لا شك أن معرفة الغرب معرفة كاملة وشاملة من داخله فكرا وفلسفة وثقافة، أصبحت من المطالب المهمة للعرب والمسلمين، خاصة بعد الحراك الشعبي الكبير من الجيل الجديد في الغرب، دعما للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، كما سنذكر تاليا: فلماذا نريد معرفة الغرب راهنا ومستقبلا؟ هذا ما نريده من أصحاب الرؤى الفكرية والمتخصصين في معرفة أوسع بصفة عامة، خاصة من داخله والقوى الفاعلة في ثقافته، ممن لهم اهتمام بالغرب في المجالات الفكرية والسياسية والثقافية والنفسية وغيرها من المجالات، وليس الأفكار الظاهرة على السطح، وأن تكون دراسة صادقة وواعية، بعيدا عن الأحكام المسبقة، أو ما يتطلبه الفكر العلمي المحايد، لينظر في هذا الجانب، بمقاييس حياته وتفكيره ورؤيته للآخر المختلف.

وقد يقول البعض: إننا عرفنا الغرب من خلال مواقفه السياسية والفكرية تجاهنا، لكن هذه النظرة كانت لها أسبابها السياسية والفكرية سابقا، من خلال الصراع الممتد بيننا وبينه لقرون مضت، ومنها أيضا ما كتبه الاستشراق غير المنصف، الذي لم يكن نزيها وصادقا في معظم كتاباته، خاصة الاستشراق الذي ارتبط بالدوائر الاستعمارية، صحيح أن هناك استشراقا كان عادلا، وجاء لمعرفة الشرق، رغبة منه في المعرفة والاطلاع، وهو الشرق العريق في تاريخه ومعارفه وظهور الأديان الكبيرة فيه، إلى جانب غناه بالآثار الكبيرة التي عُرف بها منذ فجر التاريخ.

ونحن في مقالنا نناقش قضية ما سمي بـ(الاستغراب) معرفة الغرب، أو يسميه البعض بـ «غربولوجيا»، فلا نقصد منه اتباع ما قام به الغرب من إنشاء الاستشراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، في معرفة الشرق، فالغرب كانت له غايات وأهداف ـ تختلف عما نحن نهدف إليه ـ في هذه المعرفة، فقد كان هدفه الغزو والسيطرة على الشرق، لمعرفة بلاد العرب والمسلمين، ومعرفة المسالك والمداخل، والعادات والتقاليد وسبل العيش، إلى آخر المعارف، التي يريدها من المستشرقين الذين سبقوا الحملة الاستعمارية، ووضعوا الخرائط والأماكن والطرق له، فالهدف منه لم يكن علميا خالصا، بل له مراميه وأهدافه تحققت بالفعل كما أشرنا آنفا، بعد وصول جحافل المستعمرين، وتم هذا في ظل ظروف المنطقة آنذاك والتراجع الكبير في مجالات كثيرة: التأخر والتخلف والتراجع، وأسبابها كثيرة، ليست مجال حديثنا في هذا المقال.

ما نريده في معرفة الغرب الآن ومستقبلا، هو نظرة جديدة للغرب بعد أحداث السابع من أكتوبر العام الماضي، وليس هنا، مقابلة الاستشراق بالاستغراب كما طرح البعض سابقا، فلا تقارب بين هذين الهدفين، فليست المعرفة كما نراها في الغرب هدفا للغزو، ولا كراهية في تقدمه ونهضته، بل الأمر مختلف تماما، فمعرفتنا للغرب بالنسبة للعرب والمسلمين، الاقتراب من داخله، ولماذا هذا التغير في نظرة الغرب للعرب والمسلمين، خاصة شباب الجامعات العريقة في الغرب والولايات المتحدة وهذا الحراك الضخم الذي لم يكن أحد ليتوقعه، خاصة أن أحكامه السابقة لنا كانت عكس هذا التوقع؟ فالغرب عندما تلقف فكر الاستشراق والباحثين المسيّسين، وتأثير المؤسسات الصهيونية في الغرب، جعلت الكثير من الغربيين، ينظرون نظرة توجس وارتياب، أو ما يسميه البعض بـ(إسلاموفوبيا)، وهذه بلا شك أسهمت في زيادة الارتياب من العربي خاصة والمسلمين.. فكيف حصل هذا التغيّر في الجيل الجديد في الغرب تجاه ما حصل في غزة؟ فالبعض عزا هذا الحراك والتعاطف من الأجيال الجديدة في الغرب، مع ما يجري ضد الشعب الفلسطيني في غزة، حيث إن تلك الأفكار السلبية تجاه العرب والمسلمين، لم تعد لها أثر في هذا الجيل من الشباب الغربي الجامعي، وتراجع تأثير كتابات الغربيين من المستشرقين، لم تعد حاضرة في عقول هذه الأجيال، وهو جيل التقنيات الجديدة، وأصبحت المعرفة حاضرة بالصوت والصورة من خلال هذه الوسائل، وأنها ـ هذه الأجيال ـ تحررت من تلك النظرة السلبية التي غُرست في الأجيال السابقة بصورة أكبر من هذا الجيل.

