تحوّل جديد في مسار الجريمة بالعراق.. الناس بدأوا يعتدون على انفسهم لتوريط غيرهم!
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
السومرية نيوز-امن
في تحول قد يحمل وراءه جانبًا ايجابيًا غير مباشر وخفي، وجانبًا مباشرًا أكثر خطورة، حيث بدأت تنتشر ظاهرة غريبة من نوعها تتمثل باقدام الناس على الاعتداء على انفسهم لتوريط غيرهم من خلال الدعاوى القضائية واتهام خصومهم. ويتمثل الجانب الإيجابي غير المباشر لهذه الظاهرة، بلجوء الناس الى فكرة القانون والقضاء في حل مشاكلهم خوفًا من الذهاب والاعتداء على الاخرين لتسوية الخلافات، اما الجانب المباشر الخطير لهذه الظاهرة، هو الخوف من مسألة توريط الأبرياء وجعلهم متهمين، وهو ماقد يطيح بهم بالفعل في حال لم تتمكن التحقيقات الأمنية من التوصل للحقيقة.
مدير شرطة الرصافة اللواء شعلان الحسناوي، وفي صدد حديثه عن الدكات العشائرية، قال ان هناك أنواعا لـ"الدكة العشائرية"، وأخطرها أن من يقوم بتنفيذها عصابات مأجورة، والنوع الآخر هو افتعال الشخص للدكة ضد نفسه بتوجيه النار على داره السكنية لتضليل الأجهزة الأمنية والقضاء، من خلال تقديم الشكوى ضد آخرين لأغراض الابتزاز ودفع الأتاوات".
هذه الحادثة المتمثلة بـ"الاعتداء على النفس" لاتهام وتوريط الاخرين، ليست هي الأولى من نوعها في العراق، لكن من الممكن ان تكون حديثة الظهور، فقبل أيام سجلت محافظة ديالى حالة "اختطاف وهمي"، أقدمت عليها تدريسية او معلمة، لاتهام اشخاص اخرين بينهم خلافات بشأن ديون مالية، الامر الذي يكشف مدى تطور الظاهرة وخطورتها.
وفي 15 أيار الجاري، أي قبل 10 أيام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحالة اختطاف معلمة في محافظة ديالى، قبل ان تكشف شرطة ديالى ان حالة الاختطاف وهمية، وان المعلمة متفقة مع ذويها على تنفيذ هذه القصة لاتهام اشخاص اخرين لديهم خلافات معهم تتعلق بديون مالية.
وأكدت شرطة ديالى حينها انها كشفت العديد من حالات الخطف الوهمي والتي برزت مؤخرا لأسباب تتعلق بالابتزاز أو تراكم الديون او الخلافات، معتبرة ان كشف هذه الحالات مهم باعتبارها جرائم لم تسجل من قبل".
المصدر: السومرية العراقية
إقرأ أيضاً:
موقف عمومي
#موقف_عمومي
د. #هاشم_غرايبه
بعد عودة أحد الأوروبيين من رحلة سياحية لبلادنا العربية، قال لأصدقائه: أغرب ما لاحظته عندهم أنهم يحافظون على بيوتهم نظيفة جدا، وأثاثها في منتهى الترتيب والأناقة، ويحرصون على بقائها كذلك، لكن أحدهم في الشوارع والمرافق العامة شخص آخر، فهو يلقي بالمهملات كيفما اتفق، ويفسد مقاعد الحدائق وأشجارها بحفر إسمه وإسم محبوبته عليها، ويلقي بالمناديل الورقية في بالوعة دورات المياه العامة، فيما لا يفعل ذلك في بيته.
دهش الحضور لهذه المفارقة، وسألوه لها تفسيرا، فقال: أعتقد أن السبب هو أن المواطن عندهم يحرص على بيته لأنه ملكه، فيما لا يشعر أن المرافق العامة تخصه…بل يعتقد أنها للدولة!.
لا أعتقد أن أيا من هؤلاء (الجميع) لا يراعي أصول النظافة في بيته، ولا يمكن أن يرمي شيئا على الأرض.. لماذا؟…لأن ربة البيت ستوبخه وستجبره على رفع ما رماه ووضعه في سلة المهملات.
