا ينبغي للهويات أن تقوم بديلًا للمواطنة، والحال أن الهويات تفضي إلى طائفية تتعارض مع المواطنة، في الغرب، وغيره.

بيدَ أن هذه المبادئ، على أهميتها ينبغي أن تستند إلى أدوات، وإلّا تُضحي مجرد شعارات، ومنها العدالة الاجتماعية؛ لأن خطاب الهوية يستمد مشروعيته من التباينات الاجتماعية والحيف الذي يمَس مجموعة ما، وأن تقوم أدوات تنشئة فعّالة، وعلى رأسها المدرسة التي ينبغي أن تكون بوتقة الانتماء، ورافعة اجتماعية، وأن تنهض وسائط مجتمعية، من أحزاب وجمعيات ومجتمع مدني، تتجاوز الانتماءات الهوياتية وتستوعبها، وأن تقوم رموز تاريخية وسياسية وفكرية ورياضية تكون محط إجماع، وتصلح أن تكون عناصر تمثُّل، فضلًا عما يسميه البعض بالتوزيع العادل للرموز.

إعلان

ليست الهويات قارّة، ولذلك تستلزم حوارًا دائمًا، يضطلع به من يسميهم ت. إس إليوت بالحكماء، وإلا تحولت قضايا الهوية إلى عمليات جراحية يجريها غير الأطباء، ما من شأنه أن يُعرض الجسم للأذى، والحال أن الثورة الرقمية لم تسعف في حوار هادئ ورصين وهادف لقضايا معقدة بطبيعتها، وتختلط فيها الجوانب الذاتية مع الموضوعية، ويمكن بإساءة التعاطي معها، أن تكون مصدر توتر وصِدام، أو تؤجّجهما.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • «معلوف»: ترامب يريد الظهور بمظهر الرجل القوي الذي يدير شؤون العالم
  • رئيس مجلس السيادة السوداني: نعمل على إلتزام الحكومةبتنفيذ خارطة الطريق التي تم تقديمها للامم المتحدة
  • نائب رئيس مجلس السيادة السوداني: التزامنا بتنفيذ خريطة الطريق التي قدمت للأمم المتحدة والأشقاء
  • الرجل الأبيض وترويض الفهود..قصة فشل أوروبي وأمل عربي
  • آخر خيبات غفلتنا وتخلفنا
  • رجل يصطحب إبل لداخل مجلس لمشاهدة التلفاز .. فيديو
  • نقاش بين خالد أبو بكر وراغدة شلهوب: أنتو ظالمين الرجالة
  • الرجل الألفا يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟
  • جعجع: المشهد الذي انطلق من السعودية هو الطريق الصحيح لحل مشكلات المنطقة
  • حركة الكيزان وأياديها البيضاء..!!