نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية تقريرًا تحدثت فيه عن تحوّل المدن العالمية في ظل العولمة خاصة في الصين، حيث تمثل المدن الضخمة مراكز وطنية وإقليمية متصلة بالعالم لكنها تحتفظ باستقلاليتها. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إننا كنا نعرف سابقًا كيف سيكون شكل مستقبل عالم معولم: مدن متعددة الثقافات مثل نيويورك وباريس ولندن وهونغ كونغ، تتمتع بطابع وطني لكنها تجمع بين الناس والأفكار ورؤوس الأموال من شتى أنحاء العالم.

والعديد من هذه المدن كانت عواصم لإمبراطوريات قديمة، وبعضها مثل لندن ونيويورك تضرر بشدة من إعادة الهيكلة الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي، لكنها استعادت حيويتها وتحولت بفضل النمو العالمي. كان الاتجاه العالمي الذي لا يمكن وقفه، أي العولمة، سيُنتج بطبيعته المزيد من هذه المدن، أو هكذا كانت النظرية، حيث تربط بينها الشبكات الرقمية والسفر الجوي العالمي بشكل وثيق.



وأشارت الصحيفة إلى أن بدايات الألفية الثانية مثلت الذروة في هذا التصور للمستقبل، إذ انضمت مدن آسيا الكبرى مثل شنغهاي وشنجن وبكين، وأيضًا مومباي وبنغالور إلى قائمة "المدن العالمية"، وأصبح أفق شنغهاي المعماري معروفًا في مختلف أنحاء العالم. لكن الأزمة المالية لسنة 2008 قطعت الصلة بين النمو والتجارة، إذ واصل الناتج المحلي الإجمالي نموه بينما توقّف نمو التجارة كنسبة من الناتج وتراجعت البنوك، وانكمش التمويل الأوروبي، ثم جاءت إغلاقات كوفيد خلال 2020–2022 لتوجّه الضربة القاضية للعولمة المفتوحة.

إذا زرت الصين اليوم، سترى ما لم يكن واردًا في حسباننا قبل عشرين سنة: مدنًا ضخمة هائلة الحجم، يسكنها عشرات الملايين، تمتلك بنى تحتية وتكنولوجيا فائقة الحداثة، متصلة بعمق بالاقتصاد العالمي، لكنها شبه خالية من السكان الأجانب. يشكّل الأجانب 0.3 في المئة فقط من سكان بكين، ومن بين 20 مليون نسمة في تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيتشوان، لا تتجاوز نسبة السكان الأجانب 0.08 في المئة.

 تشير الدلائل إلى أننا بالغنا في تقدير قوة العولمة في تشكيل خصائص المدن العالمية السابقة، وتجاهلنا حساب الدوائر الخاصة للأموال والأشخاص والأفكار التي تشكّلت بفعل إرث الإمبراطوريات.

أوضحت الصحيفة أن الاقتصادات الكبرى الغنية، حتى تلك التي تشارك بشكل مكثف في التجارة مثل اليابان، لم تمتلك قط نسبًا كبيرة من التجارة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وينطبق ذلك أيضًا على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث أن حصة أوروبا في التجارة مع العالم لا تتجاوز 23 في المئة، بعد استثناء التجارة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. ويعزز حجم الصين هذا المنطق بشكل أكبر، فمع ترسيخ موقعها كنظام إنتاجي هو الأكبر في تاريخ العالم، يجب أن نتوقع أن يقل اهتمامها بالاقتصاد العالمي مع مرور الوقت.



عند تعميم فكرة العولمة، قللنا من شأن شبكات اللغة والثقافة التي حدّدت حركة التنقل بعيدة المدى. فاللغات الإمبراطورية الغربية، الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والبرتغالية، لعبت دورًا رئيسيًا في توجيه ورسم مسارات الحركة العالمية، وجعلت من مدن مثل ريو دي جانيرو وبوينس آيرس وسيدني وهونغ كونغ أماكن عالمية.