والبعض الآخر من المهتمين يعزو بما جرى في الغرب من الحراك الشعبي من شباب الجامعات، والاعتصام ضد الإبادة الجماعية، ورفض ما تقوم به بعض الدول الغربية من تأييد لإسرائيل، دون النظرة الموضوعية المنصفة لما يجري من قتل وتدمير وتهجير، وما تبعها من ضرب البنية الأساسية في مدينة غزة لـ80% من المساكن والمؤسسات الصحية والتعليمية والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا ما جعل هؤلاء الشباب الجامعيين ينتفضون ويرفضون هذه الممارسات اللاإنسانية للأبرياء، ويعزو البعض الآخر سبب هذا الحراك الشعبي، كما قالوا: إن هذا الجيل الجديد اقترب من الشباب العربي المقيم في الغرب، أو الطالب الآتي من الشرق، فوجد أنهم يمتازون بالمعاملة الطيبة والخلق الرفيع وليس كما يبثه اللوبي الصهيوني في الغرب عنهم، كما ليس هناك ما يشين رؤيتهم وفكرهم، سواء في قضية التعامل مع الآخرين، أو في عقلانيتهم تجاه قضايا عامة يتفق عليها الجميع، والبعض الآخر يرى أن بعض الفلسطينيين والعرب المقيمين في الغرب ومن المسلمين في الغرب، وبعضهم أساتذة جامعيين، لعبوا دورا مهما في توعية هذه الأجيال من خلال طرح قضية فلسطين بالأخص، من خلال بسط تاريخ القضية التي حدثت في فلسطين عام 1948، ووعد بلفور وزير خارجية بريطانيا في إقامة وطن قومي لليهود، وأدى إلى طرد أصحاب الحق الأصلي من أرضهم، وحل محلهم اليهود، سواء من كان بعضهم في البلاد العربية ـ وهم أقلية ـ أو البعض الآخر الذين تم استجلابهم من أوروبا الغربية، ومن أوروبا الشرقية، هذه الحقائق تم تعزيزها بما حصل في غزة بعد السابع من أكتوبر، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمعرفة من وسائل التقنيات الأخرى التي كشفت حقائق ما يجري في غزة، وهو ما كشف المستور من هذه الحقائق في هذا الجيل الجديد التي كانت غائبة عنه أو تم تغييبها.

فقضية معرفة الآخر، سواء الغرب الأوروبي، أو الشرق الآسيوي، أو غيرهم من الشعوب الأخرى، حاجة ماسة للمعرفة أكثر، والمعارف الهامشية أو السطحية، لا تعطي معرفة دقيقة وفاحصة عن الآخر، لكن المعرفة الجيدة والضرورية، تحتاج للغوص العميق في القاع، أو الحفر في مداخل هذه الشعوب، وهذه يمكن تحققها بمعرفة كاملة من خلال الاستقصاء المعرفي المتكامل، لأي شعب من الشعوب، لذلك هناك الجديد من الرؤية غير المتوقعة في الغرب، وقد ظهرت غير المتوقع حصولها، خاصة كما قلنا في الجيل الجديد، وهذه الأجيال هي عدة العدة التي سيكون لهم التأثير في الغرب كونهم من طلبة الجامعات في أغلبهم، ولهذا نحتاج بحق إلى معرفة ومتابعة واستقصاء جديد، ونحن بأمس الحاجة إلى الإنصاف في قضايانا المصيرية، وإعطاء صورة صادقة عن حقيقة الواقع الذي تم تحريفه في الغرب، من خلال مؤسسات فاعلة وقوية ومؤثرة. نعم هناك كتب صدرت قبل عقود من أكاديميين وباحثين عرب، تحمل قضية معرفة الغرب (الاستغراب)، لكنها كانت ناقدة له ولم تركز على معرفة الشعوب وركزت على الفلسفات والنظريات والعلوم المختلفة.. وللحديث بقية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحراک الشعبی الجیل الجدید هذه الأجیال البعض الآخر هذا الجیل فی الغرب من خلال فی غزة فی هذا

إقرأ أيضاً:

المقبل على الحج.. خطيب المسجد النبوي: ينبغي معرفة 3 أمور ولا عذر لأحد

قال الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان، إمام وخطيب المسجد النبوي،  إنه يتعين على المسلم المقبل على الحج أن يتعلم طريقة وكيفية أداء نسكه بإتقان وإحكام.

المقبل على الحج

وأوضح " البعيجان" خلال خطبة الجمعة الأخيرة من شهر ذي القعدة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أنه ينبغي أن يعرف الأركان والواجبات والمحظورات وما يترتب عليها من أحكام، فالعلم مقدم على العمل، والله لا يعبد بالهوى، وإنما يعبد بالعلم والبصيرة.

