لجريدة عمان:
2025-05-19@00:25:15 GMT

حكايات الموت العادي

تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT

حكايات الموت العادي

ثمة كتب تحتاج جُهدًا كبيرًا من القارئ، إذ أنها تتطلب أحيانا محاولات عدّة قبل أن تفتح أبوابها له (وربما لا تفعل ذلك، بل تبقى مقفلة أمامه). وثمة كتُب أخرى، تبدو أسهل من دون أدنى شك، إلا أننا نعرف، ما أن نقرأ السطور الأولى منها، بأنها ستأخذنا وتحملنا بين جناحيها، لدرجة أننا لن نُقفلها إلا بعد أن نكون قد أنهينا قراءتها كاملة.

بالتأكيد ثمة قضيّة كتابة في ذلك كلّه، ثمة قضيّة صوت أيضا. إذ أن الدخول في كتابة رواية يشبه إلى حدّ ما سباق دراجات هوائية، أي حين يبدأ الدرّاج محاولاته الحثيثة لصعود قمّة ما. من هنا تكمن الأهمية في هذه السطور الأولى، في عملية شدّ الحبل هذه، التي تحافظ على الإيقاع، التي تحافظ على نفس واحد من دون أن تبطئ أبدا لغاية أن يشعر، الدرّاج هذا، بمتعة حقيقية وهو يتسلق هذه القمّة، أي لغاية أن يشعر الكاتب بهذه المتعة في الكتابة، وبالتالي ليشعر القارئ بالمتعة وهو يتابع السطور التي أمامه.

على الرغم من «سوادها» أو «سوداويتها»، فيما لو جاز القول، بالمُحصّلة العامة، إلا أن رواية «لا شيء أسود بالكامل» الأولى (منشورات نوفل، بيروت) للكاتبة اللبنانية عزة طويل (المقيمة في كندا) تأخذنا في مُتعة السرد، منذ لحظات البداية، وكأنها تُشركنا في رحلتها على «دراجتها الهوائية» هذه، على الرغم من أننا لم نزُر معها، طيلة الرحلة، سوى المقابر والموت والحروب المتنقلة، ما بين بيروت وسوريا، والمخيمات الفلسطينية، وبالتالي، لم نرَ سوى انهيار كائنات واقفة على حدّ فاصل بين ضفتين: من جهة هناك الحياة التي لا تُعاش، لأسبابها الكثيرة والمتنوعة، ومن الجانب الآخر، هناك الموت الذي يُنهي كلّ هذه الحياة الفيزيائية، حتى وإن لم يُقدّم حلا لها؛ لأنها -أي الحياة هذه- تستمر عند الآخرين، في الذكريات والذكرى التي نتركها عندهم، وكأنهم يجدون أنفسهم مجبرين، على «تفكيك الألغام» التي تركناها لهم بعد رحيلنا.

هكذا تبدو شخصيات الكتاب، النسائية تحديدا، التي لم تعرف فعلا كيف تواجه مرورها على الأرض، ولا حتى كيف تستقبل الموت الذي نراها تذهب إليه. لذا يبدو الموت في هذه الرواية (أو بالأحرى «النوفيلا»)، أكثر من شرط حياتي، بمعنى أنه ليس خاتمة الرحلة الطويلة المنطقية، بل يبدو في أحيان كثيرة وكأنه يدخل في لعبة مرايا، أو لنقل في لعبة تبادل أدوار: الموت هو الذي نعيشه على الأرض في كلّ لحظة، في كلّ تفصيل، وفي كلّ تنهيدة، بينما الحياة ليست سوى فكرة «ميتافيزيقية» لا يمكن الولوج فعلا إلى معناها أو إلى أعماقها. بمعنى أنه ربما يمكن تفسير الموت، لكن السؤال الأساس: من يفسر لنا معنى الحياة؟

«بطلات» -أو الأصح- «لا بطلات»، يقفن أمام سياق شرطهن التاريخي والاجتماعي، حيث لا يستطعن، بالعمق، الهروب منه. نحن أمام ثلاث نساء: الراوية التي تحاول أن تلملم نُتف هذه الذاكرة، التي تصلها عبر «أخبار وقصص» الآخرين، لتحاول أن تؤلف منها حياة ما، لتستقيم معنى حياتها هي. إذ لا تكتمل هذه «اللعبة» إلا في إيجاد امتداد لها عند المرأتين الأخريين. وكأن ثمة «حيوات صغيرة»، أشبه بلعبة «البازل»، ينبغي أن نضع قطعها الكرتونية، جنبا إلى جنب، كي يكتمل المشهد. هناك أيضا صديقتها، التي تحاول إجهاض الجنين الذي أتى من ثمرة علاقتها مع صديقها، والتي تدخل لاحقا في دورة الحياة العادية، أي تلك المطحنة التي تُغيّب حسّها الإنساني في الواقع. بينما المرأة الثالثة، فليست سوى حماة الراوية (أم زوجها) التي نكتشف كارثة حياتها الزوجية، التي استمرت لعشرين سنة من دون أي علاقة جسدية مع زوجها، بسبب الخلافات بينهما، ولكنها ارتضت في النهاية أن تبقى في المنزل العائلي، بسبب أولادها.