وأوضحت الصحيفة أن الفضاء الصيني (السينوسفيري) له منطق ثقافي لغوي خاص به، فاللغة الصينية تفرض حواجز كبيرة أمام الهجرة الوافدة، لكن في الوقت ذاته، يخلق إتقان الماندرين المبسط ثقافة مشتركة لما لا يقل عن ثُمن البشرية، مما يفتح الباب أمام هجرة جماعية داخل الصين نفسها. فربما لا تضم بكين عددًا كبيرًا من السكان الأجانب، لكن نحو 40 في المئة من سكانها وصلوا حديثًا من مناطق أخرى داخل الصين. وبالمثل، في مركز التكنولوجيا بنغالور بالهند، العدد الضئيل من السكان الأجانب يقابل أكثر من نصف سكان المدينة من مهاجرين قادمين من باقي أنحاء الهند.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي الصين الاقتصادية التجارة الهند اقتصاد امريكا تجارة الصين الهند المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

السياسة وثقافة العولمة

 

 

خلال سوالف الأعوام برزت عدة ظواهر لا بد من الوقوف أمامها بقدر من التأمل في النسق العام السياسي والاجتماعي والثقافي، فالموضوع لم يعد ظاهرة بدون دلالة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، كما قد يظن البعض، ولا يمكن فصل ما يحدث اليوم عن الرؤى والاستراتيجيات التي تستهدف العرب والمسلمين، ولا فصله عن الحرب التي تدور في الخفاء بين المسلمين واليهود، فما الذي يحدث بالضبط ؟..

الذي يحدث حركة سياسية وثقافية ذات تواشج تهدف إلى شيوع الفساد في المجتمعات العربية وتحريك وجدانها ضد الفطرة، من حيث سفك الدماء، والحرص على إراقتها، ومن حيث الانحلال  الأخلاقي حتى يغضب الرب، فيكون ذلك سببا في التعجيل بخروج المخلص الذي – حسب المعتقد لدى اليهود – موعود بالتمكين في الأرض، وسوف يحكم المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل، ولذلك كان الربيع العربي هو البداية التي ولج منها المشروع، وتغلغل في البناء العام للمجتمعات العربية، وسعى جاهدا إلى تفكيك النظام العام والطبيعي إلى درجة التيه، والتباس المفاهيم وتعويمها، وعدم الشعور بالمعنى والقيمة، وقد ترك ذلك أثرا على الناشئة، وشهدنا تبدلات جنسية بين جيل الناشئة في عموم الوطن العربي، وشهدنا حركات ثائرة على القيم والمبادئ، وشهدنا هروبا لبعض الشباب مع ضجيج إعلامي يصاحب ذلك، وكنا قد لاحظنا من قبل ذلك الفنون في مجملها تتراجع إلى مستويات دنيا من الانحطاط  والتفسخ القيمي بدءا من الكلمات السطحية والخادشة للحياء ولا نقول انتهاء بالفديو كليب الذي كان يروج للأغنية من خلال الصورة العارية وحركة الجسد والمشاهد السريعة والإضاءة المكثفة ذات القدرة على الإبهار، ولكن ظل ذلك يمتد إلى المسلسلات ذات المستوى الفني الهابط، وصولا إلى المهرجانات الثقافية التي تمجد الظهور بالملبس الفاضح .

سياسة هدم التطبيقات الإسلامية للمجتمعات العربية وتفكيك القناعات وإفساد الأجيال، سياسة تضمنتها استراتيجية راند لعام 2007م والتي بدأ الاشتغال عليها منذ تفجرت أحداث الربيع العربي، وهي اليوم في مراحل بلوغ الغايات منها، بعد أن تم للغرب هدم النظام العام والطبيعي واستطاع تعويم المصطلحات والمفاهيم وعمل على تسطيح وعي الناشئة من خلال برامج موجهة مثل مسابقات الفنون والشعر التي كانت تبثها الفضائيات فتترك أثرا تفاعليا في عموم الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه، وقد كنا في اليمن من أولئك الذين ينبهرون بالشيء فيقومون بالترويج له على مستويات متعددة من باب العصبيات وافتتانا بحالة الدهشة التي يحدثها البرنامج في النفوس  .

بلغ المستعمر غاياته ووصل إلى مراحل متقدمة، ونحن كأمة ننساق وراء الأشياء دون وعي، ودون إدراك لما يحدث، أو قراءة للأثر المترتب على التفاعلات، ولم نستبن الرشد إلى يومنا المشهود، وهو يوم يشهد كل التفاعلات الثقافية التي تستهدف القيم وتقاليد المجتمعات الإسلامية وتطبيقاتها، فالمرأة المحافظة بدأت تخرج في بث مباشر على منصات التواصل الاجتماعي كي تتحدث عن تجاربها المخلة بالشرف، ومغامراتها العاطفية، في سابقة لم تكن معهودة في كثير من المجتمعات العربية .