أثناء رحلة سياحية في اسبانيا، كنا نسير كمجموعة في أحد شوارع مدريد، لاحظ أحدنا شخصا اسبانيا يرمي كيسا فيه بقايا شطيرة وعلبة مشروب فارغة على جانب الشارع، ذهب وورفعها ورماها في حاوية للنفايات قريبة، طبعا جميعنا قدرنا عمله وأثنينا عليه، لأنه سيعطي عنا صورة حضارية، مقابل ما يعتقده البعض أن الشعوب الاوروبية نظيفة بطبعها، وملتزمة بالنظام أكثر منا.
في حقيقة الأمر فالموضوع متعلق بالضبط والحزم في منع هذه الظاهرة، وليست في أن طبيعة شعبنا أنه لا يحب النظافة ولا يهتم بالمظهر العام.
الدراسات الإجتماعية أثبتت أن البشر في المسلكيات متشابهون، لا يوجد شعب يحب القذارة، ولا أحد يعتقد أن النظافة سخافة، كما أنه لا توجد هنالك أمة فوضوية بطبيعتها وأخرى منظمة، بل توجد واحدة منضبطة بفعل ضابط ، وأخرى منفلته لغياب ذلك الضابط.
هذه الظاهرة التي يكرهها الجميع ويتبرمون منها رغم أن أغلبهم يمارسها، والقلة القليلة التي لا تفعل ذلك، تحس باليأس من ضآلة نفع التزامها، ..فماذا سينفع رش معطر للجو بجانب محطة لتنقية المياه العادمة.
هكذا نتوصل الى فهم أسباب هذه الظاهرة، فهي ليست بتقدم الشعوب الأوروبية وتأخرنا، ولا هي لأسباب أخلاقية أو أن طبيعتهم هي التي تلزمهم بحب النظافة والنظام.
إنها لسببين هما في الحقيقة مرتبطان عضويا بأنظمة الحكم، الأول: الثقافة المترسخة بعدم الإنتماء الى مؤسسات الوطن ومرافقه الحيوية تعود الى ما اكتسبه الناس من تجارب مريرة بعد الممارسات التسلطية للسلطة طوال عقود، من أن الوطن هو ملك الحاكم وكل ما فيه له، فالشارع باسمه والحديقة باسم زوجته والملعب باسم ابنه وحتى المسجد باسم أبيه أو جده، ويمن النظام عليه بكل ذلك إذ يعتبره منجزا له، وأنه لولا عطايا الزعيم ومكارمه ما تحققت.
والثاني: هو تقصير الدولة المزري في صيانة الشوارع والمرافق، وفي حجم خدمات النظافة ، حيث أن الضرائب الكثيرة التي يدفعها المواطن لا تنعكس عليه بخدمات بسبب فساد الأنظمة، فالداخل الى جيبها مفقود، لذا فالخارج منها معدوم.
ربما يجب نشر ثقافة النظافة والترتيب، وضبط ذلك بقوانين ورقابة، لكن قبل لوم المواطنين لتسببهم في تراكم الأوساخ ورمي أعقاب السجائر وأكواب القهوة في الشوارع، يجب أن نبدأ بإحياء شعور المواطن بالإنتماء الى الوطن وإحساسه بملكيته له، والتوقف عن جلده بمقولة أنه عالة على جيب الزعيم الذي يحييه إن سبّح بحمده، ويميته إن عارضه.
ولن يتحقق ذلك إلا بأمرين، أولهماعندما يرى زعيمه مثل أي رئيس أوروبي، لا يمتلك الوطن بل يخدمه، وهمُّه الأول رفعة الوطن ونفع المواطنين، وليس محصنا من المساءلة هو وعائلته، لذا فليس للفساد من وسيلة إليه.
والثاني عندما يجد المسؤول الذي يتبوأ منصبه هو بحجم المسؤولية، قد تم تعيينه لكفاءته ووفق المؤسسية وليس بالمحسوبية، لذلك يكون مخلصا لواجبه ويخشى المساءلة ان قصر أو أخطأ.
عندها يحس المواطن أن الدولة له، وأن له حصة في هذا الوطن.