نماذج قد نصادفها في أي مجتمع، هذا صحيح، لكن ما يبدو الأهم في هذا النص، أن الكاتبة تقترب من موضوعها بعيدا عن أي أيديولوجيا مسبقة، بعيدا عن أي أفكار قد تثقل نصها، لذا تترك عملية السرد متفلتة من هذه القيود، لتذهب إلى أقصى فكرتها التي تتبدى من طيّات الكتابة، هذه الكتابة التي تعتمد بالدرجة الأولى، على التقطيع السينمائي المتداخل، وأقصد أن السرد لا يعتمد على خط أفقي من البداية إلى النهاية، بل تتداخل الأزمنة في بعضها البعض، لتكون في النهاية هذه المشهدية التي تشكل اللوحة العامة، بعد أن تكتمل الصور الراهنة. وحين أقول الراهنة، فالمقصود: تلك الأحداث اليومية، تلك التفاصيل التي نسميها اصطلاحا الحياة؛ لأن كل شيء يجري على خلفية قاتمة، هي خلفية هذه الحروب المتنقلة في «أوطاننا السعيدة»، وبالتالي على خلفية إضافية لهذا الأسود: هذا الموت.

قلت قبل قليل، إن ثمة لعبة مرايا بين الحياة والموت، وتبادل أدوار، ربما لأنهما يشكلان قطبي كل كتابة. فالأدب، في غالبية الأحيان، ليس سوى لعبة مرايا بسيطة، تتأمل من خلالها الشخصيات بعضها بعضا، كما يجاوب بعضها بعضا عبر أثير الصدى لتغض الطرف عن الحدود واللغات والزمن الذي يمضي. لذلك، لا تبدو المصادفات أمورا طارئة أبدا، بل تشكل جزءا من سلسلة طويلة، تتشابك حلقاتها أحيانا بشكل مدهش، لتتناسل منها صلات، يبدو سبب وجودها، للوهلة الأولى، غامضا بشكل كبير. من بلد إلى آخر، ومن كتاب إلى آخر، ثمة لُحمة تخلق نفسها بنفسها، لُحمة غير محسوسة أغلب الأحيان، إلا أنها تحيلنا إلى حلم ما في نهاية الأمر: حلم كل كاتب، بل هو حلم الأدب في كليته، أي الوصول إلى العمل الواحد. من هنا، لا بدّ أن ننتظر الكتاب الثاني من عزة طويل، ليتأكد هذا الإحساس بأن كاتبة لبنانية قد ولدت لتوها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الموت يفجع الفنان أحمد مكي في نجل شقيقته

أعلن الفنان أحمد مكي وفاة نجل شقيقته عزة خلال الساعات القليلة الماضية، الأمر الذي أثار حالة من الحزن لدى قطاع كبير من محبيه.

وفي هذا السياق، نعى أحمد مكي، عبر حسابه الرسمي بموقع تداول الصور والفيديوهات «إنستجرام» وفاة نجل شقيقته، قائلا: «اللهم ارحم ابن اختي عزة، أيمن عبد الإله وأدخله فسيح جناتك وسامحه وأحسن إليه، نسألكم الدعاء للمتوفي بالرحمة والمغفرة ولنا بالصبر، اللهم ارحمه وصبرنا يا الله، نسألكم الدعاء».

أحمد مكي آخر أعمال أحمد مكي

والجدير بالذكر، أن آخر أعمال أحمد مكي مشاركته في مسلسل «الغاوي» الذي عرض خلال موسم دراما مسلسلات رمضان 2025.

قصة مسلسل الغاوي

وتضمنت أحداث الغاوي، حول شخصية شمس ناصر العدوي، التي يجسدها أحمد مكي، حيث يعيش شمس في حي شعبي ويواجه ظلما كبيرا يغير مجرى حياته، ومع مرور الوقت، يتحول إلى بطل شعبي في منطقته، ويخوض صراعات بين ماضيه وطموحه في تغيير مصيره، ويتناول المسلسل قضايا اجتماعية مهمة، ويسيطر عليها الطابع الإنساني.

أبطال مسلسل الغاوي

شارك في بطولة مسلسل الغاوي بجانب الفنان أحمد مكي، عائشة بن أحمد، عمرو عبد الجليل، أحمد بدير، وأحمد كمال، كما يضم العمل الكثير من الفنانين البارزين مثل محمد لطفي، ولاء الشريف، وهاجر عفيفي، وتأليف طارق كاشف ومحمود زهران، وإخراج ماندو العدل.

اقرأ أيضاً«زواج شمس وسرقة الخواجة».. ملخص مسلسل الغاوي الحلقة 7 لـ أحمد مكي «صور»

أحمد مكي يعود للبلطجة بسبب وفاة فؤش.. ملخص مسلسل الغاوي الحلقة الأولى

مسلسلات رمضان 2025.. أحمد مكي يخوض السباق بتجربة درامية في «الغاوي»

مقالات مشابهة

  • شباب اليوم يهربون من الهواتف الذكية.. ويعودون إلى الموبايل العادي
  • حكايات 5 صحفيين قتلهم الاحتلال في غزة في يوم واحد
  • قدوة.تك: عندما تصنع التكنولوجيا حكايات تمكين المرأة في مصر
  • رانيا فريد شوقي تكشف حكايات الغيرة وكواليس الطلاق بين «وحش الشاشة» وهدى سلطان
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • الموت يحاصر الفلسطينيين في غزة.. الغارات تستهدف مخيمات ومبانٍ في القطاع
  • مرضى غزة على شفا الموت بسبب الجوع
  • فشل دولي وعربي… ولم يبق لغزة الا اليمن
  • الموت يفجع الفنان أحمد مكي في نجل شقيقته
  • خالد المصو: المسرح الفلسطيني صدى المقاومة وصوت الحياة وسط الموت