ما يحدث في مجتمعاتنا العربية منذ بداية الألفية إلى اليوم ليست حربا على الإرهاب، ولا اضطرابات اجتماعية، ولا ثورات، ولا قلاقل وفتن، بل حركة استهداف تدار من قبل الماسونية العالمية ومحافلها في بعض العواصم العربية، تهدف إلى هدم التطبيقات الدينية لدى الشباب المسلم حتى لا يكون ارتباطه بالدين ارتباطا قويا ومتينا، بل يكون ارتباطا هشا وسطحيا، حتى يسهل على العدو التغلغل إلى البناءات الثقافية فيحدث فيها تبدلا وتغيرا، ويمكن قياس ذلك على حركة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وننظر إلى الجدل الفكري حول هذه الفكرة في منصات التواصل الاجتماعي، ويمكننا أيضا النظر إلى زعزعة القناعات العقدية عند الناشئة وفي المواقف، إذ بالعودة إلى الماضي والى الموقف العربي الشعبي من التطبيع نجد موقفا واحدا منه.

اليوم أصبح النص الشعري منفلتا ومنسابا، وأصبحت الفنون بدون معايير أخلاقية، وأصبح الإيقاع الصاخب والفوضى من علامات الحداثة الفنية والأدبية، وأصبح المثقف الملتزم حالة غير مقبولة، وخرج المهرج والمجنون وصاحب الابتذال الثقافي والأخلاقي من قبوه، فهو يملك من الأثر على الناس ما لا يملكه المثقف الملتزم، ولك أن تنظر إلى منصات التواصل الاجتماعي كي تخرج بتلك النتيجة .

المال الذي ينفق على المهرجين وأصحاب قنوات اليوتيوب ليس مالا مستحقا لأصحابه بل هو مال يعرف ماذا يريد من الأمة العربية والإسلامية، بدليل أن ذلك المال لا يمكن أن يصل إلى المثقف الملتزم أو المثقف صاحب الرؤية والفكر الإنساني النبيل، ولذلك قد تجد عشرات القنوات في مصر مثلا تروج لشهوات البطن والفرج ويتنافسون على ذلك، وبمثل تلك الآلية استطاعوا حرف مسار الشباب وتركيز اهتمامه حول أشياء بعينها لأنها أكثر حضورا وفاعلية وأكثر ربحا وكسبا ماديا يعين على أسباب الوجود .

وفي المقابل تجد السياسات العامة للدول العربية تنشط في الترويج لمثل ذلك، ففي الإمارات هناك وزارة السعادة، وفي السعودية هناك هيئة الترفيه، وهكذا دواليك ينفق المال في مناشط الترفيه وتسطيح وعي المجتمعات، ولن تجد مالا للقضايا الفكرية والأدبية والثقافية الجوهرية، كما كان يحدث زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب.

نحن اليوم في اليمن مطالبون بالوعي بالمعركة الثقافية التي يشنها الغرب على قيمنا وديننا، وعاداتنا وتقاليدنا، وعلى ثقافتنا، وهويتنا الحضارية والثقافية والايمانية، ومثل ذلك يتطلب تحريك الجبهة الثقافية في مستوياتها المتعددة لمواجهة العدو إلى جانب الجبهة العسكرية، فالكلمة تواجه بالكلمة، والفكرة بالفكرة، والمحتوى الهابط يلزم مواجهته بمحتوى راق ملتزم مروج له، ونشيد به.

 

مقالات مشابهة

  • انتعاش الصادرات التركية رغم الحرب التجارية العالمية
  • الصين توضح آليات الإعفاء الضريبي للمستثمرين الأجانب
  • دعوات بالضفة لمشاركة فاعلة غدًا باليوم العالمي نصرةً لغزة والأسرى
  • حماس تدعو لمواصلة التصعيد الشعبي العالمي ضد العدوان والإبادة الجماعية والتجويع في غزة
  • حين يصبح الصمت جريمة.. غزة تنزف والضمير العالمي في غيبوبة
  • السياسة وثقافة العولمة
  • تنافس ChatGPT.. الصين تزيح الستار عن نموذجها «GLM-4.5» بعدة مهام
  • رئيس النواب : العالم يعيش لحظات فارقة تمس جوهر الاستقرار الإنساني العالمي
  • الجزائر تفتك عضوية أول مكتب تنفيذي للمنظمة العالمية لشباب حركة عدم الانحياز