واستشهد  بما قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ)، فقدم العلم على القول والعمل، منوهًا بأن تعلم العلم خشية، وطلبه عبادة، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.

وتابع:  ولا يتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من علم يهتدي به العبد في عبادته، وقد سخر الله لكم الوسائل، وهيأ لكم الظروف المناسبة، فلا عذر لأحد في عدم تحصيل العلم، فكل الوسائل متاحة، والحجة قائمة".

مجمع الشمائل

وأضاف أن تقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا، موضحًا إنكم في شهر حرام، وفي بلد حرام، ومقبلين على ركن من أركان الإسلام، وهو فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، وإن من الاستعداد لأداء هذا النسك تعلم ما يتعلق به من الأحكام.

ونبه إلى أن تعلم أحكام الحج جزء من أدائه، بل هو شرط في صحته واستيفائه، فاحرصوا على تعلمها على الوجه الصحيح، من العلماء المعتبرين، ومن الجهات المعتمدة؛ حتى تؤدوا مناسككم على الوجه المشروع.

 وأشار إلى أن الله يسر لكم ما لم ييسر لمن قبلكم من وسائل التعليم، ومنصات التوجيه والإرشادات المصورة، بلغات متعددة، فهل بعد هذا من عذر، وهل بقي لأحد حجة في الجهل.

وأوصى قائلاً:  فاغتنموا فرصة زمانكم، وتعلموا مناسككم، وخدمة لضيوف الرحمن فإن الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ووزارة الحج والعمرة قد أطلقتا عبر منصاتهما التوعوية جميع الخدمات التي يحتاجها الحاج والزائر، من التوجيهات العلمية.

اغتنموا فرصة زمانكم

وأردف: المعتمدة على الكتاب والسنة النبوية، والإرشادات الأمنية والصحية، والوسائل المساعدة، والإجراءات النظامية، وغير ذلك، فاستفيدوا منها، واعتمدوا عليها.

واستطرد: لقد أكرمكم الله ومن عليكم بزيارة المدينة المنورة، طيبة الطيبة، الدار والإيمان، مهاجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومأواه، ومقامه ومسكنه ومثواه، أفضل البقاع.

وبين أن أحب البلاد إلى الله بعد مكة، فاعرفوا قدرها وفضلها، وعظموا شأنها، وراعوا حرمتها، واستشعروا عظمتها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب، واحذروا من انتهاك حرمتها، ومن الإحداث فيها.

وواصل: وتذكروا أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ)، مضيفًا: ألا وإن الله أكرمكم بزيارة مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي أسس على التقوى من أول يوم.

أفضل بيوت الله

وأكمل: وهو أعظم وأفضل بيوت الله في الأرض، والعبادة فيه مضاعفة على العبادة في ما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )، متفق عليه".

وحث المسلمين وزوار المدينة المنورة استشعار شرف المكان، واحترام قدسيته، والتأدب فيه بالآداب الشرعية، والحفاظ على الهدوء والسكينة والوقار، والحرص على عدم الإزعاج والتشويش على المصلين، وعدم أذيتهم وتخطي رقابهم، والرفق بالزوار وبضيوف الرحمن، وتجنب التدافع أثناء الزحام.

ولفت إلى أن هذا المكان مخصص للعبادة، فتجنب فيه كل ما يخالف الشرع من بدع ومخالفات، وفتن ومنكرات، ولا تكن سببًا في صرف الناس عن الخشوع وعن الطاعات.

طباعة شارك خطيب المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي البعيجان خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان المقبل على الحج

مقالات مشابهة

  • المتحدث باسم الحكومة الألمانية يكشف تفاصيل خاصة عن المساعدات التي سمح العدو الصهيوني بإدخالها إلى قطاع غزة
  • قراءة خاصة لبيان المسيرات المليونية التي شهدتها صنعاء ومختلف المحافظات (تفاصيل هامة)
  • المقبل على الحج.. خطيب المسجد النبوي: ينبغي معرفة 3 أمور ولا عذر لأحد
  • لماذا تصدرت شاكيرا تريند جوجل؟
  • مختصة توضح كيفية اختيار الهدية المناسبة بناءً على طبيعة العلاقة
  • الزكاة والجمارك توضح كيفية معرفة المستحقات المالية الواقعة على الشركة
  • لأول مرة في السعودية.. زرع جهاز في الدماغ يتحكم بأمراض عصبية
  • الجيل: تنمية الثروة الحيوانية أبرز ملفات الحزب البرلمانية
  • السعودية: زراعة أول جهاز ذكي داخل الدماغ لتحسين التحكم بالأمراض العصبية
  • مستشفى سعودي يزرع أول جهاز ذكي داخل الدماغ